شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أبو القاسم بن حسن
وظل علي بن حسن بن عجلان على أمره في مكة يساعده أخوه إبراهيم ثم ما لبث أن وقع الخلاف بينهما وبين قائد الجند الشراكسة في مكة فاستطاع قائد الجند أن يستصدر أمراً بالقبض على الأخوين وعزلهما وعندما وصلت إليه الأوامر بذلك احتال القائد على الأخوين حتى قبض عليهما وأظهر مرسوماً بتولية الأخ الرابع أبي القاسم بن الحسن ابن عجلان. ثم ما لبث الشراكسة أن وضعوا الأغلال في أعناق الأخوين المعزولين وساقوهما إلى مصر في شوال عام 846.
واستفظع الأهالي في مكة هذه الإهانة التي لم يسبق لها مثيل واستغربوا شأنها.. وفي هذا يقول قطب الدين محمد المالكي وهو من شعراء مكة:
ما جاءنا قط ولم يأتنا
مثلك يا تمراز (1) في الفتك
تسير بالأخشب من مكة
والأخشب الثاني على الفلك
ومثل هذا لم يكن قط في
ملك بني العباس والترك
إن شريفَي مكة يمسكا
ن من غير طعن ولا سفك
هذا بتقدير الذي قهره
ينزع من شاء من الملك (2)
وظل أبو القاسم على إمارته في مكة إلى عام 849 وقد ضربت الدراهم له ونقش فيها اسمه ثم هاجمه أخوه بركات في ربيع الأول عام 849 واستولى على مكة فأيده الشراكسة وظل إلى سنة 851.
وفي ربيع الثاني من السنة المذكورة صدر مرسوم الشراكسة بتأييد الشريف بركات أميراً على مكة فأجلى أبا القاسم، واستولى عليها للمرة الرابعة وباستيلائه عاد الاستقرار إلى مكة ونال العلماء حظوتهم في مجلسه الذي كان مثابة لرجال الفضل والعلم (3) .
ثم ما لبث أن استدعاه السلطان جقمق إلى مصر فوصل إلى القاهرة في مستهل رمضان من السنة نفسها 851 فخرج السلطان للقائه إلى الرميلة وبالغ في إكرامه وأخذ منه العلماء بالقاهرة وازدحموا عليه لعلو سنده وقد أجاز كثيراً منهم ويذكر الغازي نقلاً عن العلامة السخاوي هذه الرحلة فيقول إن القاهرة ارتجت لاستقبال بركات وخرجت العذارى من خدورهن لرؤيته وكان يوماً مشهوداً.. إلى أن قال: وكنت ممن لقيته أنا والقلقشندي والبقاعي والسنباطي وسمعنا عليه بإجازته من الزين العراقي والهيثمي عشرة أحاديث وسمع معنا القاضي أبو بركات بن ظهيرة (4) .
وقد ظل بركات في مصر بضعة أشهر ثم غادرها إلى مكة فوصلها في جمادى الأولى 852 ودخلها محرماً بالعمرة فطاف وسعى بالليل ثم خرج إلى الزاهر وبات به ولما أصبح دخل مكة في موكب رسمي حافل (5) واستمر بركات في ولايته إلى سنة 859 ثم مرض واشتدت العلّة به فنقل إلى وادي مر فظل به إلى أن توفي في شعبان عام 859 وقد حمل على أعناق الرجال إلى مكة وغسل وصلى عليه وطيف به حول الكعبة سبعاً على عادة أشراف مكة ودفن بالمعلاة وبني عليه قبة (6) وقد رثاه الشعراء وأطالوا في رثائه وذكره الإمام السيوطي في كتابه ((نظم العقيان)) من أعيان الأعيان ومن شعره:
يا من بتذكاره قد زال وسواسي
وقد شغلت به عن سائر الناس
ومن تقرر في قلبي محبته
وجئته طائعاً أسعى على الراس
سألتكم شربة من ماء مشربكم
تغني عن الراح إذ لا راح في الكاس
ومن طرائف ما يروى في ترجمة بركات أن أحمد بن إسماعيل ملك اليمن كتب إلى الشريف بركات بخروجه إلى الحج وطلب إليه إخلاء بيوت مكة لإقامته وأن يتلقاه عند حلى (7) فأجابه بركات بقصيدة أنشأها عفيف الدين عبد الله بن قاسم الذروي فيما يزيد على ثلاثين بيتاً وفيها يقول:
بالقنا الخطى والبيض الظبا
وبخيل تتبارى شزبا (8)
وبأبطال إذا ما استعرت
نار حرب ولظاها التهبا
نحمي ذا البيت ونحمي جدة
وربا حلى (9) وأكناف قبا
إلى أن يقول:
قل لمن رام بناوينا ومن
رام يأتي بيتنا مغتصبا
لا يحج البيت إلاّ خاضعاً
دافعاً عشراً لنا ثم جبا (10)
وإذا ما كان رأساً لم يعد
عندنا يا صاح إلاّ ذنبا
فلما انتهت إلى ملك اليمن تخلف عن الحج وأمر من يترصد لعفيف الدين الذروي فترصدوه حتى نزل جيزان فاحتالوا عليه حتى حملوه إلى اليمن فحبسه ملك اليمن وضيق عليه الخناق في الحبس فأرسل بركات يفتديه بمائة ألف ناقة وأعتقد أنه بولغ في عدد النوق ولعلّها مائة ناقة. وقد رفض ملك اليمن العرض وأقسم ألاّ يطلقه حتى ينشعب هذا الصدع (ولعلّه أشار إلى صدع في صخر أو حجر).
وفي هذا يقول عفيف الدين الذروي من قصيدة ذكرها الشيخ الحضراوي في ((تاريخ البشر)):
إن ظننت الدهر يوماً واحداً
فلقد حاولت أمراً كذباً
رب صدع كان أعيا شعبه
أدركته رحمة فانشعبا
فينال الملتجيء من ربه
في أعاديه الذي قد طلبا
ومن الغريب أن الشاعر لم يبت ليلته حتى سحت السماء بمدرار هطال انشعب له صدع الحجر فأطلقه الملك وأحسن صلته.
والذي ألاحظه أن أحمد بن إسماعيل ملك اليمن توفي في عام 827 أي قبل ولاية بركات في عام 829 بنحو سنتين فلا تستقيم الرواية إلاّ إذا كان الحادث قد حدث في عهد شركة بركات لأبيه حسن ولا أستبعد ذلك لأن نفوذ بركات في شركته لأبيه لا يقل عن نفوذه في عهد انفراده في الحكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :441  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 114 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة للأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي

[الجزء الخامس - التقطيع العروضي الحرفي للمعلقات العشر: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج