شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللَّهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلِّي وأسلِّم على خير خلقك، حبيبك وصفيك، سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين، وصحابته الميامين.
السيدات الفضليات
الأساتذة الأكارم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
رغم الظروف البيئية التي تمر بها الأمة، ومشاهد القبح والظلم والقهر التي وسمت مستهل عامها الهجري الجديد.. فما زلنا نأمل أن يطغى التفاؤل على ما عداه، وأن تتضافر الجهود لقفل كثير من الملفات التي بددت مكتسباتنا.. سائلين الله أن يعيننا على تجاوز هذه المرحلة، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً.
كما نرفع أكفَّ الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى أن يرحم أخانا الأستاذ هاني ماجد فيروزي الذي انتقل إلى جوار ربه، فقد كان من روّاد "الاثنينية" الأوائل، وآزر مسيرتها في كثير من المناسبات، سائلين المولى عز وجل أن يسكنه فسيح جنانه، ويلهم آله وذويه الصبر حسن العزاء.
نحيّي الليلة السيدة الفاضلة الدكتورة لمياء محمد صالح باعشن، أستاذة الأدب والنقد بقسم اللغات الأوروبية وآدابها بجامعة الملك عبد العزيز.. فقد أخذت هذه الأكاديمية التربوية على عاتقها مهمة إزالة ما تراكم من غيوم حجبت النور عن تراثنا الشعبي بصفة عامة، والتراث الحجازي بصفة خاصة، وظلّت تنقِّب في صمت وصبر عن مكوِّنات هذا التراث وتجمع شتاته من مظان كنوزه المطمورة في صدور بعض من عاصروا جانباً من وهجه القديم.. وواصلت ليلها بنهارها يدفعها حب متجذِّر، لتضمن استمرار صمود حبات العقد في تماسكها، قبل أن تنفرط دون رجعة.
لقد أثمر هذا الإصرار على منجز نعتز به، فعالمنا اليوم طغت عليه غابات الإسمنت والحديد.. في المنازل، والشوارع، والحدائق، والمدارس والجامعات، وكل مكان.. وانسحبت الأشكال الجمالية التي توارثتها الأجيال تدريجياً لتحل محلها جملة من القيم الفنية التي وجدت شيئاً من القبول لدى المجتمع، ربما من منطلق حب التقليد أو التجديد.. إلا أنها قيم تبقى منبئة عن الجذور والأصول.. فموسيقى "الراب" وما سبقها من صراعات، لم ولن تمس أوتار القلوب التي هفت يوماً إلى مرافئ جمال الأهازيج البريئة التي رددتها الحواري، وانطلقت بعفوية من حناجر الصبايا والصبيان لترسم أصالة إنسان هذه الأرض، وتمسُّكه بعاداته وتقاليده، والحس الجمالي الخاص الذي طبع حياته عبر مئات السنين.
يتحدث البعض عن العالمية، ويريدون أن تشرع النوافذ نحو "الغرب" في استلاب واضح لجوانب مهمة من هوية الوطن، في الوقت الذي ينبغي ألا نغفل أننا جزء من هذا العالم المتلاحم الأطراف، فنجيب محفوظ استشرف العالمية من عمق أحياء القاهرة.. والطيب صالح ذاع صيته عالمياً عندما امتدت جذوره إلى قرى نائية ليبني منها رائعته "موسم الهجرة إلى الشمال".. وأحمد دهمان رصد الحياة في مرتفعات عسير، فترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية وكثير من اللغات الحية.. فالعالمية بوصلة ذات اتجاهين، أحدهما يشير إلى الخارج، والآخر بداخلنا وهو ما ينبغي أن نحول أنظار العالم إليه لتكتمل الحلقة.. وأحسب أن ضيفة أمسيتنا قد أدركت هذا المعنى فنقبت في الأحياء الشعبية، واتكأت على التراث والذاكرة الجمعية المكنونة في عمق ذاكرة المكان لتقول لنا بكل صدق، ومحبة، وعفوية، إن المشاعر التي غمرت مكونات هذا المجتمع لا يمكن أن تموت هكذا بكل بساطة، فجعلتنا نستمع مجدداً من خلال أهزوجة "أم عميرة" إلى أصوات الصغار وهي تشدو:
"صفق صفق يا مرجان.. ستي خديجة في الروشان..
صفق صفق يا مرجان.. ستي زكية في الدرجان..
واللي يصفق أبوه يعطيه... توب حرير يدّلع فيه..
قد كده قد الرمانة.. قد كده حلوة ورويانة..
قد كده ترقص وتغني.. قد كده تلعب وتحني.."
إنه صوت الأرض النابع من عمق التجربة الشعبية وموروثها الثقافي..
لقد ظلت ذاكرة المكان أبداً في وجدان أبناء وبنات هذه الأرض، سكبوها عطراً، ونقشوها رسوم حنَّاء، ولوحات عطاء وجمال.. شكلت هذه الأهزوجة مع غيرها جزءاً من مشروع ثقافي كبير تسعى ضيفتنا الكريمة لتوثيقه، وتمكنت من إصداره في اسطوانة مدمجة بعنوان "دوها".. وميزة هذا العمل في تصوري أنه لا يلبث أن يمد المتلقّي بشريط من الصور التي تحكي قصة الزمان والمكان، فتتداعى للذاكرة قصة حياة متجانسة في كل مكوناتها، تتألق فيها الرواشين، والسنابيك تتهادى على صفحة البحر، والأطفال والشباب يلهون في البرحات التي تنبض بالحياة بين الحواري.. تشاهد بعين الخيال السقَّا يجر حماره في أوقات محددة جالباً الماء للبيوت، كبار السن في المقاهي يتجاذبون أطراف الحديث ويحتسون "الشاهي".. أو في مجالسهم يلعبون "الكيرم"، ويناقشون أمور حياتهم اليومية.. والسيدات في مجتمعهن الخاص.. فالقضية لا تنحصر في مجموعة أهازيج أو قصص للأطفال بقدر ما هي إعادة تشكيل الحياة في ذاكرة المواطن الذي عاش طرفاً منها، أو غرسها في لا شعور الشباب من الجنسين الذين لم يدركوا ذلك الزمن الجميل.
بالإضافة إلى ذلك، عملت ضيفتنا الكريمة على رصد مجموعة من قصص التراث في كتابها "الثبات والنبات".. إسهاماً مقدراً في العودة بالذاكرة الجمعية إلى الجذور، متفقة في ذلك مع مقولة أن من لا ماضي له فهو بلا حاضر أو مستقبل.. وهدفها الأسمى أن يسعى المجتمع إلى إعادة توهُّج هذه الجذوة التي خبت تحت رماد النسيان والتجاهل، وإعادة إنتاجها بشكل أو آخر بما يضمن استمرارية العطاء.
هذه المسيرة الصعبة في دروب الفلكلور الشعبي لم تؤثر سلباً في حركة ضيفتنا الكريمة ومشاركتها في كثير من البحوث، والترجمات، والدراسات، التي نشرت في مجلات ودوريات محكمة، وكثير من الصحف المحلية والإقليمية.. بالإضافة إلى محاضراتها في بعض النوادي الأدبية والملتقيات، وهو نشاط مشكور ومأمول من الأساتذة والأستاذات الأفاضل أعضاء هيئات التدريس في جامعاتنا، وغيرها من المراكز العلمية والبحثية.
تقف ضيفتنا الكريمة شامخة مميزة في حقل خصب يجمع بين علم الاجتماع وجماليات الفنون، وليس ذلك بغريب عن نشأتها، فهي ابنة بيئتها، تشكلت وسط بيت من أعرق بيوتات جدة.. ونهلت العلم من جامعات أمريكا حيث التنوّع الحضاري بمختلف تياراته، والتنوّع البيئي، وغيرها، على أشدها.. فرأت احتفاء الأقوام بوحدتهم وقوتهم النابعة من صميم ذلك التنوع. ومما لا شك فيه أن تهميش الفنون، والموروث الشعبي، واختصاره في رقصة واحدة، لن يؤدي إلى التطور الحضاري المنشود.. فبالرغم من محاولات جادة ومشكورة يقوم بها بعض الفرق الشعبية لإحياء تراث مناطقها إلا أن المزاج العام يحجم عن تناول تلك التجارب ودعمها بصورة فعالة لتخرج من عباءة المبادرات الفردية إلى آفاق العمل المؤسسي.. وكم يكون رائعاً لو أخذت وزارة الثقافة والإعلام زمام المبادرة بتكوين فرقة للفنون الشعبية تلم الشمل وتعمل على تطوير الفنون والموسيقى التي أصبحت من سمات الدول المتقدمة، بل جزءاً مما يطلق عليه الدبلوماسية الشعبية التي تربط بين مختلف الشعوب، وتذيب حاجز اللغات بعمق وفعالية.. وربما التقطت الهيئة العامة للسياحة والآثار قفّاز التحدي، وهي التي تحظى بمظلة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، المتدفق حيوية ووعياً بمتطلبات المرحلة.. وإنني على ثقة بأن أي جهة تتولى رعاية مثل هذا النشاط ستجد الدعم والمؤازرة من الكوادر الأكاديمية، وأصحاب الخبرة، ورجالات الصحافة والإعلام، ورجال الأعمال، وغيرهم من ألوان الطيف بالمجتمع الذي يتطلع إلى نهضة فنية تليق بمكانته الضاربة في عمق التاريخ.
أتمنى لضيفتنا الكريمة كل التوفيق والسداد، وعلى أمل أن نسعد الأسبوع القادم باستضافة معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام داود العبادي، أمين عام مجمع الفقه الإسلامي العالمي بجدة، كخير خلف لخير سلف إن شاء الله، إذ ودعنا العام الماضي، في أمسية حافلة، معالي الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجه، أمين المجمع السابق، بعد سنوات اقترن فيها اسمه باسم المجمع عطاءً وبذلاً وتطويراً، جعل الله ذلك في ميزان حسناته، متمنين لمعاليه ولكم دوام الصحة والعافية.. وأحيل الميكرفون للسيدة الأستاذة الدكتورة وفاء بنت عبد الله بن سليمان المزروع، عميدة الدراسات الجامعية للطالبات بجامعة أم القرى، لترعى هذا اللقاء مشكورة.
فإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله،،
الأستاذة نازك الإمام: راعية الأمسية هذه الليلة هي الأستاذة الدكتورة "وفاء بنت عبد الله بن سليمان المزروع" عميدة الدراسات الجامعية للطالبات بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، والمشرفة على كليات البنات بمكة المكرمة.
شكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه على هذه الكلمة الضافية، وأرجو أن أشير إلى أنه بعد أن تعطى الكلمة لسعادة الضيفة الكريمة سيتم محاورة الدكتورة لمياء باعشن والتي آمل أن تتفضلوا بكتابتها وأرجو أن يكون سؤالاً واحداً لكل متسائل ومتساءلة حتى تتاح الفرصة لأكبر عدد منكم ومنكنَّ للإجابة عنها، والآن، كما تفضل سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه أنقل لاقط الصوت إلى راعية هذه الأمسية سعادة الأستاذة الدكتورة "وفاء بنت عبد الله بن سليمان المزروع" عميدة الدراسات الجامعية للطالبات بجامعة أم القرى بمكة المكرمة والمشرفة على كليات البنات بمكة المكرمة، فلتتفضل مشكورة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :747  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 12 من 223
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج