وفي موسم الحج من هذا العام استطاع الشريف حسن أن يعود إلى إمارته مؤيداً من الملك برسباي نفسه، وقد قرئ مرسومه في المسجد بعد أن طاف بالكعبة ودعي له على قبة زمزم وطيف به في شوارع مكة لابساً خلعة الإمارة.
وعندما قضى الحج عاد إلى مصر ليقدم شكره إلى برسباي كما يبدو وقد قوبل بها في حفاوة وكان يوم دخوله إليها يوماً مشهوداً، وقد ظل فيها إلى أن أدركته المنية في 16 جمادى الأولى سنة 829 بعد أن كان قد تجهز للعودة إلى مكة(1).
وكان الشريف حسن من أصحاب الثروات الطائلة ولم يكن بمكة من يدانيه في جوده وكرمه كما كان من أفاضل العلماء. أجازه بالتحديث جماعة من علماء مصر والشام وأخرج له التقي بن فهد أربعين حديثاً، ومدحه كثير من الشعراء منهم العلامة شرف الدين إسماعيل بن المقرى صاحب الروض والإرشاد في مذاهب الشافعية وله في مدحه قصائد منها قصيدة مطلعها:
وبنى الشريف حسن في مكة رباطاً للرجال وآخر للنساء(3) ولعلّهم كانوا يرون في بناء الأربطة غير ما يراه العصر الحديث لأن المشاهد اليوم أن الأربطة كثيراً ما تؤوي الكسالى من الآفاق الذين لا يفيدون البلاد بقدر ما يكونون عالة عليها، وإذا كان المظنون أن الغرض من بنائها هو ربطها للفقراء من طلبة العلم فالواقع أن هؤلاء الطلبة كثيراً ما يورثونها لأبنائهم توريثاً أشبه بالتوريث الشرعي وقد لا يكون لأبنائهم حظ آبائهم في طلب العلم فيتخذونها مجالس لغير ما بنيت له وقد تكون لها غلة موقوفة يتناولونها للإنفاق منها فيحملهم ذلك على الكسل ويعلمهم الشحاذة التي لا تتفق مع أصول الإسلام وبذلك يؤدي بناء الأربطة في أغلب الأحيان إلى غير ما بنيت له. ولو اقتصرت الأربطة على إيواء طلبة العلم وبشكل محدود وفرض أصحابها على المتعلم أن يتلقى فيها بعض الصناعات التي تقيم أوده وتغنيه عن صدقة الجراية لاستطاعت البلاد أن تنتفع من النازلين بها وتستفيد من جهودهم.