شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
5- حسين علي عرب
يقول معاليه (1) : ((تربطني بالشيخ محمد سعيد خوجه جيرة قبل كل شيء، فقد كنا متجاورين في السكن بشعب عامر، وأعرف والده ((عبد المقصود)) كان رجلاً كبيراً في السن محترماً، وكان محمد سعيد في عزِّ الشباب وأنا ما زلت طفلاً. لا أعرف كيف وصل إلى وظيفة ((مدير مطبعة)) فقد فتحت عيني وهو ((مدير مطبعة الحكومة)) وكان مديراً كفؤاً يمتاز بالحزم وحبِّ موظفيه. وكذلك موظفوه يحبونه. يجمع بين المرونة والحزم، وبين الشدة والطيبة، وهذا هو المطلوب في الإدارة. سبق أن زاملته وكنت وإياه في غرفة واحدة، وكان يشغل (مدير جريدة أم القرى) و (مدير المطابع).
وكانت مزاملته لي فيها الخير الكثير، وجدته إنساناً عالي الخُلق، وصاحب نخوة وشهامة.. هذا الكلام لا أقوله جزافاً، لكنه الواقع.
كان -رحمه الله- في ذلك الوقت أحد الشباب الحجازي، وكان يجمع الأدباء والمدرسين، وهو أصغر الأدباء سناً، وربما أقلهم تحصيلاً، ولكن كان قائدهم في الاجتماعات والحفلات والمناسبات الشعبية والرسمية.. وكان -رحمه الله- شعلة في النشاط الذي يُذكر ويُشكر عليه.
كان في ذلك التاريخ -في الخمسينات الهجرية- قبل أن تكون للحكومة موارد ثابتة مثل البترول، وكانت تعاني بعض الضيق في الواردات لكثرة المصروفات، ورغم ذلك استطاع الشيخ محمد سعيد عبد المقصود أن يأخذ موافقة الحكومة على بناء مطبعة في (جرول) (2) .. وبُنيت بالحجر، وكانت مساحتها 1/2 كيلومتر، وكان يريد أن يأتي بآلات ومطابع عالية ممتازة..
في الواقع لم يكن أحد في ذلك الوقت يفكر في بناء مطبعة كهذه، ولم تكن الحكومة في حاجة إليها؛ لكن طموح الشيخ محمد سعيد عبد المقصود كان أكبر من وظيفته، ونشاطه أكبر من المحيط الذي يعيش فيه..
وشرع في بناء المطبعة، وخطط لبناء سكن للموظفين، ومثل هذه الأشياء في ذلك الوقت -كما قلت- ما كان أحد يفكر فيها، لأن الأوضاع لم تكن تساعد على ذلك.. لكن الشيخ محمد سعيد -رحمه الله- كان قد سبق زمانه، وأقولها بصراحة: كان كتلة موفقة للعمل الدؤوب، والمودة والحب والإخلاص.
- وللأسف فإن مشروع بناء المطبعة انتهى بموت الشيخ محمد سعيد عبد المقصود، لأن من جاؤوا بعده لم يكن عندهم النشاط والاهتمام والإخلاص الذي كان عنده..
- كان -رحمه الله- كاتباً اجتماعياً متميزاً، وكانت لديه الجرأة في نقد المصالح والمؤسسات، في حين أن أحداً في ذلك الوقت لم يكن يجرؤ على ذلك. كان صريحاً في كتاباته، وكان يوقع بإمضاء ((الغربال))، يتناول شؤوناً كثيرة في المجتمع، والشركات والمؤسسات التي كانت قائمة في ذلك الوقت على ما فيها من بطء واعوجاج. وكان صوت الشيخ محمد سعيد عبد المقصود من الأصوات التي وضعت المجتمع في الطريق الصحيح. ونشاط الإنسان يقاس بالحركة التي حوله.. وكان ((محمد سعيد)) أسرع من حركة الحياة التي كانت في ذلك الوقت.
كان -رحمه الله- أصغر الشباب سنًّا، وكان واسع الخطوة، جريء الحركة، وكان بين زملائه كأنه (علمٌ في رأسه نار)، مشهوراً وصاحب قيادة وكلمة. وكان قائد مجموعته ومحركها، وهو الدينمو. وربمَّا نشاطه هذا، وكثرة حركته قد جنيا عليه في صحته التي تدهورت، لأنه كان يعطي النشاط والحركة أكثر من طاقته من أجل تحقيق أهدافه.
كان -رحمه الله- الزميل المحبوب بين أصحابه.. يسهر على الأفكار النشطة التي تخرج الشباب السعودي -في ذلك الوقت- من القوقعة التي يعيش فيها. وكان له اتصال بالعلماء والأدباء الذين يفدون للحج، وكان يقيم الحفلات في ((منى)).. يجمع الأدباء والضيوف من الحجاج، يريد من ذلك إبراز وجه المجتمع السعودي.
- توفي في بداية الستينات الهجرية. وأذكر مرة (في عصرية من العصاري التي تجمعنا نحن الشباب) أن طلعنا إلى ((جبل النور))، وكان هو يشتكي من ضيق في النفس، فلمَّا وصلنا إلى أعلى الجبل أُصيب بحالة إغماء، فتجمعنا حوله، وبتوفيق الله سقيناه بعض الماء، وبعد قليل عاد معنا.
-وكما قلت- كان مسرفاً في النشاط، ونشاطه أكثر من صحته.
توفي وهو لم يصل إلى الأربعين من العمر. وعندنا في مكة يُطلق على الشاب النشيط الذكي، المسدَّد في خطواته، حين يتوفاه الله، بأنه (ابن الموت) أو (ولد الموت). وهذا ينطبق على الأخ محمد سعيد عبد المقصود -رحمه الله-.
- لقد كان -رحمه الله- إنساناً صادقاً وصريحاً، لا يكذب ولا يقول إلاَّ الحق، ولا يُرائي.. حتى إن البعض كان يحقد عليه. لم يكن يحب أن يستأثر بسلطة أو جاه أو منصب، بل كان يريد المصلحة للجميع، وقد عُرف بنبيل سجاياه وأهدافه ومراميه.
ومن زملائه الأساتذة ((أحمد السباعي، محمد علي مغربي، عبد الله بلخير، محمد سعيد عامودي، عبد الوهاب آشي، عمر عرب، محمد حسن كتبي، محمد حسن فقي)).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :291  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 15 من 153
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.