شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة معالي الأستاذ أسامة جعفر فقيه ))
 
ثم أعطيت الكلمة لمعالي رئيس البنك الإسلامي للتنمية، الأستاذ أسامة جعفر فقيه، فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.
- الحمد لله رب العالمين، ألف بين قلوب عباده المؤمنين، وجعل بينهم مودة ورحمة، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين النبي القدوة والأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم، أَدَّبه ربه فأحسن تأديبه، وبعثه ليتمم مكارم الأخلاق، وقال في حقه جل شأنه: وإنَّك لعلى خلقٍ عظيم صدق الله العظيم.
- أصحاب المعالي والسعادة ضيوف هذا الحفل الكريم؛ معالي الأخ الكبير الدكتور أحمد محمد علي؛ سعادة الأخ الوجيه، صاحب هذه الدعوة الخيّرة الشيخ عبد المقصود خوجه.
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- وأسعد الله مساءكم بكل خير.
- يسرني في هذه الأمسية المضيئة بأنوار الوفاء، وفي ظلال المحبة التي تعبق بها هذه الأجواء، أن نلتقي في هذا الحفل المخصص ضمن فعاليات "الاثنينية" التي ينظمها ويرعاها الأخ الفاضل الشيخ عبد المقصود خوجه، لتكريم المتميزين في خدمة هذا الوطن العزيز، المشهود لهم بأمانة الأداء ونكران الذات، وإخلاص القول والعمل؛ وإنه لتوجه كريم يدل على علو الهمة وصواب النظرة في الارتقاء بمفهوم الحس الوطني الأصيل.
- فهنيئاً لصاحب "الاثنينية" سبْقه إلى الاهتمام بسِيَر النابغين في عصره، واستنهاض الهمم لرصدها، وتعريف الأجيال بسبل اللحاق بما حققوه لأوطانهم؛ إنها - والله - لسنة حسنة، لولاها لما حملت إلينا نفائس الكتب دُرَر أعلام الرجال، مما كان زاداً دائماً للتجديد وبعثِ الجديد في حياة المسلمين.
- ولئن أتى على المسلمين حين من الدهر أزهدهم في سِيَر النبلاء وأنساهم أهميتها، فجدير بمثلك يا أخي - عبد المقصود - شرفُ إحياء سنةٍ اندثرت، وأن يكون لك فضل الاهتمام بهذا الجانب المضيء في شبه غفلة من أبناء عصرك، وأن تستطيع - بتوفيق من الله، وعُلو همة - أن تتيح فرصة طيبة لمذاكرة المناقب العطرة، ليستشهد بها من استحضرها، ويقتبس منها من أراد شحذ همم الأجيال؛ فللمناقب وقصص النجاح سر في التربية وسحر، ولها تأثير ووقع في القلوب يحمل على التضحية، وتكبد المشاق.
- أيها الإخوة الكرام:
- إن من الرجال رجالاً كلما ازددت اطلاعاً على أخبارهم، زاد إكبارك إياهم وإعجابك بهم؛ وإذا كان الكلام صورة نفسية عن قائله، وقطعة من قلبه، فإنني أستهل بطلب المعذرة منكم، إذا غلبت على ما أقول متعة في الحديث عن ضيف الليلة، وخالط قولي حب غلب على المشاعر والتفكير؛ ولولا ذلك لما كان ضيف "الاثنينية" المحتفى به في هذه الأمسية الزاهرة محل تعريف على لسان مثلي؛ إنه أشهر من أن يعرف، فهو رجل علم من أبناء المملكة العربية السعودية، بكل ما يعتز به مواطنوها من شرف الانتماء وصدق الولاء.
- ولئن وجد المرء صعوبة جمَّة في الحديث عمن لم تجمعه به حجرات الدراسة، أو زمالة عمل مباشر..، فإن الترجمة عن علم - كضيفنا - ليست بذلك المقياس؛ فلقد كان بالنسبة لي - وما يزال - في منزلة الأخ الأكبر، والمعلم والناصح الأمين.
- كنت أسمع خلال مرحلة دراستي الأولى، شيئاً عن تفوقه ونجاحاته المقترنة بقسوة ظروف نشأته الأولى وحياته العصامية، إذ حرم الرعاية الأبوية في سن مبكرة فزاد إعجابي به وإكباري لدأبه ومثابرته.
- ثم تابعت عطاءه ووفاءه وأنا طالب في بداية المرحلة الإعدادية، يوم كان عضواً مع أخي الأكبر في رابطة الجامعيين، تلك الرابطة التي ضمت كوكبة من أبناء طيبة الطيبة، ممن كانوا يتابعون تحصيلهم العلمي في الجامعات العربية، ثم تأبى محبتهم وتعلقهم بوطنهم إلاَّ أن يأرزوا إلى ربوع مدينتهم الغراء صيف كل عام، ليقدموا لبراعمها شيئاً مما أفاء الله به عليهم من العلوم والمعارف، فيتخذوا من أحد مدارسها أو دورها ملتقى بطلابها، يعدُّونهم ويهيئونهم للتحصيل والتفوق، ويعوّدونهم على حسن استثمار أوقات فراغهم.
- رأيت باكورة إنجازاته وهو على رأس جامعة الملك عبد العزيز، حين كنت معيداً في جامعة الملك سعود، ثم على رأس البنك الإسلامي للتنمية يوم كنت مديراً في الصندوق السعودي للتنمية.
- ولد معالي الأخ الدكتور أحمد محمد علي المدني في المدينة المنورة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - وإذا صح لي تحقيق مكان ميلاده - تخريجاً على كلامه هو - لقلت إنه: المسجد النبوي الشريف، ولا تعجبوا من ذلك، باعتبار أن توسعته الجديدة استوعبت معظم مساحة المدينة النبوية أو تكاد.
- نشأ ضيفنا في رحاب المدينة الطاهرة، وتعلم في مدارسها القرآنية. وكان له اهتمام مبكر بالتعليم الديني، إذ يقول إن أول احتفال ديني شهده كان في بيت آل فقيه، حيث تتلمذ على يدي عمي العريف السيد مصطفى إبراهيم فقيه؛ ثم تابع ضيفنا تعليمه في المدارس الرسمية حتى مرحلة الثانوية العامة، وأكمل دراسته الجامعية الأولى بتفوق في كلية التجارة بجامعة القاهرة عام 1377هـ.
- وقد بدأ حياته العملية في السنة التي تخرج فيها، حيث عمل بوزارة المعارف، وتدرج في سلم التقدم الوظيفي والتأهيل العلمي، وذلك في ظل عهد كان وما يزال مدرسة فريدة في صنع الرجال، منذ أرسى دعائم الأمن والاستقرار مؤسس هذا الكيان الشامخ الملك عبد العزيز آل سعود، طيب الله ثراه.
- وحقق ضيفنا خلال عمله الحكومي طموحاً علمياً كبيراً كان يسعى إليه، فحصل على الدرجة الجامعية الثانية من كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1380هـ، ثم الماجستير في الإدارة العامة من جامعة متشجن عام 1382هـ، ثم الدكتوراة من جامعة ولاية نيويورك عام 1387هـ.
- وقد تبدو هذه المنجزات العلمية أمراً مألوفاً في سير كثير من الرواد. لكنها لا تكون بتلك المثابة إذا استحضرنا ظروف نشأة ضيفنا في هذه الليلة الجميلة، وما قاساه في حياته العصامية من مشاق.
- وجاءت المهمة الأولى في موعدها المناسب، فقد أسند إليه منصب الرئيس بالإنابة لجامعة الملك عبد العزيز الأهلية آنذاك؛ ولنا أن نتصور موقف شاب أنهى - لتوه - رسالة الدكتوراة وهو يتسلم في نفس السنة المهمة التأسيسية لجامعة أهلية، وهي التجربة الفريدة غير المسبوقة التي رغب في إنشائها عدد من رجالات المملكة الرواد، رغم شح الموارد المالية في ذلك الوقت؛ هؤلاء الرجال الَّذين نذكر منهم من قَضَى نحبه بالرحمة ودعاء المغفرة، ونسأل الله لمن هو باق منهم طول العمر وسعادة الدارين.
- مرت سنوات خمس قضاها معالي الدكتور أحمد محمد علي على رأس جامعة الملك عبد العزيز الأهلية (1387 - 1392هـ)، حافلة بأوجه النشاط المخلص، والأداء الأمين والإنجاز المتميز..؛ وذلك بشهادة كل من عمل معه أو تابع وعاصر تلك الجهود؛ وبرزت خلال فترة إدارته للجامعة الصفات الجمَّة التي تتحلى بها شخصيته وطريقته في أداء العمل بكل جد، ودأب، وإخلاص.
