شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الناحية السياسية
لسنا في حاجة إلى أن نعيد ما ذكرناه في فصلنا السابق من أن محمداً علياً ما كاد يرتفع صوته في غمار الفتن بين قواد الأتراك في مصر حتى اختار بعض القواد والأعيان من الأهالي لينادوا بولايته على مصر وليكتبوا إلى دار السلطنة العثمانية بذلك فيوافيهم التأييد.
كذلك لسنا في صدد حملة محمد علي باشا على الحجاز لمحاربة السعوديين فيها بعد أن ذكرنا في الفصل السابق أن العثمانيين عندما شعروا بقوته في مصر وهالتهم انتصارات السعوديين في مكة أرادت أن تدفع القوتين إلى الحرب لتستفيد من نتائجها وتوفر على جيوشها عناء المشقة.
كذلك لا نريد أن نقول أن محمداً علياً ما كاد ينتصر في حملته على السعوديين بعد الذي كابده من أهوال وفتن حتى ظفر من العثمانيين بحق الإشراف على حكومة مكة ومنح إبراهيم بن محمد علي باشا لقب إمارة مكة الفخري.
ولكن الذي نريد أن نقوله أن مكة ظلت على أثر الفتح المصري محكومة حكماً ثنائياً قوامه هيمنة مصر تحت التبعية العثمانية على إمارة مكة ابتداءً من العام 1228 بعد أن تولى إمارتها بتعيين من مصر أصحاب حكمها السابقون من الأشراف وتولى أمر الدفاع فيها حامية من مصر بقيادة رئيس لها منحوه رتبة المحافظ في مكة إلى جانب قيادة الدفاع.
ولقد ظل هذا الحكم الثنائي ساري المفعول في مكة نحو عشرين سنة بدأت باستقرار جيوش محمد علي في مكة بعد انسحاب السعوديين عام 1228 وانتهت بتنازل السلطان له عن مصر وسوريا والحجاز في عام 1248 بموجب معاهدة ((كوتاهية)) (1) . وبذلك ألحقت مكة بمصر نهائياً وظلت تابعة لها إلى سنة 1256 أي نحو سبع سنوات ثم أعيدت إلى العثمانيين مرة أخرى.
ولتبعية مكة لمصر أسباب أستطيع تلخيصها فيما يأتي:
عندما تم فتح الحجاز تاقت نفس محمد علي إلى فتح سوريا وطرد المشاغبين للدولة العثمانية منها وطمع في توسيع رقعة ملكه بما يفتح ففاوض العثمانيين في ذلك فأبوا عليه فسكت، ثم ما لبث أن اختلف مع والي عكا فاغتنم الفرصة وجرد حملته على سوريا في جيش عظيم فافتتح يافا وعكا ثم فتح دمشق فغضب السلطان محمود في تركيا مما حدث وأصدر أمره بعزل محمد علي باشا من مصر وندب جيشاً لقتاله وإخراج جيوشه من سوريا فلم تنجح جيوش الخليفة في مهمتها واستطاع محمد علي باشا أن يهزمها ويزحف خلفها في شمال سوريا حتى استولى على أطنة وطرطوس وهدد الآستانة.
عندئذ شعرت الحكومات في أوروبا أن الأمر بات في خطر ولعلّها أدركت أن نجاح محمد علي في امتلاك تركيا بعد الذي امتلكه في آسيا وأفريقيا يعد تكتلاً يضر مصالحها لهذا أعانت على إيقافه عند حدود تركيا وتوسطت في إصلاح الأمر بينه وبين عثمانيا، فكانت معاهدة ((كوتاهية)) المشهورة في عام 1248هـ-1833م وبموجبها تنازل السلطان محمود عن مصر والحجاز وكريت لمحمد علي باشا وعن سوريا وأطنة لابنه إبراهيم باشا وبذلك انقسمت البلاد الإسلامية إلى قيادتين أو ثلاث فأمن الأوروبيون تكتلها كما ربحوا الجميل لدى الخليفة برد العادية عن حدود بلاده.
وظل الأمر على هذا نحو سبع سنوات استقل فيها محمد علي بأمر مصر والحجاز وكريت ثم ما لبثت بعض الدول في أوروبا أن أدركت أن وجود عثمانيا ((العجوز)) في سوريا أضمن لمصالحها من ضمها إلى حكومة فنية في عنفوان شبابها فاستأنفت حملتها مع السلطان عبد المجيد الذي خلف أباه محموداً وعقدت معه حلفاً رباعياً ضمّ عثمانيا وإنكلترا وروسيا وبروسيا فكانت معاهدة لندن في 15 يوليو سنة 1841م وبمقتضاها جرد محمد علي من حكمه في غير مصر ومنح الحكم له ولذريته في مصر وحدها كما منح ابنه إبراهيم باشا حكم سوريا مدة حياته فقط.
وأبلغت الدولة العثمانية محمداً علياً ذلك رسمياً فأبى القبول فجرد العثمانيون جيشاً لقتاله وساعدهم الإنكليز والروس ففتحوا سواحل سوريا ثم انتهوا إلى الإسكندرية فجرى الصلح بينه وبينهم وقد اكتفى الأخير في هذا الصلح بحكم مصر وحدها له ولذريته وذلك في سنة 1256هـ-1841م.
ونصت معاهدة الصلح فيما نصت على ألا يتجاوز الجيش المصري 18 ألفاً وأن تُضرب النقود بمصر باسم السلطان العثماني (2) .
وبذلك عادت مكة إلى حظيرة الحكم العثماني ورأينا إن محمداً علياً باشا يرسل أمير مكة محمد بن عون المقيم عنده في مصر كما أسلفنا ليتولى تنظيم ترحيل الجيوش المصرية من الحجاز ويتسلم مقاليد حكمه فيها تابعاً للعثمانيين ومع هذا بقيت بعض المناطق في شمال الحجاز من الوجه إلى العقبة تابعة لحكم مصر انتظاراً للبت في أمرها وقد ظلت كذلك إلى أن احتل الإنكليز مصر في عام 1883 عندئذ أسرع والي مكة بسلخ قضاء الوجه من الإدارة المصرية وفرض سلطانه عليها.
وأراد العثمانيون تحصين بعض القلاع القائمة إلى الغرب من العقبة فاعترض الإنكليز على ذلك ولما أصر العثمانيون أنذرهم الإنكليز بالحرب فكانت مأساة لها أثرها القوي في إعراض العثمانيين عن الإنكليز وتقربهم إلى الألمان كما كانت لها نتائجها في التهام الإنكليز تلك المنطقة الاستراتيجية التي ظلت تهيمن عليها مدة طويلة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :486  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 184 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج