شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > سلسلة الاثنينية > الجزء الثاني عشر (سلسلة الاثنينية) > حفل تكريم الأستاذ عبد الرحمن بن زيد السويداء (اثنينية - 155) > كلمة المحتفى به سعادة الأستاذ عبد الرحمن بن زيد السويداء وإلقاء بعض من قصائده الشعرية.
 
(( كلمة المحتفى به الأستاذ عبد الرحمن بن زيد السويداء ))
ثم أعطيت الكلمة لسعادة الأستاذ عبد الرحمن بن زيد السويداء فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
- سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه، أساتذتي الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
- الواقع لقد أعطاني شيخنا، وأعطاني الإخوان أكثر مما أستحق؛ ولا يسعني في هذه المناسبة إلاَّ أن أوجه شكري الجزيل وأسْمَى التقدير لصاحب هذه الاثنينية، وأهنِئه بسلامة الشفاء؛ هذه الاثنينية التي جمعتني بهذه الوجوه الوضيئة، الخيرة..؛ حيث وجه إليَّ الدعوة بواسطة أستاذ الجيل الكريم الشيخ عثمان الصالح، الَّذي كان له الفضل الأول في الإشارة إليَّ، فجزى الله الداعي والمدل خيراً؛ كيف لا والشيخ عبد المقصود خوجه ممن يشجعون الأدب والأدباء، والشعر والشعراء..، ممن يستفيد منهم أمثالي، فله الشكر الوافر على ذلك.
 
- أساتذتي الكرام يصعب على المرء الحديث عن نفسه، حيث يجد حرجاً في ذلك، لكن إيضاح بعض الجوانب قد يشفع له في توضيح بعض الجوانب من عمله، فقد يشفع له ويجعله يتجرأ بالحديث عن هذا البعض؛ فالإسهامات المتواضعة التي أسهمت بها تنقسم إلى عدد من القطرات، ولكنها تتجمع في مجرى الأدب والتاريخ، وهي على النحو التالي: سأضع موجزاً لكل مؤلف لا لغرض الدعاية، وإنما لغرض المعرفة بالشيء.
 
- ففي مجال التراث كتاب: "نجد بالأمس القريب"، هذا الكتاب يشمل أطر الحياة التي كانت تسود ذلك الجزء الغالي من وطننا الكبير الحبيب المملكة العربية السعودية، وطرق الناس في ذلك الوقت طرق المعيشة والأنشطة التي كانت فيها، وما يتصل بهذه الحياة التي كانوا يعيشونها، في كل مجالات الحياة، سواء في الأنشطة الثقافية، والأنشطة المعيشية، والأنشطة الترفيهية، وما إلى ذلك..، كل هذا يتضمنه هذا الكتاب وهو من أول ما كتبت.
- ثانياً: "القهوة العربية وما قيل فيها من الشعر" فالقهوة العربية كما هو معروف هي المشروب المفضل الآن، لا في العالم العربي وحده وإنما في العالم أجمع؛ فهذه القهوة أو المشروب الَّذي أصبح الآن يعد عند البعض مفخرة من المفاخر - وهو واجهة الكرم عند العرب - هذا المشروب مر بمراحل صعبة في بداية استعماله، وكان في البداية يعد من المخدرات أو من المحرمات، وقد صدر بحق هذا المشروب مرسوماً من المماليك بناءاً على فتوى بأن من شربه يعامل معاملة شارب الخمر، فكان يجلد ثمانين جلدة، وتكسر آنيته، وتغلق المحلات التي هو فيها..، ثم بدأ التغاضي عن شربه يتسع شيئاً فشيئاً حتى أصبح المشروب المفضل في العالم كله.
- ثالثاً: "النخلة العربية" سَمَّيته النخلة العربية لأنَّ هناك ستة عشر نوعاً من النخلات كلها غير عربية، والنخلة العربية نبتت في هذه الجزيرة الخيرة المعطاء، نبتت في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية في القطيف، أو في جزيرة البحرين على اختلاف؛ هذه النخلة عمرها الآن 11 ألف سنة، فقد ثبت تاريخياً أنها ظهرت في القرن التاسع قبل الميلاد - ومنذ ذلك الوقت - وهي تعطي ثمارها، وانتشرت في كثير من أنحاء العالم، انتشرت من جنوب الجزيرة العربية، فالهلال الخصيب، فمصر، فالأندلس؛ وهذه النخلة تعرضت لها من الجانب الأدبي، ومن الجانب العلمي، ومن الجانب الاقتصادي.
- رابعاً: "الخيل والإبل والصيد" هذه ثلاثة كتب اشتركت فيها مع مجموعة من أساتذة الجامعة، وسترى النور قريباً.
- خامساً: "الشعر الشعبي" وخاصة في منطقة نجد التي تكلمت عنها يختلف نوعاً ما عن بقية المناطق الأخرى، فأوردت منه كتاباً من ثلاثة أجزاء موثقة ومشروحة، معادة كلماتها العامية إلى أصولها العربية الفصيحة.
- ثانياً في مجال اللغة: اللغة لهجتنا العربية التي نتكلمها الآن، ليست كلها لهجة عامية، وإنما يوجد فيها الكثير من الكلمات العربية القح؛ فهذه الكلمات استطعت أن أجمع منها حوالي خمسة آلاف لفظ، يشتق منها حوالي 26 ألف اشتقاق من هذه الكلمات، وأوردتها وأثبتها فيما يتعلق بالمنطقة التي درست فيها.
- ثالثاً موضوع القصص: القصص.. لست قاصاً كما هو معروف، وإنما راصد لبعض القصص الواقعية، القصص الواقعية التي كانت موجودة في تلك البقعة؛ وتلك القصص تدل على مكارم الأخلاق وعلى المروءة والرجولة، والأمور الحسنة التي نادى بها ديننا الإسلامي الحنيف، والتي يتخلق بها الخلق العربي منذ العصر الجاهلي إلى الآن.
- واسمحوا لي إذا توقفت عند هذا إلى أن أسمعكم شيئاً مما قلت في مجال الشعر:
- ابن الصحراء يحن إلى الصحراء، ويصورها كما تحلو له.. كما هي بعينه.
(( صَحْرائي ))
لاَ تَعذُلُوِني فَقَدْ أَحْبَبْتُ صَحْرائِي
حُبّاً تَغَلْغَلَ في أَعْمَاقِ أَرْجَائِي
أَحْبَبْتُهَا حين شَعَّ النُّورُ في بَصرِي
وَدَاعَبَتْ نَسَماتُ الصُّبْحِ أَفْنَائِي
حِينَ دَرَجتُ بِخَطْوِيْ فَوقَ مَنكِبِهَا
أَدِيْمُهَا بَينَ مُشْتَدٍّ وَمَيْثَاءِ
سَرَتْ مَحَبَّتُهَا في مُجْرَياتِ دَمِي
جَرَتْ بِذَرَّاتِ جِسمي بَينَ أَجْزَائِي
خَافَتْ بِرُوحِي وَجِسمي في تَوَهُّجِهَا
ثُمَّ اسْتَقَرَّت شُعَاعاً في سُوَيْدائِي
فُتِنْتُ في لَونِهَا الورديِّ مُؤْتَلِقاً
كَرَوْنَقٍ شَعَّ في أَوْجَانِ حَسْنَاءِ
وَعَسْجَدٍ يَتَلَظَّى في جَوَانِبِهَا
يَلِفُّ كُثْبَانَهَا ما يَبْهَرُ الرَّائِي
ذَوْبٌ من الفِضَّةِ الوَهَّاجِ شَنَّفَهَا
يُضْفِي لأُدْمَتِهَا أَعْطَافُ شَقْرَاءِ
وَنَقَّطَتْهَا جِبَالٌ في مَرَابِعِهَا
مُؤْتَزِرَاتٌ بِكُثْبَانٍ وأَنْقَاءِ
الْحُمْرُ مِنْهَا كَمَرْجَانٍ يُزَيِّنُهَا
وَالسَّمْرُ خَالٌ زَهَــا فِـي خَـدِّ وَجْنَـاءِ
وَلاَ تَسَلْ عَن حُزُونٍ في تَفَاوُتِهَا
خَلْفَ الرَّوابِي حَمَادٌ بَعدَ وَعْثَاءِ
تَبْدُو الوِهَادُ وَرِيْضَانٌ تُنَاوِحُهَا
فِيْحُ الْغِيَاضِ وَأَدْوَاحٌ بِجَرْعَاءِ
فَيْرُوزَجِيٌّ سَمَاهَا في نَقَاوَتِهِ
يَشِفُّ عـن كَشْفِ سِرٍّ خَلْـفَ أَجْــوَاءِ
وَإِنْ كَسَاهُ الدُّجَى شَعَّتْ كَوَاكِبُهُ
تَكَادُ تَلْمَسُ مَتْنَ الْكَوْكَبِ النَّائِي
* * *
عَشِقْتُهَا حِيْنَ عَلَّ الغَيْثُ جَانِبَهَا
تُطَرِّزُ الخَدَّ غُدْرَانٌ من المَاءِ
وَفَاحَتْ الأرْضُ طِيْباً عِنْدَمَا وُلِيَتْ
مِنْ تُرْبَةٍ زَيْنَةِ الأَرْوَاحِ مِعْطَاءِ
ثُـمَّ اكْتَسَتْ مـن لِبَــاسِ النَّبْتِ أَرْوَعهُ
مِنْ سُنْدِسٍ لاَزَوَرْدِيٍّ وَأَنْوَاءِ
وَازَّيَنَتْ بِأَزَاهِيْرٍ مُفَتَّحَةٍ
مِــنْ كُـلِّ حَجْمٍ وَلَوْنٍ يَسْحَـرُ الرَّائِي
تَفُوحُ مِنْهَا عُطُورٌ لاَ يُنَافِسُهَا
عِطْرٌ ولاَ يَحْتَوِيْهَا عُرْفُ أَشْذَاءِ
ويَصْدَحُ الطَّيْرُ في أَرْجَائِهَا غَرِداً
يُنَاغِمُ الزَّهْرَ في ألْحَانِ سَرَّاء
* * *
عَشِقْتُ فِيْها صَبَا نَجْدٍ يُنَافِحُنِي
بِأَنفَاسٍ رَقِيقَاتٍ وأَنْدَاءِ
طَافَتْ سُحَيْراً وجُـلُّ النَّاسِ قَـدْ هَجَعُـوا
لِتُنْعِشَ الرُّوحَ في قَلْبِي وأَعْضَائِي
تُطَارِدُ الحَرَّ صَيْفاً فِي مَرابِعِهَا
مَعْ الأَصِيْلِ وتَسْرِي دُوْنَ إغْفَاءِ
لِتَسْلُبَ الشَّمْسَ ذَوْباً من أَشِعَّتِهَا
سِمَاتُهَا بَيْنَ حِنْطِيٍّ وسَمْرَاءِ
* * *
عَشِقْتُ فِيْها جَبِيْناً ظَلَّ مُنْتَصِباً
وهَامَةً شَمَخَتْ مِن دَفْقِ أَضْوَاءِ
فَلاَ تَرَاهَا مَدَى الأَيَّامِ رَاكِعَة
إِلاَّ لِخَالِقِهَا من فَوْقِ عَلْيَاءِ
عَشِقْتُ فِيهَا عَقُولاً من تَوَقُّدِهَا
تَنْقَضُّ طَاقَاتُهَا في لَمِّ أَشْلاَءِ
لِتَرفَعَ العِزَّةَ القَعْسَاءَ شَامِخَةً
تُجَابِهُ الكَوْنَ يَدْنُو حَولَهَا النَّائِي
عَشِقْتُ فِيْهَا الجِبَاهِ السُّمْرِ حَاسِرَةً
تَجْرِيْ مَعْ الوَقْتِ في عِزٍّ وإيْمَاءِ
سَوَاعِدٌ خَلْفَهَا تَبْنِي مُجَاهِدَةٌ
تَوَثَّبَتْ بِخُطاً من غَيْرِ إِبْطَاءِ
لِتَبْنِي المَجْدَ صَرْحاً فَوْقَ سَاحَتِهَا
يَفْرِي عِنَانَ سَمَاءٍ خَلْفَ أَنْوَاءِ
قَدْ هِمْتُ عِشْقاً بِهَا في كُلِّ ثَانِيَةٍ
لاَ غرْوَ أَنِّـي عَشِقْـتُ اليَـومَ صَحْرَائـي
 
وبعد إلقاء القصيدة واصل الضيف حديثه عن إسهاماته الأدبية، فقال:
- رابعاً التاريخ: التاريخ حقيق إذا تلفتنا يميناً وشمالاً وجدنا كل أجزاء الوطن العربي والإسلامي والجزيرة العربية بالأخص، كل تاريخها واضح ما عدا تلك المنطقة منطقة نجد، وقد تناولت في هذا الكتاب تاريخ نجد خلال ألف عام هجري يبتدئ من العام الأول للهجرة وينتهي في رأس الألف الهجري؛ فحاولت تجميع المعلومات وكل ما يتعلق في هذه المنطقة من أي أحداث أو أي شيء حدث في هذه المنطقة، وصدر الكتاب في جزأين.
- خامساً الروايات: وإن لم أكن بارعاً في الرواية، فهناك ست روايات، الأولى باسم: "رائد" وتمثل جيل اليوم من الشباب الَّذين وجدوا كل شيء مهيأ لهم وكل شيء ميسراً لهم؛ والثانية بعنوان: "فالح" تمثل الجيل الَّذي يسمونه المخضرم الَّذي جمع بين الحياة الأولى والحياة الثانية، وكافح وناضل، بحيث إنه وصل إلى القمم من هذه الحصيلة؛ الثالثة وهي: "العزوف" وتمثل مشاكل الزواج ومشاكل الأمور التي تكون عائقاً في موضوع الزواج؛ الرابع "مخاض الطفرة" وهو ما صاحب تلك الأيام من التفاعلات، ومن الأشياء التي حدثت خلال فترة الطفرة.
- وقبل أن أواصل اسمحوا لي أن أقدم نماذج أخرى من شعري:
الهروب (1)
أُمَّاهُ أَيْنَ أَبِي؟ أُمُّاهُ أَيْنَ أبِي؟
قَـدْ طَـالَ صَمْتُكِ يَـا أُمَّاهُ لَـمْ تُجِـبِ
تَسَاؤُلاَتٌ وَأَفْكَارٌ لَنَا كَسَدَتْ
علَى شِفَاهِـكِ رَهْـنَ العَـرْضِ وَالطَّلَـبِ
فَقَدْتُ رِيْحَ أَبِي في البَيْتِ يَعْمُرُهُ
بِنَفَحاتٍ كَزَهْرٍ بَاسِمٍ رَطِبِ
فَقَدْتُ طَلْعَتهُ في البَهْوِ مَاثِلَةً
تَشُدُّنِي نَحْوَهُ القُرْبَى وحُبُّ أَبِي
وَصَوْتُ نَبْرَتِهِ تَشْتَاقُهَا أُذُنِي
لِيَطْرَبَ السَّمْع في إِيْقَاعِهَا العَذِبِ
قَدْ غَابَ عَنَّا ولَمْ نَظْفَرْ بِنَظْرَتِهِ
إِلاَّ لِمَاماً وَلَمْ نَنْظُرْهُ عَنْ كَثَبِ
مَا بَالُهُ عَافَنَا وازْوَرَّ جَانِبُهُ؟
عَـنْ عُشِّنَا وتَوَارَى فِـي ذَرَىَ الْحُجُـبِ
هَلْ نَالَهُ مِنْكِ أَمْرٌ قضَّ مَضْجِعَهُ؟
أَمْ أَنَّهُ غَاضِبُ دَوْماً بِلاَ سَبَبِ؟
أَمْ أَنَّ وَاقِعَهُ أَمْلَى تَهَرُّبَهْ؟
مِنْ الْحَياةِ ومِنْ تَيَّارِهَا اللَّجِبِ
أَمْ أَنَّ فِي صَدْرِهِ هَمٌّ يَنُوءُ بِهِ؟
هَمُّ الحَيَاةِ وَعِبْءُ الْبَيْتِ والتَّعَبِ
أَمْ أَنَّ فِي قَلْبِهِ سِرٌّ يَحِيْكُ بِهِ؟
فَلاَذَ عَنْ كَشْفِهِ بِالصَّمْتِ وَالْهَرَبِ
أَمْ أَنَّهُ قَلَّدَ الأَقْرَانَ فِي طُرُقٍ؟
سَارُوا عَلَيْهَا مَسِيْرَ الشَّدِّ وَالْخَبَبِ
إِنِّي بِحَاجَتِهِ في كُلِّ آوِنَةٍ
أَحْنُوْ إِلَى عَطْفِهِ خَيْرُ الأَنَامِ أَبِي
أَحْتَاجُ مِنْهُ سُوَيْعَاتٍ يُلاَطِفُنِي
أَوْ أَنْ يُذَاكِرَ مَا دَوَّنْتُ في كُتُبِي
أَحْتَاجُ تَوْجِيْهَهُ حَزْماً وتَرْبِيَةً
أَشُقُّ دَرْبِي سَلِيماً غَيْرَ مُرْتَهِبِ
قَدْ طَالَ صَمْتُكِ يَا أُمَّاهُ فَانتفضَي
نَفْسِي فِداكِ أَجِيْبِيْنِيْ عن السَّبَبِ؟
* * *
فَاغْرَوْرَقَتْ مُقْلَتَاهَا وهِيَ وَاجِمَةٌ
وَانْهَالَ مِن وِجْنَتَيْهَا لُؤْلُؤُ الْحَبَب
وَلَمْلَمَتْ خصَلاَتٍ فَوْقَ حَاجِبِهَا
وَكَفْكَفَتْ عَبْـرَةً فِـي صَدْرِهَـا الرَّحِـبِ
ونَفَثَتْ زَفْرَةً حَرَّى وفي يَدِهَا
مِنْدِيْلُهَا عَبِثَتْ فِي وَرْدِهَا الرَّطِبِ
وَرَبَّتَتْ بِحَنَانٍ فَوْقَ عَاتِقِهِ
بُنَيَّ لاَ تَجْزَعَنْ يَا خِيْرَةَ النُّجُبِ
يَـا نُـوْرَ عَيْنِـي وَرُوْحِي كُلَّمـا خَفَقَتْ
بَيْنَ الجَوَانِحِ يَا سَلْوَايَ يَا طَرَبِي
بِيْ ضِعْـف مَــا بِـكَ يَطْوِيْنِي وَيَنْشُرُنِي
لَكِنَّ صَبْرِي يُعَزِّبْنِي بِمُرْتَقِبِ
لَعَلَّ أَوْ رُبَّمَا يَهْدِي الإِلَهُ لَنَا
مَنْ نَرْتَجِي عَوْدَهُ لِلْمَرْتَعِ الخَصِبِ
أَبُوكَ يَعْملُ صَدْرَ اليَوْمِ مُكْتَسِباً
لِرِزْقِنَا فَيَقِيْنَا حِدَّةَ السَّغَبِ
وَقَدْ يَنَامُ سُوَيْعَاتٍ يُحَدِّدُهَا
يَرْتَاحُ في ظِلِّهَا مِن شِدَّةْ التَّعَبِ
وَبَعْدَهَا يَتَعَلَّى صَدْرَ "مُوْثَرِهِ"
مُغَادِراً بَيْتَهُ والشَّمْسُ لَمْ تَغِبِ
مُيَمِّماً صَحْبَهُ في أَيِّ مُنْتَجَعٍ
جوْفَ الصَّحَارِي وفـي الأَجْبَـالِ والهَضَبِ
إِمَّا إِلَى طَلْحَةٍ في الوَادي بَاسِقَةٍ
اغْصَانُهَا عن شُعَـاعِ الشَّمْسِ كَالْحُجُـبِ
أَوْ يَقْصُدُ الكَهْفَ تَحْتَ الصَّخْـرِ مَجْلِسـهُ
مَعْ الرِّفَاقِ بِقُرْبِ النَّارِ والْحَطَبِ
أَوْ تُؤْوِهِ خَيْمَةٌ قَدْ جُهِّزَتْ سَلَفاً
يرْتَادُهَـا الصَّحْـبُ مـن قَـاصٍ وَمُقْتَرِبِ
أَوْ فِـي اسْتِرَاحَـةِ أَحْواشٍ قَـد اتُّخِـذَتْ
مَقَرَّ ثُلَّتِهِ في الجَانِبِ الرَّحِبِ
هُنَاك يُمْضُونَ سَاعَاتٍ بِلاَ ثَمَنٍ
مِنْهَا شُهُوراً وَأَعوَاماً عَلى الْهَبَب
يَقْضُـونَ وَقْتاً وَصُلْـبُ الوَقْـتِ يَسْحَقَهُمْ
بِعَجَلاَتٍ لِيَجْنُوا شَرَّ مُنْقَلَبِ
وَيَمْضَغُونَ أَحَادِيثاً مُكَرَّرَةً
تَجْتَرُّهَا أَلْسُنٌ من أَعْجَبِ الْعَجَبِ
يَحْنُونَ أَظْهُرَهُمْ واللِّعبُ غَايَتَهُمْ
امْسَى "الْبَلَوْتُ" لَدَيْهِمْ عَالِــيَ الرُّتَــبِ
أَوْ يَطْبَخُونَ طَعَاماً في مَوَاقِعِهِمْ
سُوْقُ التُّيُوسِ بَدَا في غَايَةِ الطَّلَبِ
وَرُبَّمَا جَلَبُوا أَشْيَاءَ ثَانِيَةً
عِنْدَ الْكَثِيرِ مَحَطَّ الشَّكِّ والرِّيَبِ
شَطْرُ النَّهَارِ وجُلُّ اللَّيْلِ جَلْسَتَهُمْ
والبَعْضُ عَادَ وضَــوْءُ الفَجْــرِ كَاللَّهَبِ
وَقَدْ تَفُوتُ صَلاةُ الصُّبْحِ أَغْلَبُهُمْ
إِنْ نَامَ من شِدَّةِ الإِعْيَاءِ وَالتَّعَبِ
وَذَاكَ دَيْدَنُ أَدْنَاهُمْ وأَكْثَرُهُمْ
يَرَى البُيُوتَ مَقَرَّ النَّوم والْعَقِبِ
تَبْقَى الْمُرَيَّةُ جَوْفَ البَيْتِ قَابِعَةً
تُكَابِدُ اللَّيلَ تَرْمي الهَمَّ في الشُّهُب
تُقَطِّعُ الوَقْتَ في التِّلْفَازِ آوِنَةً
ثـمَّ تَمِيْلُ إلَـى "الفِدْيُو" عَلَـى "الكَنَبِ"
وَالبَعْضُ تَلْهَثُ نَحْوَ "الدُّشِّ" لاَهِثَةً
بَيْنَ المَحَطَّاتِ بَين اللَّهْوِ والطَّرَبِ
تُصَارعُ النَّومَ تَسْتَجْدِي عَوَاطِفَهَا
لَعَلَّ فَارِسَهَا يضوى مَعَ الْعَتَبِ
وحَوْلَهَا صِبْيَةً في صَحْوِهِمْ قَلَقٌ
وَعِندَ نَوْمَتِهِمْ تَرْتَاحُ من تَعَبِ
طُولُ النَّهارِ تُعَانِي من مَشَاكِلِهِمْ
بِالْجِدِّ حِيْناً تُرَبِّيْهِمْ وَبِاللَّعِبِ
فَلاَ أَنِيْسَ لَهَا إِلاَّ تَعَابُثهمْ
ولاَ جَلِيْسَ سِوَى الإِرْهَاقِ والوَصَبِ
هَذِي حَيَاةُ كَثِيرِ النَّاسِ يَا وَلَدِي
وَأَنْتَ مِـن خَلفِهَا فَتِّشْ عَــنْ السَّبَـبِ
 
حوراء
حَوْرَاءُ في مُقْلَتَيْهَا السِّحرُ والحَوَرُ
تَزْهُو بأَحْدَاقِهَا الأَطْيَافُ وَالصُّوَرُ
عَوَالِمٌ بَيْنَهَا الأَجْرَامُ سَابِحَةٌ
مِنْ الدَّرَارِي تُوَارَى ثُمَّ تَنْتَشِرُ
بُعْدٌ بَهِيْجٌ تَنَاهَى في رَوَائِعِهِ
تَعُومُ فِي كَوْنِهِ الأَقْمَارُ وَالكُوَرُ
فِـي عُمْقِ زُرْقَتِهِ السَّـوْدَاء قَـدْ سَبِحَـتْ
تِلْكَ الدَّرَارِيُّ والأَجْرَامُ والشَّرَرُ
مُخْتَالَةً تَتَهادَى في عَوَالِمِهَا
يَلُفُّهَا العُمْقُ والإِيمَاضُ وَالخَفَرُ
تَغُوصُ من خَلْفِهَا الأَحْلاَمُ بَاحِثَةً
عَنْ جُلِّ آمَالِهَا تَعْلُو وتَنْحَدِرُ
حَتَّى إِذَا تَعِبَتْ مِنْ طُولِ رِحْلَتِهَا
عَادَتْ إِلىَ الشَّاطِىءِ العَاجِيِّ تَبْتَدِرُ
تَغْفُو عَلَيه فَتَطْوِيْهَا مَفَاتِنُهُ
مِنْ فَوْقِ صَفْحَتِهِ البَيْضَاء تَنْتَثِرُ
نَصَاعَةُ الثَّلْجِ آيٌ من مَعَالِمِهِ
وَرَوعَةُ الطُّهْرِ تَبْدُو خَلْفَهَا العِبَرُ
وَسَاحَةُ الشَّاطِىءِ العَاجِيِّ وَاسِعَةٌ
فِيْهَا لأَهْلِ الهَوَى الإِغْفَاءُ والسَّهَرُ
يُظِلُّهُم سَابِغُ الأَهْدَابِ خَافِقَةً
عكْفُ الرُّمُوشِ زَهَـتْ بِالشُّقْـرَةِ الطُّـرَرُ
مَـا بَيْـنَ عُرْنُونِهَا مـن تَحْـتِ حَاجِبِـهَا
وَصِدْغِهَا سَاهِمَاتٌ صاغَهَا القَدَرُ
تَسْبِـي العُقُـولَ إِذَا خَصَّتْ وإن نعسـتْ
جَذَّتْ قُلُوباً بِحَدِّ الطَّرفِ تَنْبَتِرُ
السِّحْرُ في مُقْلَتَيْهَا لاَحَ رَوْنَقُهُ
وَالزُّجُّ في حَاجِبَيْهَا أَبلَجٌ نَضِرُ
ذَوْبٌ من الرَّوْنَقِ الفِضِّيِّ نَافَحَهُ
لَوْنٌ من العَسْجَدِ الوَهَّاجِ يَزْدَهِرُ
فِي صَفْحَةِ الخَدِّ أَلْوَانٌ تُؤَجِّجُهَا
مَوْجَاتُ جَمْـرٍ عَلَـى الأَصْـدَاعِ تَسْتَعِـرُ
عَفْرَاءُ فِي وِجْنَتَيْهَا لَونُ يَانِعَةٍ
مِن "التَّفَافِيْحِ" من لُبْنَان تَشْتَهِرُ
يُضِيْىءُ مِنهَا جَبِيْنٌ زَانَهُ بَلَجٌ
فَلاَ الدَّرَارِي تُحَاكِيْهِ وَلاَ الْقَمَرُ
وَلِلْمَلاَحَةِ ذَوْبٌ في ابْتِسَامَتِهَا
إِذَا بَدَا اللُّؤْلُؤُ المَرْصُوف يَنْتَشِرُ
تُحِيْطُهُ شَفَتَاهَا في تَوَهُّجِهَا
رُضَابُ ثَغْرٍ تَمَنَّى وِرْدهُ الصَّدَرُ
كَأَنَّهَا دُرَّةُ الغَوَاصِ أَخْرَجَهَا
حَاشَا تُشَابِهُهَا "الدَّانَاتُ" وَالدُّرَرُ
لِلْحُورِ مِنْ حُسْنِهَا مَجْنَى وَمُقْتَبَسٌ
وَمِن مَفَاتِنِهَا تُسْتَلْهَمُ الصُّوَرُ
غَرَّاءُ فَرْعَاءُ فَتْلاَءٌ مَجَاسِدُهَا
هَيْفَاءُ لَفَّاءُ لاَ طُوْلٌ ولاَ قِصَرُ
ذَوَائِبُ الشِّعْرِ سَالَتْ تَحْتَ عَاتِقِهَا
وَنَافِرُ الصَّدْرِ يَطْوِيْهَا فَتَنْحَسِرُ
تَمِيْسُ تِيْهاً تُشَادِيْ فِي تَأَوِّدِهَا
قَضِيْبُ بَانٍ مَع الأَنْسَامِ يَنْهَصِرُ
حَوْرَاءُ مِن تُرْبَةِ الأَجْبَالِ مَنْبَتُهَا
رَمَّانُ سَلْمَـى أَجَـا مِـنْ خَيْرِ مَـا بَذَرُوا
تَرَىَ الأَصالَةَ فِي عُرْنُونِ مَارِنِها
يَزِيْنُهُ شَمَمُ الأَجْدَادِ والأَشَرُ
تَرْنُو إِلَى العَاشِقِ الوَلْهَانِ في خَفَرٍ
تَرَاهُ والذِّهنُ مِنْها رَاغِبٌ حَذِرُ
تَرْمِيْهِ شَزْراً إِذَا أَبْدَتْ مُعَاتَبَةً
لِكَبْحِ غَايَاتِهِ إِنْ حَفَّهَا الخَطَرُ
أَوْ تَصْطَفِيْهِ وَتُدْنِيْهِ بِنَظْرَتِهَا
يَلُفُّهُ العَطْفُ وَالإِغْضَاءُ وَالخَفَرُ
يَطُوفُ مِن خَلْفِهَا العُشَّاقُ في وَلَهٍ
الْكُلُّ تَحْفِزُهُ الآمَالُ والْفِكَرُ
تَاقَتْ إِلَيْهَا قُلُوبٌ فِي جَوَانِحِهَا
وَاسْتَعْجَلَتْهَا نُفُوسٌ وهِيَ تَنْتَظِرُ
الْكُلُّ يَخْطُبُ مِنْهَا الوُدَّ في شَغَفٍ
يَهْفُو إِلَيْهَا وَفي أَضْلاَعِهِ سَقَرُ
لَعَلَّ أَوْ رُبَّمَا قَدْ صَارَ فَارِسُهَا
بَيْنَ الرِّفَاقِ بِحَظٍّ سَاقَهُ القَدَرُ
مُقَدِّماً مَهْرَهَا مِنْ كُلِّ مَا مَلَكَتْ
يَمِيْنُهُ حَيْثُ لاَ يُبْقِي ولاَ يَذَرُ
مُوَجِّهاً نَحْوَهَا أَشْيَاخَ بَلْدَتِهِ
صيداً كرامـاً يَهُـونُ الأَمْـرَ إِنْ حَضَـرُوا
لَكِنَّهَا عزَفَتْ عَنْه مُغَاضِبَةً
وَفِي لَوَاحِظِهَا يَسْتَوْقِدُ الشَّرَرُ
وَأَوْمَأَتْ نَحْوَهُ بِالْكَفِّ هَازِئَةً
وَحَدَّثَتْهُ بِجِدٍّ وَهِيَ تَعْتَذِرُ
بِنَبْرَةٍ أَشْعَلَتْ فِي قَلْبِهِ لَهَباً
وَصَيَّرَتْهُ حُطَاماً فَوْقَهُ المَدَرُ
مَهْرِيْ عَزِيزٌ وَكَفِّي لَنْ يُصَافِحُها
إِلاَّ طَمُوحٌ أَبِيٌّ بَارعٌ ظَفِرُ
يَعْلُو إِلَى الذُّرْوَة الشَّمَّا فَيَنْزِلُهَا
بِجِدِّهِ لاَ بِجُهْدٍ صَاغَهُ البَشَرُ
 
العيون
تُسَائَلُنِي عَنْ حَدِيْثِ العُيُونِ
وَغَمْزِ الجُفُونِ وسِحْرِ المُقَلْ
وَمَا أَدْرَكَتْ أَنَّها آيَةٌ
بِهَا أَبْدَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلْ
تَرَاءَى لِيَ الْكَونُ فِي عُمْقِهَا
بِبُعْدٍ سَحِيْقٍ وقُربٍ أَطَلْ
بِزُرْقَتِهِ مُتْعَةُ النَّاظِرِيْنَ
ومَسْرَى الشُّعُورِ ومَجْرَى المَثَلْ
وَشَمْسٍ تَطُوفُ بِأَرْجَائِهِ
وَمَجْمُوعَةٍ حَوْلَهَا لَمْ تُطَلْ
وَمِنْ بَعْدِهَا عَشَراتِ الشُّمُوسِ
تَدُورُ وَتَسْبَحُ مُنْذُ الأَزَلْ
تَجُوبُ الفَضَا بِمَجَرَّاتِهَا
وَكُلٌّ عَنْ الآخَرِينَ اسْتَقَلْ
* * *
تَرَاءَى لِيَ اللَّيْلُ فِي كوْنِهَا
سَوَادٌ يُشَابُ بِلَونِ العَسَلْ
بَرِيْقُ النُّجُومِ عَلَى صَفْحِهِ
تُدَاعِبُ أَتْرَابَها فِي مَهَلْ
بِرَمْزٍ يُدَانِيْهِ بُعْدُ المَدَى
وَغَمْزٍ يُحَاكِيْهِ لَحْنُ الوَجَلْ
بِحَبْلِ المَجَرَّاتِ مُنْسَابَةً
تُطِيْلُ التَّنَاجِي وَتَخْشَى القُبَلْ
دَرَارِيُّ سَابِحَةٌ فِي السَّدِيْمِ
وَأُخْرَى تُسَابِقُهَا فِي عَجَلْ
وَأَجْرَامُ تَجْرِي وأَقْمَارُهَا
تُدَاعِبُهَا تارَةً في خَجَلْ
* * *
تَرَاءَى لِيَ البَدْرُ فِي تَمِّهِ
يَتِيْهُ بِعَلْيَائِهِ لَمْ يَزَلْ
يَشُدُّ القُلُوبَ إِلَى ضَوْئِهِ
وَتَنْسابُ مِنْهُ خُيُوطُ الأَمَلْ
فَيَطْفُو عَلَى نَهْرِهَا المُغْرَمُونَ
كَمَا ابْتَدَرَ العَاشِقُونَ الأُوَلْ
* * *
تَرَاءَى لِيَ الغَيْمُ فِي ثَوْبِهِ
تَضَاحَكُ فِيه بُرُوقُ الأَسَلْ
وَتَشْمَخُ فِيه مُزُونٌ غَدَتْ
رُكَاماً وَدَوَّتْ بِلَحْنِ الزَّجَلْ
فَجَرَّتْ شَآبِيْبَهَا ثَرَّةً
تُسِيلُ عَلَى الأَرْضِ غَيْثٌ نَزَلْ
* * *
تَرَاءَى لِيَ البَحْرُ فِي عُمْقِهِ
وَشطْآنِهِ فَوْقَ صَخْرِ الجَبَلْ
تُدَاعِبُ أَمْوَاجُهُ الشَّاطِئَيْنِ
وَتَلْثُمُهَا تَارَةً فِي عَجَلْ
تُطَرِّزُ فِي دِفَّتَيْهِ الرُّؤَى
وَتَرْسِمُ أَسْرَارَ قَرْنٍ رَحَلْ
تُغَطِّي عَوَالِمَهُ زُرْقَةُ
بِهَا يَكْمُنُ الحُسْنُ حِيْنَ اشْتَمَلْ
* * *
تَرَاءَى لِيَ الغَابُ غَابَ النَّخِيلِ
بِخُضْرَتهَا طَرْفُ عَيْنِي اكْتَحَلْ
تَمُوجُ ذُرَاهَا لِعَزْفِ الرِّيَاحِ
وَتَرْقُصُ تِيْهاً بِدُونِ مَلَلْ
قَدْ ازَّيَّنَتْ بِعُقُودِ الجُمَانِ
وَعَسْجَدهَا قَدْ نَمَى وَانْفَتَلْ
يُحِيْطُ التَّرائِبَ مَرْجَانُهَا
يَدُرُّ مِن اللِّيفِ ذَوْبَ العَسَلْ
* * *
تَرَاءَتْ لِعَيْنِي مُرُوجُ الرَّبِيْعِ
بِزَهْرٍ عَلَى جَانِبَيْهَا اكْتَهَلْ
عُقُودُ الخُزَامَى ونُورُ الأَقَاحِ
وَتَاجُ الشُّقَارَىَ وَرُوحُ النَّفَلْ
رِيَاضٌ تُحَاكِي بأَنْفَاسِهَا
فِيَاضَ الرَّوَابِي وَسَفْحِ الجَبَلْ
قَدْ اخْضَلَّ فِيْهَا بُسَاطُ الرَّبِيعِ
فَعَمَّ الوِهَادِ ومَتْنَ السَّهَلْ
* * *
تَرَاءَتْ لِيَ الطَّيْرُ مُنْسَابَةً
وَقَلْبُ السَّمَاءِ بِهَا قَدْ رَفَلْ
تُرَفْرِفُ خَافِقَةً بِالجَنَاحِ
وَطَوْراً تَرَى بَعْضُهَا قَدْ نَزَلْ
يُتَوِّجُ فِي الدَّوْح لَدْنَ الغُصُونِ
وَيَحْسُو مِن المَاءِ طَعْمَ الوَشَلْ
يُغَنِّي الأَنَامَ شَجيَّ اللُّحُونِ
وَيَشْدُو عَلى الدَّوْحِ لَحْنَ الغَزَلْ
* * *
تَرَاءَى لِيَ القَمْحُ فِي حَقْلِهِ
تَرَاقَص فَوْقَ ذُرَاهُ السَّبَلْ
تُدَاعِبُهُ نَسَمَاتُ الرَّبِيْعِ
وَتَغْزِلُ مِنْهُ نَسِيْجَ الأَمَلْ
بِمَوْجَاتِهِ فَاتِنَاتُ الرُّؤَىَ
وَأَلْحَانه عَازِفَاتُ الزَّجَلْ
سَنَابِلُ في هَمْسِهَا رِقَّةٌ
وَوَسْوَسَةٌ بِاقْتِرَابِ الأَجَلْ
* * *
بِهَا السِّحرُ مِنْ كُلِّ هَذِي الرُّؤَىَ
بِهَا رَوْعَةُ الحُسْنِ حِيْنَ اكْتَمَلْ
بِأَعْمَاقِهَا مَصْدَرٌ لِلْشُّعُورِ
وَشَتَّى أَحَاسِيْس عَقْلٍ بَذَلْ
تَعَابِيْرُ تَعْكِسُ فِي غَوْرِهَا
بِمَا سَيَكُونُ وَمَا قَدْ حَصَلْ
يُعَبَّرُ فِيْهَا بِشَتَّى اللُّغَاتِ
وَتَفْهَمُ فِيْهَا شُعُوبُ الدُّوَلْ
وَيَكْمُنُ فِيْهَا الْكَثِيرُ الْكَثِيرُ
عَن النَّفْسِ والْجِسْمِ والْمُحْتَمَلْ
* * *
فَقَالَتْ وَفِي خَدِّهَا رَعْشَةٌ
مِن الانْبِهَارِ ووَرْدِ الخَجَلْ
وَفِي صَوْتِهَا نَبْرَةُ الْمُسْتَرِيْبِ
وَفِي ثَغْرِهَا بَسْمَةٌ مِنْ وَجَلْ
أَفِـي الْعَيْـنِ كـُلُّ الَّـذِي قَـدْ ذَكَرْتُ؟
مِن الْمُغْرِيَاتِ؟ فَقُلْتُ: أَجَلْ!!
 
 
قولي
نَفْسِي تَتُوقُ إِلَى الأَنِيْن
وَالبَوحِ عَن سِرِّ كَمِيْنْ
طَوْراً يُصَارِعُهَا الأَسَى
فَتَغُوصُ فِي أَلَمٍ دَفِين
وَتَكَادُ تَسْتَبِقُ الرُّؤَىَ
مِنْ فَوْقِ أَجْنِحَةِ اليَقِيْن
فَلَعَلَّ حَوَّاءَ العَزِيْزَةَ
تَرْعَوِي لَوْ بَعْدَ حِيْن
تُصْغِي لِنَبْرَةِ هَامِسٍ
وَتَرَى الصَّوَابَ بِمَا يُبِيْن
لَيْلاَيَ!! لاَ تَتَهَرَّبِي
عِنْدَ السُّؤَالِ وَتَصْمُتِيْن
قُوْلِي بِكُلِّ صَرَاحَةٍ
فَالحَقُّ شَاطِئُهُ أَميْن
إِنِّي أَرَى بَعْضَ النِّسَاءِ
بِحَالَةٍ لَوْ تَعْلَمِيْن
لَيْلاَيَ، لَيْتَكِ تَفْهَمِيْن
حَسْبِي بِأَنَّكِ تَفْهَمِيْن
فِي دَاخِلِ البَيْتِ المَصُونِ
أَمَامَ زَوْجِكِ تُهْمِلِيْن
تَأْتِيْنَ أَسْمَالَ الثِّيَابِ
فَتَأْخُذِيْنَ وتَرْتَدِيْنَ
مَا شَعْرُكِ المَنْفُوشِ مَا
سِرُّ العُبُوسِ عَلى الجَبِين؟
مَا النَّظْرَةِ الغَضْبَى وَمَا
سِرُّ الحَنِيْنِ وَمَا الرَّنين؟
مَا رِيْحَةُ الثُّومِ المُرَكَّزِ
مَالتَّوَجُعِ مَا الأَنِيْن؟
قَدْ تَرْتَمِيْنَ عَلَى الفِرَاشِ
وَدُوْنَمَا تَتَنَظَّفِيْن
مَا السِّرُّ فِي هَذَا التَّكاسُلِ
جَوْفَ بَيْتِكِ تَظْهَرِيْن؟
وَإِذَا عَزَمْتِ عَلَى الخُرُوجِ
سَتَفْرَحِيْنَ وَتَمْرَحِيْن
وَمِنْ الجَدِيْد مِن الثِّيَابِ
سَتَنْتَقِيْنَ وتَلْبَسِيْن
وَبِجَانِبِ المِرْآةِ سَوْفَ
تُرَابِطِيْنَ وَتمْكُثِيْن
تَتَزَوَّقِين، تَجمَّلِيْن
فَتَنْظُرِيْنَ وَتُمْعِنِيْن
وَتَنْفُثِيْنَ صُنُوفَ
الطِّيْبِ حِيْنَمَا تَتَعَطَّرِين
وَتَخْرُجِيْنَ جَمِيْلَةً
مِثْلَ العَرُوسِ تَبَخْتَرِين
تَتَطَاوَلِينَ عَلَى نِسَاءِ
الآخَرِيْنَ وتفْخَرِين
وَالزَّوجُ يَعْصِرُهُ الأَسَى
وَيَكادُ يَسْأَلُ أَوْ يُبِيْن
تَتَجَمَّلِيْنَ إِلَى النِّسَاءِ
وَحقَّ زوْجِكِ تهملين
لَيْلَى، فَدَيْتُكِ أَفصِحِي
قُوْلِي لِمَنْ تَتَزَيَّنِيْن؟
 
 
- هذا ما تيسَّر في هذه اللحظات، وأرجو ألاَّ أكون قد أطلت عليكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :564  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 31 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.