شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتور علي عقلة عرسان))
شكراً جزيلاً، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله، رسول الرحمة وخاتم النبيين، بسم الله الرحمن الرحيم وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً (الإسراء: 80)، أيتها الكريمات أيها الكرام جميعاً، أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة، سعادة الشيخ العماد هنا في هذه الدار الكريمة عبد المقصود خوجه، أشكركم جميعاً على هذه اللفتة الطيبة التي شرحت صدري وربما تمكنني من أن أقول ما لم أقله سابقاً على كثرة ما قلت في بعض المجالات والقضايا، أنا أعرف أن الشيخ عبد المقصود خوجه لا يحب الثناء، ولكنني أعرف أيضاً أنه لا يحب الجحود، وإذن فإنني أرغب أن لا أكون من الجاحدين، أشكره مؤسساً للاثنينية، وأشكره على دأبه في خدمة الثقافة والمعرفة والعلم والرجال، وأشكره على المتابعة المتعمقة لبعض إنتاجي الشعري ولسواه في كلمته الرصينة الدقيقة، وأشكر الراعي وكل الحضور شكراً من الأعماق، وأشكر أعمدة الاثنينية وكل من يعمل بجد واجتهاد، المعرفة إرث للأمتين العربية والإسلامية، يتجذر في التربة الثقافية وتنتشر فروعه وظلاله كشجرة الدلب العملاقة التي تظلل بفيئها الكثيرين في جمع محب ودود، وأترحم بهذه المناسبة على المرحوم محمد سعيد خوجه الذي زرع في ابنه حب العلم والمعرفة وحمّله رسالة ما زال يحملها، يضيق أحياناً ويسأل المثقفين أسئلة مرة، هل من قراءة أيها المثقفون؟ يداخله التعب ولكن المتنبي يذكره بقوله:
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
شكراً لسعادة الشيخ، للاثنينية، لمكة صاحبة النبت الطيب، ولجدة التي تحتضنني اليوم بحرارة أرجو أن أكون في مستواها، شكراً للجمع الطيب نساء ورجالاً، أراد السيد الدكتور عبد الله مناع أن يحصرني في المسرح، وأنا طلبت منه أن يحاصرني فيه ولا يحصرني عن سواه، لأن لي في مجالات أخرى تعب وشقوة، ولكن سوف أقدم ما أراد على أن يسمح لي أن أقدم بعض ما أريد، سوف أتوقف عند بعض المحطات بعجالة وأترك للأسئلة أن تستنبت فيها وأن تضيف عليها ما يمكن أن أتفاعل معه وأقدم فيه شيئاً. أنا من حوران، وحوران هي التي قدمت رجالاً نعتز بهم، منهم ابن كثير والإمام النووي، ومنهم الشاعر أبو تمام الطائي، ولا أريد أن أذهب في ذكر الرجال ولكن أريد أن أشير إلى أن هذه المنطقة هي منطقة زراعية كانت تعتمد على المطر، وعندما يحصد الفلاحون محصولهم يأتي المرابون ليأخذوا إنتاجهم من البيادر، يعيشون فقراً متصلاً، يستدينون إلى البيدر ثم يدفعون كل شيء في البيدر، كنت صغيراً في أسرة فلاح من هناك من قرية صيدا، قال لي والدي في يوم شقاء كبير في العمل، وكان بجانبه صديق له، يا علي هذه حياتنا نعزق الأرض من الفجر إلى الغروب ونركض وراء الرغيف، فإذا أردت أن تعيش حياتنا وتبقى في إطارها لك الخيار، وإذا أردت أن تتعلم وتنتقل إلى أفق آخر فأنا سأرعاك وأخدمك، وأثّر بي ذلك القول فاتجهت إلى القراءة والمعرفة، ووفقني الله إلى ما أردت قليلاً، والتحقت بكلية العلوم في جامعة دمشق بعد حصولي على الثانوية، ولكنه تدخل مرة أخرى عندما سمع بأن هناك مسابقة دراسية لي في مجال فني في القاهرة وقال يجب أن تتقدم، تقدمت ونجحت، ذهبت إلى القاهرة، درست الإخراج المسرحي، وتخرجت عام 1963م ثم دخلت هذه المهنة التي تكلم عنها الأستاذ الدكتور قبل قليل وأرادني أن أستغرق فيها، عندما عدت من دراستي في القاهرة، كان المسرح في سوريا قد تأسس عام 1959-1960م، وكان يقدم مسرحية تقريباً كل ستة أشهر لمدة يوم أو يومين، وفي أقصى الأحوال ثلاثة أيام، كان المسرح الذي تقدم عليه هو مسرح أبي خليل القباني، وأنتم تعرفون أن لأبي خليل صولة وجولة في المسرح العربي قديماً وقد ساهم في نقل هذا الفن إلى القاهرة مع كثيرين ممن كان يطلق عليهم الشوام، وتعرفون أن المسرح العربي يؤرخ له في البداية في عام 1847م بتقديم مارون النقاش في بيروت لبعض أعمال مترجمة عن الفرنسية أو معربة عن الفرنسية، لا أريد أن أستغرق في هذا التاريخ لأنه سيأخذ من الوقت المخصص لي، بدأنا أول مرسم متصل للمسرح يستمر أشهراً في العام 1963-1964م، وبدأنا نعرض المسرحية الواحدة من أسبوعين إلى ثلاثة وتمسكنا بالفصحى، وكنا نتعامل مع فنانين وممثلين ليسوا من خريجي المعاهد والمدارس الفنية، كانت نسبة منهم تعاني من أمية ثقافية، وبعضهم لا يقرأ جيداً وكان بعضهم من كبار السن اعتاد على تقديم مسرحيات هزلية تعتمد على صبغ الوجه والضرب بالعصا وما شابهه، اشتغلنا وكوّنا بالدرجة الأولى جمهوراً يصغي للمسرح الجاد بالعربية الفصحى ويقبل عليه وعليها، وكانت سنوات جهد شاق، وإذا قلت لكم إنني عندما تسلمت الإدارة مع الإخراج، كنت في أكثر أيام السنة أخرج من بيتي في السابعة أو السابعة والنصف صباحاً، وأعود إليه في الواحدة أو الثانية ليلاً، مع ساعتين للغداء، عملنا، نجحنا، وأسسنا شيئاً، وأسسنا مهرجان دمشق للفنون المسرحية الذي استقطب الحركة المسرحية، وبدأت شجرة الكرمة تعطي بعض العناقيد، وبعض هذه العناقيد ذهبي اللون، فشدت إليها كثيراً من المحيط، وتدخلت في المسرح بعد أن قدمنا عدداً جيداً وممتازاً من النصوص حتى عام 1979م أي من 1963م إلى 1969م كمواسم، وبعض المسرحيات عرضت أربعة أسابيع وخمسة أسابيع وستة أسابيع تنقلت إلى المحافظات وبعضها عرضت في أقطار الوطن العربي، تدخلت عناصر ليست حريصة لا على الفن ولا على الثقافة وإنما على الظهور وعلى توظيف المسرح على إيديولوجيات حزبية ضيقة النظر، غوغائية الأداء، جاهلة إلى حد كبير، وساهم وزراء في هذا الموضوع فاختلت المعايير التي حرصنا أن تسود والتي تمكنا من خلالها، وأشير إلى تجربة دقيقة مع فنان كان في الخامسة والستين من عمره هو عبد اللطيف فتحي إذا سمعتم به، وكان في كل حياته يقدم بالعامية ومسرحيات هزلية ومشاهد لا تقبل أحياناً، بذلت معه ومع آخرين جهداً في أشهر ستة متواصلة، وقدمنا الملك لير، وقام هو بتمثيل هذه الشخصية الجادة في مأساة لا يمكن أن يشك أحد في عمقها وكثافتها وقدرتها بلغة شكسبير، وأخذ وسام الدولة، أو استحقاق الدولة، على تمثيل هذا الدور، فتصوروا النقلة التي حدثت من ممثل في هذا الإطار إلى ممثل مؤدٍ في ذلك الإطار، أنا مع المسرح الجاد وليس المسرح الذي يستخدم للظهور أو للدعاية أو للربح، بمعنى (الجمهور عاوز كده) وقد أثبتت تجربتنا أن الجمهور يقبل على الجاد وعلى الفصيح ويتعامل معه ويتذوقه إذا خلق المناخ الملائم حوله.
شر ما أصابنا ما أشرت إليه سابقاً، وأيضاً من يفرض نفسه في الإعلام والصحافة ناقداً وهو لا يعرف عن المهنة الكثير أو حتى القليل، وهؤلاء يكتبون ويقومون على السماع وقد فشت الآن في الأوساط الأدبية والفنية وحتى النقدية ظاهرة الترويج على السماع من دون قراءة متعمقة، وعقل نقدي ومتابعة جادة، كانت تسكت تلك الصحافة على السرقات المفتوحة وعلى الأداء السيئ ولكنها تنال من الأداء الجيد حسب التوجهات وقد أطلقت على ذلك منذ زمن، ليس على الصحافة فقط وإنما على من يعمل في هذا الاتجاه في الفن والأدب والصحافة وسواها اسم الميليشيات الثقافية، لأنها تعمل على تحقيق أهداف ليست فكرية ولا اجتماعية ولا أدبية وإنما هي تنظيمية سياسية بالدرجة الأولى، فئوية أو شللية أو طائفية أو مذهبية إلى آخره، والفن والأدب والفكر، لا ينمو أي منهما بصحة وسلام في هذا المناخ، وأنا أعتبر أن هذا المرض الآن هو مرض عربي سائد، وأرجو من الصحفيين والإعلاميين أن لا يغضبوا مني إذا قلت الآتي: إن كلمتهم مؤثرة، لأنها تكتسب ثقة المؤسسة الإعلامية والحرف المكتوب والكلمة المذاعة، ولكنهم لا يتعلقون بالحقيقة ولا يدافعون عنها، ولا يبذلون جهداً في الوصول إليها بل يعملون في أطر أخرى، التعلق بالحقيقة يجعل من الصحافة مهنة أكثر من شريفة، ولكن إفساد المناخات بأي كلام لا يحط من قدر الصحافة فقط، وإنما من قدر الأدب والثقافة وما سواهما، وربما كانت هناك في هذه الظاهرة نكتة، أن وزراء وحتى وزراء الإعلام الذين يوافقون على تعيين صحافيين، أو يعرفون أنهم وظفوا في مؤسساتهم، ويبدأ هؤلاء بعد الشهر الأول وليس الثاني أو الثالث، التحرك في إطار المدح والقدح، يتعلمون من شجر الحور على نهر بردى كيف يميل، من الاقتصاد والسياسة دون تخصص، والمدهش أن الوزراء يخافون مما يكتبه هؤلاء وهم يعرفون أنهم لا يعرفون، رحم الله من قال وهو الفراهيدي الناس ثلاثة: إنسان يدري ويدري أنه يدري، وهذا استفد منه، وإنسان لا يدري ويدري أنه لا يدري، وهذا يمكن إصلاحه ويستفيد مما يعطى ويكون بمتناوله، وإنسان لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، وذاك شر الخلق.
أنا أنظر إلى المسرح على أنه جامعة شعبية بالمعنى الحقيقي للجامعة التي تتواصل مع الشعب على أرضية من الاحترام، وتنقل له بالوسائل الفنية تحريضاً على التغيير أو إمتاعاً بثوب جمالي، أو نقداً بأشكال مختلفة، أو مأساة يتطهر بها أو يغتسل كما تغتسل الشجرة بالمطر في فصل الربيع، فيتجدد ويزهر ويثمر ويقبل على الحياة.
مرت تجارب كثيرة، منها تجارب تنفيس سياسي، ومنها ما دخل في مصطلح عالمي وهو الكابريه السياسي، منها الفارْسس أو المهزلة المتدنية، ومنها الدراما الخفيفة، وهذا روج بأشكال مختلفة فأصبح هو علم من الأعلام، ولكننا لا نقرأ بعمق ما الذي نريد من المسرح أن يقدمه، انظروا إلى تجربة اليونان سفكليس، أو إسخيليوس.. إلى الشعر العميق المتجلي في أداء لمسرحيات تعالج قضايا متصلة بالروح وبالقدر وبالحكمة وبالمصير وبأشياء كثيرة، إن المسرح في عمق الحياة وليس على هامشها، الذين وضعوه على هامشها ذبحوه، أنا أعرف أن الأستاذ الكريم يريد مني أن أبقى في هذه الدائرة، فعبد الله المناع يريد المسرح كيف يتأسس؟ هناك نقطة جوهرية، الأخلاق أساس في تعامل من يعملون في المسرح وفي تواصلهم مع الناس، وفي أدائهم، عندما تمثل قيم وأخلاق لا يستطيع أن يقدم الفنان أو المؤلف شيئاً لأن فاقد الشيء لا يعطيه، المسرح يحتاج إلى إخلاص كلي ممن ينتسب إليه أو يعمل في إطاره، إلى نوع من العشق، إلى نوع من التعلق الروحي وأكاد أقول إنه من النظام العسكري في مؤسسة روحية جمالية مادية تجمع هذه المعادلة وتصفها، تحتاج إلى عزيمة وصبر، أداء نظام حازم، أخلاق عالية وإلى جهد.
انصرف الناس إلى التلفاز والشهرة والفلوس، والمسرح لا يقدم هذا، ولذلك هبط وهبط لأسباب ذكرتها سابقاً ومنها تدخل السياسيين لمسخ المسرح في سورية، لأغراض لا مجال للدخول فيها الآن، أنتقل الآن إلى شيء آخر، كتبت للمسرح اثنتي عشرة مسرحية وأخرجت عشرين مسرحية لكتّاب متعددين ومن مدارس مختلفة، وكتبت دراسات للمسرح أريد أن أتوقف فقط في إشارة عند الظواهر المسرحية عند العرب، فهذا الكتاب الذي يقع في حوالي سبعمائة صفحة، حاولت فيه أن أطبق نموذجاً على أسلوب الفرجة والتعبير العربيين مخالفاً للنموذج الأوروبي، نحن لنا خصوصيتنا وهويتنا، ولنا أسلوبنا في الفرح والحزن، ولنا طريقتنا في اللباس والمأكل والمشرب، وكل هذه تدخل في إطار الهوية، وتعريجة بسيطة بين قوسين (مقومات الهوية -بضم الهاء- الرئيسة)، وأقول الهوية -بفتح الهاء- لأن الهوية بالفتح هي من تعشقها، أما الهوية بالضم معناها: هو أي أنت، مقومات اللغة الرئيسة بما حملت، الدين بقيمه وأحكامه وضوابطه وما يحدده بعلاقته بين الخالق والمخلوق، وبين المخلوق والكون، وبين الدنيا والآخرة، العادات والتقاليد والأعراف، والتاريخ الذي للأمة الذي يمتزج فيه الإنسان عبر العصور مع التربة والبيئة والأحداث والشمس والمطر، فيؤسس نكهة للإنسان تدخل في خصوصيته، ومن مقومات الهوية أيضاً أسلوب اللباس، نوعية الطعام، كيفية تناول الفرح والتعبير عنه، الحزن والتعبير عنه، والفنون، الموسيقى وسواها، والتقاليد الشعبية بشكل عام، وهناك الأرض، فلا يوجد هوية بمعنى كامل بدون أرض ووطن وانتماء، في هكذا إطار توجهت إلى محاولة اكتشاف أداء عربي لفن متميز فيه خصوصيتنا العربية، ووجدت أن هذه الإمكانية موجودة في التراث، في الحياة والمعيشة في تقاليد شعبية عديدة ولكن لم تتح الفرص والإمكانيات لأن أطبق ما وضعته في كتاب الظواهر المسرحية نظرياً، وأنا اعتمدت على مقومات رئيسة للفن، هي الجذر، الحركة والكلمة واللحن أو الإيقاع، هذه هي الأساسيات، كيف يستخدمها الإنسان ليعبر عن تجربته، وذاته وتطلعاته.
في الهند الرقص الهندي له خصوصيته، في اليابان "النو" و "الكابوكي" مسرحان متميزان لا يقبلهما المسرح أو المتفرج على المسرح الأوروبي، ولكن يقبل عليهما الياباني، وهكذا لكل أمة خصوصية، فأنا أردت أن ألجأ إلى هذه الخصوصية وأجعل من المتكي، أو المضافة أو الاثنينية هنا مجالاً لتقديم هذا في إطار عربي وجلسة عربية واستمتاع عربي وتفاعل عربي بين جالسين ومتفرجين ومستمتعين وناقدين وهذا ما أتطلع إليه إن شاء الله.
في الإدارة تعلمت الكثير بذلت الكثير وبذلت الكثير، وقد أشار معالي أو سعادة الشيخ إلى شيء من هذا الألم، وفي الإدارة سواء كان في المسرح أو في اتحاد الكتاب أو في الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، الظلال مختلفة والمشكلات مختلفة، ولكن هناك دائماً من لا يحب القانون، ويتكلم باسم القانون، يريد أن يخرج عليه ويحاسبك إذا خرجت عليه، ويعتقد بعض الأشخاص بأنهم فوق النظام والقانون، وهذه مشكلة حتى في الرقابة، الرقابة قانون يوضع بإرادة شعب ويطبق من قبل أشخاص.
قد تكون الرقابة شر ولكنه شر لا بد منه، وقد بدأت تتآكل لكن ما الذي كنا نمنعه، أو نعترض عليه؟ المسّ بالذات الإلهية، وبقيم الدين، إثارة النعرات الطائفية والعرقية، والفتن وسواه مما يدعو إليه البعض..، الجنس للجنس، بمعنى كتابات لا ترقى لمستوى معين وأيضاً هبوط المستوى الفني في الأداء إلى درجة غير مقبولة.
طبعاً هناك هوامش في الأداء السياسي، هناك بلدان تسمح وبلدان لا تسمح، بلدان السياسة فيها متسامحة وبلدان السياسة فيها متعنّتة، وكل هذه مزالق، وعندما تدخلها قد تصاب بكسور، ولكن المشكلة المثيرة أن بعض توجهات الأيديولوجيين والكتّاب، بعض الكتاب ولا أعمم، يريدون أن يستغفلوك ويقولون ما يشاؤون وتتحمل أنت المسؤولية، وإذا طلبت منهم أن هذا لا يجوز، يقولون الحرية، أنا مع حرية التعبير ولست مع حرية التشهير، ومع الحرية المسؤولة، ولست مع الفوضى المطلقة، فلا يوجد فوضى بناءة، السيد بوش مخطئ وأكثر من مجرم، الحرية هي المادة العضوية التي تحرك الإبداع، يوجد الحرية إلا إذا جرحت حس الناس في العمق، حسهم الديني، أو إذا أثرت كذا، هذا ادعاء، ومن المؤسف أن ما ينجح ويروج له ويعطيه الغرب جوائز هو ما يمس بالدين، الإسلام تحديداً وما يثير الجنس والغرائز، بالدرجة الأولى ونحن نصفق، أما السياسي عندنا فهو لا يقرأ وعندما تأتيه ملخصات تأتيه بإغراض ويعتبرها قرارات ويستنفر الشرطة والأمن لتنفيذها، نحن نريد من يقرأ ومن يحكم، أعرف أن السياسي ليس لديه الوقت لكي يقرأ، ولكن فلتكن حاشيته سليمة ونظيفة ومثقفة وأخلاقية ومنتمية وذات إيمان وذات وعي، وإلا فعلى الدنيا السلام، ولذلك فالدعاء المشهور: اللهم أصلح حكامنا وأرزقهم البطانة الصالحة..، عملية منقذة للناس في كثير من الحالات.
أما العمل في المجال العربي فتدخل السياسات أحياناً في آراء الاتحادات، فنبدأ في عراك ليس له علاقة بالقضايا الجوهرية، ولكن للأمانة أقول إن هذا لا يستغرق جميع الاتحادات أو لم يكن يستغرق جميع الاتحادات، وقد أنجزنا بعض الشيء ولكن الضعف المادي قتلنا، أرى أن أتعرض لما كتبته في بعض الإشارات، أنا كتبت حتى الآن أربعة وثلاثون كتاباً، في مجالات ذكرت بعضها في السياسة وفي الثقافة، وفي أدب الرحلات، وكتبت السينما والتلفاز، ولكن جوهر ما توقفت عنده من قضايا، القضية الفلسطينية، قضايا الصراع العربي الصهيوني، القدس، وبهذه المناسبة أنا أحيي صمود أهل القدس وأحييهم بمناسبة القدس عاصمة الثقافة العربية، وأحيي كل الصامدين الفلسطينيين في أرضهم والذين دفعوا ثمناً باهظاً دفاعاً عن أنفسهم وعن الأرض وعن الأمة، القدس ليست مسؤوليتهم فقط، غزة ليست مسؤوليتهم فقط، التهويد يشمل كل فلسطين، ومن يحاربون المقاومة على أنها إرهاب، نقول لهم ستندمون، لأن المقاومة شرف وطني ودافع إيماني، وتعلق بالوجود والأرض، ليست إرهاباً، نحن نفرق بين المقاومة والإرهاب، ندين الإرهاب ونؤيد المقاومة، ولكن قولوا لي بربكم أيهم أشد إرهاباً، هل إرهاب الإمبراطور كما يقول بعض الكتّاب أم إرهاب اللص بفرض أن اللص، عندما يتحرك جيش إمبراطورية ليمارس الإرهاب، والقتل والاحتلال والتدمير، ماذا نسمي هذا؟ ألا نسميه إرهاباً؟
ربما كان فتح الفتوح، وعندما يتحرك إنسان للدفاع عن نفسه في بيته ضد من يحتل أرضه ويهاجمه نسميه إرهابياً، كيف؟ مفهوم أو كلمة الإرهاب عند الغرب مختلفة عن مفهومها حتى في عقيدتنا، الإرهاب السياسي بالمفهوم السياسي للكلمة بدأ مع الثورة الفرنسية روبسبيير، وامتد لفترات مختلفة، نحن عندنا الإرهاب ردع حسب مفهوم القرآن، الآية: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال: 60) بمعنى أنكم تجبرونه أن يعد كذا وكذا ويحسب النتائج قبل أن يعتدي عليكم، ولكن إذا اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وهو في هذه الحالة دفاع عن النفس، نحن نفرق في هذا بين المقاومة التي نتبناها وبين الإرهاب الذي نرفضه، وبهذه المناسبة أعلن عن موقفي الذي كتبته كثيراً لكن للتذكير من قضايا جوهرية، لا يمكن أن يكون هناك سلام وتعايش مع الكيان الصهيوني لأنه يحمل مشروعاً مضاداً لكل مشاريعنا، سواء كانت النهضوية أو الاتحادية أو التضامنية، هو يؤيدنا مُهَيمناً علينا ولا يمكننا التعايش مع استمرار التهويد ودولة يهودية جديدة يعني ترانسفير (تهجير) جديد للفلسطينيين في أرض الـ 1948م، ولا يمكن التعايش مع من يأخذ منا القدس ليجعلها عاصمة له ونحن خارجها، ولا يمكن أن تحل القضية ما دام الشعب الفلسطيني خارج أرضه، دون حق عودة لا حل.
والأنظمة العربية أغلقت علينا الباب منذ أن قالت السلام الاستراتيجي خيار وحيد، أرضنا محتلة، اطرحوا كل الخيارات ومنها السلام، لكن لا السلام الاستراتيجي، والعدو وحلفاؤه بدأوا يطلبون منا: برهنوا في كل وقت على أنكم تطلبون السلام الاستراتيجي، بينما الكيان الاستراتيجي يتسلح، يملك أسلحة، يقتل ويحتل ويبيد، إلى آخره، ونحن نقول السلام الاستراتيجي، اضربونا على خدنا الأيسر، نقول السلام الاستراتيجي، وندير الأيمن، هذه القضية لا يمكن أن تقبل في تاريخ الشعوب، ولا قبلت أصلاً في تاريخ الشعوب، لأن من تحتل أرضه عليه أن يدافع عنها ليحررها، ومنها أساليب التفاوض، ولكن التفاوض على ماذا؟ ليعطيهم 76 أو 80% من فلسطين، ونعترف بهم، من هذا المنطلق أنا كنت وأعلنت في حينها إنني ضد المبادرة العربية التي تبنتها قمة بيروت لأنها عملياً تعطي الكثير. لقد وقعت 22 دولة ومنها سورية التي أرضها محتلة، أطوي صفحاً عن هذا وآتي إلى موضوع قضايا مهم جداً أن نلامسها، في الانتماء من أنا؟ أنا عربي، ولكنني عربي يقول: إنما عز العرب بالإسلام، ومسلم يقول: لقد بذل العرب ما لم يبذله سواهم في نشر الإسلام، فكانت لهم مكانة وكرَّمهم الله بالرسول الكريم العربي، بالقرآن، باللغة العربية لغة أهل الجنة، إلى آخره.. أنا قومي منتمٍ إلى العرب، خذوا الآية الكريمة: يَآ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات: 13).
من هذا المنطلق تتكامل العروبة مع الإسلام، ولا يوجد أي مخرج ما لم نأخذ هذا في تفاعل عضوي متكامل، أريد أن أعبر عن ثلاث نقاط في عجالة: القراءة في تراجع، والكتاب في أزمة، ومن إحصائيات قمت بها هناك في أفضل الحالات نسخة لكل 12.000 عربي، هذا إذا قرأ، نحن أمة إقرأ، لا تقرأ، وعلينا أن نستدرك ذلك بسياسة متكاملة من البيت إلى المدرسة إلى الجامعة إلى كل المؤسسات لكي نعيد التواصل مع الكتاب، النقطة الثانية: الكاتب والسلطة، فقد عانينا منها، هناك من يريد من الكاتب أن يكون معارضاً ورافضاً لكل أداة سلطة من السلط، ولسان حاله يقول إن السلط والدول إلى زوال كما قال ماركس، وقد ثبت بطلان هذا بكل المقاييس، نحن نقول بأنه هناك علاقة يجب أن تكون صحية وسليمة وليست مريضة بين السياسي والثقافي، هذه العلاقة تقوم على معيارية مشتركة، السياسي الذي يريد طبّالاً وزمّاراً وحاشية، يسيء إلى عهده وإلى الكتابة والإبداع، والكاتب الذي يخيم على أبواب السياسة ليقبلوه في الحاشية يسيء للثقافة، نحن نريد جبهة ثقافية متماسكة تأخذ بمصالح الأمة بالقيم العليا من الأداء المشترك، وأن لا يطعن أحد ظهر الآخر في هذه الجبهة وأن لا تكون ضد السياسي على المطلق وإنما ضد الأخطاء، وتنصف ولا يعيبها أن تنصف، سواء كان في إطار إيجابي أو سلبي، وكلمة خير الجهاد هي كلمة حق في وجه سلطان جائر، هذه رايتنا التقييمية.
لديّ موضوع متّصل بالعلمانية، والنظرة إليها، العلمانية كما يعرف ويتابع الكثيرون كلمة لم تترجم بدقة ولكن أصبحت هكذا، فصل الدين عن الدولة، بمعنى أنه في الغرب يعترفون بالدين ويسمحون للشخص بممارسة عقيدته كما يحب ولكن لا يجعلون الدين حاكماً للسياسة، بمعنى أنهم أبعدوا الكنيسة عن السلطة، في بعض بلداننا تداخلت القضية، وفي سورية حتى لا أذهب إلى بلدان أخرى، فالعلمانية أخذت باتجاه آخر، فهناك علمانية تعترف بوجود الدين ولا تريد حاكميته السياسية ولكن هناك كما في الاتحاد السوفياتي (سابقاً)، علمانية إلحادية، ترفض الاعتراف بالدين، فهو أفيون للشعوب لا تقبله، فنحن ما أخذناه هو العلمانية الإلحادية ولم نأخذ العلمانية الأخرى، على أن لكل منهما معطيات يجب أن نناقشها من خلال عقيدتنا ومجتمعاتنا ورؤانا، فالإسلام دين ودنيا، بمعنى أنه يتداخل فيه الأداء العقدي والسياسي، فعندما تضع الحاكم، الخليفة، الوالي، رئيس الجمهورية، يعني أنت تفترض بأنه لا يلغيك ولا يلغي القيم والتعاليم الاجتماعية والمواثيق الاجتماعية المتعارف عليها، ومن ثم لك أن تعترض ولك أن تختلف، هذه القضايا فيها لبس كثير، كان عندي أشياء كثيرة أنا لا أخالف السيد مدير الجلسة الدكتور المناع، وقد أشير إليَّ بأن الوقت قد انتهى، أشكركم على إصغائكم وأترك المجال لأسئلتكم، وأشكركم على حسن الاستماع.
عريف الحفل: شكراً لسعادة الدكتور علي عقلة عرسان على ما أتحفنا به من جولة في أروقته العلمية والحياتية، وتجول بنا من خلال أفكاره ومقترحاته وما يصبو إليه كمثقف عربي، أيها السيدات والسادة، الآن نفتح باب الحوار، بادئين من القسم النسائي، وأنقل لاقط الصوت إلى القسم النسائي مع الأستاذة نازك الإمام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :432  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 135 من 223
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية الكاملة وأعمال نثرية

[للشاعر والأديب الكبير أحمد بن إبراهيم الغزاوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج