شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
علاقة العثمانيين بمكة
قد يتبادر إلى الذهن أن علاقة العثمانيين بمكة كانت وليدة اتصالهم بمصر على أثر سقوط الشراكسة فيها، ولكن الواقع أن العثمانيين اتصلوا بأصحاب مكة قبل ذلك بما ينيف عن قرن كامل، فقد أشار التاريخ إلى أن السلطان محمداً الأول جعل من أمواله جزءاً وقفه على فقراء الحرمين (1) وقد عاش السلطان قبل هذه الحوادث بأكثر من قرن كامل كما يشير التاريخ إلى أن ابنه السلطان مراداً الثاني عام 824هـ رتب لفقراء الحرم من ماله الخاص راتباً سنوياً مقداره 3500 دينار كان يرسله إلى مكة سنوياً، وأن فاتح القسطنطينية محمداً الثاني وكان يعيش قبل عهد السلطان سليم بنحو 70 سنة كان يتعهد فقراء مكة بهداياه وأن السلطان بايزيد والد سليم فاتح مصر حج في السنة التي تولى فيها ملك آل عثمان وتوثقت أسباب مودته بأمير مكة لذلك العهد محمد بركات (والد الشريف بركات) كما توثقت مودته بكبار العلماء في مكة وأعيان الأهالي ونالهم بعطاياه وأغدق عليهم من خيراته ووزع على الفقراء أموالاً جمة (2) وزار خطيب مكة الشيخ محي الدين عبد القادر السلطان بايزيد عندما كان في بلاد الروم فوصله بصلات عظيمة، كما زاره شاعر البطحاء في عهده (شهاب الدين بن الحسين العليف) فأحسن جائزته وقد نظم الشهاب قصيدته الرائية التي مدح فيها بايزيد وفيها يقول:
هو البدر إلاّ أنه كامل الضيا
وذاك حليف النقص في معظم الشهر
هو الغيث إلاّ أن للغيث مسكة
وذا لا يزال الدهر ينهل بالقطر
هو السيف إلاّ أن للسيف نبوة
وفلا وذا ماضي العزيمة في الأمر
وإني لصوان لدر قلائدي
عن المدح إلاّ فيك يا ملك العصر
وقد أجازه بايزيد بألف دينار ذهباً وأمر بأن يرتب له في كل عام مائة دينار ترسل له إلى مكة وقد صارت بعده إلى أولاده (3) .
إذن فعلاقة العثمانيين بمكة كانت قديمة يرجع عهدها إلى أسلاف العثمانيين القدامى الذين كانوا في بروسيا قبل أن يفتحوا القسطنطينية وينقلوا عاصمتهم إليها وكانوا من أصحاب البر بمكة طوال القرن الذي سبق ظهور سليم الفاتح.
اتصال سليم الفاتح بمكة: كنا تركنا الشريف بركات في مكة وقد وطد أمره فيها واتخذ من ابنه أبي نمي مساعداً له في أعمالها تركناه يدعو لسلطان الشراكسة ((الغوري)) في مصر.
وما أهل عام 923 حتى كانت أخبار الفتوحات العثمانية قد انتهت إليه في مكة وجاءته تفاصيل الأنباء بسقوط حكومة الشراكسة في مصر وحلول الحكم العثماني مكانها، ثم ما لبث أن وافاه مندوب الحكومة الجديدة في مصر بإقراره على إمارته إن وافق على الدعاء للخليفة العثماني الجديد فلم ير بركات بداً من الموافقة وأن يشفعها بندب ابنه أبي نمي إلى السلطان سليم في مصر لتبادل الثقة والولاء.
ويذكر الدحلان (4) أن الجيش العثماني وجد في سجن الشراكسة نفراً من وجوه أهل مكة كانوا قد حبسوا لمناوأتهم الشريف بركات فأطلقهم.. ثم يذكر أن العثمانيين أعدوا جيشاً ليهاجموا به مكة فصدهم عن ذلك قاضي مكة صلاح الدين بن ظهيرة وقد كان أحد المسجونين في مصر وطلب أن يكتب إلى أمير مكة بتفصيل ما حدث ضناً ببيت الإمارة وهم أشراف مكة ولأنه يعتقد أن أميرها بركات سوف لا يعارض في تحسين علاقته بالعثمانيين فقنعوا بذلك وأرسلوا إليه بما حدث كما كتب إليه القاضي يقترح ندب أبي نمي إلى مصر فرحب بركات بالفكرة ومن ثم أوفد ابنه إلى مصر وقد قابله السلطان سليم فيها بحفاوة وأكرمه وأقره هو ووالده على إمارة مكة وجعل لهما نصف الواردات في مكة وجدة وذلك في سنة 923 (5) . وقد ظل بركات بعد هذا في إمارته يدعو للخليفة العثماني الجديد ثم ما لبث أن أضاف الصيغة الجديدة إلى الدعاء (أمير المؤمنين وخادم الحرمين الشريفين).
