شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الناحية الدينية
وشاعت في عهد قصي عبادة الأصنام واتخاذها آلهة في طقوس انتقلت إليهم من خزاعة أو جرهم كما أسلفنا في الفصل السابق وقد ذكروا أن عمرو بن لحي في عهد خزاعة أمر بعبادة صنمين كانا منصوبين على الصفا والمروة (1) فلما كان عهد قُصيّ حولهما من موضعهما فجعل أحدهما بلصق الكعبة والآخر في موضع زمزم فكان أهل الجاهلية من قومه ينحرون عندهما ويتمسحون بهما واشتد شيوع عبادة الأصنام بمرور الأيام حتى كان الأصنام يطاف بها في مكة فيشتريها أهل البدو فيخرجون بها إلى بيوتهم وما من رجل من قريش إلاّ وفي بيته صنم إذا دخل يمسحه وإذا خرج يمسحه تبركاً عدا أصنام الكعبة التي ظلت قائمة في مواضعها من التبجيل إلى عام الفتح. ومن أشهر أصنامهم ((هبل)) (2) وكان منصوباً في جوف الكعبة ((والعزى)) وهي بوادي نخلة الشامية (3) ((واللات)) وهي في الطائف (4) ((ومناة)) (5) وهي في ((قديد)) على ساحل البحر الأحمر شمالي مكة ونقل عن قريش أنها كانت تقول في طوافها: (واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى) وكان لهذيل صنم يسمونه سواعاً تعكف على عبادته.
وكانوا ينحرون عند صنم لهم يقال له الغبغب وكانت لهم أقداح في الكعبة إذا اختصموا في شيء أو اعتزموا أمراً استقسموا بها فإِذا خرج القدح مكتوباً بأمر أو نهي عملوا به كما يفعل أصحاب ((الخيرة -أو القرعة)) اليوم (6) .
وقسَّم المؤرخون ديانة العرب الجاهلية إلى قسمين: حلة وحمس، والحمس هم أصحاب التشدد فيما يتدينون وربما دلت اللفظة على معنى التحمس كما يبدو من اشتقاقها والحمس قبائل من أشهرها كنانة وخزاعة والأوس والخزرج وغيرهم وكانت قريش من أبلغ من تشدد في ديانة الحمس وقد بلغ من تشددهم أن الرجل إذا أحرم بالحج أو العمرة لا يدخل داراً أو فسطاطاً أو حائطاً ((بستاناً)) وقد تعرض له الحاجة فلا يدخل بيته بل ينقب نقباً في ظهره وينادي بأهله ليخرجوا له ما أراد وكانوا يحرمون بعد الإحرام على أنفسهم السمن واللبن والزبد ولبس الوبر والشعر والاستظلال به وغزله ونسجه (7) .
وكانوا إذا وقف الحاج من العرب في عرفات يأبون أن يخرجوا إليها من حرمهم فيكتفون بالوقوف عند نمرة تقديساً لحرمهم، ويقولون نحن الحمس أهل الحرم فلا ينبغي لنا أن نخرج إلى عرفات فنعظم بذلك غير الحرم.
وكانوا يفرضون على مخالفيهم من أهل الحلة أن لا يطوفوا إلاّ إذا لبسوا ثوباً أحمسياً يشترونه منهم أو يستأجرونه أو يستعيرونه فإِذا لم يجدوا تعين عليهم أن يطوفوا عرايا نهاراً للرجال وليلاً للنساء بعد أن يتركوا ثيابهم خارج المسجد فلا يمسها أحد حتى يعودوا إليها (8) وكان بعض فتيان مكة يتربص للنساء العرايا فإِذا أعجبته إحداهن دخل معها في الطواف عرياناً وقد يؤول أمرهما إلى الزواج، وقد ألغى الإسلام هذه العادة، وكانوا يفرضون على أهل الحل أن لا يأكلوا من طعام جاءوا به من الحل ما داموا في مكة، وبذلك كانوا يفرضون الأكل في مكة عليهم من بيوت الضيافة أو يشترونه من أسواق مكة.
وكانوا إذا بلغت الفتاة سن الزواج ألبسوها ما يزينها وخرجوا بها سافرة إلى المطاف ثم أعادوها إلى بيتها لتبقى حبيسة فيه لا تخرج إلاّ إلى بيت من تزوجها وهم يريدون بطوافها ذلك عرضها سافرة على أعين الخاطبين ولعلّهم اختاروا ليأمنوا في جوار البيت نظرات الفاسقين. وكان الطائف يبدأ بأساف فيستلمه ثم يستلم الركن الأسود ثم يجعل الكعبة على يمينه فيطوف بها فإذا ختم طوافه سبعاً استلم الركن ثم استلم نائلة.
وكانوا يختنون أولادهم ويكفنون موتاهم ويغتسلون من الجنابة وقد تباعدوا في المناكح من البنت وبنت البنت والأخت وبنت الأخت كما يتزوجون بالصداق والشهود ويطلقون ثلاثاً.
وكانوا يبالغون في الغيرة على نسائهم حتى اشتط بعضهم فكره البنات ومنهم من وأدهن مبالغة في الحرص على العرض وقال قائلهم في ذلك ((دفن البنات من المكرمات)) وأنكر ذلك كثير من عقلائهم ومن أشهر المنكرين زيد بن عمرو بن نفيل القرشي الذي قيل إنه أحيا ستاً وتسعين موءودة.
وكانوا يدخلون الكعبة لابسين أحذيتهم حتى سن لهم الوليد بن المغيرة خلعها وكانت الحوائض من نسائهم لا يدنين من الكعبة ولا يتمسحن بأصنامها بل يقفن بعيداً عنها، وربما عنّ لأحدهم أن يصلي فيتوجه إلى الكعبة ويبدأ صلاته فإذا ركع كرر ركوعه عدة مرات حسبما يتسع له وقته وكذلك يفعل في السجود دون أن يكون لعدد الركعات أو السجدات ضابط محدود.
وشاعت إلى جانب عبادة الأصنام ديانات أخرى أهمها الدهرية التي قال أصحابها وما يهلكنا إلاّ الدهر، والصابئة وهم عبدة الكواكب والنجوم، ودان بعضهم باليهودية وآخرون بالنصرانية وكانت جميعها نتيجة الاقتباس واحتكاك قريش بديانات الأمم المجاورة، ومن أشهر من نظر في الكتب السماوية منهم ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل وأمية بن أبي الصلت وأمية بن عوف الكناني، وهاشم بن عبد مناف، وأنكر بعض هؤلاء ترهات قومهم وعبادة الأصنام وكانوا ينصحون بتركها ويجاهرون بالبحث في ألوهية واحد متفرد بالجلال والعظمة ويعترفون بالبعث والنشور والثواب والعقاب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :563  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.