شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتور محمد سليم العوا))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد، أيها الإخوة الأجلاء الكرام، هذه دعوة وجهت إلي منذ ثلاث سنين، ولم يسعفني الحظ أن ألبيها إلا اليوم، وبعد أن استمعت إلى ما تفضل به علي الإخوان، وطوقوا به عنقي من أقوالهم التي لا أستحقها، تمنيت أن هذه السنة مضت كالسنوات السابقة، وجاءني ما يعوقني عن تلبية دعوة أخي الجليل الكريم، الشيخ عبد المقصود خوجه، قلت: ما لك أنت، وما أن تجلس بين إخوان ومحبين يقسمون ظهرك بالثناء عليك، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يمدح بعضنا بعضاً في وجهه، وقال لمن مدح الرجل في وجهه، قصمت ظهر أخيك، أو ما هذا معناه، وكنت أشعر وأنا أصدقكم، أن الإخوان يتكلمون عن رجل غريب، وليس عني، عن شخص أتمنى أن أعرفه، وأحب أن يكون بيننا، ولكنني والله لا أعلم في نفسي ما يظنونه بي، وإنما أنا واحد من خدم هذه الأمة، الذين لم يبلغوا في خدمتها مبلغ طلاب العلم، فضلاً عن أن يبلغوا مبلغ العلماء الذين وصفوا، والعلماء الكبار الذين ذكروا، أرجو أن يكون حسن ظنهم بي بمقدار ما يعرفون من حقيقتي، وما أعرف من حقيقة نفسي، أنا مدين لكل واحد منهم بمحبته، ولكنني عاتب عليهم أن قالوا ما قالوه في شأني، فقد كنت أتمنى أن أسمع منهم ما يرونني مخطئاً فيه، وما قال عدد منهم وهو صادق أنه يخالفني الرأي بشأنه، وأن تكون هذه الليلة ليلة تحد فكري وعقلي، فأواجه بما أخطأت فيه من الكلام، ومن الأفكار، ومن الأعمال، أحاول أكون في موقف المدافع، وأنا أجيد هذا الموقف، فأنا محام، أستطيع أن أدافع عن الناس، فكيف لا أستطيع أن أدافع عن نفسي، لكن إخوان حال بيني وبين أن أقوم بما أحسن القيام به، ودعوني إلى أن أقوم بما لا أستطيع أن أؤديه حق أدائه، فسامحوني إن قصرت، أو أخطأت، فذلك شأني، وسامحوهم إن قالوا أكثر مما أستحق، فذلك من حسن خلقهم وفضلهم وعظيم إكرامهم لإخوانهم وضيوفهم، كما قال أخي الجليل العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، إن السنين لا تدل على عمق المعارف، وإنما الذي يدل على ذلك هو التقاء الأرواح، وتبادل الأفكار، والانسجام الذي يقع بين ذوي العقل عندما يتبادلون آراءهم عندما يطرح كل منهم ما عنده على أخيه، فبيني مثلاً وبين أحد الإخوان الكرام الحاضرين الأستاذ الدكتور سعيد يحيى، أكثر من واحد وخمسين سنة أخوة وصداقة لم تنقطع يوماً، ونختلف كثيراً، ونتفق كثيراً، ولكن هذه الأخوة لم تتأثر قط بالاختلاف ولا بالاتفاق، وبيني وبين أخي الكبير، وأستاذي وشيخي العلامة عبد الله بن بيه، زمن أقل من ذلك بكثير، نحو عشر سنوات تقريباً، لكن هذه السنوات العشر، لم تخل سنة منها من مواقف نتفق فيها، ومواقف نختلف، فإذا اختلفنا غلبني، فهو شنقيطي حسن اللغة، يحفظ الشعر، يقرضه على البديهة، وأنا اسكندارني مسكين أقصى ما عندي سمكة أصطادها، وآكلها، فطبعاً أسلم له تسليماً مباشراً، فإذا عدت إلى مكاني، رجعت الأمر وكاتبته، أو عاتبته، أو أوفدت له أخي الحبيب الذي يجلس بجواره الشيخ عبد الله فدعق، وهو حسن الرسالة والوساطة بين أحبائه وإخوانه، أما أخي العزيز الشيخ محمد الصباغ، فقد كانت جيرة طويلة أكثر من عشر سنوات في بيتين قريبين، ومسجدنا الذي نصلي فيه واحد، وممشانا الذي نمشي فيه واحد، ونلتقي في كلية التربية مرة أو مرتين في الأسبوع، ونجتمع في بيوتنا اجتماعات كثيرة جداً، وهو شامي، وفيه حمية الشاميين وعصبيتهم، فإذا قلت كلاماً لا يعجبه، قام وقال:.... ايش تقول؟ أخاف، ويركبني الرعب، مع أن أصولي شامية مثله، ولكن نهر النيل، وبحر الإسكندرية، ضيع الشامية التي كانت عندي، فكنت أسلم له فوراً، ثم نلتقي إذاً، فأحاوره وأداوره، فإما أرجع عن رأيي وهو الأغلب، لأنه هو الأصوب في أغلب الأحيان، وإما يقول لي: أنت عندك حق يا محمد، فأفرح بذلك فرحاً شديداً، ولا أزال، ولعله لا يعرف ذلك، لا أزال أحتفظ برسالة منه، أرسلها إلي بعد أن عدنا من السودان في رحلة علمية كنا نشارك فيها، في التدريس في جامعة أم درمان، رسالة مفعمة بمشاعر المحبة والأخوة والدعاء الصالح -أتمنى أن يجعله الله من نصيبي، وأنا أقرؤها لأولادي، ولإخواني كلما جاءني ذكر أبو لطفي، فأقول لهم، شوفوا هذه الرسالة، هذه هي التي بيني وبين أخي الحبيب الشيخ محمد الصباغ، محمود سفر هذا كانت أخوة طويلة، وخناقات طويلة، محمود سفر كان عضواً في المجلس الأعلى للتعليم العالي لدول الخليج، وأنا أعمل في مكتب التربية، يعني مستشاراً مسكيناً، ولكنني مستشار لا أستطيع السكوت على ما لا أراه صالحاً، هو أستاذ هندسة، وأنا أستاذ قانون، المهندسون هؤلاء يظنون أنفسهم أنهم صادقون، أكثر الناس فهماً لأنهم هم الذين ينشئون المباني، والإنشاءات التحتية والفوقية، والكهرباء والتليفونات، وهم ابتاع كلوا، ونحن لا نعرف شيئاً إلا في مهنتنا، فكان كثيراً ما يقول لي: اسكت يا محمد، فأقول له: اسكت يا محمود، وبعد ذلك نخرج، فلا نجلس على الغذاء إلا معاً، ورحم الله إبراهيم كاظم الذي يظننا أننا قد خسرنا بعضنا، فإذا وجدنا نتغذى أو نتعشى معاً، (تسكتو، تتخانقو مع بعض، إيه اللي مقعدكم مع بعض) فنقول له: هذا الذي بيننا هو الذي يوثق المحبة، ويزيد الأخوة، ويمكن لهذه الرابطة الإنسانية الصادقة أن تنتج هذا الذي أنتجناه كله، أخي الكبير، وهو يقول أستاذي العوا، وأنا في الواقع أقول أستاذي أحمد زكي يماني، أخي الأكبر الشيخ أحمد زكي يماني، له علي من الأيادي البيضاء الأخوية ما لا أذكرها، ولا أحب أن أذكرها، لكن يده الكبرى هي عمله في إنشاء مركز مقاصد الشريعة الإسلامية التي أشعر أنا أنه جميل خاص أسداه إلي، لأننا كنا نتحدث عن الموضوع سنين طويلة، ولا نجد وسيلة لإنجازه، فلما هدى الله إلي فكرة عرضتها عليه، بادر بتنفيذها كما لو كانت هذه الفكرة ستأتي له بالملايين، وهي لا شك تأتيه إن شاء الله يوم القيامة بملايين الصالحات التي يكتبها الله له، لكنني كلما أصدر مركز دراسات المقاصد شيئاً جديداً، أو عقد ندوة أو عمل محاضرة، ومن أركانه معالي الشيخ عبد الله بن بيه، من أركان مركز دراسات المقاصد، ومن كبار مفكريه وعلمائه، كلما عمل شيئاً جديداً، أقول الحمد لله، زكي يماني أهدى إلي معروفاً آخر من معروفاته الكثيرة، فأن يقول عني اليوم مقال، هو صادق فيما قال، لكنني كنت أتمنى أن يقول لي انتقاداته التي يقولها لي سراً بيني وبينه، ولا يقبل أن يذيعها لأحد، هذه كلمة شكر واجبة لكل الذين أثنوا علي أخي الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، كما وصلت لأكثر من خمسين سنة من أيام التلمذة، ورحم الله أباه الذي هاجر من تركيا ليعلم اللغة التركية في جامعة عين شمس بالقاهرة، بعد أن وقع في تركيا ما وقع على الخلافة العثمانية جاء مع الرعيل العظيم من العلماء، الشيخ صبري أفندي، شيخ الإسلام، والشيخ إسماعيل إبراهيم حلمي القادري، شيخ الأحناف في زمانه في بلدنا الإسكندرية، وعشرات الأتراك الصالحين، الذين تركوا أعظم الأثر في نفوس أبناء مصر حتى اليوم، ومن هذه الآثار كان أكمل الدين، وعملنا معاً مستمر وقديم ولم ينقطع أبداً، ولكنه كذلك يعطيني أكثر مما أستحق فيما يقول عني، أكثر ما أسعدني في هذه الكلمات التي استمعت إليها، هي كلمة راعي الاثنينية الرجل الفاضل الطيب الشيخ عبد المقصود خوجه، الذي ذكره ما يراه حسناً، وذكر ما يراه محل انتقاد، فذكر في اتحاد علماء المسلمين أنه ظاهرة صوتية، وهو يتمنى أن لا يكون كذلك، وذكر في العمل الثقافي والدعوي أنه عمل ينبغي أن ينظم ويؤطر حتى يستطيع أن يؤتي أكله، وذكر في الصحوة التي أدعو إلى ترشيدها، وإلى الوحدة الوطنية التي أدعو إلى ترسيخها بين أبناء مختلف الأفكار الإسلامية في ناحية، وبينهم وبين أبناء الأديان الأخرى في الوطن الواحد من ناحية أخرى، ذكر أنها زاوية منفرجة أشبه بزاوية المدينة الفاضلة التي لا تقبل التحقيق أبداً، هذا الذي قاله كله أسعدني سعادة بالغة لأنه يمكنني من أن أقدم بين يديه وبين يدي إخواني الحاضرين جميعاً، كيف أنظر إلى هذه الأمور، وكيف أحاول أن أؤدي دوري فيها، أحب أن أقول لحضراتكم، أن هناك فارقاً كبيراً بين الذي ينظر إلى الموضوع ويتأمله من بعيد، وبين الذي ينغمس فيه ويغرق إلى أذنيه في مياهه ويشربه، ويأكله وينام به ويصحو عليه، الأخير يرى ما لا يراه الأول، ويدرك ما لا يدركه الأول، نحن في مصر لدينا جمعية عمرها عشر سنوات فقط اسمها جمعية مصر للثقافة والحوار، أنشأها عدد من الشباب الطيب الصالح، وكلفوني أن أكون مسؤولاً عنها، وبدأنا فيها برنامجاً منذ عشر سنوات، وسميناه معالم الثقافة الإسلامية، ووصفناه لإخواننا يوم أن بدأنا بها كاللوحات المقطعة، تعرفون هذا الذي يلعب به الأطفال لوحة فيها شجرة، أو مسجد وفي الغرب كنيسة، أو بيت، وتقطع إلى قطع غير متساوية، وتعطى للطفل ليختبر ذكاؤه، هل يستطيع أن يضع كل قطعة في مكانها أم لا، يسمونها بالإنجليزية (PUZZLE) وقلت لإخواني في الجمعية، نحن أمامنا هذا الإسلام العظيم مقطع الأوصال، واحد يعرف الصوفية، ولا يعرف شيئاً آخر غير التصوف، ويرى أن التصوف هو الإسلام كله، وواحد يعرف السلفية، ولا يرى أن هناك إسلاماً إلا إسلام السلفيين، بأوصافهم كلها، وثالثاً حنفي لا يرى مذهباً لا يجوز أن يقارن أصلاً بمذهب الإمام الأعظم، وكفى به أنه الإمام الأعظم، ورابع يرى أن مالكاً إمام المدينة الذي يوشك الناس أن يضرب أكباد الإبل يريدون عالماً فلا يجدون إلا عالم المدينة، وخامس يرى أن محمد بن إدريس هو مؤسس الأصول، وهو الذي نافح عن السنة، وهو الذي دافع عن منهج الصحابة، ورحل من الحجاز إلى اليمن إلى العراق إلى الحجاز، إلى مصر، ونشر علمه في الدنيا، فلا يجوز أن يقارن به أحد، وآخرون يقولون هذا الإسلام شيء قديم، مضى عليه الزمن، وأفنى عليه الدهر، شيء عمره 1430 سنة من الهجرة تأريخكم يسبقها 13 سنة في مكة، 1443 سنة ماذا تريدون أن نحيا فيه، خليكم من هذا ولنمشي على ما مشى عليه أصحاب الحضارات الحديثة من مخترعات ومبتكرات، وآراء وأفكار، وعقائد وشعائر أيضاً، لأن هذا هو طريق التقدم، قلت لإخواني وأخواتي ونحن نبدأ برنامج معالم الثقافة الإسلامية، نحن نريد أن نضع كل قطعة من هذه اللوحة الممزقة في مكانها حتى إذا قيل أمام واحد منا، فهم أين هم من المذاهب الإسلامية الأربعة، ثم أين هم من المذاهب الإسلامية الثمانية، ثم أين هم من المذاهب الثلاثة والعشرين التي قال الإمام الشافعي أنه وجدها في مصر لما جاء إليها، وإذا قيل أمامه صوفي، عرف أن الصوفية أنواع وطبقات، وأن للناس فيها أذواق، ومواجيد، وأن هذه الأذواق والمواجيد ليست كلها على طبقة واحدة، وإذا قيل له السلفية، عرف أن هناك سلفية صالحة مستنيرة صالحة صادقة ترد الأمة إلى ما كان عليه الصدر الأول، وأن أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أنه يريد أن يكون كما كان الصدر الأول، وأن هناك سلفية مخطئة، تريد أن تحمل الناس على قول واحد، ورأي واحد. من أول أصغر الأمور كيف تلبس نعليك، وكيف تضع يديك إذا وقفت للصلاة، إلى أكبر الأمور كيف تدير نظام الحكم، وكيف تصنع، وكيف تؤسس المؤسسات التجارية والصناعية، فإذا قيل سلفية أمام المريدين الذين يحضرون في جمعية مصر للثقافة والحوار الآن، سيعرفون أن هذه السلفية طبقات ومراحل، وأن هناك سلفية أحمد بن حنبل، وسلفية ابن تيمية، وسلفية الوهابيين الذين ظهروا في نجد، وقامت بهم الدول السعودية الأولى والثانية والثالثة، وهناك سلفيات أخرى في أماكن أخرى من العالم، معنا سفير أفغانستان المحترم، وهناك سلفية في أفغانستان عجيبة، وغريبة، لم يأت بها أولون، وإن شاء الله لا يلحقها آخرون، نحن في هذه الجمعية مثلاً بدأنا بهذه الطريقة، كان عندنا شباب أزهريون كثر يحضرون هذه اللقاءات، وكنا في أول الدروس، وبالذات في السنة الأولى والثانية، كلما انتهينا قام واحد منهم بعد واحد، يرد علينا بما قرأه في المدرسة، أو الكلية الأزهرية، أو قاله له شيخه، في المتن الفلاني كذا، في الحاشية الفلانية كذا، الشيخ الدسوقي المالكي قال كذا، وأنت تقول أن عبد البر قال كيت، بينما الفتوى ليست على كلام ابن عبد البر، الفتوى على كلام الشيخ الدسوقي، فكنا نحاول أن نقربهم إلى المنهج الذي نسعى أن نقربهم إلى ترسيخهم، ونتلطف ولا نفعل كما كان يفعل معنا أشياخنا، بعض شيوخنا كان يضربنا إذا سألناه سؤالاً، أنا تذكرت الآن كتفي يؤلمني من ضربة ضربها لي شيخي ذات يوم، لأنني سألته سؤالاً في المنهج لم يكن يعجبه، وكان قوياً جداً، وأنا طالب صغير، فضربني ضربة لا يزال أثر ألمها أشعر به كلما ذكرته، فكنا نأخذ هؤلاء بمنهج مختلف، الآن انتشر هؤلاء تخرجوا، واشتغلوا في بلاد أخرى، بعضهم في مصر، في مدن أخرى غير القاهرة، وبعض في البلاد العربية، وهم الآن دعاة لمنهج التكامل الإسلامي الذي يرى في هذا الإسلام مظلة عظيمة الاتساع لا تضيق عن أحد ممن شهد الشهادتين، وآمن بالأركان الخمسة للإسلام، وبالأركان الستة للإيمان، وهم يرون هذا عن يقين، وعن صدق اعتقاد، ويدرسون ما يحولهم من طلاب صغار متعصبين، إلى مشاريع العلماء هائلة التأثير في المجتمعات التي يعيشون فيها، أنا عندما أقول هذا لحضرتكم، حضراتكم تسمعونه مني، لكن الناس في الشوارع، والمساجد، والزوايا، والمدارس يرون هذه الأمثلة الحية، ويتأثرون بهم، نحن الأمة الإسلامية والعربية، لم نهزم في يوم، هزمنا في قرون، وهزيمتنا بلغت ذروتها يوم دخل الاستعمار بلادنا، فأقام بـ 120، و130، و150، و76 في مصر وما إلى ذلك، ونجت بلدان أو ثلاثة بلدان فقط من الاستعمار، لكنها تأثرت بمناهجه، وأفكاره، وآرائه، وثقافته، نحن نحاول الآن الخروج من أسر الثقافة الاستعمارية، إلى فضاء الحق الإسلامي الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وبلغه لنا أصحابه، وبلغه عنهم تابعوهم، هل تعتقدون أن هذا الأمر يمكن أن يبلغ غايته أو يصل إلى نهايته، في سنة أو سنتين أو عشر سنوات، هذا يحتاج إلى أجيال، هذا يحتاج إلى أجيال بعد أجيال من العلماء الوسطيين العقلاء، الذين يؤمنون بهذا الدين ويحبونه عن يقين بصدقه، وقدرته على إصلاح أحوال الناس، لقد وجدت الأستاذ الشيخ الإمام، أنا أعرف أن الكثير من إخواني وأحبائي أهل نجد بالذات، لا يحبون أن يقال عنه الإمام، لكنه إمام والله، الإمام محمد عبده، وجدت له كلمة غريبة جداً، قال: السلفية الحقيقية، هي النظر في أصول الدين على منهج سلف الأمة قبل بزوغ الخلاف، والرجوع إلى هذا المنهج لإصلاح الدنيا بالدين، طيب من الذي يستطيع أن ينكر أن هذا هو المعنى المطلوب عند كل عاقل، للعودة إلى الأصول الأولى، المطلوب للعودة إلى الأصول الأولى هو أن نصلح دنيانا بما أمر به ديننا، فإذا مشينا في هذا الطريق واتبعناه، لن ننجز ما نريده في يوم القوى المعادية، والقوى المعاكسة، والقوى المغفلة، والعقول المقفلة، هذه كلها عوائق، لكننا لا بد أن نتلطف، ونترفق، ونصنع كما صنع نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، عندما لم يقل للناس أول ما قال: لا تشربوا الخمر، كما في الحديث المروي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: لو قال لهم أول ما قال لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، وإنما تلطف بهم، بل تلطف القرآن بهم، فأنزل لهم في مكة المكرمة، تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقًا حَسَنًا (من الآية 67: النحل) أخذ يدرجهم إلى أن قال: (فاجتنبوه)، فلما قال: اجتنبوه، أفرغوا ما في كؤوسهم، وقالوا: انتهينا يا ربنا، انتهينا، هذا ليس منهجاً نبوياً فقط، هذا درس نبوي للأمة وللمصلحين فيها، وعلى هذا الدرس نحاول أن نقوم، ونحاول أن نفعل، مشروع آخر أحب أن نذكره لحضراتكم، لأن آثاره لا تزال تملأ نفسي، وتشعرني بفضل من الله ونعمة سابغة، لا أستطيع أن أشكرها ولو صليت له آناء الليل، وأطراف النهار، في العام الماضي اتفقنا في اجتماع مجلس الأمناء للاتحاد العربي في الدوحة بحضور فضيلة الشيخ بن بيه، والأخ الحبيب السيد عبد الله فدعق على أن ننشئ في القاهرة مشروعاً سميناه مشروع شباب العلماء، وكان أقصى أملي أن ينضم إليه ما بين 50 إلى 60 عالماً، اشترطنا أن يكون خريج كلية شرعية، يعمل بالعلم الشرعي في التدريس أو المساجد، شروط علمية، ففوجئنا بأنه قد جاءنا وسجل لدينا 486 رجلاً وامرأة، وكانت النساء بالنسبة إلينا مفاجئة، لأننا ظننا أن النساء اللاتي تخرجن، خلاص كل واحدة منهن تتزوج وتنشغل بأولادها، فإذا بالنساء الفضليات خريجات الكليات الشرعية، يأتين بأعداد هائلة، كان أعداد النساء أكثر من 62 امرأة، يمكن 64 أو 65 امرأة، نسيت العدد بالضبط، والعدد الكلي، كان أكثر من 430 رجلاً وامرأة، ثم كانت المفاجأة الكبيرة، في أول يوم من أيام المحاضرات، جاءني مجموعة من الشباب من بلاد إفريقية، ومن بلد آسيوي أو اثنين، وقالوا نحن من طلاب الأزهر في الدراسات العليا، ودرسنا في بلادنا كذا وكذا، الذي مذهبه مالكي، درس المذهب المالكي، والذي مذهبه شافعي، درس المذهب الشافعي، ونريد أن نلتحق بالدورة، فقلت: تفضلوا ما المانع، الدورة مفتوحة، قالوا لقد وضعت رسماً غالياً جداً، نحن لا نستطيع سداده، فاستدعيت الأخ مدير المشروع، وقلت له: ألم نتفق على خمسين جنيهاً، قال: نعم، اتفقنا على 50 جنيهاً، فأنا قلت لهم: ترون أن خمسين جنيهاً لهذه الدورة كثير، قالوا: يا أستاذ، أنت لا تعرف شيئاً، فقلت: كيف لا أعرف شيئاً، فقالوا: نحن لا نجد 50 قرشاً، حتى ندفع لك 50 جنيهاً، فاتفقنا أن يقبل جميع الطلاب القادمين من أفريقيا وآسيا، وكان عدد هؤلاء الطلاب 105، وقبلوا مجاناً، وحضروا معنا الدورة التي انتهت في الشهر الماضي، خلصت الدورة وانتهينا، والحمد لله، استفادوا فائدة عظيمة، لكن كان أسهل وأقرب إلى نفوسنا، ويفعمنا بالرضى بنعمة الله والاعتراف بفضله أمران، الأمر الأول: رسالة أتتنا عبر البريد الإلكتروني، من فلسطين المحتلة، من فلسطين 48، وليست من الشيخ رائد صلاح، وإخوانه من الإخوان المسلمين الذين يقومون بالتدريس بأنفسهم، وإنما من مدرسين في مدرسة أنشئوها بأنفسهم، وسموها مدرسة الرحمة، تدرس العلوم الشرعية للطلاب والطالبات على قدم سواء، وقالوا عندنا 82 طالب وطالبة، في سنة التخرج، ويرون هذه المحاضرات على قناة إسلام أون لاين، وعلى موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ويريدون الالتحاق بالدورة عبر البريد الإلكتروني، ويرسلون إليكم إجابات الأسئلة التي تحددونها وتصححونها لنا، فمن نجح يحصل على الشهادة، ومن لم ينجح لا يحصل، فقلنا والله أهلاً وسهلاً، لكن كيف تتواصلون وأنتم داخلي، فقالوا: لا، هذا تقبلونا ولا عليكم، تقدم إلينا 82 بحثاً، لم يتخلف رجل ولا امرأة، قدموا اثنين وثمانين بحثاً، وكل البحوث التي قدموها من أرقى ما يكون لغة وفهماً للموضوع، بل إن أجمل ما فيها انتقادات هائلة لبعض المسائل التي أثرناها، وأنا لأنني لا أستطيع أن أنتقد نفسي، ولا أحب أن أنتقد إخواني، أنا درست لهم قضايا أصولية، خمسة عشر قضية أصولية، ليس على منهج تدريس الأصول المعروف، وإنما على منهج تفتيح العقول، وتدريب الناس على الملكة الأصولية والفقهية، فكان من بين القضايا التي درستها لهم قضية الإباحة، الأصل في الأشياء الإباحة، هذه قاعدة معروفة عندنا، هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا (من الآية 29: البقرة) والأدلة التي تحفظونها كلكم أكثر مني، لكن بالدرس والبحث، أنا اكتشفت أن الإباحة التي يقول معظم فقهاءنا أن من حق الحكام تقييدها، هي نوع من الإباحة غير الإباحة الأصلية، غير الإباحة التي نص عليها القرآن الكريم أنها جائزة، فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ... (النساء: 3) طبعاً، هذا سيسر إخواني الرجال، وسيضايق أخواتي النساء، لكن أنا أتحدث الآن عن الحكم الشرعي، أقول هذه الإباحة التي نص عليها القرآن الكريم لا يستطيع أحد من الحكام أن يمنعها ويقول تزوج امرأة واحدة، هذه إباحة ربانية لا يملك أحد التدخل فيها، لما يقول رب العالمين: وَإِذَا حَلَلْتُم فَاصْطَادُواْ (المائدة: 2) بعد أن كان الصيد محرماً علينا ونحن حرم، صيد البر، فيقول ربنا: وَإِذَا حَلَلْتُم فَاصْطَادُواْ (المائدة: 2) فلا يستطيع أن يأتي أمير مكة أو ملك المملكة أو شيخ المفتين فيها، ويقول: والله حرم الصيد على الناس بعد الحج، لا يا أستاذ هذا لا تملكه، هذا أحله الله رب العالمين، لا يستطيع أحد أن يمنع الناس منه، فنحن أخذنا مسائل من هذا النوع، وفرقنا بين الإباحة الأصلية، والإباحة النصية، أما الإباحة الأصلية فهذه مبنية على القاعدة، هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا (من الآية 29: البقرة) فيستطيع أن يقيدها للمصلحة، إنما الإباحة النصية لا يملك أحد في تقديري أن يقيدها، جاءتني على هذه المسألة تسعة أو عشرة ردود قوية متينة، تذكر أمثلة أخرى، وتقول ما رأيك في هذا، أنا الآن وضعتها في ملف لكي أعكف عليها للدورة التالية إن شاء الله، فأجيب عنها، هذه الظاهرة الأولى التي أتتنا، الظاهرة الثانية من بلدكم الطيب الكريم المضياف الذي يحتفي بالناس أكثر مما يستحقون، من جِدة، من جِدة كما تقولون أنتم بالكسر، ونحن نقول من جَدة بالفتح، والآخرين هناك أهل اليمن، يقولون جُدة بالضم، وهي صحيحة بالثلاثة، والخلاف القديم الذي كان في الستينات كلكم تعرفونه، فمن جدة هذه جاءنا أكثر من ثلاثين سيدة وفتاة، معيدات ومدرسات وأستاذات في الجامعات السعودية، طلبن الحضور، وقلن أخذن الدورة كلها عبر الإنترنت، لكن نحن نريد أن نأتي ونجلس مع هؤلاء العلماء، ونسمع منهم، ونسألهم ونناقشهم، فلما ظهرت رسالتهم على موقع الاتحاد، انضم إليهن فتيات من الرياض، وفتيات من الكويت، وفتيات من الإمارات العربية المتحدة، فكان عندنا خمسة وأربعون سيدة وفتاة جلسن معنا أسبوعين، التقين بكل العلماء الذين شاركوا في الدورة، وبعلماء لم يشاركوا فيها، مثل المستشار الجليل طارق البشري، والأخ فهمي هويدي، وعدد آخر من الناس جئن بهم لكي يروا هؤلاء العلماء، لو رأيتم أثر هذه الدورة أسبوعين اثنين من الساعة التاسعة صباحاً إلى السابعة مساء يومياً، وفي مكان ليس واسعاً، ليس فيه الرفاهية التي اعتدن عليها في بيوتهن، ولكنهن احتملن، وصبرن وكتبن وسجلن وصورن، وغادرن وهن مفعمات بالسعادة والرضى في المطار وأنا قادم إلى هنا أمس، كانت إحداهن، وهي طبيبة فاضلة، وزوجة طبيب فاضل، ومعها أبوها وأمها وخالتها، فقال الأب بعد أن تعرف علي، وقال لي: نحن جئنا لكي نكون في صحبتها، فقلت له: جزاك الله خيراً أنت، كانت كل يوم تجي بالليل، وتسهرنا إلى الساعة الثالثة ليلاً، فتحكي لنا ما الذي جرى في الدورة، وما الذي قيل، فالآن حضرنا الدورة معكم، فهذا النوع من النجاح أيها الإخوة والأخوات، يدركه من يعمل في وسط الناس، من يعمل في الأرض، من لا يرى ما فوق الفضائيات، وإنما ما تحت الموائد، ويرى الماء الذي يغمر الصحراء، فتنبت بإذن ربها ما شاء الله لها أن تنبت، أنا الذي أتمنى أن أبقى عليه أمران، يعني أريد أن يأذن الله لي بالحياة فيهما والموت عليهما، العمل لخدمة هذا الدين بقدر ما أستطيع، وخدمة الدين منها خدمة الأمة العربية والإسلامية، ومنها خدمة هذه السماحة الدينية في الإسلام التي استوعبت خلق الله جميعاً، ولم تترك أحداً خارج المظلة الربانية، خلق الناس جميعاً، ورحمهم وشملهم برحمته، فمن واجبنا أن نكون رسلاً لهذه الهداية والرحمة الربانيتين، الأمر الثاني، مسألتان تعلمتهما من أهل نجد، من أصدقائي وأحبائي، ولا سيما أخي العزيز الدكتور محمد بن أحمد الرشيد الذي تعرفونه جميعاً وزيراً للمعارف، وأعرفه منذ كنا أساتذة في جامعة الرياض، الدكتور محمود سفر وهو وأنا، وعدد آخر من إخواننا، علمني مسألتين نجديتين جميلتين جداً، كان دائماً يقول لي يا محمد المعروف شيء هيّن، وجه طلق ولسان لين، ولعلّه مثل يكون موجود في بلاد أخرى كثيرة، ولكنني أنا تعلمته منه، وكان إذا تدخل أحد في الحديث وقال كلاماً، ملخبطاً، يضحك ويقول لي: اترك، فهذا دخل عباس في دباس، فأنا أتمنى أن لا يجعلنا الله ممن يدخل عباساً في دباس، وإنما نترك كل واحد في مكانه، وأن يجعلنا الله من أهل المعروف الذي هو شيء هيّن، وجه طلق ولسان لين، وأن يجزي راعي هذه الليلة، وداعينا إليها، والمحتفي بإخوانه فيها، خير ما جزى عبداً صالحاً عن عمل صالح، وأشكر إخواني كلهم، الحاضرين المتكلمين، والحاضرين المستمعين، وجزاكم الله عني خير الجزاء، وجمعني وإياكم في دار البقاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: أيها السيدات والسادة، لعلّكم أدركتم بعض الصفات التي ذكرت في حق الضيف، معذرة سأتوقف عن الحديث قليلاً، انتظروا معي حتى يعود راعي الاثنينية بعد توديعه معالي الشيخ أحمد زكي يماني، نبدأ ولعلّ البداية تكون من قسم السيدات لنسمع ما لديهن من خلال طرح سؤال ثم نأتي للإخوان هنا لطرح سؤال، ولن تكون هناك تلاوة لأي أسئلة مكتوبة، يعطى المجال لمن يسأل لكي يلقي سؤاله، وأرجو أن يكون سؤالاً مختصراً لا يتعدى دقيقة واحدة، ثم نسمع الإجابة منه، فلنبدأ بالسيدات لو سمحتم.
سعادة الأستاذة نازك الإمام: شكراً لكم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أصحاب المعالي، أصحاب السعادة، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن الحفاظ على الهوية الإنسانية، من خلال الحفاظ على الهوية الإسلامية، والحقوقية والثقافية والقانونية، أخذت منعطفات واتجاهات مختلفة في عالمنا الذي نعيش فيه، فمهمة الحفاظ عليها هي على الصعيدين، الوطني المحلي، والدولي العالمي، أصبحت تشغل بال الكثيرين والمهتمين بهذا الجانب من العلم، لعل من أبرزهم، ضيف اثنينيتنا لهذه الليلة فضيلة الشيخ الدكتور محمد سليم العوا، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والحقوقي والمحامي المعروف، الذي تخصص في دراسة القانون الدولي والإسلامي والتربوي والثقافي، نرحب به ضيفاً، أعطانا من علمه، وأيضاً أثنى علينا من فكره الشيء المفيد، قبل أن نطرح الأسئلة هناك كلمة من سعادة الأستاذة فريدة الفارسي صاحبة مدارس الحمراء، وأيضاً الكاتبة المعروفة، فلتتفضل بهذه الكلمة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :477  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 157 من 223
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.