وعنى السلطان سليم بشؤون الحرم وأرسل هداياه إلى مكة وأعيان الأشراف فيها ووزع على فقرائها كثيراً من الصدقات ورتب لهم مقداراً عظيماً من القمح ظل يرسله سنوياً إلى مكة وهي أول جراية من الغلال رتبت للصدقة في مكة في شكل منظم إذا استثنينا قبلها بعض الصدقات غير المنظمة (6) .
ويذكر السنجاري في منائح الكرم ((مخطوط)) أن غلال الصدقة ظلت تتزايد بعد السلطان سليم حتى أصبحت تكفي لمعاش أهل مكة من العام إلى العام.
محمل رومي: واتخذ السلطان سليم له محملاً رومياً جعل يرسله إلى مكة سنوياً بجانب المحمل المصري ويرسل في صحبته كسوة الكعبة من نفقاته الخاصة (7) .
وبقي بركات يستعين بابنه أبي نمي الثاني في إدارة الأمور بمكة حتى وافته منيته في سنة 932 عن عمر يزيد عن سبعين عاماً فطيف بجنازته حول الكعبة سبعاً قبل دفنه وكانت مدة ولايته استقلالاً ومشاركة لابنه وإخوته نحو 53 سنة (8) .
أبو نمي الثاني: وبوفاة بركات انتقل الأمر إلى أكبر أبنائه وشريكه بالأمس محمد أبي نمي الثاني وعمره إذ ذاك نحو عشرين سنة.
يعتبر المؤرخون أبا نمي هذا من رؤوس أشراف بني بركات كما يعدونه زعيماً قلّ من يضاهيه شهرة من طبقات الأشراف الأخرى وكان إلى جانب هذا مشهوراً بنظامه الذي شاع عنه والذي قالوا إنه يجعل دية الرجل من الأشراف تعادل أربعة أمثالها من غير الأشراف وقد حاولت أن أجد نسخة من هذا النظام فلم أعثر على شيء من ذلك.. إلاّ أنني وجدت أخيراً نص اتفاقية أبرمها بعض الأشراف من أحفاد أبي نمي في عهد يحيى بن سرور مؤرخة في عام 1237هـ. وهي كما يذكر مؤرخوها منقولة من وثيقة للشريف مسعود بن سعيد عن ((أعراف)) سابقة من آبائهم ولا يبعد أن يكون المقصود من آبائهم هو أبو نمي أو أولاده.
وتشتمل الوثيقة -كما تبدو من صورتها ((الفوتوغرافية)) المنشورة على ما يحدد العلاقات بين أبناء أبي نمي وينظم أمر العقوبات في حالة اعتداء أحدهم على الآخر أو اعتداء أحدهم على ملتجيء من غيرهم إليهم أو تابع محسوب عليهم وهي تفرض العقوبة في الغالب غرامات من الخيل والإبل والعبيد ولا تستند إلاّ على تقاليد ورثوها من آبائهم في صور واصطلاحات قد لا نجد اليوم من يفهم مدلولاتها كثيراً.
وحصر أبو نمي إمارة مكة في نسله فظلوا يتوارثونها أجيالاً متعاقبة. وامتاز أبو نمي بحزمه في إدارة الأمور وصرامته في الحكم وبذلك هابته الأعراب والأهالي واحترمه الحجاج والمجاورون وقدر منزلته أصحاب السلطان من العثمانيين وقضى بحزمه على أصحاب الفتن وساعد على رخاء الأسعار، واستمرت مكة محكومة بأمره سنين طويلة في استقرار لا تعبث به القلاقل والفوضى (9) .
واستعان أبو نمي في حكمه بأكبر أولاده الشريف حسن بعد أن استصدر أمراً من السلطة في عام 947 بالموافقة عليه فكان الخطيب على المنبر يدعو للعثمانيين ثم يدعو لأبي نمي وابنه حسن كما استعان بابن آخر له اسمه أحمد وقد توفي أحمد في حياة أبيه (10) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :535  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 134 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.