شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور محمد بن شريفة))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سيدي مؤسس الاثنينية سيدي عبد المقصود خوجه، سيدي رئيس الجامعة، حضرات السيدات والسادة.
أبدأ فأقول رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. ويَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي. يَفَْقَهُوا قَوْلِي (طه: 25- 28).
وأنشد قول الشاعر:
أنا امرؤ فيّ انقباض وحشمة
فإذا لقيت أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها
وقلت ما شئت غير محتشم
إنه لشرف عظيم أن أحظى بتكريم الاثنينية، اثنينية معالي السيد عبد المقصود خوجه ورفاقه الأجلاّء، هذه الاثنينية التي شرّق ذكرها وغرّب، وانتشرت أعمالها في العالم العربي والإسلامي وعرّفتنا بالجهود التي بذلها الكتاب والعلماء والكتاب والشعراء في هذا البلد العزيز، في المملكة العربية السعودية، وقد أبى معالي الشيخ عبد المقصود إلاَّ أن يشرك في التكريم أبناء الأمة العربية من مشرقها ومغربها. وأود أن أقول ولساني يكاد يتلعثم أمام حضراتكم ولكنكم ستعذرونني. أود أن أقول في البداية بأني بحمد الله وكرمه الذي أنعم عليّ بعدد من الجوائز لا أعرف تكريماً ولا جائزة مثل القلادة التي قلدني بها معالي الشيخ في كلمته الرائعة، لقد تربيت في بيئة أهلها من المتصوفة وحفظة القرآن وغرسوا في نفسي شيئاً من التهيُّب وعدم الحديث عن النفس والابتعاد عن الظهور، وإن شيء أرجو أن أقوم به على نحو من التواضع وعدم الإفاضة في الحديث، لقد قرأت جملة من الأعمال واستعرضت كذلك بعض ما جرى في هذه الاثنينية فلفت نظري شيء يستحق الاهتمام، ولا سيما خلال المناقشة وهي تضع المراحل وتضع شيئاً من المرح في الأحاديث وتبادل الكلمات مما يدل على أهل العلم وأهل الفضل في هذا البلد.
طلب إلي أن أتحدث ولكن الكلمة التي تليت بالتعريف عن سيرتي وعن الأعمال التي قمت بها كانت كافية ووافية، أما الكلمة الرائعة للشيخ عبد المقصود كما قلت لا تجدني قادراً على إعطائها حقها من التقدير والإجلال، إن الأعمال التي قمت بها في الواقع أعدها أعمالاً متواضعة لا أظن أن لها شأناً في التنويه الذي جرى لها، ولكني أقول بأن البذرة التي نشئنا عليها وربينا عليها وهي بذرة حفظ القرآن الكريم، هي التي أثمرت ثمارها في كل ما قيل، الأعمال المتواضعة التي أنجزتها التي ظهر عدد منها وما يزال عدد آخر سيأخذ طريقه إلى النشر بإذن الله هي أعمال موزعة بين خدمة تراث الأدب وتعرفون حضراتكم أن الأندلس هي امتداد للمغرب وكان للمغاربة شأن كبير في فتحها وعمرانها وفي تراثها كذلك، ومن ثم فإن تراثها آل إلى المغرب وما يزال ماثلاً في المخطوطات التي توجد في الخزائن العامة والخاصة، كما أنه يتمثل في مظاهر الحياة اليومية وفي مظاهر الحضارة من لباس وطبخ وعمارة ويتمثل في صورة أخف في أعمال علماء المغرب الذين تابعوا أعمال أسلافهم في الأندلس فعنوا بتراث الأندلس وشرحوا المتون التعليمية وألّفوا تآليف في التعريف برجالات الأندلس، وهذا موضوع من المواضيع التي عنيت بها واشتغلت فيها، وقد كان توجهي لهذا التراث الأندلسي مبكراً، فقد كنت وأنا طالب في الكلية اليوسفية في مراكش أقرأ بعض ما يصدر في مجلات مغربية، من دراسات أندلسية، كالدراسات التي كان يكتبها في ذلك الزمن الأستاذ محمد الفاسي والأستاذ عبد الله قنون وغيرهما ممن كانوا يكتبون في الموضوعات الأندلسية. وكانت البداية لذلك عندما فتحت الجامعة المغربية سنة 1956م وكنت وقتها أعمل مفتشاً للتعليم الإبتدائي والتعليم العام. التفت إلى هذه الكلية لأن الظروف السياسية التي حدثت في المغرب من نفي السلطان محمد الخامس والأحداث التي وقعت بعد ذلك دعت إلى إغلاق الكلية اليوسفية التي كنت طالباً فيها وكنت أتابع الدراسة في القسم الأدبي من الشهادة العالمية. وعندما أغلقت أضطررت للعمل في مجال التعليم والحمد لله لم يطل الأمر فعاد محمد الخامس واستقل المغرب وانشئت جامعة محمد الخامس في الرباط فانتسبت إليها، وقد كنت ولله الحمد ضمن أول فوج تخرج منها، وكذلك أول من سجل موضوعاً للدراسات العليا فيها فكانت أطروحتي عن أبي مطرف أحمد بن عميرة المخزومي، وهو أشعر كاتب ومترسل وأديب ومفكر في الأندلس في القرن السادس الهجري، سجلت موضوع رسالتي للدبلوم في كلية الآداب بالرباط عن شخصية أندلسية وهذه كانت البداية وقد قدم لها الأستاذ المرحوم محمد الفاسي رئيس الجامعة وأول وزير للتعليم بعد الاستقلال، بمقدمة اعتبرها إشارة إلى الطريق الذي سلكته بعد ذلك واعتبرها كذلك بداية لما تعرفه الدراسات الأندلسية في المغرب، وقد تابعت هذا العمل للإسهام في تحقيق بعض الكتب الأندلسية في بعض المراجع والأمهات والمصادر الأندلسية لما كان الأستاذ الزعيم محمد الفاسي-رحمه الله- وزير الشؤون الإسلامية والثقافية استدعى عالماً محققاً من علمائنا وهو الأستاذ محمد بن تاويت الطنجي وكان يدرس ويقيم في تركيا في كلية "الأديان" في استنبول، ولما جاء هذا الأستاذ المحقق ربطتني به صلة وثيقة ودعاني إلى أن أساهم في ما كانت الوزارة تنوي القيام به في تحقيق بعض الأصول والأمهات في اللغة والتاريخ وكان إسهامي في تحقيق جزء من أجزاء ترتيب المدارك للقاضي عياض وكذلك في تحقيق كتاب التعريف بالقاضي عياض لولده ثم بعد ذلك شاءت الظروف أن أكون أول مبعوث للدراسات العليا للدكتوراه في القاهرة، وفيها أسعدني الحظ بأن أجد في الجامعة أستاذاً جليلاً وعالماً كبيراً هو الدكتور عبد العزيز الهواري، الذي له إسهامات في مجالات مختلفة وله فكر وآراء وأحكام مستنيرة معروفة وهذا الأستاذ عرفته في المغرب قبل أن أرحل إلى القاهرة لأنه كان أول مستشار ثقافي للسفارة المصرية في الرباط، ولهذا الأستاذ عناية خاصة بالآداب الشعبية، ولا سيما الآداب الشعبية الأندلسية من أمثال إبن قزمان وكذلك الألفاظ الأندلسية القديمة وكذلك ما قام به من دراسة لبعض البرامج الأندلسية، الشاهد أنه كان من أوائل المعنيين بتراث الأندلس في الجامعة المصرية وقد أشرف على عدد من الدارسين في هذا المجال وكنت من بين من سعدوا بإشرافه على أطروحتي التي كان هو من اقترح موضوعها، كان رحمه الله قد نشر مجموعة من الأمثال العامية جمعها عالم أندلسي كبير من علماء غرناطة هو ابن عاصم الغرناطي، وهذا عالم فقيه وقاض ألف كتاباً في القضاء والأحكام هو تحفة ابن عاصم وكانت من محفوظاتنا وقد شرحها علماء كثيرون وعلى أساسها كان القضاء في المغرب وهو كذلك ناظم الشاطبية وله منظومات متعددة في القراءات والنحو وغيرها، الشاهد أن عبد العزيز الأواني-رحمه