- كان صبوراً، متواضعاً، ومنفتحاً؛ يؤمن بضرورة التطوير المدروس مع التبصر عند العزم على اتخاذ القرار؛ ولذلك فقد اهتم بإعطاء الفتاة حظها من التعليم الجامعي دون مساس بوقارها وحشمتها، حيث سبقت جامعة الملك عبد العزيز - في أيامه - إلى قبول الطالبات ضمن ترتيبات إدارية خاصة، من بينها إدخال شبكة التليفزيون التعليمية (عام 1390هـ)، مما كان له طيب الأثر في تسهيل التعليم الجامعي للطالبات، في إطار المحافظة على تقاليد هذا البلد الأمين وقيمه الخالدة.
- ومع نهاية فترة عمل معاليه بجامعة الملك عبد العزيز، كان عدد الكليات التي تم تأسيسها ثلاث كليات هي: الاقتصاد، والآداب، والعلوم؛ حيث اشتملت كل كلية على ثلاثة أقسام، وبلغ مجموع عدد طلاب الجامعة في تلك الفترة ما يقرب من 700 طالب وطالبة.
- عاد معالي الأخ الدكتور أحمد محمد علي إلى وزارة المعارف وكيلاً للشؤون الفنية، وما أن استقر به المقام بضع سنين، حتى أسندت إليه المهمة التأسيسية الثانية، وكانت هذه المرة أوسع وأدق وأصعب؛ فقد أعلن عام 1395هـ ميلاد البنك الإسلامي للتنمية أول مؤسسة مالية إسلامية لدعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول والمجتمعات الإسلامية، وفق قواعد الشريعة الإسلامية الغراء، واتخذت المؤسسة الوليدة مدينة جدة مقراً لها، ووقع الاختيار على معاليه ليكون مرشح المملكة العربية السعودية لرئاسة هذه المؤسسة الفتية، وافق مجلس المحافظين بالإجماع على تعيينه أول رئيس للبنك الإسلامي للتنمية.
- تقبل معالي الأخ الدكتور أحمد محمد علي هذه المهمة كعادته بصمت المخلصين، وثقة المؤمنين بربهم، وعزم الرجل القوي الأمين.
- وأقف هنا - وقفة خاصة - أمام هذه النقلة النوعية المتميزة، فقد تعودنا في المملكة العربية السعودية - خلاف فترة النهضة الشاملة - على مواجهة التحديات لتأسيس المؤسسات والأجهزة والجامعات، وعرفت بلادنا حالات عديدة لرجال أفذاذ أبدعوا في ذلك.
- لكن الشيء المتميز في المهمة التي أسندت لضيفنا في هذا المجال، هو عدم وجود سابقة لأسلوب عمل المؤسسة التي عهد إليه بتأسيسها، بحيث يمكن السير على منوالها وترسم خطاها.
- أقدم معاليه معتمداً في حمل هذه الأمانة على الثقة في الله - عز وجل - ومستنداً إلى خصائص الصبر والأناة، وحسن التبصر فيما يختار من الأمور.
- وأفاد معاليه من خبرة المؤسسات الدولية التنموية بقدر ما يمسح به الاقتباس، وبما لا يخالف نطاق الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية؛ واختار معه للعمل في البنك ثلة من أصحاب الخبرات المتنوعة من أبناء العالم الإسلامي، ثم تعامل مع الجميع - رغم اختلاف الثقافات وتعدد المفاهيم - بروح مشبعة بالإخاء والتوجيه الرفيق.
- كما حرص على إقامة جسور الثقة والاطمئنان مع العديد من أهل العلم الشرعي ومؤسساته، وبخاصة مع مجمع الفقه الإسلامي؛ فعقدت بمقر البنك اجتماعات للنظر في استفسارات البنك، وتم تدارسها بموضوعية ونظر ثاقب يرجح المصلحة الإسلامية في حدودها الشرعية.
- لقد كان معالي الأخ الكريم - وما يزال - صورة حية ومعبرة عن منهج بلاده في تعاونها وتعاملها مع دول العالم الإسلامي وسائر المجتمعات الإنسانية، بالحب، والوفاء، والاحترام، والحرص على مصلحة الجماعة.
- ومع نهاية السنة المالية الثامنة عشرة من عمل البنك ودخول السنة التاسعة عشرة، وقع الاختيار على معالي الدكتور أحمد محمد علي لمنصب حساس آخر، استشعرت قيادة هذا البلد الرشيدة أهمية إسناده - بعد شغوره - إلى الرجل المناسب، وكان التوجه لاختيار معاليه أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي، دليلاً على مدى ما يتمتع به من الثقة والتقدير.
- يومها.. شرفت بتسلم أمانة العمل والمسؤولية التي كان يضطلع بها معالي الأخ الكريم، فشعرت بعبء الأمانة التي كان يحملها على كاهله طوال مدة رئاسته للبنك.
- كانت بصماته نابضة في كل ركن وموقع، وكانت سمات شخصيته مرسومة في عمل استمر يؤديه بإحساس المؤمن، بسمو الرسالة وشعور المسؤولية أمام الله - سبحانه وتعالى - نحو عقدين من الزمان.
- استمعت إلى معاليه وهو يلقي كلمته الختامية في اجتماع مجلس المحافظين الَّذي عقد في جامبيا.
- ورحت أنظر إلى شخصية هذا الرجل الإنسان صادق الوفاء، ولم أتمالك نفسي ومشاعري وأنا أستعرض في ذهني المهام الجسيمة وحجم المسؤولية الممتدة إلى أرجاء العالم الإسلامي، وما يتطلع إليه المسلمون، وما ترنو له دولهم من طموحات، ينوء بحملها أولو العزم من الرجال.
- ومهما يحدث في البنك الإسلامي للتنمية من تطوير لاحق لمواكبة الأحداث، والتفاعل الإيجابي مع المستجدات والمتغيرات المتلاحقة، فإن اسم الرئيس المؤسس سوف يظل مطبوعاً في سجل منجزات هذا الصرح الشامخ، ليكون صلة من صلات الوصل وقنواته مع العالم الإسلامي، وسوف تبقى أعماله وسجاياه حية في نفوس الَّذين عرفوه، وتعاملوا معه على مر السنين.
إخواني الأكارم:
- إن المجال لا يتسع لذكر جميع ما قدمه ضيف الاثنينية المكرم في هذا المساء من جلائل الأعمال، وقد سبقني إلى تثمين إنجازاته مجلس المديرين ومجلس المحافظين، كما عبر رؤساء دول كثر - في أفريقيا وآسيا - عن تقديرهم لدوره بمنحه أوسمة رفيعة سامية، وفاز معاليه بعد ذلك بجائزة البنك الإسلامي للتنمية في حقل البنوك الإسلامية لعام 1414هـ، بتوصية أجمعت عليها نخبة متميزة من العلماء والمتخصصين من أنحاء العالم الإسلامي.
- وسجلت اللجنة في حيثيات قرارها اعترافاً بتميز خدمات ضيفنا وشمولها، وإسهاماتها في بناء البنك كأول مؤسسة مالية دولية من نوعها في العالم الإسلامي.
- ولم يكن منح هذه الجائزة لمعاليه، إلاَّ رمزاً للتقدير الَّذي يحظى به في مختلف المحافل، وما يسهم به من جهود في مختلف ميادين العمل الإسلامي الرشيد.
 
- وعلى الرغم من ضخامة مسؤولياته، فقد ظل حريصاً على المشاركة في عضوية العديد من الجمعيات الخيرية والثقافية، ومن بينها: عضوية الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة، ومجلس إدارة جمعية البر في كل من الرياض وجدة، وعضوية اللجنة التأسيسية لمؤسسة الملك عبد العزيز الإسلامية، ومجلس أمناء مؤسسة الملك فيصل الخيرية.
- ويأتي هذا الحفل التكريمي لمعالي الأخ الدكتور أحمد محمد علي في "اثنينية" الوفاء، تعبيراً حياً عن التقدير المطبوع في قلوب الَّذين يعرفون قدر هذا الإنسان الوفي لبلده، الأمين لدينه، المحب لأمته الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.
- وإني لأكرر الشكر لصاحب: "الاثنينية" الأخ الوجيه الفاضل الشيخ عبد المقصود خوجه؛ كما أشكر هذا الجمع الكريم من خيرة الأوفياء، وهم يحتفلون بتكريم معالي الأخ الدكتور أحمد محمد علي، حفظه الله.
- وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم:
- للَّذين أحسنوا الحسنى وزيادة، ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة، أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون.
- نسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا من الَّذين يحسنون في أعمالهم، ونعم أجر العاملين.
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :828  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 111 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.