شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
محظورات الحج وجزاءاتها
في المذاهب الأربعة (1)
المحظورات في الحج منها ما يفسده، ومنها ما يترتب عليه جزاء خاص تبينه المذاهب الأربعة فيما يأتي:
قال الحنابلة: الأمور المحظورة على المحرم تنقسم إلى الأقسام الآتية:
(1) ما يوجب الفدية (2) ما يوجب الإطعام (3) ما يوجب القيمة (4) ما لا يوجب شيئاً.
فأما ما يوجب الفدية فينقسم إلى قسمين: (1) ما يوجب التخيير (2) ما يوجبها على الترتيب، فالذي يوجبها على التخيير أمور هي: (1) لبس المخيط أو المحيط (2) استعمال الطيب (3) تغطية الرجل رأسه أو الأنثى وجهها (4) إزالة أكثر من شعرتين من الجسد أو أكثر من ظفرين. فكل واحد من هذه فيه فدية على التخيير بين ثلاثة أشياء، فإِما أن يذبح شاة سنها ستة أشهر على الأقل إن كانت من الضأن، وسنة إن كانت من المعز، وإما أن يصوم ثلاثة أيام، وإما أن يطعم ستة مساكين لكل واحد منهم مدٌّ من بر أو نصف صاع من غيره، و ((مدان)) من تمر أو زبيب أو شعير أو أقط. ومما يوجب الفدية على التخيير جزاء الصيد.
والصيد إما أن يكون له مثل من النعم أَو لا يكون. فإن كان له مثل يخير في جزائه بين ثلاثة أشياء: ذبح المثل وإعطاء لحمه لفقراء الحرم في أي وقت شاء، وتقويم المثل بالمحل الذي تلف فيه الصيد، ويكون التقويم بدراهم، ثم يشتري بها طعاماً من الأصناف السابقة ويعطي كل مسكين مدًّا من بر، ومدين من غيره كما تقدم، وصيام أيام بعدد الأمداد بحيث يكون كل يوم بدل ما يعطي من الطعام لكل مسكين، فإن بقي أقل من طعام مسكين صام عنه يوماً كاملاً. ويكمل نصف المد ندباً. أما الصيام فيصوم عن نصف المد يوماً كاملاً، لأن الصيام لا يتبعض. وإن لم يكن له مثل فيخير في فديته بين الأمرين الأخيرين: إطعام القيمة أو الصيام. وأما ما يوجب الفدية على الترتيب فهو الوطء قبل التحلل الأول من الحج، والتحلل الأول يحصل باثنين من ثلاثة، وهي رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الزيارة. ومثل الوطء الإِنزال بتكرار النظر أو المباشرة لغير الفرج أو بالتقبيل أو باللمس بشهوة قبل التحلل الأول. فإذا حصل الوطء أو الإِنزال بواحد مما ذكر وجب عليه ذبح بدنة من الإبل سنها خمس سنين، فإن لم يجد بدنة صام عشرة أيام: ثلاثة قبل الفراغ من أعمال الحج وسبعة بعد الفراغ منها. والمرأة كالرجل فيما يترتب عليه الوطء والإِنزال إن كانت طائعة.
وأما المباشرة بدون إنزال فتوجب الفدية على التخيير بين الأنواع الثلاثة المتقدمة، وهي ذبح الشاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صوم ثلاثة أيام. وكذلك الإِمناء بنظرة بدون تكرار، وكذلك إذا حصل الوطء بعد التحلل الأول، وقد تقدم بيانه. وإذا جاوز الشخص ميقاته بلا إحرام أو ترك شيئاً من واجبات الحج كرمي الجمار فعليه الفدية على الترتيب بأن يذبح شاة، فإن لم يجدها صام عشرة أيام: ثلاثة في الحج وسبعة بعده كما تقدم. وأما ما يوجب الإِطعام، فهو قص ظفرين أو أقل وإزالة شعرتين أو أقل، فيجب في الظفر الواحد أو بعضه، وفي إزالة الشعرة الواحدة أو بعضها إطعام مسكين واحد مداً من بر أو نصف صاع من غيره كما تقدم، وفي الظفرين أو الشعرتين إطعام مسكينين. وأما ما يوجب القيمة فهو كسر بيض الصيد، وقتل الجراد، فإذا كسر بيضاً أو قتل جراداً فعليه قيمة كل منهما يتصدق بها في محل الإِتلاف. وأما ما لا يوجب شيئاً فهو قتل القمل وعقد النكاح. وقد سبق أنه يحرم على المحرم قطع شجر الحرم وحشيشه إلاّ ما استثني، فإن فعل شيئاً من ذلك فعليه في قطع الشجرة الصغيرة عرفاً ذبح شاة، وفي قطع الشجرة الكبيرة أو المتوسطة ذبح بقرة، وفي الحشيش والورق إخراج القيمة.
وقال المالكية: الأشياء التي يجب على المحرم اجتنابها أنواع: فمنها ما يفسد الحج، ومنها ما يوجب الهدي، ومنها ما يوجب الفدية، ومنها ما يوجب حفنة من طعام، ومنها ما يوجب الجزاءِ من النعم أو إخراج القيمة طعاماً، أو صيام أيام بعدد الأمداد التي في الطعام الواجب، فأما ما يفسد الحج فهو الجماع، وإخراج المني بتقبيل أو مباشرة أو نظر أو فكر مستديمين إن وقع ذلك قبل رمي جمرة العقبة، أما بعد رمي جمرة العقبة أو طواف الإِفاضة أو مضي يوم النحر فلا يفسد الحج، بل يوجب الهدي، وإذا رمي جمرة العقبة ثم طاف وحلق فلا هدي عليه، لأنه صار متحللاً من إحرامه.
والواجب على من فسد حجه أربعة أشياء: إتمامه على فساده وقضاؤه في العام القابل، ونحر هدي للفساد، وتأخير نحره ندباً لزمن القضاء. وأما ما يوجب الهدي فهو ترك واجب من واجبات الحج السابقة سواء أكانت متعلقة بركن مخصوص من الأركان الأربعة أو غير مختصة، وذلك كمجاوزة الميقات بدون إحرام، وترك طواف القدوم، وترك رمي الجمار، وترك المبيت بمنى ليالي الرمي، وترك النزول بالمزدلفة بقدر حط الرحال، فأي واجب من واجبات الحج إذا ترك يجب في تركه الهدي، ويستثنى من ذلك اجتناب لبس الثياب المخيطة، واجتناب التعرض للصيد، فإِن الواجب في ترك الأول هو الفدية وفي ترك الثاني الجزاء.
ومن عجز عن الهدي بأن لم يكن واجداً لثمنه ولا لمن يسلمه إياه، فعليه أن يصوم عشرة أيام: ثلاثة في الحج ((أي من يوم إحرامه به إلى يوم النحر)) وسبعة إذا رجع من منى بعد فراغ الرمي، ويستحب تأخير صومها حتى يرجع لبلده. وأما ما يوجب الفدية فهو كل فعل محرم يحصل به ترفه وتنعم للمحرم أو إزالة الشعث عنه كالاغتسال في الحمام ومس شيء مما يتطيب به، وقص الشارب، ولبس الثياب، وتغطية الرأس للانتفاع بحر أو برد، أو تغطية المرأة وجهها ويديها بقفاز لا بقصد التستر كما تقدم، وقص أظافره، ونتف إبطه وغير ذلك كالاختضاب بالحناء.
والفدية ثلاثة أنواع على التخيير: (1) إطعام ستة مساكين لكل منهم مدَّان بمد النبي صلى الله عليه وسلم من غالب قوت البلد. ويجزّأ بدل المدّين الغداء والعشاء إذا بلغ مقدارهما المدّين، ولكن تمليك المدّين أَفضل. (2) صيام ثلاثة أيام (3) نسك ((ذبيحة)) شاة فعلي كبقرة وبدنة، ويعتبر في سنها ما ذكر في الهدي. ولا يختص ذبح هذا النسك بزمان أَو مكان، فله أن يذبحه بأي زمان ومكان شاء إلاّ إذا نوي به الهدي فإنه يذبح بمنى أَو بمكة على ما ذكر في تفصيل الهدي. وأما ما يوجب الحفنة من الطعام فأمور: (1) تقليم الظفر الواحد بدون قصد إزالة الأذى ((الوسخ)) كأن يقلمه لمداواة قرحة تحته أو لاستقباح طوله، أو يقلمه عبثاً، أما إذا قلمه بقصد إزالة الأذى ففيه الفدية. (2) إزالة شعرة أو أكثر إلى اثنتي عشرة أَيضاً. (3) إزالة القراد عن بعير أو قتله ففي كل منهما حفنة من طعام ولو كثر القراد.
وإذا تعدد موجب الفدية أو الحفنة فإنهما يتعددان، فمثلاً إذا لبس الثياب وتطيب فعليه فديتان: فدية للبس، وفدية لاستعمال الطيب، وإذا قلّم ظفراً واحداً وأزال شعرة فعليه حفنتان. وأما ما يوجب الجزاء فهو قتل الصيد وتعريضه للتلف كأن ينتف ريشه ولم تتحقق سلامته أو يجرحه كذلك أو يطرده من الحرم فصاده صائد في الحل أو هلك فيه قبل أن يعود للحرم، والجزاء الواجب في الصيد ثلاثة أنواع على التخيير: (1) مثل الصيد من النعم أي ما يقاربه في الصورة والقدر (2) قيمته طعاماً، وتعطى هذه القيمة لمساكين المحل الذي وجد فيه التلف كل يأخذ مداً بمد النبي صلى الله عليه وسلم. (3) صيام أيام بعدد الأمداد التي يقوم بها الصيد من الطعام. ويستثني من المثل حمام مكة والحرم ويمامهما، ففي ذلك شاة من الضأن أو المعز ولا يحتاج إلى حكم فإن عجز عن الشاة صام عشرة أيام..
وقال الحنفية: إن ما يحظر فعله على المحرم بعد دخوله في الإحرام من الأمور المتقدمة ينقسم إلى ستة أقسام: (1) ما يفسد الحج (2) ما يوجب بدنة (3) ما يوجب دماً واحداً (4) ما يوجب صدقة قدرها نصف صاع (5) ما يوجب صدقة أقل من نصف صاع (6) ما يوجب القيمة.
فأما الذي يفسد الحج فهو الجماع بشرط أن يكون قبل الوقوف بعرفة. أما إذا جامع بعد الوقوف وقبل أداء الركن الثاني وهو طواف الزيارة، فإِن حجه لا يفسد. ولا فرق في الفساد بالجماع بين أن يكون الفاعل أو المفعول ناسياً أو عامداً، مستيقظاً أو نائماً، مختاراً أو مكرهاً متى كان بالغاً عاقلاً، ويفسد بمجرد مغيب الحشفة في القبل أو في الدبر سواء أحصل إنزال أم لا. وإذا فسد حجهما بالجماع فعليهما أن يستمرا في إتمامه فاسداً وبقضائه في العام القابل. وعلى كل واحد منهما دم. وتجزئ الشاة في ذلك ولو تعدد الجماع في مجلس واحد. أما إذا تعدد في مجالس مختلفة ففي كل واحد منها دم.
وأما ما يوجب بدنة فأمران: (أحدهما) الجماع بعد الوقوف وقبل الحلق (ثانيهما) أن يطوف طواف الزيارة وهو جنب، أو تطوف المرأة وهي حائض أو نفساء ((والبدنة من الإبل هي ما طعنت في السادسة)).
وأما ما يوجب دماً واحداً فأمور: (1) دواعي الجماع كالمعانقة والمباشرة والقبلة واللمس بشهوة أنزل أو لم ينزل (2) إزالة شعر كل رأسه ولحيته أو إزالة ربعهما، وليس في أقل من الربع دم، وكذلك إزالة شعر رقبته أو إبطيه أو أحدهما أو إزالة شعر عانته، وإنما يجب الدم بإزالة الشعر إذا كان لغير عذر، فإن كان لعذر كأن علقت به الهوام وآذته فهو مخير بين أمور ثلاثة: ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع لقوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (البقرة: 196) (3) أن يلبس الرجل المخيط، أما المرأة فإِنها تلبس ما شاءت إلاّ أنها لا تستر وجهها بساتر ملاصق كما تقدم (4) أن يستر رأسه بساتر معتاد يوماً كاملاً، وقد تقدم تفصيل الكلام في الساتر المعتاد (5) أن يطيب عضواً كاملاً كالوجه والرأس والرقبة. والحناء من الطيب. فلو وضعها على رأسه وكانت رقيقة لا تستر ما تحتها فعليه دم وإلاّ فعليه دمان، لأنه يكون في هذه الحالة قد تطيب وستر رأسه، ومنه العصفر والزعفران كما تقدم، ومثل الطيب دهان عضو كامل بزيت الزيتون أو بالسمسم لغير عذر، فإن فعل لعذر كالتداوي فلا شيء عليه، (6) قص أظافر يد واحدة أو رجل واحدة، وكذلك لو قص أظفار يديه ورجليه جميعها في مجلس واحد، أما إذا قصها في مجالس متعددة لزمه أربعة دماءٍ لكل أظافر عضو دم (7) أن يترك طواف القدوم أو طواف الصدر أو يترك شوطاً من أشواط العمرة أو واجباً من الواجبات المتقدمة.
وأما ما يوجب صدقة قدرها نصف صاع من بر أو قيمته فأمور: (1) أن يطيب أقل من عضو (2) وأن يلبس قميصاً أقل من يوم كامل أو ثوباً مطيباً أقل من يوم أو يستر رأسه كذلك (3) أو يحلق أقل من ربع الرأس أو اللحية أو يحلق ساقه أو عضده، أو يقص ظفراً أو ظفرين (4) أن يطوف طواف القدوم والصدر محدثاً حدثاً أصغر (5) أن يترك شوطاً من أقل أشواط طواف الصدر (6) أن يحلق رأس غيره سواء أكان محرماً أم لا.
وأما ما يوجب صدقة أقل من نصف صاع فهو أن يقتل جرادة فالواحدة من ذلك يتصدق لها بما شاء، والاثنان والثلاثة يتصدق لها بكفٍّ من طعام فإِن زاد فعليه نصف صاع.
وأما الذي يوجب القيمة فهو أمران: (1) صيد البر (2) قطع حشيش الحرم، فإذا اصطاد المحرم ما لا يحل له اصطياده قوم عليه ما صاده في مكانه أو في مكان قريب منه بمعرفة عدلين، فإن بلغت قيمته ثمن هدي خيِّر بين أمور ثلاثة: (أحدها) أن يشتري بهذه القيمة هدياً يذبحه في الحرم. (ثانيها) أن يشتري به طعاماً يتصدق به على الفقراء في أي مكان لكل واحد نصف صاع. (ثالثها) أن يصوم بدل كل نصف صاع يوماً، ولا يلزم في هذا الصوم التتابع وإن لم تبلغ قيمته ثمن هدي خيِّر بين الأمرين الأخيرين فقط وهما الطعام والصيام، ولا فرق في هذا الباب بين العمد والخطأ، ولا يلزم أن يأتي بمثل ما صاد بل تكفي قيمته، ولا شيء في قتل الهوام كسلحفاة وزنبور وفراش وذباب ونمل وقنفذ، وكذلك الحية والعقرب والفارة والغراب والكلب العقور.
وقال الشافعية: إن ما يحظر فعله على المحرم بعد دخوله الإِحرام ينقسم إلى قسمين: مفسد للحج، وغير مفسد، فالمفسد هو الجماع، ويشترط في الإِفساد به إدخال الحشفة أو قدرها من فاقدها في قبل أو دبر من حيوان ذكراً أو أنثى ولو بهيمة ولو بحائل، ولا يفسد الجماع إلاّ إذا كان مع العلم والعمد والاختيار وكان قبل التحلل الأول وإلاّ فلا يفسد الحج، وإن كان الجماع يحرم بين التحللين كما تحرم مقدماته كالقبلة والمباشرة بشهوة سواء أنزل أو لم ينزل. وتجب في ذلك الفدية، أما الاستمناء فهو حرام أيضاً إلاّ أنه لا تجب فيه الفدية عند عدم الإِنزال. وأما النظر واللمس مع الحائل بشهوة فهو حرام ولا تجب الفدية أيضاً فيه سواء أنزل أو لم ينزل.
ويجب إتمام جميع أعمال الحج الذي فسد بالجماع، وإن كان فاسداً، ويجب قضاؤه فوراً وتلزمه كفارة الجماع، وهي بدنة ((واحد من الإبل ذكراً كان أو أنثى)) فإِن عجز عنها وجبت عليه بقرة، فإن عجز عنها وجبت عليه سبع شياه، فإن عجز عنها أيضاً قومت البدنة بسعر مكة وتصدق بقيمتها طعاماً لا نقداً على مساكين الحرم وفقرائه ثلاثة فأكثر، ويشترط في الطعام أن يُجزَّأ في الفطرة فإِن عجز عن ذلك صام عن كل مدّ يوماً بنية الكفارة كأن يقول نويت صوم غد عن كفارة الجماع، ولا كفارة على المرأة وإن فسد نسكها بأن كانت محرمة مميزة مختارة عامدة عالمة بالتحريم فليس عليها إلاّ الإثم كما في الصوم. والقسم الثاني غير المفسد هو أن يفعل فعلاً محرّماً في الحج، فمن ذلك الجماع بين التحللين، ومنه مقدمات الجماع كالقبلة واللمس بشهوة مع العمد والعلم والاختيار، ومنه الوطء الثاني بعد الوطءِ المفسد، فيجب في هذه الأفعال الثلاثة واحد من أمور ثلاثة، إما أن يذبح شاة تجزأ في الأضحية أو يطعم ستة مساكين أو يصوم ثلاثة أيام، أما عقد النكاح فلا فدية فيه وإن كان حراماً على المحرم لأنه لا ينعقد، ولا فدية أيضاً في النظر بشهوة ولا في القبلة بحائل.
ومن المحظور غير المفسد حلق الشعر أو تقصيره أو نتفه أو حرقه فيجب أحد الأمور الثلاثة المتقدمة على المحرم المميز الذي فعل شيئاً من ذلك قبل التحلل وقبل دخول وقته متى كان المزال من الشعر ثلاث شعرات فأكثر، ولا بد من اتحاد الزمان والمكان عرفاً بحيث تقع إزالة الشعرات على التوالي عرفاً، فلو أزال شعر البدن كله على التوالي لم تلزمه إلاّ فدية واحدة، والمراد بالمكان الموضع الذي يجلس فيه لإِزالة الشعر ولو كانت الشعرات من مواضع مختلفة من بدنه.
وإنما تقتضي إزالة الشعر الفدية بأحد الأمور الثلاثة المتقدمة إن فعلها المحرم بغير ضرورة، أما لو فعلها لضرورة كأن نبت في جفنه ثلاث شعرات فأزالها لدفع أذاها فإِنه لا تجب عليه فدية.
ومن كشط جلده النابت فيه شعر فلا فدية عليه، لأن الشعر لم تحصل إزالته قصداً بل كان تابعاً لمنبته، وإنما قيدنا في وجوب الفدية المتقدم بيانها بثلاث شعرات، لأن من أزال شعرة واحدة وجب عليه مدٌّ واحد وفي الشعرتين مدَّان إذا اتحد المكان والزمان كما تقدم، وبعض الشعرة حكمه كالشعرة. ومثل إزالة الشعر في جميع ما تقدم تقليم الظفر وكسره فإن ذلك حرام على المحرم وفيه الفدية إن كان غير تابع كما تقدم.
ومن المحظور غير المفسد لبس المخيط لغير ضرورة إذا فعله المحرم المختار العالم بالتحريم قبل التحلل الأول، فإِنه تجب عليه الفدية المتقدمة إذا لبس مخيطاً أو ستر رأسه ولو البياض الذي وراء الأذن بما يعد ساتراً ولو شفافاً ولو كان مما يستتر به عادةً كالعجينة الغليظة من الطين والحناء. ومثل المخيط بالخاء المعجمة المحيط بالحاء المهملة أي الذي يحيط ولو ببعض بدنه كالقفاز والجورب ((الشراب)) ويستثني من المحظور لبس المنطقة والسيف وكل أنواع السلاح فإِنه ليس فيها فدية. وكذلك لبس النعل والخاتم. وتجب الفدية على المرأة المحرمة إن سترت شيئاً من وجهها بساتر غير متجافٍ عنه قبل التحلل الأول، ويستثنى من ذلك الجزء الذي سترته من الوجه مضطرة كالقدر الذي لا يمكن استيعاب ستر الرأس إلاّ به، وتجب عليها الفدية أيضاً إن لبست قفازاً ونحوه، وإنّ ما قلنا لغير ضرورة، لأنه لو لم يجد المحرم إزاراً أو وجد سروالاً لا يتأنّى الإئتزار به فإِنه يجوز له لبسه لستر عورته ولا فدية عليه، وكذلك إذا لم يجد نعلين مع الاحتياج إليهما ولم يجد إلاّ الخفين فقطعهما من أسفل الكعبين فإنه يجوز له أن يلبسهما بدون فدية للضرورة، وهذا بخلاف الحاجة كأن احتاج المحرم لستر رأسه لحر أو برد أو احتاجت المحرمة لستر وجهها فيجب الفدية وإن كان لا إثم عليهما للحاجة.
واعلم أن الفدية تتكرر بتكرر اللبس والستر إذا اختلف الزمان والمكان. ومن المحظور غير المفسد استعمال الطيب ويجب فيه الدم على المحرم المميز الذي لم يتحلل التحلل الأول إذا استعمله عامداً عالماً بالتحريم مختاراً سواء استعمله في ملبوسه ولو نعلاً أو ظاهر بدنه أو باطنه باحتقان أو أكل أو شرب إن كان مما يقصد منه رائحته كالمسك والعنبر وكان استعماله على الوجه المألوف المعتاد فيه كالتبخير بالعود. بخلاف حمله ووضعه في النار فإِنه غير مألوف لمن أراد استعماله، وبخلاف شم ماء الورد من غير مس، وبخلاف ما يقصد به الأكل كالتفاح أو التداوي فإنه لا يحرم ولا تجب فيه الفدية، والفدية في ذلك إما ذبح شاة مجزأة في الأضحية، أو إطعام ستة مساكين، أو صوم ثلاثة أيام.
ومن المحظور غير المفسد دهن شيء من شعر رأسه ولحيته وباقي شعر الوجه بأي دهن ولو كان غير مطيب كزيت، ولو كانت الرأس واللحية محلوقين، فيجب فيه الدم إذا فعله المحرم المميز الذي لم يتحلل إذا كان عامداً عالماً بالتحريم مختاراً، والفدية الواجبة في ذلك هي التي سبق بيانها من التخيير بين الأمور الثلاثة.
ومن المحظور غير المفسد التعرض للصيد البري الوحشي يقيناً، فإن كان الصيد له مثل ((من النعم كالحمام واليمام، والقمري))، ففي الواحدة شاة من ضأن أو معز وإلاّ حكم ذوا عدل خبيرَين بمثله في الشبه والصورة تقريباً، ولا بد من مراعاة المماثلة في الصفات، فيلزم في الكبير كبير، وفي الصغير صغير، وفي الصحيح صحيح، وفي المعيب معيب، إن اتحد جنس العيب كالعور فيها، فإِن لم يرد فيه نقل ولا حكم بمثله عدلان وجبت قيمته بحكم عدلين، والفدية الواجبة هي أحد أمور ثلاثة، إما أن يذبح مثل الصيد من النعم ويتصدق به على فقراء الحرم، وإما أن يشتري بقيمته طعاماً فجزأً في الفطرة ويتصدق به عليهم، وإما أن يصوم يوماً عن كل مد من الطعام وفي هذا المثلي، أما غير المثلي كالجراد وبقية الطيور ما عدا الحمام ونحوه فهو مخير بين أمرين، إما أن يخرج بقدر قيمة الصيد طعاماً ويتصدق به على من ذكر، وإما أن يصوم يوماً عن كل مد من الطعام، ولا فرق في ذلك بين صيد الحل والحرم متى كان المتعرض محرماً، وأما إن كان حلالاً فإِن الحكم يختص بصيد الحرم.
ومن المحظور غير المفسد التعرض لحشيش الحرم وأشجاره، فإِن قطع شجرة كبيرة لزمته بقرة، وإن قطع شجرة صغيرة لزمته شاة، أما الصغيرة جداً ففيها القيمة، وهو مخير بين ذبح ما ذكر والتصدق بلحمه، وبين شراء طعام بقيمته والتصدق به أو يصوم لكل مدّ يوماً، أما الحشيش ففيه القيمة إن لم ينبت بدله فإِن نبت فلا ضمان ولا فدية. هذا ويجب على كل من ترك شيئاً مما يأتي ذبح شاة مجزأة في الأضحية حال القدرة ثم صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رجع لأهله إن عجز عن الذبح:
(1) على المتمتع لأنه ترك تقديم الحج على العمرة.
(2) على القارن لأنه ترك الإِفراد بالحج.
(3) على من ترك رمي ثلاث حصيات فأكثر من حصي الجمار.
(4) على من ترك المبيت بمنى ليالي التشريق لغير عذر.
(5) على من ترك المبيت بالمزدلفة لغير عذر.
(6) على من ترك الإِحرام من الميقات لغير عذر.
(7) على من ترك طواف الوداع لغير عذر.
(8) على من ترك الفعل الذي نذره في الحج كالمشي أو الركوب أو الحلق أو الإِفراد.
(9) على من فاته الوقوف بعرفة من غير حصر بأن طلع فجر يوم النحر قبل حضوره في جزء من أرضها، ويجب به الدم على المحرم بالحج أو القارن، ويجب على من فاته الوقوف أن يتحلل بعمرة بأن يأتي بالأعمال الباقية من أعمال الحج غير الوقوف، ويسقط عنه المبيت بالمزدلفة ومنى ورمي الجمار، ثم يطوف ويسعى إن لم يكن سعى. ويحلق بنية التحلل. ويجب عليه القضاء فوراً من قابل ولو فاته لعذر ولو كان الحج نفلاً سواء أكان مستطيعاً أم لا، ولا يصح ذبحه في سنة الفوات، فالذبح يكون مع القضاء ليجتمع الجابران المالي والنسكي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1564  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 43 من 186
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.