الله- كان قد نشر أمثال ابن عاصم وذلك في كتاب أهدي إلى عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، في عيد ميلاده السبعين، باعتباره من تلامذة عميد الأدب فنشر هذه المجموعة من الأمثال، ولما سافرت إلى القاهرة من أجل الدكتوراه وهنا أود أن أذكر أنني سافرت بالسيارة من المغرب إلى القاهرة وكنت أقصد من ذلك إلى الوقوف عبر رحلة ميدانية إلى زيارة بعض المكتبات، في الجزائر وفي تونس خاصة وبذلك أتيح لي أن أحمل معي كتباً أو مصادر أو مراجع مما قيل لي إنني سأكون في حاجة إليها في مصر فأخذت معي عدداً من المصادر المغربية والمراجع المغربية ومن بينها مخطوطات أو صور لبعض المخطوطات. ولما وصلت إلى القاهرة كان أول من اتصلت به هاتفياً هو عبد العزيز الهواري ثم زرته بعد ذلك في بيته، وأخطرته بأني موفد لنيل دراسة الدكتوراه فرحب بأن يشرف عليها وكنت أريد أن يكون موضوع أطروحتي عن الاتجاهات الأدبية في عصر الموحدين، وهو عصر كبير وغني بالتراث الأدبي وكنت قد استعددت لذلك بتجميع ما يتعلق بهذا الموضوع ولكنه بعد تذاكرنا حول أمثال ابن عاصم وأخبرته بأني وقفت على مجموعة من الأمثال سابقة عليها بأحد أعلام القرن السابع الهجري، العالم القرطبي هو الزجالي لما وقف عليها قال لي أقترح أن تكون هذه موضوع أطروحتك، وكذلك كان، فقد قمت بهذا العمل وإن كنت بسبب نشأتي القرآنية ودراساتي ومطالعاتي فيما يتعلق بالأدب الفصيح، لم أكن في الواقع من أهل هذا الشأن، بل لم أكن كذلك في هذا الموضوع موضوع الأمثال كما هو متوقّع يلتمس مما عند كبار السن، أو عند العجائز من النساء لأنه عبارة عن ما يسمع ويقال، لكم أن تعرفوا أن شاباً حفظ القرآن ودرس المتون، وكان يقصر وقته على مطالعة كتب الأدب الفصيح من دواوين شعرية ودواوين الكتاب المشهورين، أن يشرع في التعامل مع أمثال رُويت وسمعت وهي تعكس لهجات قوم وأناس درسوا وانقرضوا، ولكن بحمد الله استطعت أن أخرج منها عملاً جيداً أصبح مرجعاً في هذا الموضوع للمتخصصين الذين يهتمون بهذا الموضوع، لا سيما من بعض المستشرقين. وكان اعتمادي في هذا العمل، وكان عملي هذا يقتضي جهداً خاصاً ذلك أني ربطته بالمنابع وبأمثال العرب أولاً في مجامعها المعروفة من الميداني وغيره، وكذلك بأمثال المولدين. وفي هذا المجال وجدت ثروة من أمثال المولدين التي جمعت في عصور مختلفة، لكن أمثال الأندلسيين تظل مثالاً حياً على أن الأندلسيين لم يكن يفوتهم شيء من تراثهم، سواء من التراث الفصيح أو العامي ونعرف أن ابن قزمان وهو شاعر زجّال وهو زجّال من القرن السادس نعرف أن ديوانه كان منتشراً لكنه انتشر كذلك في المشرق وهكذا كان تدوينهم للأزجال والأمثال تدويناً كان في محله لأن ما نسمعه من بعض شيوخنا أو نجد لدى بعض المؤلفين لمن يدونون هذا التراث، وفي كتاب "الذخيرة" لابن بسام وهو أهم كتاب في التراث الأندلسي الأدبي عندما تحدث عن الموشحات، قال بأنها لا تستحق أن تدون أو أن تسجل كما أنه عندما تحدث عن بعض أشعار الصقالبة وآدابهم قال بأنها لا تستحق التدوين، لأني بدأت بالحديث عن عمل، سعيد بأن أسهب فيه هذا الإسهاب وأني حرصت على تدوينه أخيراً في مشروع صدر عن وزارة الثقافة في المغرب من خمسة أجزاء، الأجزاء الثلاثة في الأمثال التاريخية التي دونت بدءاً من القرن السادس الهجري حتى القرن الثاني عشر، مجموعات متسلسلة من الأمثال هذه الأمثال مدروسة ومشروحة ومقارنة بغيرها من الأمثال العامية في العالم العربي كله، حيث حرصت على أن أجمع كل ما صدر من أمثال عامية في العالم العربي، وقد يكون في بلد عربي أكثر من مشروع في العراق وفي اليمن وفي الجزيرة وفي بلاد المغرب وفي مصر طبعاً، وفي السودان، يعني كل المجموعات العامية جمعتها وقارنتها وكل ذلك موجود، هنالك محور آخر وهو الأزجال وقد اخترت من الأزجال التي جمعتها ودرستها في جزأين عن الأزجال التي قيلت في الجهاد و بدأتها بما قاله ابن قزمان في تخليد معركة الزلاقة، وهي المعركة الشهيرة التي انتصر فيها يوسف بن تاشفين وقد سجلها ابن قزمان، وأنا اقتصرت على ما قيل فيها من جهاد. هنالك موضوعات في خدمة التراث الفصيح بين مغربية وبين مشرقية، فأما المغربية فتتمثل في تحقيق بعض الدواوين الشعرية مثل ديوان ابن هركون وديوان البسطي وغيرهما ومثل كتاب الترسيل كتابات بعض الأندلسيين من المترسلين وقد أشير في التقديم إلى هذه الكتب، ولكني أيضاً عنيت بالتراث المشرقي فقد أنجزت دراسة عن عناية المغاربة في أدب المتنبي، تحقيقاً لشعره ودراسة له ومعارضة لبعض أشعاره، كما عنيت بالشيء نفسه بالنسبة لأبي العلاء المعري الذي كانت له مكانة خاصة لدى الأندلسيين ووقفنا على تراثه الكبير منه ما نشر ومنه ما في طريقه إلى النشر، وشروح بعض الأندلسيين لديوان سقط الزند وهذا بعض ما قمت بإنجازه وسينشر إن شاء الله، وعنيت كذلك بأبي فراس الحمداني وكان السبب في ذلك أن الفاضل الكريم صاحب جائزة البابطين للشعر كان قد اختار أن يقيم ندوة حول أميرين شاعرين هما أبو فراس الحمداني والأمير عبد القادر الجزائري وقد أقيمت هذه الندوة في الجزائر، ولأني كنت أحد أمناء الجائزة فقد طلب مني أن أحققه، هنالك شرح لابن خالويه اللغوي المعروف وهو شرح غير معروف وغير مشهور توجد منه نسخة خاصة في المكتبة الوطنية بتونس أحضر إلي نسخة وأسند إلي القيام بتحقيقها وهذا أول شرح وأقدم شرح لشعر أبي فراس. وفي الوقت نفسه قمت بتحقيق النسخة المغربية الموجودة في خزانة القرويين من ديوان أبي فراس الحمداني، ولا أخفيكم أنه يصعب عليَّ الحديث عن نفسي ولكن المناسبة تقتضي ذلك، وأن لساني يعجز عن التعبير عن شكري الجزيل وتقديري العميق وثنائي البالغ لما قام ويقوم به الشيخ عبد المقصود في هذه السنة التي أحيا بها العلم وكرم فيها العلماء، فلذلك أختم هذه الكلمة المرتجلة بالدعاء لسيادته بطول العمر وبالصحة والعافية وبمزيد من العطاء وهو عطاء غزير للاثنينية، أنا عاجز عن الشكر لأمرين أولهما لما حباني به منذ زمان بعيد بالتكرم عليّ بهذه المجموعة الفخمة التي فيها علم غزير وأدب غزير وتكرم عليّ بإرسالها وما يزال، فإنها تحتل جناحاً خاصاً من مكتبتي المتواضعة. وثانياً لا شكر لا أفي ما قلت من شكر على أن أكون من بين المكرّمين في الاثنينية وأدعو الله تبارك وتعالى أن يثيبه على هذه الأعمال الصالحات وأن يجزيه عنا خير الجزاء وأرجو أن تعذروني إذا لم تجدوا فيّ ما تتوقعون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :960  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 189 من 255
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج