شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الناحية العمرانية
وتكاثف زحام البيوت في هذا العهد حول المسجد لأن الأغلبية من مهاجري الآفاق كانوا يفضلون قربه فأخذ وسط أم القرى شكل المدينة المكتظة وتركت الأطراف للقبائل التي تنزلها تؤدي معاني الضواحي للبلدة.
ولم يزد الاكتظاظ في طول البلدة عن ((المدعى)) من الناحية الشمالية وعن أوائل الهجلة وقبل الشبيكة من الناحية الجنوبية أما شرقها إلى غربها فقد كان تكاثف السكان فيهما من أوائل مدخل أجيادين إلى القشاشية إلى النواحي القريبة من سوق الليل وشعب بني هاشم ومن سويقة إلى قرارة المدحي إلى الجزء القريب مما نسميه الشامية.
وبدأت الثروات في عهد عثمان تزيد أرقامها في مكة عما عهدنا في عهد الشيخين ذلك لأنه أضيف إلى نشاط مكة التجاري مصدر جديد من مصادر الثراء ذلك هو عطاء عثمان، وليس غريباً أن يكون عطاء عثمان مصدراً للثراء فقد كان قبل خلافته من أجواد العرب الممتازين ونوادره في هذا معروفة مشهورة فلما انقادت إليه الخلافة وكانت الفتوحات قد اتسعت وغنائم الأمصار قد انهمرت على المدينة كان لا بد لجود عثمان أن يتسع مداه ولا بد لجلة قريش وكبار أهليها من ذويه وأقاربه أن ينالهم جوده الواسع، ذكروا أنه أعطى الزبير ستمائة ألف وأعطى طلحة مائتي ألف وأعطى غيرهم مثل ذلك فتدفقت الأموال على مكة إلى جانب ما تدفق إليها من غنائم الحروب وجلب الرقيق إليها من أطراف الأرض المفتوحة شراء أو إهداء فأينعت الحضارة وكثرت الأيدي العاملة في المزارع المحيطة بمكة وأنشئت الجنات في بعض ضواحيها وحفرت الآبار واتخذت السدود من مياه الأمطار ووجدت الاقطاعات الضخمة في أراضي الطائف، وأكثرها ملك للقرشيين وانتقل إلى هذه الاقطاعات كثير من قريش يسهرون على غلاتها وقد ظل كثير من بطونهم يعيش إلى اليوم في بعض ضواحي الطائف.
وماجت مكة على أثر هذه الحركة بسكانها من القبائل النازحة إليها والموالي المجلوبين من الفرس والروم وبدأت تستقبل في عهد عثمان كثيراً من الذين نزحوا عنها في عهد الشيخين للالتحاق بالجيوش الفاتحة.. عاد إليها البعض بما كسبه من غنائم كما عاد البعض الآخر بما في صدورهم من العلوم فحفلت مكة بحلقات المعلمين كما حفلت أسواقها بمتاجر أهل الثراء ولم تشترك مكة في فتنة عثمان التي اشتركت فيها أهم أمصار الإِسلام وإذا كان بعض المهاجرين من أهلها في المدينة اتصلوا بالفتنة من بعض أطرافها فذلك بحكم بقائهم فيها واشتغالهم بالسياسة العليا في حكومتها.
ولعلّنا لسنا في حاجة إلى استقصاء الأسباب التي عصمت مكة من مزالق الفتنة لأننا ألمحنا فيما سلف من بحثنا في عهد عثمان أن مكة بحكم جوارها بالمدينة واتصال عائلاتها بكبار المهاجرين هناك كانت تتمتع في حكومة عثمان بمعاملات خاصة لا أثر فيها للتذمر الذي يدعو إلى القلاقل والفتن.
وعندما نادت عائشة بقيامها لم يتبعها من مكة إلاّ الأقلون وأكثرهم من أشياع بني أمية وأتباعهم وبعض المشتغلين بالسياسة العليا وهؤلاء لا يكوِّنون الرأي العام في البلاد.
وكما تعاونت مكة مع ولاة عثمان مدة خلافته وساعدت في تنشيط الحركة العمرانية لعهده رضيت بولاة علي وأخلصت الود لهم ولما أراد قثم بن العباس أن يحارب الترف الذي بدرت بوادره كنتيجة لتضخم الثروات التي أشرنا إليها كادت أن تسلس له القياد وتصيخ إلى دعوته، وإني أكاد أجزم أنه لو طال عهد قثم في ظل خلافة علي لظلت مكة الغنية بما أثرت باقية على حدودها المباحة ولما طغى الترف طغيانه الذي بدت ألوانه فيما بعد واضحة طيلة عهد الأمويين على ما سنبينه في الفصول الآتية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :760  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج