شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إربأ بنفسك..!
يعجبك في بعض قبائلنا هذا التوثب الحركي في أسواقنا رغم فقرهم وشدة حاجتهم وقلة ما يتداولونه كرأسمال لأعمالهم.
فهذه قبائل حرب على مختلف فخوذها اختلطت بكثير من أعمالنا ونسيت حياة السبهلل لا التي كانت تعيشها في وديانها المقفرة بين لحاف الجبال وشِعابها كما نسيت الفروسية الضالة التي كانت تواجه بها الحجاج بين الدروب والمسالك.
نسيت كل هذا وهي تعمل اليوم في مجالي الحدادة والسباكة والكهرباء كما يعمل فريق منهم في الخطوط الحديدية بين الدمام والرياض. وهم إلى جانب هذا يزاحمون أهم أسواق المدن الكبيرة بما يتجولون به من بضائع عديدة الأصناف.
وهذه قبائل الحجاز وعسير لا يقل نشاطها الحركي عن نشاط قبائل حرب. فقبيلة غامد تعلمت كيف تحترم كسبها الصغير وتنميه بشكل حاذق.. فمنهم اليوم تجار يزاولون عشرات المهن في المدن الكبيرة ومنهم ملاّك سيارات يسيِّرونها بين قراهم ومختلف طرق المملكة من الأطراف إلى الأطراف ومنهم ملاّك عقارات وأصحاب مقاهٍ وبساتين، وإذا أردت التجاوز ففي استطاعتك أن تقول مثل هذا أو ما يقرب منه عن أكثر القبائل في الحجاز وعسير وضواحي الطائف. ولا تنسى قبائل الشمال من جهينة إلى بِلي إلى كثير من الفخوذ المجاورة فأكثرهم عمليون قلَّ أن تجد من يحترف التسوّل أو يستعطي لقمة العيش.
ولكنك لا تجد هذا النشاط بارزاً في بعض قبائل الجنوب بين جدة إلى الليث إلى القنفذة إلى حَلِي، فثمة فخوذ لا أريد أن أسمّيها غفلت عن كثير من أبواب الكسب واستمرأت المسكنة وذل الاستجداء.
اللَّهم إن هذا لا يرضيك، فشهامة العربي وشممه وإباؤه لا تزال تلوح فوق جباههم المتغضنة رغم جميع الطوارئ التي تعرضوا لها.
إن ممّا يحز في النفس ويؤلمها جِدَّ الإيلام أن بلادهم لا تكاد تأزم لأي عارض سماوي أو أرضي حتى يتسللوا إلى أقرب مدينة لهم أفواجاً تتلوها أفواج يتبعهم أطفالهم ونساؤهم يصافحون الناس في مسكنة ويمدون أيديهم لطلب الإحسان لا فرق عندهم بين شاب صحيح البنية أو فتاة قادرة على العمل في بيوت المدينة.
أسأل الله أن يغفر لي بقدر ما تعرضت لهم، فهذا كبير العائلة يقف أمامي في بزته النظيفة ولحيته السوداء التي تشعرك بصباه تتبعه امرأة لا تقل عنه نشاطاً وصبية لا يتجاوزون المراهقة.. إنه يستجديني لعائلته التي هبطت من توها فيحتدم غيظي: "إنك يا صاحبي قادر على العمل.. وهذه الشابة صالحة للخدمة في بيوت الموسرين.. كما أن صبيتك تحتاجهم كل هذه الدكاكين والبيوت في أعمالها.. فما يمنعك أن تشمر وأن تبحث عما يليق بك وبهم من أعمال.. إن البلاد يا صاح في أشد الحاجة إلى الخدمات في البيوت والخادمين في سائر الأعمال، وأنت إذا أعجزتك الحيل لنفسك ففي استطاعتك العمل في عمران البيوت.. أنت ترى هؤلاء اليمنيين جيرانكم يتزاحمون في الأعمال عندنا.. وترى نساء التكارنة يخدمن في أعمال الغسل والتنظيف في كثير من البيوت وهن مصونات فاربأ بنفسك عن الامتهان وتمرن على الكسب من العمل".
أقول هذا وأكثر من هذا فلا يزيد عن أن يشيح عني بوجه يتصنع فيه ملامح الألم ليقول لي إننا.. مرضى..
مرضى!.. هذه هي الكلمة التي حذقوها وهي منتهى ما عرفوه من حيل الحياة على الارتزاق.
أتمنى إلى وزارة العمل أن تعير هذه القبائل لفتة خاصة تنقذهم بها من الجهل الذي يغمرهم فتفرض عليهم العمل وترشدهم إلى الوسائل العملية التي تصون شمم عروبتهم من ذل المسكنة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :384  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 48 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.