شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( عود إلى شعر المحتفى به ))
ثم يعاود المحتفى به إلى إلقاء بعض مقطوعاته الشعرية، فيقول:
- أود أن ألقي هذه القصيدة وأهديها إلى التربويين الَّذين معنا وإلى غيرهم، وهي مما استفدته من الفنون السينمائية؛ قصيدة قصيرة اسمها سيناريو أول مع إيماءات المخرج، على الطريقة الحديثة:
قف بجوار الطفل وضع قدميه على أولى العتبات
ليصعد.. يصعد وإذا ائتلقت عيناه
أضئ بيديك يديه
وتلمس في شفتيه بريق الكلمات
برق الضوء على حجرة درس
كان الأطفال يضيئون مقاعدهم
كان على سيماهم ألق وحنان
الآن تقدم نحو السبورة وابدأ باسم الله الدرس الأول
ضع صورة إنسان
اسألهم من هذا؟
وتأمل في شفتيهم ألق الكلمات
أعد من هذا؟
واكتب هذا إنسان
إن هل الضوء على طفل يسأل:
يا أستاذ، ما معنى الإنسان؟
قف بمحاذاة النافذة وقل:
إن الإنسان من يقرأ من يكتب من يتضوع بالوجدان
ويشرق بالإيمان
ومضى الضوء ومضى النور على نافذة السبورة
خذ قلماً أبيض وارسم قلماً أخضر
قل ما هذا؟
ستضيء البسمة فوق شفاه الأطفال
فبادرهم.. ماذا نفعل بالقلم؟
امنحهم أقلاماً.. محبرة.. ورقاً أبيض
دعهم يلجون فضاء الورقات
الآن ترسم آفاق السبورة وارسم أرضاً
شجراً.. ينبوعاً.. واسألهم ماذا تعني هذي الأسماء؟
وكيف نشكل منها ضوءاً في العينين؟
وصوتاً في كل لسان.
اسألهم من خلق الأرض.. الشجر.. الينبوع؟
أعد تركيب الكلمات..
وجرد صوت الضاد.. الراء.. العين..
علمهم كيف يحبون الله، يحبون الأرض، يحبون الإنسان
والآن.. تنامى القلب، تنامى الصوت، تنامى الضوء
- وهذه من القصائد الكاريكاتورية التي قلتها، يعني الكاركاتور رسم ولكن هذه رسم بالكلمات:
القطة على حافة النافذة
كانت القطة العائلية صامتة
ورذاذ المطر يرف على شرفة الدار
كان الحوار يفتق أغصانه في شقوق الشجر
مر يوم ويوم ويوم
كانت القطة العائلية تجلس في المائدة
مر شهر وشهر وشهر
صارت القطة العائلية بالباب
أضحت تموء تموء وتستقبل الزائرين
مر عام وعام وعام
صارت القطة العائلية في مركز الدائرة
تغني تغني وصرنا لها منصتين.
 
- هذه القصائد التي ذكرت - أحياناً - تكون غامضة ربما من سطر أوسطرين، بيتٍ أو بيتين، بيت أو نصف، إلخ..سوانح قصيرة أختصر منها، أقول منها:
يحزنني أن أنظر كل فراشة
تتعانق في نور فراشة
وأراني أتداخل في ظل المنفرد
في ركن ليلي أغني أو أحلم
أن أتملى من لمحة من يقف بباب القلب بشاشة
في رقة قالت:
هل تسمح أن نمضي هذا الأسبوع على البحر معاً في رفقة
ومضينا..
كان الشاطئ يسرع في زمن اثنين التقيا في ماء البحر
ولم يجتليا عمقه،
تعرض عني،
في فرح الطائر أو حزن العابر،
في خيط مشدود
تعرض عني.. فأبوء بأحزاني كالطفل المكدود
كوني امرأة تأخذ من قلبي زهراً أو نهراً
كوني امرأة تتفتق تترقرق تعبق عطراً
ورأى في عينيها شيئاً كالومض
ما هذا؟
قالت لا شيئاً.. وراحت تبكي
يدها في يده والدرب الأخضر ممتد
انعطفت حين رأت درباً آخر
سقطت يده.. راحت تومئ للأفق الأبعد
قبلها.. فأشاحت عنه
وراحت تحلم بفضاء من ليلك.
حدثها عن وحدته،
حدثها عن أشواق زمان،
حدثها ألطف عينيه بعينيها
لم تتكلم.. صعدت درجات السلم
أومأ بالحب لها ومضى
في طوق الليل المبهم
كان الطفل يجاذبها في ظل أبيه
وكانت تتباعد.. تتباعد
فبكى، وقف الطفل يحدق في أذيال خطاها
ومضت تحت غبار الأيام.
أنت الآن وحيدة
تنتظرين يداً تحمل عقد جمان وبريقاً
هل تلك يد منشودة؟
يرسم في دائرة الريح رغيفاً وينادي
يا أمي أين أبي وبلادي؟
وقفت بالباب المفتوح ونادت يا عمر:
أطفالي يتحرون قراك على نار القدر الليلي
فهل ننتظر؟
إن هذا الصغير العليل سيحمل عبء البلاد
أيقوى العليل على حمل عبء البلاد؟
ولماذا يبتهج العربي إذا بُشر بالذكر؟
وينتحب إذا بُشر بالأنثى؟
في ركن الخطباء - في الهايدبارك -
في ركن الخطباء توقف يتأمل ذاك الحشد المتحلق حول الخطباء
وحول الهتافين..
لم يفهم شيئاً مما قالوه سوى أن الأوطان تضيع بأيدي الخطباء
وأيدي الهتافين..
في ميدان الجندي المجهول
رأى غانية في حضن فتى أجعد
ورأى امرأة تتجرد، وامرأة تتمرد
فتداعت في خاطره الأشياء
تضيق وتمتد..
قلب بين يديه الوَدَعَ وقال:
كن حذراً ستموت غريقاً في كلمة
وقفت تتأمل كل خطوط يديه وقالت قارئة الكف:
أنت فتى مرهف..
كل خطوط يديك تدور تدور تلتف
فتألف نفسك وتزهد في الضوء المترف
وقف الشاعر يتغنى بجمال الممدوح.. وحين مضى
أخرج في أذيال الممدوح لسانه..
يا فاروق لا تكتب إلاَّ ما يميليه عليك يراعي
أو تتكلم إلاَّ بلساني
يا قلب لم أتألف ألوان القلم الثاني
يا فاروق كن رجلاً لا إمّعة
وانظر ما بين يديك
انثر من أقنعة الطاؤوس ومن غمغمة الصعلوك
ما بين يدي سوى شمعة.. كلمة تصنع حرّاً
أو تفتح باباً للريح
نظرة.. تغني عن ثرثرة الكلمات..
في المرآة نرى أنفسنا من غير طلاء.
وقف الطفل كالببغاء يعيد النشيد
فقال المعلم أحسنت
قال الصغير لماذا نردد هذه الأناشيد يا سيدي؟
لم يجبه وضاع السؤال
في زمن الماء نغني
ولكنا في زمن الصحراء نتجافى ظل الإباء
الكلمة رؤيا أو حكمة
حين يختلف النيرون يضيئون وجه الحقيقة
أوصد الباب حين تباغتك الزوبعة
وكن واحداً لا تكن إمعة.
 
وأختتم بالقصيدة التي وعدتكم بها:
أردت أن أرسم مرة فرسمت:
أبصر في المرآة حمامة.. بيضاء
جناحاها يشتبكان بوجه امرأة شقراء
قدماها في الماء.. ويداها تلتقطان غمامة..
وأردت أن أرسم كلمة الله - لفظ الجلالة - فقلت:
أبصر في المرآة سطحاً من ماء..
وسماء صافية زرقاء..
وحروفاً في أشكال الغصون الخضراء
متناثرة في أبعاد التكوين
شف النور على البعد الثاني في التكوين
كان هلالاً فضياً يحضن سنبلة ذهبية لحروف ملتئمة
تومض في مرآه.. الله.
 
والآن هذه قصيدة تجمع تقنيات الفن التشكيلي مثل التصوير والمونتاج، قصيدة قصيرة بعنوان تفاحة:
تفاحة سقطت فوق بساط العشب
تراءت في مد الأفق المبهم
مر فتى ملهم..
حدق في مد الأْفق ثنى عطفيه..
ومد يديه التقط التفاحة..
هم بها سقطت في ماء النبع
توارت.. وتصاعد خيط دخان..
رف وشف..
وطلعت في ومض الماء امرأة لماحة
انتفضت.. عبقت.. نشرت أفواف جدائلها
وتناءت.. وتناءت.. في غيمة دم.
 
ثم ألقى المحتفى به في الختام قصيدة رد بها على تحية المحتفي له، فقال:
أمكرم العلماء والأدباء
ومكلل الإبداع بالأشذاء
ومبجل الفكر الرفيع تضيئه
قمراً بهذي الدوحة القمراء
باركت أصحاب اليراعة والرؤى
وجلوتهم في بهجة الأضواء
فحففت بالقنديل كل مهذب
صافى نديك زهرة الإبهاء
وشرعت نافذة الوفاء لنخبة
حملت لواء الخير للعلياء
ونقشت من لفتات حسك لمسة
أضفيت لؤلؤها على الأكفاء
من أنت تحفل بالثقافة آنساً
بالوقت في زمن من الأعباء
زمن بعبء الآس مشتعل على
سفر يضيق بساعة استيحاء
القارئون به بقايا صفوة
منحت صفاء العقل نهر بهاء
والكاتبون مشارب حشدت على
ورق الصحافة غمغمات خواء
أنصاف قراء على أرباعهم
من مترف السمار والخلطاء
وتصدرت زهو المنابر جوقة
ممهورة الأقلام بالخيلاء
هم (الظهور) مدغدغ أصواتهم
في (زفة) مطلولة برياء
أغراهم الولع الملمع بالفريد فأمعنوا في لعبة الإغراء
وتشغفتهم رؤية منحولة
ذبلت وعفرها فصول ضياء
أهوى الجديد.. وما الجديد
المستعار الصوت والإيقاع والإيماء
وهم تلبسه الفضول مهوماً
فيهم، أتلك حداثة الصحراء؟
ما غادر الشعراء من مترنم
بل غادروا سقط اللوى بعراء
إن الجديد لمن يطارح فكره
لا من يديم صدى من الأصداء
وتجاسرت لغة السديم فكل مَنْ
سل اليراع أراق حبر هراء
فمضى الأديب مطأطئاً مصباحه
في بونه المصفود بالدهماء
لم يلف من يرتاد ورد كلامه
أو من يشاطره المدى بجلاء
الفكر صار مدمِّراً بين المحنط والمبهرج في شفيف طلاء
ليت الفتى قمر تشف بنوره الأنواء للساري على إِدجاء
يا سيدي ماذا تروم من الفتى
مرماه هذا الشعر بعض عطاء
لم يصفه إلاَّ الشجون وربما
عاناه هما مشعلاً برواء
لكنه عاش الشعور موطناً
للحب رؤيا شاعر غناء
الشعر نبراس الكلام شعاع نبرته رؤى لماحة الإيحاء
لملمت أطرافي بريش جناحه
وزففت في آفاقه الزهراء
ورضبت ورد فراته فأنالني
شفقاً تسلسل في رفيف نجاء
سميته قمري فأشعل ليلي المبثوث في ترنيمة الغرباء
فضممت أسحاري إلى القلب الَّذي
عشق السنا في الموطن المعطاء
غنيت للوطن المقدس للطفولة للقلوب حفية بالماء
وقرأت نبض الأرض والإنسان في
مرآة هذي الغربة الرعناء
فإذا الحقيقة فكرة مخبوءة
لم ترتسم في جوهر الأشياء
وإذا السلام مسوم بدم يموج بناره الإنسان في بيداء
وإذا الكلام مطوق بالسيف أو
بالزيف أو بالصمت والإغضاء
وإذا الدهاء ذريعة في عالم
متسربل بثعالب الأحياء
لا يسلم الصـوت الشريـف مـن الأذى
حتى يواطئ سائد الأهواء
عفواً صديق الشعر والشعراء
إن جشت بالأشجان من برحاء
فمرارة الماء المعلق في فمي
كبراءة الطفل الغريب النائي
لم نعطه أمن الضفاف ولم نضىء
عينيه كيف يرى ظلال صفاء
عبثاً نوشوش ظلنا ويريبنا
صمت يحدث عن جراح إباء
فهنا مدار للحوار ومنتدى
للساطعين أحق بالإفضاء
آلفت فيه معلماً ومفكراً
في عقد كوكبة من النبهاء
وعطفتني فأقمتني في موقع
أدني به صوتي على استحياء
في محفل أضفي وقار سراته
سبباً لناشد حكمة وسناء
أصفي وقار القوم ودا صغته
من لطف وقت عاطر الإصغاء
وأجل نفسي والكرامة أن نُرى
في شاعر متزلف ومراء
وأرى بهاء الشعر أنقى طلعة
من أن يشاب بوصمة استخزاء
أتراك في هذا الندي مكرماً
وقتاً لنبض الحاذق البناء
أنت.. المكرم في الرجال فإنهم
لهجوا بلطفك في حميم جواء
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :502  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 131 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.