شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إلى سيداتنا المثقفات
-1-
قال لي وهو يغالب دمعة تكاد أن تطفر من عينيه: ألا تجدون حلاً لما نعانيه منهن؟؟
قلت: إنها إشارة ناعمة لعلّها تنتهي إلى شيء أنعم.
قال: إذا كنت تراهنَّ ناعمات فإن أعمالهن لا تكاد تدانيها قسوة الحجر الصلد!
قلت: ليتك تفصح.
قال: إني أب لفتاتين ناهدتين، وطفلين أحدهما يحبو، ويتعثر الثاني في خطواته الأولى نحو المدرسة.
وأنا كما تراني أعمل في محل تجاري لقاء مرتب لا أشك في أنه سيكفيني مؤنتي وأهلي لو وجدت في بيتي مَن يتجاوب معي ويفهم دقائق ملابساتي.
قلت وما عليك إذا أنت دققت موازنتك الشهرية بعد حسم الاحتياطي طبعاً ومضيت تنفق في حدودها ما يتعيّن إنفاقه.
قال: إذن.. لماذا أشكو إليك ما دمت أملك حقوق تنظيم موازنتي؟؟ لقد نظمتها بنوداً، وجعلت لكل بند رقمه، وبلّغتها إلى أم الأولاد وزيرة الداخلية في بيتي ولكن مَن لي بمَن يعلّمها كيف تفهم؟!
هناك يا سيدي بند خاص بالكساء مثلاً أشتريه اليوم جديداً لكافة أفراد الأسرة فلا يكاد يمضي أسبوعان حتى يقال إنهم مدعوون إلى حفل زواج، وإنه يتعين عليَّ شراء ما غلا ثمنه وربما وجدتهم معذورين فتكلّفت ما يرونه واجباً وتحمّلت الدَّين في سبيله، ولكنه لا يكاد الشهر يتم حتى يُقال إنهم مدعوون إلى حفل (تَسْمَيةْ).
وأقول ليس في هذا ما يكلفنا فلا تزال الملابس الثمينة التي كلفناها يوم حفل الزواج وتكلّفنا الدَّين في سبيلها لا تزال محتفظة برونقها فتضحك الأم لبلاهتي وتضحك الفتيات لضحكها.
لقد شوهدت الملابس عليهنَّ في حفل الزواج! فهل يلبسنها مرة أخرى في حفل آخر؟
إنني في نظرهنَّ أشد سذاجة من أي أبله وأنا أبدي مثل هذا الرأي.. وإنهنّ لا يصح أن يحتملن استهانة السيدات بهنّ، وهن يكررن لبس (فستان) لَبِسْنَه مرة من قبل هذه.
وبذلك تظل أم الأولاد تحاضرني فيما يجب عمله لتثبت قيمتها الاجتماعية وقيمة فتياتها بين السيدات، ويجهش الفتيات بالبكاء عند كل مقطع من المحاضرة، كما نصفق نحن بالضبط لكل جملة راقتنا ونحن نستمع إلى محاضر كفء.
ترى ماذا أفعل؟؟
هل أتكلّف الدّيون بعد الأخرى في سبيل تقليد لا أعقله فتضطرب موازنتي ويرتبك عيشي وأذوق ذل الدَّين ومرارة الفاقة؟
أم أقف عند رأيي منصوب القامة فيشتعل البيت ناراً وتسوء علاقتي بأم الأولاد وفتياتي إساءة لا يغسلها شيء؟
أؤكد لك أنني في سبيل أن أتفادى كل هذه الشرور اضطررت للتذلل لرئيسي في العمل، وبعد أن استمعت إليه من توبيخي به تنازل بإعطائي قرضاً جديداً أضيف إلى الدَّين القديم فكان ضغثاً على إبالة.
-2-
ولم تمض على هذا أسابيع حتى قيل لي إن عائلة فلان وصلت من السفر!!
حمداً لله على سلامتهم.. فهل من جديد؟؟
- أجل.. فنحن سنحضر الحفل الذي أقاموه.. وأنت تعرف ما يجب.. إن كل الفساتين التي نشكرك على ما بذلت في سبيلها أصبحت ملبوسة.. وأنت لا يرضيك أن نعود فنلبسها مرة ثانية.. نسأل الله أن يساعدك فتشتري لنا من هذه العينات التي (فنَّت)، فنحن لا نريد أن نكون أقل من عائلة فلان أو بنات علان.
وثمة شيء آخر.. لا بد لنا -وأنت سيد العارفين- أن نصطحب معنا ولو بعض الهدايا، فقد سبق أن أهدونا يوم (طهور سامي)، ويوم عودتنا من المدينة في الشهر الماضي.. وأنت لا تقبل ذهابنا في أيدٍ فارغة.. يكفينا ولو بعض الواجب.. تكفينا ثلاثة (فساتين) نقدمها ثلاثتنا لسيدة البيت وسنغض الطرف عن الباقين مرغمين.
أرأيت؟؟ إنه بعض الواجب.. وإنهن سيرغمن فيغضضن الطرف!
هذا ما سيكون من أمرهن.. أما أنا.. أنا المثقل بالديون.. المرهق بالهموم.. المضطربة حياتي ومعاشي.. أنا المسهد الذي لا أنام أكثر ليلي لطول ما أفكر فيما آل إليه أمري من شدة ارتباكي.. أنا.. أنا يا سيدي لست في حسابهن.
ثق يا سيدي أنني رجل أحب أن تمضي أموري على نظام مقدر.. ولقد عشت قبل زواجي أتقبل عسر الحياة بنفس الروح التي أتقبل بها اليسر.. عشت أضغط على نفسي وأجالدها إذا عسرت تفادياً من أن أكابد هموم الديون وأُستذل لأصحابها، أو يرتبك معاشي في سبيل سدادها.
ولكنني اليوم لا أجد مَن يفهمني.. إنهنَّ في بيتي أسيرات لتقاليد لا يستطعن عصيانها بأي حال.. وعليَّ وحدي تقع كل هذه التبعات.
أنا اليوم أعاني من الديون ما لا يطاق حمله.. ومع هذا وبالرغم منه فأنا معرَّض في كل يوم جديد لتقليد جديد يثقلني بديون جديدة.. وقد حاولت مراراً لأجرب وقوفي منصوب القامة، فرأيتني بين اثنتين إمّا أن أعلنها حرباً فأفقد عائلتي وبناتي، وأُطرد من قلوبهن، أو أستخذي فتفنى حياتي كما تفنى الشمعة بعد طول احتراق.
قال هذا.. ثم ما ملك أن تهالك أمامي على الكرسي في إعياء يتفطر له الفؤاد.. ومضت دقائق طويلة استفاق بعدها بعض الشيء فوقف يودعني وهو يترنح ويسألني هل تستطيع الصحافة أن تفعل شيئاً لهذا الذي نقاسيه؟!
ورأيتني بعدها أفكر بدوري: هل تستطيع الصحافة أن تفعل شيئاً لهذا الذي يقاسيه الناس؟
الواقع أن في بلادنا نهضة نسائية شملت أهم المدن، وتجند لها أبرز المثقفات في بيوتنا فما يمنعهنّ وهنّ العاقلات أن يغضبن لمثل هذه المظاهر الزائفة التي باتت تفتن العائلات وتثير الشرور بين الرجل وزوجه وبناته.
إنهنّ خير مَن يعرفهن أن تعسف السيدة وهي ترفض لبس فستان جديد لأنها شوهدت تلبسه مرة سابقة شيء لا يقره منطق ولا يصدقه عقل.
ومن خير مَن يعرفن أن أكثر هذه التقاليد التي شاعت بينهنَّ طالما سببت مشاكل وهدمت بيوتاً وأفقرت رجالاً.
وأنه لا يعالج كل هذه الشكاوى إلاّ أن تغضب المثقفات غضبة صارخة فيجمعن على أن يبدأن بأنفسهن فلا يرتدين لأبهى الحفلات إلاّ ثياباً سبق استعمالها، ولا يتقدمن في كل المناسبات إلاّ بهدايا رمزية لا تزيد عن قارورة عطر، أو صحبة ورد، أو منديل حريري، أو شيء من فاكهة.
إننا ننتظر غضبتهن كما ننتظر اسم السيدة الكريمة التي تجرؤ على تحدّي سائر هذه التقاليد بعزم ثابت وقوة واكدة.. رحمة بالرجال وخدمة للاقتصاد العام.. فهل يسمعننا؟؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :382  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

التوازن معيار جمالي

[تنظير وتطبيق على الآداب الإجتماعية في البيان النبوي: 2000]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج