ها أنا اليوم ألقاها.. ألقى ((هبوب)) الجميلة في وجهها الوسيم. وقوامها اللدن، وأطرافها الدقيقة تتخطر على كثيب من الرمل الناعم تخطر الحمام في حصباء الحرم، بين قائتباي وباب بني العباس.. وصافحتني بسمة شارفة تشيع على شفتيها الرقيقتين، وترسم ظلالها على ما اتسع في جبينها الناصع الوضيء، فشعرت بهزة اضطرب لها كياني، وخفقة يلتاع لها ما بين جوانحي؛ وأحسست أن فؤادي يغور في آماد عميقة لا أعرف مستقرها ومستودعها.
وكأنها أحست بكل ما ينتابني، وطالعتها آثار واضحة من الصفحة الشائعة في صفحة وجهي فاتَّأدت في خطاها ثم وقفت تتشاغل بتضفير خصيلة كانت تتهدل على جانب من كتفها كأنها تريد أن تترك لي فرصة أسترد فيها ثباتي، وما اطَّرد من أنفاسي، ثم استأنفت خطراتها في أناة ورقة، ثم عادت للوقوف في رشاقة النفري؛ ثم بادرتني بالتحية في صوت يكاد لفرط حنانه يذوب في كلماتها.
واستجمعت ما تبدد من جأشي، واستعدت ثباتي في صرامة القوي، وقدمت يدي أصافحها، وأضغط في ترفق على أناملها الرخوة الناعمة.
قالت أحموضة الليمون.. ترسل إشارتها إلى مراكز المخ فترسله هذه بدورها إلى حساسية الذوق من فمك فتؤدي وظيفتها في إفراز اللعاب الذي أرى(1) .
هو ذاك ولكنها في هذه المرة حموضية (اليوسفي) في لذاذته، وروائه، ولونه البهيج.
قالت وقد استأنفت مصافحتي وهي تغمز يدي بمثل الضغط الرقيق الذي ضغطت به أناملها: كنت أتمنى لو تمتعت بحديثك العذب ساعة ولكنني على موعد مع إحدى السيدات في هذا القاع المنفرد فاعذرني.. وإلى الملتقى على هذا الكثيب في الهدأة الأخيرة من الليلة الآتية.
قال لها مرة: إن الكهربائية التي يشعر المحب بها عند لقيا حبيبته بعد الفراق أشبه بما يفرزه اللعاب عند رؤية الليمون، ويريد بهذا أنه لا علاقة روحية في هذا بل ذبذبة عصبية لا بد منها لتنبيه الإحساس لشيء له مذاقه الخاص؛ فأرادت أن تشير إلى هذا المعنى عندما رأته يضطرب أمامها.
الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.