شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بَين القَديم والجَديد
قال صاحبي: ألست ترى من حق الشباب أن يحتاروا بين مَن يتحمس للقديم، ويرى أن على الشاب ألاّ يعدل به جديداً وبين مَن ينبذ الارتباط بالقديم ويرى أن على الشاب أن يكون ابن عصره بكل ما في هذا من معنى.
قلت: أحسب أننا ناقشنا مثل هذا قبل اليوم، وأنه كان من رأيي أن مَن لا قديم له لا جديد له، على ألاّ يرتبط بالقديم ارتباطاً كلياً ينسى فيه ملابسات القرن الذي يعيشه، فليس من طبيعة الحياة ولا من سننها أن يقف الإنسان حيث وقف وإلاّ لظل إلى اليوم يعيش في الغابات حيث عاش أجداده الأعلون، ولما تقدم خطوة واحدة في سلم الحضارات.
إنك اليوم تنصت إلى من يخاطبك من بيته في أمريكا وأقصى بلد في أوروبا فلو وقفت الحياة عند أول مرحلة عاشها رجل الغاب لظللت إلى اليوم تحيا حياتك بين الرفش والفأس يظللك كهف غائر أو دوحة عريضة الظل.
لقد عاشت الأجيال قبلنا لا ترى أن لون الحياة التي تحياها هي نهاية المطاف، بل كان طُموحها يمتد إلى أبعد مما تعيش، ولهذا ظل الجيل بعد الجيل يرقى في سلم الحياة مرقاة كان لا يعرفها جيل سابق كما ظل تفكيره يتسع لأفق أرحب مما كانت تتسع له أفكار أجداد عاشوا قبله.
عاشت الحياة تتدرج بأبنائها من واسع إلى أوسع، ومن درجة إلى أعلى منها.
من هنا كان التطوير، من هنا استطاع الإنسان أن يغزو القمر، وأن يعيش في أعمق أعماق البحر ليدرس ويحقق ويستنتج، ومن هنا استطاع أن يبز الطيور في أجواء تعجز عن منالها بشكل كانت لا تحلم به أجيال سبقت، ومن هنا استطاع أن يصافح ثبج البحار في أمان لا يضارعه أمان، ومن هنا استطاع أن يهبط من طبقات الأرض إلى آلاف الأميال ليستخرج من معادنها أنواعاً كان لا يتخيلها عقل.
ومن هنا كان تطور العلوم والفنون والآداب والأفكار والنظر إلى مثل الحياة شيء لا بد منه لنواميس الحياة.
لا ننكر أن ثمة مصادفات قد تنشأ لظروف خاصة تعوق التطوير حيناً من الدهر قد يقصر هذا الحين وقد يطول، ولكنه لا يدوم لأن الوعي المدرك لا تنطفئ ذبالته مهما تكالبت عليه الظروف، فهو لا يلبث أن يسترد وهجه لتستأنف الحياة خطواتها ولو في شكل وئيد في ضوء الذبالة التي شعّ وهجها ببصيص من النور.
لا يجب أن يقف الشاب حيث وجد أباه لا يحيد عنه شعرة، فذلك لون من الخمول الذهني من شأنه أن يعوق تطوير الجيل وأن يقف به عند مرحلة معينة بينما تتسابق الأمم في مجالات رحبة الآفاق.
كما لا يجب أن ينسى قديمه كل النسيان ليبني على غير أساس فما شيد صرح من غير أساس إلاّ كانت نهايته الانهيار.
عليه أن يأخذ من قديمه تجارب من سبق من أسلافه وما حققوا في ميادينهم لينطلق بعدهم من حيث انتهوا بعد أن يستعير من أحدث الأمم أحدث الأفكار التي لا تتعارض وما ورث من مثل عليا.. فالجديد بحذافيره يشوبه من الغث ما يتنافى والمثل العليا، والقديم بكل علاته وقوف لا يتفق مع سنة الحياة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :325  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 121 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج