شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-45-
كان يحدثني عن أمنيته في أن يبني لقريته مدرسة ينفق عليها من دخله الخاص، ويتكلف بإطعام طلبتها وكسوتهم. قلت: إنك سوف لا تثمر جيلاً نافعاً إلاَّ إذا ألحقت بمدرستك قاعة للمطالعات، وهيأتها بأحسن الكتب وأغناها مادة، وأوفرها نفعاً.
ولو زاد فخيرني بعد بناء المدرسة بين إطعام طلبته، أو إسدائهم مكتبة عامرة بالعلوم والفنون لما ترددت في رجائه بأن يلغي نفقات الأكل ليوفرها لبناء المكتبة.
إن في استطاعة الطالب الفقير أن يشبع جوعته في بيت ذويه مهما كان لون الشبع، ولكنه ربما عجز عن الظفر بكتاب واحد يغذي أفكاره ويغني حاجته إلى المعرفة.
سيُقال عني مجنون لا يعرف قيمة الغذاء الصحي لطالب العلم، وما عليَّ ألاَّ يفهم العقلاء أن الغذاء الصحي إذا كان لازماً للطالب فإن الغذاء الفكري ألزم منه؟
إنني لا أعرف قيمة للتعليم المحدود بمناهج الدراسة وكتبها المقررة.. إن التعليم في معناه الرفيع ليس إلاَّ إعداداً يهيىء الطالب للخوض في معمعة الحياة الشاسعة، ويهيئه لدراسة الأفكار التي تصطفق بالأجيال تلو الأجيال.
أعرف أشخاصاً أتموا دراستهم، ثم تسلموا وثائق ما درسوا في شهادات لها لغة الصكوك، ثم انطلقوا في جدد الأرض قانعين بصكوكهم كما لو كانت الصكوك غاية أهدافهم لا وسيلة لها.
وهم بعد هذا عقلاء في رأي أنفسهم، فقد استوفوا -فيما يرون- نصيبهم من حياة الدراسة، وأتموا واجباتها عليهم فلِمَ لا تنتهي علاقتهم بها على أثر ذلك؟
ليتني أملك ما يرفع الغشاوة عن هذه البصائر لتدرك مبلغ ما تخطىء، وتعرف أن مدى ما انتهت إليه من آفاق العلم ليس إلاَّ إعداداً للتحليق في آفاق جديدة ليس لها مدى، وأن وظائف المدرسة والمعهد والجامعة لا تتعدى تهيئة ذهن المتخرج لفهم الحياة في أبسط حقائقها وإعداده في صورة تؤهله لهضم معارفها المتجددة بتجدد الأيام!
شد ما تخطىء المدارس التي لا تنشئ طلابها على حب المطالعة، وتغرس فيهم غرام الاطلاع، وتربي فيهم ملكة التطلع إلى أبعد آفاق الفكر وأغزر مآتيه.
وحبذا لو عنيت مدارسنا بغرف المطالعات فيها وزوّدتها بأقدم ما أنشأته الأفكار، وأحدث ما أنتجته المطابع، ودرّبتهم على الاحتكاك بأغرب الآراء، ومدارستها في أسلوب البصير الذي ينتقد الحقائق، ويجيد فرز الغث من السمين فيها.
إذاً لاستقام لنا نشء قوي بيقظته الفكرية، عظيم بحصيلته الذهنية التي تؤهله لمجاراة الحياة وتعده لسياق الأمم الناهضة فيها.
هذه تمنيات مجنون يرجو أن يشاركه العقلاء فيها، وأن يبذل القادرون في سبيلها ما يسعهم البذل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :343  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 78 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج