شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(7)
مع حفَّاظ القرآن
في هذه الأثناء كان الحسين بن علي قد شرع بتوثب للثورة على العثمانيين وشرع يجمع مشائخ الحارات في مكة وباقي مدن الحجاز ليقنعهم بضرورة الثورة على استبدادهم وظلمهم ويفرض عليهم الترتيبات التي يجب أن يتخذوها:
((إنت يا شيخ مكاوي عليك أن تجمع لي العيال المفاليح اللي في سوق الليل كلهم.. إحنا ما نبغي نسويهم عسكر.. بس غرضنا الفزعه.. هادا البلد بلدكم.. واحنا ما نبغاكم إلا تكونوا أسياد أنفسكم.. يعني تحكموا أنفسكم بأنفسكم.. وأنا وأولادي فداكم.. تكفا يا أهل زمزم!! ترى هادا يومكم.. وانتوا يا مشائخ الحوائر من المعابدة إلى جرول فاهمين الترتيب؟ عند الله وعندكم كل حارة يجمع شبابها للفزعة.. ترى العسملي ناس ما يبغوا إلا الحرية الكدابه.. يبغوا نسوانكم بكره سوا زيّ الرجال عيني عينك.. ونحن ناس ديننا ما يقبل إلا الحشمة.. إيش تقولوا؟؟)).
ويلغط المجلس.. مجلس المشائخ ويضربوا الأرض بنبابيتهم: والله إحنا دونك يا سيدنا.. واللي أنت فيه إحنا فيه.. والله كل شيء ولا حريمنا. وإلا إيش تقولوا يا مشائخ. ها انت يا أبو صادق وانت يا أبو سراج.. إيش تشوفوا يا جماعة؟
فهيب المجلس: نحنا لا نشوف ولا شيء.. اللي سيدنا فيه نحنا فيه.. كل شيء ولا فضائح الحريم!!
وينفض المجلس ويتصل كل شيخ بكبار الحارة عنده ويبدأ (المطاليق!!) في ترتيب هادىء لا يشعر به إلا بعض الأتراك الذين تتسرب إليهم الأخبار في مكة مضطربة مشوشة يعجزون عن تفسيرها.
ويطلق الحسين رصاصته الأولى في فجر يوم 9 شعبان إيذاناً بقيام الثورة فتزحف جموع أولاد الحارة إلى أجياد ليحيطوا بقلعتها ويطلقوا النار على من تحصّن فيها كما يزحف غيرهم إلى جرول ليحيطوا بالقشلاق وغيرهم إلى الحميدية وبقية مراكز البوليس يعرضون عليهم النار أو التسليم. واستسلمت المراكز الصغيرة في مكة في الثلاثة الأيام الأولى من قيام الثورة ثم استسلمت القلعة بعد بضعة أيام واستسلم المحصنون في القشلاق على أثر ذلك وشوهد الجند العثمانيون يساقون أسرى إلى حيث تم ترحيلهم.
واستسلمت حامية جدة وينبع ورابغ بعد لأيٍ قصير ولم تستعص على (أصحاب الفزعه) والحارة إلا المدينة فقد ظلت حاميتها صامدة حتى بلغها سقوط الآستانة في نهاية الحرب العالمية فطلبت الأمان.
وجنَّد الحسين من (فزيعة) الحارات ألوفاً دفعهم إلى الشمال فاشترك بعضهم في حصار المدينة ومشى البعض في طريقهم إلى الشام تسندهم قوات الحلفاء حتى تم فتح دمشق ونودي بفيصل بن الحسين ملكاً عليها.
وتتابعت الأحداث على أثر ذلك مما تجده مفصلاً في مظانه من تاريخ الثورة العربية فنحن هنا لا يهمنا إلا أن نعود (بفزيعة) الحارات إلى مكة بعد أن تم للجيوش العربية من سائر الأصقاع فوزها لإجلاء العثمانيين من بلاد العرب إلى حدودها الشمالية في أطنة تحت أمرة فيصل بن الحسين.
يهمنا أن نعود (بفزيعة) الحارات إلى مكة لنتابع الحسين في نهضته الجديدة وقد بدأها بتأسيس المدارس.
كنت أثناء ذلك من المواظبين على مدرستي التحضيرية في باب السلام رغم اعتقاد والدي بأن المدارس (بطالة)، وقيل لنا أن دراستكم التحضيرية قد انتهت، وأن الحكومة ستنقلكم إلى المدرسة الراقية في قلعة جبل هندي؛ لتدرسوا العلوم العالية فلم أفهم جميع ما قيل لي ولكني عرفت أن المدرسة فيها حركة. وأن (سيدنا) ينوي زيادة تعليمنا وكلمة (سيدنا) أصبحنا لا نطلقها في هذا السن على فقيه الكتاب الذي عرفناه فيما سبق بل هي لقب أصبحنا اليوم في فتوتنا الجديدة نطلقه على الحسين بن علي ملك البلاد.
وسمعت أبي في البيت يناقش خالتي (حسينة) فقيهتنا القديمة بعد أن أرسل في طلبها مستعجلاً، ويقول لها: (جاني مرسول من الشيخ غزالي رئيس مدرسة (الواد) يسألني هل أوافق على نقل (الواد) في القلعة يقرأ علوم، وإلا يخلوه في مدرسته يحفظ القرآن بالغيب؟).
(والله يا حسينة الواحد يحفظ القرآن بالغيب.. ينفع نفسه بكره أموت يقدر يقرأ على روحي.. يكون الولد في محل ما فيه (ختمه) إيش يسوي؟ يقدر يتلي من القرآن اللي في صدره زي ما يبغي.. والا إيش تقولي يا حسينة؟).
وترى خالتي حسينة أن المسألة لها أهميتها فتطرق برأسها ملياً ثم ترفعه وهي تقول:
(ما فش أحسن من حفظ القرآن بالغيب.. بكره لو احتاج هذا الولد بعد ما تغمض عينك يقدر يسوي كتاب ويقري الأولاد ويجيب فلوس.. روح يا عم صالح اتوكل على الله وخلي الواد يحفظ بالغيب.. وإلا مقصودك يسوي عالم؟!!).
ويعتدل أبي في جلسته وينفث دخان سيجارته (يا ستي على مهله يسوي عالم!!.. هو إذا حفظ اليوم (الختمة) وجوَّدها يسير بكره أحسن من العالم.. اتوكلنا على الله).
وهكذا بتَّ في مصيري وأنا على كثب من البرلمان المعقود دون أن أسأل في شيء. والواقع أنني لو سئلت لعجزت عن فهم ما يسألون ولو فهمت لرجوتهما تأجيل المناقشة، وإعطائي فرصة واسعة أتمتع فيها في برحة المروة وأروي حرماني الطويل بالجري والنط ومضاربة (العيال).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :427  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 81 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج