شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ عبد الله الناصر))
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من أصعب الأشياء في الواقع على النفس أن يسمع المرء مثل هذا الثناء ومثل هذا الإطراء وهو في داخل نفسه يرى أنه لا يستحقه، وإنما جاء من أنفس زكية محبة للخير محبة للعمل الصادق محبة للعمل الصالح محبة للأخوة، محبة لهذا التواصل وهذه الحمية التي أنعم الله علينا بها كمواطنين في نسج واحد وفي نسق واحد وهذا من فضل الله عز وجل علينا جميعاً، يقول الشاعر قبلي ماذا سأقرأ من شعري ومن أدبي، وأنا أقول ماذا أقول في هذه الليلة؟ وقد أثقلت كثيراً بهذا الثناء العاطر وبهذا الود الصادق وبهذه الكلمات الرائعة، الجميلة، لست أدري من أين أبدأ ولست أدري من أين أنتهي، لكن أدعو الله جلت قدرته أن يجعل مضيفنا عوناً للأدب والأدباء ورمزاً للخير والعطاء وأن يجعل هذا المحفل وهذا البيت مشعلاً دائماً من مشاعل النور الثقافي في هذا الوطن الذي يحتاج فعلاً إلى قامة مديدة مثل هذا الرجل الذي سن سنة حميدة في هذا الوطن وفي هذا البلد الكريم المعطاء حتى أصبحت هذه الاثنينية اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه جزءاً لا يتجزأ من شخصية جدة على أقل شيء عند الأدباء، فإذا ذكرت جدة ذكر عبد المقصود خوجه، ليس فقط عند أبناء الوطن وإنما أيضاً عند المثقفين العرب، لقد سمعت ثناءً وإطراءً من كثير من الأدباء ومن كثير من الشعراء ومن كثير من المثقفين أذكر منهم الصديق الطيب صالح رحمة الله عليه كان يثني ثناءً عاطراً على هذه الجلسة وعلى هذه الحميمية وعلى هذا الوقت الذي يلقاه المثقفون من راعي هذا الحفل الطيب الكريم سمعته من الدكتورة سلمى الجيوسي ومن الأخ الأستاذ الدكتور محي الدين اللاذقاني وكثير من الأدباء خارج الوطن، فهذه الاثنينية تعدت وتجاوزت الحدود إلى أن يعلم عنها معظم مثقفي العالم العربي.
كل ما قيل في الواقع كما قلت وكما أسلفت إنما هو يدل دلالة حقيقية على الوفاء وعلى الود، وأنا فخور ومن أجمل ما يسعد به الإنسان أن يرى مثل هذا الوفاء، فالإنسان في حياته لا يطلب شيئاً المال يذهب والأسهم تذهب وكل شيء يذهب إلا مثل الصفاء ومثل هذا النقاء عندما يعطف عليك الوطن وعندما يكرمك الوطن فهذا هو أجمل قصيدة، وأروع قصيدة وأجمل وسام على صدر المرء ما دام حياً، أشكر مرة أخرى أستاذنا الكريم وأشكره أيضاً على هذه الكلمة الرائعة التي هي في الحقيقة قصيدة نقدية رائعة، رائعة في منتهى الروعة من أجمل ما سمعت فهو أديب كبير ومثقف ومتمكن من اللغة تمكناً عظيماً، ولولا هذا التمكن في الواقع لما كان سيد الجلسة ولما كان قائد هذا المحفل وهذه المحافل الرائعة المتكررة لست أدري كيف أثني وأشكر جميع من تحدثوا من الإخوان ومن الزملاء، وكلهم يدفقون بالطيبة والخير وكلهم أيضاً جنود لهذا الوطن محبون له مخلصون له مخلصين للعاملين، ويحاولون قدر الإمكان أن يحفزوا العامل على العمل الطيب وأعتقد أنني حصلت من الثناء من هذه الوجوه الطيبة الشيء الكثير وهو كما قلت دلالة حقيقية وقطعية على نفوسهم الزكية وعلى طيب معدنهم فلهم شكري ولكم الشكر الجزيل أيضاً على إصغائكم وعلى استماعكم شكراً لكم مرة أخرى ولست أدري ماذا يريد مني مضيفي الكريم، هل يراد أن أتحدث عن تجربتي العملية أم ماذا؟
الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني: جرت العادة في الاثنينية أن يتحدث الضيف عن محطات في حياته وله أن يختار من أروقتها ما يشاء، وبعد ذلك هناك فيض من الأسئلة ستحاول بإذن الله إذا رأيت عددها أن تختصر لأننا سنكون إن شاء الله في الحادية عشر والنصف يعني ننهي الجلسة فلك أن تسمعنا وتطربنا.
الأستاذ عبد الله الناصر: سوف أسمعكم أما الإطراب فلا أظن والله، أولاً أن أهم مراحل عملي كانت في مكتب معالي الوزير الشيخ حسن رحمة الله عليه، عملت معه في المكتب وعملت معه في مجلة الثقافية ثم انتقلت فيما بعد إلى أمريكا بغرض الدراسة والعمل آنذاك، ولكن الحقيقة جلبني العمل في أمريكا في المكتب الثقافي حيث كلفت ببعض الأمور مما جعلني لا أستطيع أن أكمل مشواري الدراسي كاملاً في جامعة هيوستن لأنني ملحقاً ثقافياً وقد قضيت في أمريكا قرابة الثلاث سنوات وكان الملحق الثقافي آنذاك الأستاذ صبحي الحارثي ذهبت إلى أمريكا وفي ذهني دعوني أتكلم بصراحة عن انطباعي على أمريكا كنت من عشاق هذا البلد من خلال ما أسمع ومن خلال ما أقرأ ومن خلال ما يتحدث به بعض الأصدقاء عن أمريكا الحلم وكنت ذاهباً إلى أمريكا الحلم، بلا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظيمة دولة صناعية دولة موفرة لأسباب الحياة لا يمكن أن تجد بلداً رخياً ويوفر شؤون الحياة وما تريد في حياتك اليومية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، طرق عظيمة وأنفاق هائلة وجسور معلقة وناطحات سحاب، ومعيشة راقية ورخية وكانت آنذاك أيضاً ليست بالغالية وانبهرت في بداية الأمر بما رأيت، وبعد مرور فترة ما يسمى بالصدمة الثقافية أو بالصدمة الحوارية ما كانت صدمة في الواقع بقدر ما كان ذهول بهذه الحركة وبهذا الإطراد في انشغال الإنسان وركضه، اكتشفت فيها فيما بعد أن أمريكا في الواقع هي آلة ضخمة جداً، وأن الإنسان في داخلها هذا شعوري وأرجو ألا يغضب هذا أحداً شعرت بأن الإنسان هناك هو مسمار في آلة ضخمة جداً، وأن الإنسانية أقل بكثير مما كنت أتوقع وجدت أولاً رأينا الحوادث حوادث الضرب وحوادث الاعتداء وحوادث السطو وحوادث القتل إلى درجة أن الأستاذ قال لنا في الفصل هناك أمران أن لا يذهب أحدكم إلى الداون تاون بعد الساعة العاشرة لأنه فيه خطر على حياته، الشيء الآخر يجب أن يحمل في جيبه ما لا يقل عن خمسين دولاراً لأننا نخشى أن يعتدي عليه شخص ما فلا يجد معه شيء فيقتله، من الأمور الأخرى أيضاً إذا كسر بيتك أحد فاقتله واتصل بالبوليس لحمله، من ضمن الأشياء الأخرى إذا كنت في سيارتك ولحق بك البوليس فعليك أن تظل داخل السيارة وأن تضع يدك على المقود وإلا فإنك عرضة للقتل، فقلت سبحان الله هذه أمريكا الحلم، أين أمريكا الإنسانية، كنت في هيوستن وكانوا يفخرون بأن هيوستن ارتفع فيها معدل القتل إلى درجة أنها أصبحت المدينة الأولى في الولايات المتحدة آنذاك، عدد القتلى الليلية ستة أشخاص، فالحقيقة تغيرت الصورة الجميلة وصرت أنظر إلى أمريكا بأنها ليست هي بلد المحبة، صحيح أن البلد فيها صناعة وأنها تعيش حضارة صناعية يعني أنها حضارة متفوقة من ناحية الصناعة تستطيع الولايات المتحدة أن تصنع الطائرات سابقات الصوت وتستطيع أن تسحق وتدمر مدناً كاملة بالقنابل الذرية ولكن هناك شيئاً داخل نفس المقيم يشعر بنوع ليس من الوجل وليس من الخوف فالقضاء والقدر مكتوب والإنسان لا يخاف يدخل المعركة وقد يخرج منها وقد يصاب وهو في بيته سكتة قلبية أو يموت ليس خوفاً، وإنما أريد أن أكتشف هذا البلد، ما هي أمريكا أين الإنسان في أمريكا أين المحبة في أمريكا، كان عندنا مخرج في مجلة المبتعث آنذاك اسمه نيل، وتوفي والده وكان في ولاية يوتا في سوتليك، جاءته برقية بأن والدك توفي فأخذ الخبر ونزل معنا في اللانش أور وتغدى معنا، وكأن شيئاً لم يكن، قلنا له طيب ألن تذهب إلى والدك قال التذكرة تكلفني مائتين وخمسين دولار، وأنا والدي خلاص سيدفن ما قيمة أن أذهب إلى سوتليك وأحجز وأدفع تذاكر كل هذا لا معنى له لأن والدي مات، فهذا يعطي تصوراً في الواقع، وفي الحقيقة أن هذه الولايات المتحدة الجميلة في مظهرها الجميلة في صناعتها الجميلة في إنتاجها الجميلة في إنسانها المؤدي، بلا شك أن الفرد يعمل فوق طاقته وشعب عامل، ليس شعباً خاملاً ولا شعباً كسولاً وإنما يعمل ولكن أنا بالذات أحسست بأن هناك شيئاً مفقوداً في هذا التجمع الهائل الضخم، هو تجمع حضاري حقيقي ولكنه تجمع انتهاجي صناعي مبدع في هذا المجال مبدع في مجالات العلم والمعرفة ولكن الجانب الإنساني والمحبة والرحمة، والتقارب الاجتماعي والود بين الناس يكاد يكون مفقوداً يكاد لا أقول أنه مفقود بلا شك، وأعيد وأقول بأن هذا انطباعي وقد لا يكون صحيحاً مائة في المائة ولكن هذه مشاعري ومشاعر الإخوة الذين كانوا معي، كنا في المكتب أكثر من خمسين موظفاً سعودياً تعرض ما لا يقل عن نصفهم لمشاكل من بينهم شخص أعتدي عليه وسرق ثلاث مرات وكاد أن يقتل وأذكر أننا في المكتب الثقافي في هيوستن في الولايات المتحدة أطلق علينا الرصاص من شباب بواسطة رشاش ناري أطلق على المكتب وهشم كل الواجهات الزجاجية التي كانت على الويست دور ساوت بين سكستن وثيرتي ناين، والمنطقتان المجاورتان أعدمتا وكاد يقتل صديقنا أصله فلسطيني ويقيم في الأردن ويعمل في الولايات المتحدة آنذاك اسمه الدكتور محمد أحمد حيث مرت الرصاصة وجزء من الزجاج الذي كسر وضرب على رأسه والحمد لله لم يصب بأذى كبير، هذا انطباع بسيط جداً عن الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم لم أعد حياتي في الولايات المتحدة أنا كنت أبحث عن ثقافة وعن حضارة في الواقع أنا في ذلك الحين لم أتمكن من قراءة الأدب الأمريكي لأن لغتي لم تسعفني ولن تسعفني وكنت مشغولاً بالعمل، كنا نذهب إلى السينما كنا نذهب إلى المسرح، ولكنه لم يكن ذلك المسرح الجيد، كنا نذهب إلى مباريات كرة القدم الأمريكية المعروفة كنا نذهب نشاهد المصارعة في الداون تاون ولكن أشعر أنه هناك شيئاً مفقوداً من العواطف الإنسانية الشفافة النبيلة، بلا شك كان لدينا بعض الموظفين وكان لدينا أيضاً بعض الجيران نجد فيهم نوعاً من الطيبة ونوعاً من الخلق الرفيع ولكن لم تكن تلك السنين التي أتمناها وكنت أرغب في أن أراها في شعب يقود العالم وفي شعب متفوق في صناعته وفي حضارته ولدينا في ذلك الوقت ما لا يقل على عشرة آلاف طالب مبتعث كان المكتب يشرف عليهم آنذاك وكنت مسؤولاً عن مجلة المبتعث وعن الشؤون الثقافية وكنا نوزع هذه المجلة بشكل جيد ويشارك فيها كثير من الطلاب، أقول وذهبت إلى كثير من الولايات المتحدة طبعاً من ولاية إلى ولاية يختلف ففي الريف يختلف الوضع عنه في المدن الصناعية الصاخبة مثل ويستن وشيكاجو ونيويورك بلا شك أن هذه التجربة هي تجربة كما قلت شخصية قد لا تعطي الصورة الحقيقية وربما أكون متشائماً وربما تكون نظرة غير صادقة ولكنها تجربتي الحقيقية والصادقة أقولها بصدق وأسجلها بصدق وأقولها بأمانة، هذا انطباعي الذي لا أستطيع أن أخفيه ولا أستطيع أن أخفيه وانعكس فيما بعد للولايات المتحدة وبالنسبة لتعاملها مع الشعوب، ثم نقلت فيما بعد إلى الجزائر وكانت الجزائر محطة مختلفة تماماً، أصدقكم القول بأنني ترددت كثيراً لأذهب إلى الجزائر حتى استشرت والدي رحمة الله عليه فطلب مني الذهاب، ووجدت شبه رفض من أسرتي كيف يذهبون من الولايات المتحدة الأمريكية إلى بلد مثل الجزائر، وعندما ذهبت إلى الجزائر أولاً فوجئت بجمال أرضه، كانت الجزائر في الوقت الذي ذهبت إليه كانت في إبريل وكانت جميلة بشكل يعني غير مصدق، كنت قبل مجيئي في سانتياجو أزور بعض الأقارب هناك ثم ذهبت إلى الجزائر فوجدت أن الجزائر مدينة الجزائر وما حول الجزائر أجمل من سانتياجو، استغربت هل يعقل في الوطن العربي مثل هذا الجمال الساحل الخصيب الممتد أولاً هو سهل منتج كله أعناب وكله أشجار زيتون وحقول شاسعة من البرتقال، ثم الأشجار وشجيرات الزهور تكسو الأرض، عندما تفتح السيارة بلا مبالغة الذين ذهبوا أو عملوا في الجزائر أو الذين درسوا في الجزائر لا ينكرون هذا الشيء، عندما تفتح النافذة تشم رائحة العبق ثم ترى جبال الأطلس مكللة بالثلوج وترى بعض النهيرات والشلالات ثم تنحني يميناً فتجد هذا البحر الأحمر الجميل الأزرق، بصراحة أنا كيف هذا الوطن العربي فيه من المكنونات الجميلة ومع هذا لا يكتشفها لماذا هذا التخلف في الإنسان العربي، لماذا لا نذهب لماذا لا يبنى في هذه الأمكنة أماكن سياحة وفنادق سياحة، لماذا لا تتحول هذه البلد التي هي قريبة من أوروبا وفي وسط العالم في شمال الشرق الأوسط ولكنها قريبة من أوروبا، هل يمكن أن تكون ملجأ أو مقراً سياحياً أو وجهة سياحية للسياح العرب الذين يذهبون إلى أوروبا وهي أجمل أرضاً وهي أجمل إنساناً وأقرب إلى النفس وإلى اللغة وإلى العقيدة من غيرها، ولكن يبدو لي أن وطأة الاستعمار وما تركه الاستعمار.
عندما جئت إلى الجزائر في الواقع ما وجدت بها شيء سوى حوالي مائة أستاذ سعودي من المملكة وكانوا يعملون في التدريس، سبق للمرحوم الملك فيصل بعد تحرر الجزائر أن تبرع بمجموعة كبيرة جداً من الأساتذة العرب من مصر ومن الشام ومن المملكة؛ للمساهمة في تعليم الجزائر، فهؤلاء موزعون على المدارس داخل مدينة الجزائر، وفي عنابة وفي قسطنطينة وفي وهران، وفي أماكن أخرى، ما وجدت الحقيقة في المكتب، وكنت في زيارة مرور وكتبت تقريرها لمعالي الشيخ حسن وقلت له لماذا أذهب للجزائر وليس فيها عمل، الجزائر في الحقيقة لا يوجد فيها أي شيء، هؤلاء ليسوا سوى ضباط الصف الذين هم يستلمونهم من المملكة أصلاً فما داعي أن أذهب، فقلت ماذا تشير عليّ مشرف العلاقات الثقافية كان المملكة بكل صراحة ليس لها إلا هؤلاء أما الأنشطة الأخرى فلم يكن لها أي نشاط، الجزائر قدمت لها إيران ألف منحة يعني تبتعث لإيران ألف منحة سنوياً، وكان هناك تنازع بين إيران وبين العراق في الجوانب الإعلامية إلى درجة أن الملحق الثقافي العراقي كان تولى توزيع الصحف الصادرة يومياً في الجزائر على نفقته، كان يوفر السيارات ويوفر العاملين لتوزيع هذه الصحف كانت هناك أنشطة، قال لي رحمة الله عليه نضع برنامج ونبدأ نعمل عملنا في الواقع عملنا أولاً هو أرسل خطابات إلى معظم الوزراء ومدراء الجامعات وبدأنا نعمل أولاً في الزيارات المتبادلة، ثم إقامة الأمسيات تعرفت أيضاً من خلال هذا النشاط على مجموعة من الشعراء ومن الكتاب ومن المجاهدين، تعرفت على الأخضر السائح وهو شاعر محب للمملكة وللوطن العربي يتدفق عروبة ويتدفق حباً لهذا الوطن، وتعرفت على أبو القاسم وأبو العيد دودو وشعراء كثيرين وأدباء لا أستطيع أن أحصيهم، من بين الذين تعرفت عليهم من باب المصادفة، بن يوسف بن خدة كان أول رئيس للوزراء للحكومة الجزائرية، كنت ذلك اليوم في المكتب وأفاجأ برجل يدخل عليّ بسمت ووقار وبإشراقة وجه عجيب دخل وسلم كبقية الضيوف واستقبلته وصرنا نتحدث عن الثقافة وعن الأدب، وبعد ما جاء يمشي قال والله هناك ابن لشخص مواطن جزائري اسمه يوسف بن خدة يبغى ياخذ منحة يذهب إلى المملكة إما لجامعة أم القرى أو الجامعة الإسلامية، فأنا قلت بن يوسف بن خدة قال نعم يوسف بن خدة، قلت يوسف بن خدة موجود هنا في الجزائر قال نعم موجود في الجزائر، قال هو أمامك، فالحقيقة أنا صعقت فقمت وجلست إلى جانبه وقلت أنا آسف، قال لا أنت لم تقل شيئاً خطأ، ولم تتصرف وأنت رجل لك قيمتك أولاً عندي أنا وعند الوطن وأنت رجل قاتلت وخدمت وعملت وكافحت كفاحاً عظيماً، فاستمرت العلاقة بيني وبين هذا الرجل، وذات يوم حدثني حديثاً لا مانع أن أفضيه، قال كنا في مصر وكنا نعمل من أجل دعم المقاومة ودعم المجاهدين في الجزائر ونفاجأ بأن مكتب الحكومة هناك سألونا بأن نقابل الرئيس جمال عبد الناصر فذهبنا إليه وقابلناه فتحدث كثيراً عن الرجعية، فقال لا بد أن نحارب الرجعية جميعاً، نحن وإياكم نكافح ونجاهد، فيجب أن تضعوا أيديكم في أيدينا، قال فصعقنا وقلنا نحن نقاتل أبناء دماء أبنائنا الآن تسفح على هضاب الجزائر وفي سفوح الأودية وفي الجبال، فكيف ندخل في صراع لا لزوم له، فقال وكأنه لم يقبل منا هذا الحديث، وارتأينا أن ننتقل إلى تونس، قال فانتقلنا إلى تونس فلما ذهبنا إلى هناك، اضطررنا المعركة اشتعلت والمقاومون صار شأنهم كبيراً وأبدوا بسالة وبدأ يسمع له صوتاً أما العالم قال فاحتجنا إلى سلاح، كانت روسيا تساعدنا وكانت بعض الدول تساعدنا ولكننا نحتاج إلى مال من أجل شراء السلاح، قال فاتفقنا أن نذهب إلى كثير من البلدان العربية والبلدان الإسلامية، قال وكان نصيبي أن أذهب إلى المملكة العربية السعودية وطلبت من شخص وفيما بعد صار معروفاً اسمه رابح فرفض قال أنا لا أذهب إلى المملكة العربية السعودية، إذاً أنت اختر من تشاء أن يذهب معك، قال فذهبنا إلى المملكة أولاً أرسلنا طلبنا الموافقة على الذهاب للمملكة فأتتنا فوراً، ثم ذهبنا إلى المملكة فأخذنا إلى فندق يقول اسمه فندق اليمامة وكان ذلك الوقت أيام حكم الملك سعود رحمه الله، فيقول بعد أن تغذينا وبعد صلاة العصر جاءت سيارة وأقلتنا إلى الناصرية، صلينا مع الملك المغرب وجلسنا ننتظر وكان هناك وفود وحشود، فيقول أردنا التحدث إلى الملك فأخذ يقول قابل الملك سعود مع الملك فيصل وأخذانا يقول نحن الاثنين، ودخلا في غرفة مختصر صغير يقول وأردنا أن نتحدث قال نتحدث عن ماذا؟ نحن نعرف الزائر ومعكم قال: وهذه كلمة للتاريخ وسأكتبها إن شاء الله وكتبت سبق أن نشرتها أنه أخرج الملك سعود والملك فيصل شيكاً وقال سنوقع لك على هذا الشيك وضع فيه المبلغ الذي تريد، هذه من الأشياء التي أذكر أننا كنا نقف عند بعض الأماكن المعارك وكان هناك أناس أحياء من المجاهدين نذهب نحن جميعاً ونقف على مكان المعركة فيصف لك كيف قامت المعركة وكيف كانت المعركة وكيف تمت المعركة، يتحدثون في شيء غريب جداً لا يصدقه المرء، كان في ذلك الوقت كثير من المجاهدين على قيد الحياة، وأذكر بين أحد هؤلاء صديق فيما بعد اسمه عبد الحق بالعربي يقول إنني أحمل في ظهري ثماني رصاصات، يقول إني جمعت في هذا المكان في دائرة وأطلق علينا الرصاص أمام الأطفال والنساء وأمام الشيوخ، وتركنا على أساس أنني كنت ميتاً، ثماني طلقات كانت في ظهره، لكن يقول بقدرة الحي القيوم وأن هذا الرصاص لم يخترق جسدي فعشت، من بين الأشياء الطيبة التي أذكرها أيضاً الزيارات المتبادلة بيننا وبين المثقفين السعوديين وبين الإخوة في الجزائر والمثقفين الجزائريين ومن بينهم رحمة الله عليه الشيخ عبد العزيز الرفاعي كان الشيخ عبد العزيز الرفاعي تعرفت عليه من خلال بعض الكتابات وكنت أراسله، وكان في تونس فاتصل جميل أبو سليمان كان ملحقاً وقال إن الشيخ عبد العزيز يريد أن يتعرف على الجزائر ويريد أن يكون لكتبه مكان في الجزائر، ويريد أن يزور المكتب الثقافي ويتعرف على السفير وكان آنذاك الله يرحمه محمد حسن فقي وهو أيضاً زار الجزائر أيضاً، فأرسل برقية جميل أبو سليمان قال إن طائرة الشيخ عبد العزيز ستصل الساعة الثانية والنصف، فعندما جاءت الساعة الثانية كنت في المطار من حسن الحظ أو سوء الحظ أن الطيارة تقدمت قبل مجيئها بنصف ساعة، لم يكن الحقيقة الوقت مضبوطاً، ودخلت بحثت عن الشيخ لم أجده في المطار فسألت فبان لي واحد يمكن في واحد واقف برة ما دخل واقف في الشمس في ساحة المطار غضبان، قلت لماذا تغضب يا شيخ قال يعني أنا جئت حاولت أعبِّي البطاقة باللغة العربية فرفضوها، قالوا لازم تعبيها بالفرنسية، قال فصار بيني وبينهم شد هو مع الأسف الشديد معظم الذين في الواجهات الحقيقة هم من المتفرنسين ومن البربر الذين لا يميلون إلى اللغة العربية، فغضب غضباً شديداً فهدأته وكان معنا شخص من المراسم فأخذه وفتح له الباب، وأخذ جوازه وخرجنا ثم تعرف على بعض الأدباء وتعرف على الشعراء وتعرف على الجزائر، فقال كلمة رائعة جداً فيما بعد كان مصيباً وكان مرتاحاً وأحب البلد وأحب ثقافة البلد قال للشاعر الأخضر السائحي قال يا أخضر بلدكم تشبه البرشومي، حبة البرشومي قشرها شوك خارجها شوك وخشن ولكن داخلها ناعم ولذيذ هذا من ضمن الأشياء التي أذكرها في الجزائر.
وإذا أحببتم أن أنتقل إلى بريطانيا وإن كان الحديث عن بريطانيا سيطول، طبعاً بريطانيا بلد مختلفة تماماً وما كنت أقوله عن أمريكا لا يمكن أن أجد التناقض بريطانيا فيها ثقافة هائلة، إن كان بالثقافة الأممية وبالثقافة العالمية لها تاريخ علاقاتها القديمة بالشرق الأوسط وبأبناء الشرق الأوسط كونت لديها ثقافة في التعامل معها أولاً ثم شكلت أيضاً ثروة هائلة من تاريخها من خلال بقائها فترات من الزمن سواء من ناحية المخطوطات أو من ناحية اللوحات أو ناحية التحف أو من ناحية يعني مكتبة لندن من أهم المكتبات في العالم وكم كنت أتمنى على الباحثين السعوديين والعرب أن يذهبوا ويجدوا كثيراً من الكتب وكثيراً من المخطوطات النادرة التي لم تحقق ولم تدرس، والحقيقة نريد جهداً أكاديمياً كبيراً جداً من الجامعات للتنقيب عن هذه الحصيلة العربية الموجودة في بريطانيا، بريطانيا بلد ثقافة بريطانيا الشعب فيها يتعامل يعرف هموم مواطن الشرق الأوسط، الأمريكي لا يعرف إلا همومه هو يعتقد أن الولايات المتحدة هي الكون ولا يرى غيره، والسبب أنه حديث عهد بالاستعمار وليس له علاقة بالآخرين، أمريكا منفصلة، بينما بريطانيا لا، جذورها ممتدة ولا تزال الحقيقة آثارها موجودة لدى العالم العربي أو في الهند أو في مكان آخر، ما أود أن أقوله أن الجو البريطاني أو المناخ البريطاني يختلف لا من ناحية الثقافة ولا من ناحية التعامل ولا من ناحية الاعتزاز بالتاريخ، البريطانيون وحتى الأمريكان أكثر اعتزازاً بالتاريخ لا يتنكرون للتاريخ ولا يتنكرون أيضاً للغتهم، اليوم طلاب بريطانيا في الابتدائي يتعلمون لغة شكسبير، هذه هي لغة أوكسفورد عندما يتحدث إليك الإنجليزي كأنه يقرأ من كتاب، هذا نوع هذا جزء من شخصية الإنجليزي لا يمكن أن يتنازل عنها، في البريطانيين تتعلم منهم أيضاً الذكاء والفطنة والصبر والجلد وأيضاً يعني يجوز لي أن أقول الألاعيب السياسية اللي فيها مكر فيها دهاء ناس منقعين في السياسة، الأمريكي مثل البادية عندنا واضح، يعني يريد الأمور كما هي، الإنجليزي عشان تتعرف عليه، الأمريكي تتعرف عليه في خمس دقائق هذا "يبغالك" في خمس سنين عشان تعرفه. الأستاذ أخونا وزميلنا وحبيبنا الدكتور الصبيحي أيضاً والدكتور عبد الله من الأساتذة ومن الزملاء الذين كان لهم الفضل بعد الله على انسجامنا في ذلك المجتمع المجتمع الجميل، مجتمع كان راقي ومجتمع رائع تعلمت أنا أشياء كثيرة جداً من زملائي، وممن عملت معهم عملت مع الشيخ ناصر المنقور رحمة الله عليه، نسمع الدكتور غازي القصيبي الشاعر النابه وصاحب عدوى هذه الصوالين وهذه المنتديات وهذه الندوات وصلت إلى لندن شكلت هناك مكان عند الدكتور الصبيحي في كل شهر كان يقام ندوة أدبية لشاعر أو لمفكر أو للغوي بارز يقدمه الدكتور والدكتور أيضاً غازي القصيبي، لندن كانت مزيج من المثقفين العرب تعرفت فيها على الطيب صالح عن كثب، وتعرفت فيها على معظم المثقفين على: نزار قباني على حيدري على معظم المثقفين العرب كانت تجربة في الواقع ثرية بالنسبة للدارسين، بريطانيا كما تعلمون بلد ليست في حجم الولايات المتحدة ولكنها تعتمد على التأصيل البحثي، ميزة الدراسة في بريطانيا أنها تعلم التعمق في البحث العلمي بالرسائل العلمية وبالذات في شهادة الماجستير والدكتوراه، هما مدرستان المدرسة الأمريكية تعتمد اعتماداً كلياً على الكورسات، وأيضاً في النهاية هي رسالة بلا شك لكن الجامعات البريطانية تعتمد ومعظمها حقيقة على تأصيل البحث العلمي والمشرف الدراسي يتعامل مع الطالب كما يتعامل مع الصديق أو مع الزميل، لا يتعامل معك كطالب وإنما يعطيه ثقة ويضع المنهاج ويوجهه التوجيه الحقيقي نحو البحث ولكنه يتركه يعتمد اعتماد كلي على نفسه، لا من ناحية الطباعة ولا من ناحية القراءة ولا من ناحية جمع المعلومة، وتوسيع مدارك الطالب وإعطائه مجال واسع لأن يتحرك وفقاً للدائرة وللمخطط الذي وضعه المشرف الدراسي، فعادة عادة الذين يتخرجون من بريطانيا مقدرتهم على البحث، هذا ليس تقليلاً، كلا المدرستين جميل، ولا شك أن المدرسة الأمريكية متفوقة جداً لا غبار عليها، ولا أحد يناقش فيها أو يطعن فيها، كذلك الدراسة في بريطانيا أيضاً هي تؤصل البحث العلمي وتأخذ بهذا الجانب وهناك الحقيقة من يستفيد من التجربة بأن يذهب إلى الولايات المتحدة لينهي الماجستير ويأتي إلى بريطانيا لإنهاء الدكتوراه والعكس بالعكس قد يأخذ الماجستير من بريطانيا ويذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية الحقيقة أنا سعدت بأن أكون مشرفاً أو أكون ملحقاً ثقافياً يشرف على كثير من الطلبة وإخواني المبتعثين في الجامعات السعودية ومن العاملين في المؤسسات الحكومية الأخرى ولنا حديث معهم وقصة معهم، بمشيئة الله أحاول أن تخرج في كتاب تجربتي مع الابتعاث ومع المبتعثين ولا أريد أن أطيل عليكم أسجل مرة أخرى شكري وتقديري العميم والذي لا يحدد ولا يمكن أن أحصره في كلمات لراعي هذه الجلسة وصاحب هذا المنتدى الرائع الشيخ عبد المقصود خوجه شكراً لك أخي الكريم وشكراً للزملاء واعذروني إن قصرت في كلامي فكما قلت الحديث لا يمل معكم وطويل طويل ولكنني في الواقع لا أستطيع أن أستمر ولا أستطيع أن أجاري ما سمعت من حسن الثناء ومن حسن الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني: شكراً وللحديث بقية فلدينا أسئلة كثيرة ولكني إتماماً لا أقول لما قلت صدر كتاب عكاظ لندن جمع مادته من هو بجوارك الدكتور محمد صبيحي ونرجو أن يرى النور كثيراً وقد رأى بصيصاً من نور وإن شاء الله يوزع هذا الكتاب، الآن جاء دور الأسئلة.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أستاذنا القحطاني الكتاب طبع ووزع تحت مسمى عكاظ لندن جمع مادته الزميل الدكتور محمد أحمد الصبيحي.
عريف الحفل: شكراً لضيفنا الذي أخذنا في رحلة جميلة ورائعة استمتعنا من خلال المخيلة بالغوص فيها كثيراً، الآن أيها الإخوة ننقل لاقط الصوت إلى قسم السيدات، للتعبير عن احتفائهن بضيفنا هذه الليلة ولنبدأ الأسئلة أيضاً من هناك لنواصل الأسئلة من هنا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :515  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 104 من 223
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.