شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(12)
لا.. وسل أول ما يلاقيك عن: أسعد أيامه في الحياة. يجبك أنها أيام الطفولة وإذا استزدته أيضاً رنا إليك برأسه وأجاب أنها كانت خلواً من التكاليف. خلواً من متاعب الحياة.
وهذا حق.. حق في مجموعه لا في تفاصيله.. ولا يكون حقاً في التفاصيل لأن في هناء الطفولة شيئاً أدق من هذا وأعمق مر به صاحبك وتمر به أنت ويمر به سواد الناس مروراً لا يلفت النظر.. وهو في الواقع أهم ما يصبغ الطفولة بلونها البراق الجميل.
معالجة التنويع في الحياة سر سعادة الناس والحياة قبل أن تكون التكاليف سر شقاء الناس.. ونحن كنا أطفالاً وكنا مدفوعين بالوجدان غير الواعي إلى التنويع فكنا سعداء به.. والتنويع أن نعبث بكل شيء ونلعب في كل شيء دون أن نحس بشيء معين نجعله مصدر سرورنا وغبطتنا.
ودرجنا فكبرنا فماذا صنعنا؟ ألغينا هذا التنويع تدريجياً حتى حصرته أنت في مال تجمعه وحصرته أنا في امرأة جميلة أتصبب إليها. وحصره صديقك في سمت من الوقار والهيبة يبدو بهما وجيهاً في أعين الناس -وفي هذا ألغينا السرور من الحياة إلاّ من ربح جديد بالنسبة إليك أو جلسة شعرية بين يدي الحبيبة بالنسبة إلى أول مظهر محتشم وجيه بالنسبة إلى صديقنا المحترم.
فيم هذا التحديد؟ ومن أين لنا هذا الحصر -: المسألة مسألة إلغاء وتركيز.. ألغينا مناحي الحياة في جميع صنوفها وأشكالها وألوانها وفيها الجميل البرّاق والجذاب.. وفيها ما يكفل بعث النشاط في جوانب النفس كما فيها ما يغري بالضحك والسعادة والسرور وصببناها جميعاً في قالب واحد احتبس فيه الخيال الذهني والتجاوب العقلي وانحصرت فيه كل نوازع النفس فلا يستهوينا إلاّ هو ولا يشيع فينا السرور والسعادة غيره.
الطفل يضحك لدميته إلى أن يلوي عنها فيفرح بتفاحة تدحرجها إليه وقد لا ينتهي من أكلها حتى ينسيه جمالها ولذتها جمال طفل صغير يدعوه إلى لعبة الغميمة.
حاول مرة البعد عن دفاترك التجارية واخلُ في دارك على كرسي مريح وتناول قصة روائية تجد نفسك قد غمرك أفق جديد واصطنعت لنفسك مسرة جديدة.
وحبيبتك الجميلة التي يحنو عليك فؤادها ويعطف عليك قلبها ولا يخلو معك حالها من ساعة ذل تصليك بها، جرب معها ذلك واجرؤ على ترك موعدها مرة تأخذ سبيلك فيها إلى نزهة خلوية ترقى فيها جبلاً ما عرفت مسالكه ولا سبق لك عهد بمعالمه إجرؤ ولو مرة واحدة وحاول أن تكون إلى جرأتك جباراً طاغياً تكتسح في عنف وقوة ذكراها من خيالك إلى أجل تصالحها بعده وإذا فعلت ستجد أنك اكتشفت من نفسك أفقاً مجهولاً منك وكشفت النقاب عن إرادتك الحديدية التي كنت تتركها على نفسك من نوع غريب قد يروقك الإطراد فيها والمضي في غرارها بعد ذلك التركيز المحدود.
وطلق سمتك الوقور واحتشامك المتزمت وحاول أن تتبذل في غمرة من غير طبقتك تصحبهم في رحلة إلى جبل كرا تترك فيها سيارتك الفخمة إلى حمار تحس الأرض برجليك وأنت تعتليه دعه يقفز أمامك على الصخور وأنت تطفر خلفه بالعصا تحمل على كتفيك قرابك فيه الخفيف من طعامك، اجلس في رفقتك الجديدة على ناتئ من الصخر مشرف على الوادي السحيق والتهم خبزك في شراهة وعبث مرفوعة كل تكاليف الوجاهة ملغية جميع الفوارق بينك وبينهم وستجد أنك طلقت حياتك ونسيت ضجرك وانطلقت في أفق مرح ليس لسعادتك فيه مدى.
بقدر ما تظفر في ابتكار الأساليب المسرة لنفسك وبقدر ما تطرد من خيالك تركيز السعادة في مصدر واحد. وبقدر ما تغري نفسك بابتعاث السرور في كل شيء ومن كل شيء بقدر ما تجد الحياة مرنة مليئة بالمباهج والمسرات حافلة بالملايين من مصادر السعادة والفرح.
وبالجملة كن طفلاً يعبث بكل شيء ولا يعي شيئاً إلاّ بمقدار.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :335  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 69 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج