شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإصلاحات في المسجد
وعني العباسيون بعمارة المسجد فأمر أبو جعفر المنصور عامله على مكة زياد بن عبد الله الحارثي بشراء الدور الواقعة شمالي المسجد وغربه، فاشتراها وأدخل أرضها في المسجد، وأحدث رواقاً دائراً في صحن المسجد، واتخذ الأساطين من الرخام له وبذلك تضاعفت مساحة المسجد عما كانت في عهد الأمويين وزين المسجد بزخارف من الفسيفساء والذهب وزينه بأنواع من النقوش وجعل الرخام في بناء حجر إسماعيل وبنى على فوهة بئر زمزم شباكاً لمنع السقوط فيها وفرش أرضها بالرخام، وانتهى من ذلك في سنة 140هـ (1) .
ولما حج المهدي في عام 160 اصطحب معه أموالاً عظيمة، وكلّف قاضي مكة محمد الأوقص المخزومي بشراء البيوت الواقعة بين المسجد الحرام والمسعى فاشترى دوراً كثيرة وهدمها وأدخلها المسجد وجعل دار القوارير رحبة بين المسجد الحرام والمسعى (2) كما اشترى دوراً أخرى في أسفل المسجد ناحية باب العمرة إلى باب الخياطين ((باب إبراهيم)) ووسع بها المسجد كما وسع في الجانبين الشمالي والجنوبي وأمر بالأساطين الرخام فنقلت من الشام ومصر إلى ميناء مكة القديم ((الشعيبة)) ثم نقلت إلى العربات ذات العجل إلى مكة، واتخذ المسجد أروقة جديدة سقفها بخشب الساج، وقد ظل العمل والإصلاح مستمراً في المسجد إلى عام 164هـ (3) .
وفي عام 164 حج المهدي حجته الثانية، فلاحظ أن ضلع المسجد من ناحيته الجنوبية لم يتسع كغيره ليبدو المسجد مربعاً، وكان الناس في مرورهم من المسجد إلى الصفا يسلكون في الوادي خارج المسجد ومنه إلى زقاق ضيق حتى يخرجوا إلى الصفا من التفاف، وكان السعي جهة باب علي في موضع المسجد اليوم، فأمر بشراء الدور التي كانت هناك وإدخال بعضها في المسجد، ومهّد البعض الآخر ليكون طريقاً للمارة ومجرى للسيل، ولما قيل له إن ذلك يكلفه كثيراً أبى إلاّ تنفيذه، ولو نفدت أموال بيت المال جميعها، واحتاط للسيل الذي يدخل المسجد بأن جعل أمام باب الهواشم ((باب علي)) باباً يقابله، فإذا دخل السيل من الأول خرج من الثاني، وهو باب الحزورة ((باب الوداع)).
وبهذه العمارة دخل جزء كبير من منطقة المسعى في المسجد، فقد كانت منطقة السعي في صدر الإسلام عريضة، فبنى بعض السكّان دورهم في جزء من عرضها بينها وبين المسجد، فلما أمر المهدي بزيادته الثانية استعاد تلك الأرض بشراء الدور التي قامت عليها وهدمها وأدخل بعضها في المسجد ناحية باب علي، وترك البعض الآخر لتوسعة المسعى، وبذلك دخل جزء من منطقة السعي في المسجد، وبانتهاء توسعة المهدي هذه أصبح المسجد شارعاً على المسعى لا تفصله البيوت، إلاّ أن السكان ما لبثوا أن أعادوا البناء مرة أخرى بين المسجد والمسعى، ومن أظهر ما بنى في تلك الأثناء دار القوارير التي ذكرنا أنها بنيت بالزجاج في باطنها والفسيفساء (4) في خارجها لنزل الرشيد بين الصفا والمروة مكان باب ((قايتباي)) (5) اليوم تقريباً، وعمَّر المهدي منارة باب السلام ومنارة باب علي وباب الحزورة ((الوداع)) (6) . ويقول ابن ظهيرة أن ذلك كان تجديداً لا إنشاء إلاّ أن المؤرخين لم يذكروا أن المنائر المذكورة أنشئت قبل ذلك.
وكتب سدنة الكعبة إلى المهدي يذكرون له أن حجر المقام قد انثلم فأمر بتضبيبه بالفضة، وأنشأ قبتين بجوار زمزم من جهتها الشرقية إحداهما على السقاية التي كان يسقى فيها العباس والأخرى على بيت المحفوظات التي كانت تحفظ فيه المصاحف (7) .
وجدد المهدي بناء الصفا والمروة وأنشأ للأولى 12 درجة وللثانية 15 درجة.
وقد أنفق في أعماله لشراء الدور وتوسعة المسجد نحواً من ثلاثين مليوناً ونصف مليون درهم كما يقدره بعض المؤرخين وهو يوازي نحو أربعة ملايين ريال عربي تقريباً.
وحج المهدي في بعض السنين فرأى حجارة حجر إسماعيل بادية فاستدعى زياد عامله على مكة وقال: لا أحج حتى يستر جدار الحجر بالرخام ((المرمر)) فبات الصناع يعملون على السرج حتى فرغوا من ليلتهم وفي عهد الرشيد أنشأ أمير مكة مظلة للمبلغين فوق سطح المسجد وكانوا قبل ذلك يؤذنون فوق السطح لا يظللهم شيء من الشمس والمطر صيفاً وشتاءً (8) .
وفي إحدى السنوات التي حج فيها الرشيد أهدى له عامله بمصر منبراً عظيماً منقوشاً في تسع درجات فأمر بإقامته في مسجد مكة ونقل منبرها الذي صنعه معاوية إلى عرفات (9) .
وفي عهد الأمين قلَّ ماء زمزم أو نضب واستطاع بعضهم أن يصلي في قاعها فأمر الخليفة عامله في البريد والصوافي (10) عمر بن ماهان أن يضرب فيها عدة أذرع حتى يتفجر الماء وقد ظهر لهم أن قاعها ينبع فيه الماء من ثلاث جهات: واحدة حذاء الركن الأسود وأخرى حذاء أبي قبيس والصفا وثالثة حذاء المروة وكان ذرع غورها لذلك العهد 40 ذراعاً بناء و 29 نقراً في الجبل، وعني المأمون ببعض الإصلاحات فأمر بإنشاء عمود طويل بحذاء الركن الغربي للكعبة وجعل عليه مصباحاً كبيراً ليسامت المصباح الذي جعله بنو أمية أمام الحجر الأسود وأضيف عمودان آخران بعد ذلك أمام بقية الأركان الأربعة.
وفي عهد الواثق أمر بهدم الأعمدة واتخاذها من النحاس وجعل على كل عمود ثريتين كبيرتين لإضاءة المطاف، وكان العباسيون يكسون الكعبة بالديباج الأحمر والقباطي مرتين كل سنة فأضاف المأمون إلى ذلك كسوة ثالثة من الديباج الأبيض.
بعض أوصاف المسجد في هذا العهد: وفيما يذكره الأزرقي من أوصاف المسجد في هذا العهد أن ذرعه انتهى بعد زيادتي المهدي إلى مساحة قدرها مائة وعشرون ألف ذراع كما قدر أساطينه بـ 484 أسطوانة منها 321 أسطوانة مذهبة الكراسي وأبوابه بـ 23 باباً كما قدر ارتفاع جدره بـ 18 ذراعاً في بعض جهاته و 22 ذراعاً في البعض الآخر (11) .
ثم قال ((وللمسجد سقفان أحدهما فوق الآخر أما الأعلى منهما فمسقوف بالساج وبين السقفين فرجة قدر ذراعين ونصف ذراع والسقف الساج مزخرف بالذهب (12) ولا نشك أنهم صنعوا السقف طبقتين ليساعد ذلك على ترطيب الجو أيام القيظ. وذكر الأزرقي أنهم كانوا يصلون على الجنائز عند ثلاثة من أبواب المسجد هي باب الصفا -وباب بني شيبة. ثم قال وكان الناس فيما مضى يصلون على الرجل المذكور في المسجد الحرام (13) .
ويذكر الأزرقي (14) أن للمسجد أربع منارات وذكر مواضعها ثم أوضحها ابن ظهيرة فقال إن إحداها فوق باب العمرة والثانية فوق باب الحزورة ونسميه باب الوداع والثالثة فوق باب علي والرابعة فوق باب السلام (15) .
وذكر أن عدد قناديل المسجد كانت 455 قنديلاً عدا ثماني ثريات يستصبح بها في شهر رمضان والموسم (16) .
ثم يذكر حجرة زمزم في المسجد ويقول إن لها حوضاً يدور في وسط جدرها الأربعة وله 66 طاقاً ((فتحة)) يؤخذ منها الماء وفي مؤخرة الحجرة كنيسة (17) مما يلي الوادي يكون فيها القيِّم، ويقال إنها مجلس عبد الله بن العباس وفي حد حجرة زمزم مما يلي الكعبة أسطوانة ساج يعلق فيها مصباح لأهل الطواف، ويذكر الأزرقي ما يشير إلى وجود الحصباء في المسجد الحرام في هذا العهد فيقول إن سيلاً عظيماً اقتحم المسجد فجرف حصباءه بعد عام المائتين (18) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :637  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 51 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.