شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أولاد أبي نمي يتنازعون الإمارة
وتنازع الإمارة بعد أبي نمي أربعة من كبار أولاده هم رُمَيثة وحُمَيضة وأبو الغَيْث وعُطَيفة، وقد دام نزاعهم من سنة 701 إلى سنة 737 أي نحواً من ست وثلاثين سنة، انتهى الأمر في نهايتها إلى رُميثة.
وفيما يلي نلخص أهم الحوادث عن ذلك:
ما كاد يقضي أبو نمي حتى انقسم القواد والأشراف في مكة إلى حزبين ناصر أحدهما حُمَيضة ورُمَيثة وناصر الثاني أبا الغَيْث وعُطَيفة، وقد استطاع الأولان أن يظفرا بالحكم دون الآخرين في العام نفسه 701 (1) .
وعلى أثر هذا الانتصار عمد رميثة وحميضة أصحاب الحكم الجديد إلى سجن أخويهما أبي الغيث وعطيفة، وقد لبث الأسيران فيه مدة، ثم فرا منه إلى ينبع، حيث اجتمعا بمن يناصرهما، وأعدا عدتهما للهجوم على مكة.
وكان قد أوفى شهر ذي القعدة عام 701 على نهايته عندما أقبل الركب المصري في طريقه إلى مكة برئاسة أميره بيبرس الجاشكير، وفي صحبته نحو ثلاثين من أمراء المماليك في مصر، فوجد الأخوان الفاران الفرصة قد سنحت للكيد لأخويهما، فاتصلا فوراً بأمير الركب المصري وطلبا مساعدته لقاء الخطبة للمماليك، فقبل أمير الركب.
وليس ما يمنع أمير الركب المصري من مساعدة الأخوين الفارين وقد وضعا بين يديه الفرصة التي كان المماليك يبحثون عنها، لهذا تقدم الركب فهاجم مكة بعسكره، وساعده أبو الغيث وعُطَيفة على رأس أنصارهما، واستطاعا أن يملكا مكة ويتقلدا إمارتها.. وأمر عسكر المماليك حميضة ورميثة وسيروهما إلى مصر في صحبة الركب، فظلا في القاهرة إلى سنة 703 (2) .
وفي هذه السنة نجد أن المأسورين رميثة وحميضة استطاعا أن يقنعا الملك الناصر سلطان المماليك في مصر باستئناف العودة إلى حكم مكة، وتعهدا له بالدعاء والطاعة، وقد رضي الملك بذلك، والمعتقد أنه أعانهم بقوة عظيمة بقيادة نائب السلطنة في مصر ((سيف الدين سلار))، لأننا نجد الفاسي (3) يذكر في حوادث 701 نقلاً عن البرزالي أن نائب السلطنة المذكور حج في هذا العام على رأس قوة عظيمة يصحبه خمسة وعشرون أميراً. وقد ذكر ابن ظهيرة عودة المأسورين رميثة وحميضة في هذا العام نفسه إلى الحكم، فنستطيع أن نستنتج من خلال الروايتين أن نائب السلطنة في قوته العظيمة اصطحب رميثة وحميضة من مصر ليساعدهما ضد أبي الغيث وعطيفة ويعيدهما إلى مكانهما في الحكم.
وقد هاجمت القوة مكة هجوماً عنيفاً لاقى فيه أهل مكة والحجاج كثيراً من الشدة واشتبك القتال في عدة مواضع من مكة، ولم يدم ذلك طويلاً، لأن قوة أبي الغيث وشريكه كانت أضعف من أن تصمد أمام قوة المماليك المهاجمة، فلم يلبث أبو الغيث وشريكه أن أجليا عن مكة وتولى حكمها أخواهما رميثة وحميضة، ثم قبض على أبي الغيث وشريكه وأرسلا إلى مصر (4) .
واصطحب قائد حملة المماليك في هذا العام معه إلى مكة عشرة آلاف أردب قمح لتوزيعها على فقراء مكة والمجاورين، وقد وزعها على أثر انتصاراته، كما وزع الأمراء الذين صحبوه من المماليك والأتراك أموالاً طائلة على المجاورين في مكة والأشراف، وقد فعلوا مثل هذا في المدينة، وبهذا استتب الأمر من جديد لرميثة وأخيه حميضة، ودانت القبائل لهم في مكة وأمنت الطرق وأُلغي بعض المكوس، وبدأت مكة تستقبل عهداً فيه شيء من الطمأنينة، كما بدأ نفوذ المماليك ينشر ظلمه فيها.
وساعد الأمن على إقبال الحجاج، فقد توافد إلى الحج في السنوات التالية عام 704 و 705 من حجاج مصر والمغرب وبلاد العراق والعجم عدد لا يحصى (5) .
ثم ما لبث أن تغير الأمر وشرع رميثة وحميضة يحدثان بعض المكوس على الحجاج، فظل العمل جارياً بذلك سنوات حتى قيل إن كثيراً من الحجاج انتقد هذه المكوس، وأن المماليك في مصر رأوا إلغاءها، ولكن رميثة وشريكه أبيا إلاّ أن يظل العمل بها لاستخدامها في مرافق الحكومة وإقامة الأمن وتحصين السبل، أو أنهما شعرا بأن موافقتهما على إبطال المكوس فيه رضاء بتدخل مماليك الأتراك في شؤونهم الداخلية أكثر مما يجب.
ويبدو أن إحداث المكوس بحجة تأمين السبل كان له رد فعل خاص، فإن الحجاج الذين يدفعون الضريبة لقاء تأمينهم يسيئهم أن يضطرب حبله بأبسط الحوادث، وقد وقعت بعض حوادث في موسم عام 705 كان لها ما بعدها، فقد اشتبك جماعة من المكيين مع فريق من البدو في ((هوشه)) بسوق منى، والظاهر أن بعض المفسدين يحلو لهم استغلال الفتن ليستفيدوا من النهب، وقد فعلوا ذلك بمناسبة هذه الهوشة فاتصل الخبر بأمير الحج المصري قبل أن يتصل بأصحاب الحكم فرأى أن دفع ضريبة الأمن لا يتفق مع حركات النهب وكأنه أراد أن يؤدب أصحاب الفتنة بسيفه بدلاً من أن يحيل الأمر إلى صاحب مكة فتطور الحال وتفاقمت حوادثه وانطلق العسكر المصري خلف أصحاب الفتنة فهرب المكيون في الجبال وانطلق معهم جماعة من البدو وسيطر المماليك بقوة سلاحهم وسطا أمير الحج المصري على جماعة من البدو فقدمهم قرباناً عوضاً عن البدن التي كان يريد أن ينحرها (6) .
ولعلّ حادث الفتنة في هذا الموسم بالإضافة إلى إصرار رُمَيثة وحُميضة على فرض المكوس ترك أثره في حجاج الشام ومصر وأوغر صدر سلطان المماليك الناصر محمد بن قلاوون فأسرَّها في نفسه.. وبدأت المواسم التالية قليلة المحصول لقلّة الوارد من الشام ومصر وانقطاع العراقيين من سنوات وظل الأمر على حاله تقريباً إلى أن رأى الملك الناصر أن يضرب رميثة وحميضة بأخيهما أبي الغيث فأعدّ عدته للحج وخرج بنفسه على رأس مائة فارس وستة آلاف مملوك على الهجن في عام 712 فاحتل مكة بعد أن أجلى رميثة وحميضة وولى مكانهما أبا الغيث.
ويبدو أن الأشراف في مكة وكثيراً من سكانها البدو والحاضرة كانوا أميل إلى رميثة وحميضة منهم إلى أبي الغيث لهذا ما كاد يستقر الأمر لأبي الغيث بسلاح الملك الناصر حتى استأنف الأهالي مناوأته فعانى كثيراً في حكمهم طوال عامي 713 و 714 وفي سنة 715 التفوا جميعاً حول حميضة وهاجموا أبا الغيث فقتلوه وبذلك تم الأمر من جديد لحميضة دون شريكه وأخيه رميثة الذي كان غائباً (7) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :436  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 91 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.