شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حرفة السباكة.. وشبابنا
تتداعى المعاني في ذهني بمناسبة ما كنتُ كتبته عن تكتلنا على أبواب الوظائف، فتذكرني بما وقع لي شخصياً قبل أسابيع، فقد قيل لي في البيت إن المياه غمرت أرض الحمام حتى تعذر دخوله، فأسرعت إلى التلفون أرجو إلى صديق لي من أصحاب المعارض التي تبيع أدوات الحمام أن يسعفني بأحد السباكين من عملائه ليصلح ما فسد في الحمام، فغاب نحو ساعتين ثم طلبني ليؤكد لي أنه أرسل في طلب عدة أشخاص يعرفهم فوجد الجميع مشغولين أو غير موجودين، وأنه يرى أن أنتظر إلى صباح اليوم التالي، ولكن انتظاري إلى صباح اليوم التالي أمر لا يمكن احتماله بعد أن طفحت بالوعة الحمام، فكلّفت سائقي أن يبادر فيجول بسيارته على كل المظان التي يؤمل أن يجد فيها سباكاً وأن لا يحضر من غير سباك مهما كلفه الأمر.
وأشهد أنه كان يومها على غير ما عرف الناس من مزايا السائقين إخلاصاً وبراعة، فقد صافحني وجهه بعد غياب أكثر من ساعة ونصف ساعة وهو يتنزى عرقاً فقلت مهيم؟؟ لعلّك سبع؟؟
فرفع صدره في عظمة المدل بنفسه وقال: سبع وأي سبع!! فقد غربلت البلد غربلة حتى وقعت لك على حضرته!!
وطالعني وجه حضرته من أول درجة السلم، وإذا شخصية تستاهل بحق أن تكون من أصحاب (الحضرات) تحتويها بذلة فيها كبرياء دكتور وأناقة وجيه.
ولا أكتمكم أن شيئاً من الخجل انتابني وأنا أصافح وجاهته وأتقدمه على الحمام. ولكنه ما كاد يقف على عتبته حتى نسي بزته الأنيقة وبدأ يشمر عن ساقه ليغوص في لجة الماء الطافح، وعن ساعده ليزج به في البالوعة دون أن يتوقف في انتظار إدارة حتى قطعة من حديد أو خشب تقيه غثاء البالوعة وأوساخها.
ولم تمض إلاّ دقائق حتى شرعت المياه الطافحة تأخذ مجراها دون أن يبدو على وجهه الشارق أي أثر للتأفف أو الاشمئزاز الذي تعودناه في كثير من ملابسات أعمالنا.
لا يعرف إلاّ الله كم أكبرت فيه هذه الرجولة الناضجة!
وما كدت أغيب عنه دقيقة حتى استوى أمامي نظيفاً في بزته الوجيهة وقامته الأنيقة، فتقدمت إليه بأتعابه وأنا جد مسرور.. وكانت أتعاباً لا تقل عن أتعاب طبيب يستقدمه إلى البيت أي مريض لعيادته.
ليت شبابنا الذي فاته ركب التعليم يدرك قيمة أمثال هذه الأعمال الحرة، ويعرف أنها لا تقلل شيئاً من مركزه أمام لداته، وأنها خير ألف مرة من أن يعيش (سبهللا) بين البيت والمركاز لا أمل له إلاّ في عمل فراش أو مراسل.
بل ليتنا نعرف أن التعليم لا يصح أن يكون حائلاً بين الشاب وعمله في أي مجال. فأمثال هذه الحِرف في سائر بلاد العالم ليست وقفاً على الأميين، فالأمية عندهم تكاد أن تكون ندرة بين الناس، وأكثر الممتهنين لأمثال هذه الحرف لا يقل مستواهم العلمي عن أكثر أندادهم من الموظفين.
إن المحترف في أمثال هذه المهن في العالم الراقي يشعر أنه سيد نفسه وأن قيمته الشخصية رهن بكفاءته في موارد الكسب.
ليت وعّاظنا فوق المنابر يضيفون إلى نصائحهم وصايا تبين مزايا الرجل الكسوب وأثره في دعم نهوض بلاده وإعزازها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :420  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 34 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج