شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ حامد مطاوع ))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. سلام على الضيف وعلى المضيف وعليكم جميعاً..
ضيفنا الليلة من أولئك الذين مشوا طويلاً على الأشواك حتى أدمنت أقدامهم عليه، وألفت معاناته وتعودت التعايش معه بإصرار غلاب، وتصميم يتزامل مع العزم الذي يجعل صاحبه يقبل التحدي ويتفوق عليه بالمداورة والسجال والصبر الجميل.
نهجه نسيج من الليبرالية المعتدلة، التي تبعد صاحبها عن التحجر والتزمت والانغلاق من جهة، ومن الأخرى تكون له وقايةً من الاندفاع المتطرف، وتجعل العقلانية هي الناظم الذي يحكم الفكر ويحدد التصرف.
والاعتدال لا يفرض بقمع ولا ترغيم ولا إرهاب ولكنه يخاطب الصفاء الذهني ويتحاور مع الأفكار حتى الوصول إلى الاقتناع وتكريم الرأي عندما يكون هناك تباين أو اختلاف.
وتكريمنا له من خلال عمله في (الصياد) و (الحوادث) ثم إصداره لمجلة (المستقبل).
ولذلك قصة تروى، فقد كانت بيروت في الخمسينات والستينات وإلى أن بدأت المصادمات الدموية سنة 75 كانت بيروت كما يقول المثل الدارج (تشن وتزن، وتضحك كل سن) وكانت ملتقى السياسات العربية فالمتفق منها يسمع صداه في بيروت والمختلف منها يتخذ منها ساحةً للصراع وتسوية الحسابات.
ومن أجل ذلك فقد كنا ممن يتردد عليها إما بالزيارة أو الإستراحة فيها عند العودة من أية سفرة خارج العالم العربي وفي كل الأحوال من أجل متابعة توجهات السياسات العربية، وكان الأستاذ عبد الله الملحوق هو الملحق الصحافي في السفارة السعودية في بيروت، وكان مكتبه ملتقى لرجال الصحافة ومن الطبيعي كنت أزوره كلما أتيت إلى بيروت، وفي إحدى الزيارات لقيت من بين ضيوفه الأستاذ صالح الأسعد الذي تربطني به صداقة من خلال العمل، فقد كان مديراً للعلاقات العامة لشركة "التابلاين" وبحكم عمله فقد كانت له علاقات مع العاملين في المجال الصحفي السعودي، وبعد انتهاء الزيارة خرجنا والأستاذ صالح الأسعد، وقبل أن أودعه قال لي: إنني ذاهب إلى دار الصياد لزيارة الأستاذ سعيد فريحة ورجاني أن أذهب معه، فاخبرته بأنني لا أعرف فريحة، فقال: أجعلها فرصةً للتعارف، فذهبنا معاً.
وفي مكتب الأستاذ فريحة وجدنا أعداداً من مجلة الصياد يوم صدورها فأخذت عدداً، واخذ الأستاذ الأسعد عدداً آخر، وأول ما يطالعك في أية مجلة افتتاحيتها، فقرأتها، ووجدتها هجوماً قوياً مركزاً على نوري السعيد، فقد كانت نيران الإعلام مفتوحة بينه وبين عبد الناصر من أجل حلف بغداد، وبعد أن انتهيت من قراءة الافتتاحية علقت عليها بأن الهجوم قد تجاوز حدود الإختلاف في الرأي، فقال لي الأستاذ الأسعد: إنه يهاجم عبد الناصر وليس نوري السعيد، فقلت: لعل هناك إلتباساً ما.
ولكني وجدت أن العدد واحد من الغلاف والتاريخ ورقم تسلسل الصدور وبقية مواد العدد ما عدا الإفتتاحية فإنها مختلفة في العددين، فأخذ الأستاذ الأسعد العددين وفحصهما وأتضح أن هناك طبعة خاصة تذهب إلى بغداد ذات الإفتتاحية التي تهاجم عبد الناصر، وأخرى تذهب إلى القاهرة وهي ذات الإفتتاحية التي تهاجم نوري السعيد، فالتفت الأستاذ الأسعد إلى سعيد فريحة وقال له باللهجة اللبنانية: (سعيد شو هيدا ما تستحي.. ما بتغير في العدد سوى الإفتتاحية؟!) وهذه من الأمور السهلة ويعرفها العاملون في المجال الصحافي إذ يتم ذلك بتوقيف آلات الطبع ثم تغيير (بلاك) واحد، واستئناف الطبع فيخرج العدد بافتتاحية أخرى ذلك من حيث التنفيذ.. ولكن كان جواب فريحة مبتسماً بسخرية وقال: "أنا أستحي.. لكن اللي ما بيستحوا اللي بيدفعوا".. وبعد أن انتهت الزيارة خرجنا من عنده واستنتجت لماذا ترك نبيل الخوري دار الصياد، ليس من أجل هذا الموضوع بالتحديد ولكن لأن نهج الدار يختلف مع مقاييس ضيفنا نبيل الخوري.. وانتقل إلى (الحوادث) وفي ذلك الوقت كان صاحبها ورئيس تحريرها هو سليم اللوزي، وقد كان مقاولاً لتنفيذ الرغبات على استحياء في مواطن وبدونه في أحيان أخرى.
والرغبة ليست دائمة مراعية للمصلحة لأن الرغبات تستبيح مكاييل واقية تكون الأهواء في معظمها هي المعيار، وهذا يجعلها لا ترعى التذمم إذ "لا عدل عند من غلب عليه الهوى".
وأسوأ صورة لهذه الرغائب تلك التي تهدر مصالح صاحبها وتجعله لا يبالي بالتورط والمنزلقات والتوحل وتتراءى له وكأنها من صفات النصر والمكسب وهي في حقيقتها زوائف وخيالات تداعب أوهاماً لا تختلف كثيراً، في نهاية الأمر عن أكوام الرماد.
وعندها عرفت واستنتجت لماذا ترك نبيل الخوري العمل في (الحوادث)..
والسياق يجعلنا نضيف معلومةً متممةً لدار الصياد والحوادث.. في مصادمات سنة 58، بلبنان احترقت دار الصياد وهاجر فريحة إلى القاهرة فرحب به الأخوان مصطفى وعلي أمين وأعطيا له مكتباً في دار أخبار اليوم وذلك قبل أن يبطش بهما عبد الناصر وأصبح فريحة من كتاب اليوميات في جريدة (الأخبار) اليومية حتى انتهت المصادمات في بيروت وهدأت الأحوال وانتهت فترة رئاسة كميل شمعون وبدأت فترة رئاسة فؤاد شهاب، فعاد فريحة إلى بيروت ومعه ما يكفيه من قصر القبة لإعادة بناء (دار الصياد) وعودة صدور مجلتي (الصياد والشبكة) ومعهما جريدة (الأنوار) اليومية التي كانت تنشر مقال محمد حسنين هيكل الأسبوعي في نفس اليوم الذي ينشر في جريدة الاهرام القاهرية، وقد كان ذلك يوم الجمعة من كل أسبوع، وعنوانه (بصراحة).
وأما الحوادث فقد هاجر بها سليم اللوزي عندما استفحلت حوادث سنة 75 وامتد أجلها.. هاجر بها إلى لندن وصدرت من هناك.. وفي إحدى زياراته للبنان أصابته رصاصة قناص فخرّ صريعاً وفارق الحياة..
والسؤال هو هل كانت تلك الرصاصة مقصودة أم بطريق الخطأ؟.. تلك مسألة ليس مجالها الآن.. واستمرت الحوادث في الصدور.. ثم اشتراها صاحب البيرق ملحم كرم..
وهذا الاستطراد باختصار من مذكراتنا الصحافية التي لم تطبع، وفيما يبدو لن تطبع قريباً لأن امتداداتها لم تنته بعد، ونتائجها لم ترتبط بمقدماتها والمراحل بينهما موصولة.
وعندما أصدر الأستاذ الخوري مجلة (المستقبل) استطاع أن يضيف للصحافة العربية، ولو من المهجر مطبوعةً ذات نهج ووزن، ولذلك فإننا نكرمّه الليلة ليعرف أننا نكرم من يستحق التكريم وهو في هذه الحياة الدنيا، قبل أن يذهب وفي حلقهِ غصة ومرارة من بني قومه.
وأراني قد أطلت عليكم ولولا خشيتي من الملل لواصلت حتى يقال "الأكل فاضل".
وقبل أن أنتهي من كلمتي أحيي صديقي الأستاذ عبد المقصود، ببيتين من الشعر قلتهما في كلمات سابقة ولا أملُّ من ترديدهما وهما:
ألا يا دار لا يدخلك حزن
ولا يغدر بصاحبك الزمان
فنعم الدار أنت لكل ضيفٍ
إذا ما ضاق بالضيف المكان
 
ونكتفي بهذا القدر، ونقف عند هذا الحد، ونقول ختمها الرحمن.. وعلى طريقة (ابن حسن) نقول لكم هيا خليناكم بعافية، وتصبحوا وتمسوا على خير وإلى أن نلتقي بكم إن شاء الله في الأسبوع القادم نقول لكم في أمان الله، وعلمي وسلامتكم ويدي وما نقلت سالمة.. وعليكم ورحمة الله السلام، والله يحفظكم جميعاً ويتولاكم برعايته.
- والآن إليكم هذه الكلمة من سعادة الأستاذ علي محمد العمير:
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :678  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 46 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.