شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به سعادة الدكتور حسن فهد الهويمل ))
ثم أعطيت الكلمة للضيف الكريم الدكتور حسن بن فهد الهويمل فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم..
- الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أيها الإخوة والأصدقاء والأساتذة والزملاء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
- في مستهل حديثي أود أن أصحح بعض أخطاء ربما عرض لها الإخوة بالثناء، فلقد غمرت بهذا الثناء العريض وكدت أجهل نفسي وأنكرها، فما أنا - في حقيقة الأمر - إلاَّ طالب علم يتهجى في الصفوف الأولى، وما قدمته لا يعد في حساب الجاد شيئاً مذكوراً؛ ولكن الكرم والحب أنسى المحتفين حقيقة الأمر، فلهم - جميعاً - شكري وتقديري.
- لقد فوجئت بهذه الدعوة الكريمة على غير تطلع وعلى غير ترقب، فلم أكن في الصورة ولم أكن ممن يتأهلون بفعلهم لمثل هذا التكريم؛ ولما لم أكن متهيئاً لمثل هذه المناسبة فقد ترددت كثيراً فيما يحلو قوله، لقد طوفت بي الذكريات وأنا أستحضر فعاليات هذا اللقاء، ما علاقة هذا المشروع الأدبي الكبير بما سبقه من بلاطات الأدب في تاريخنا العربي القديم، وما هو مزامن له من المنتديات والمحافل الأدبية؟ ربما يمكن أن يتولد منه أو ما هو آت بعده.
- إن مشروع التكريم عمل نبيل في كل المقاييس، فالإنسان الَّذي تتسع أريحيته فيسخو بجهده ووقته وماله رجل نبيل حقاً، وإدخال السرور على الأنفس مطلب إسلامي، ألم يقل المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أن تلقى أخاك بوجه طلق.." وبقوله: "فَسَعُوهم بأخلاقكم (1) "؛ والإنسان المكرم وسع الناس بجهده وماله وأخلاقه وتلك غاية الإنسانية والنبل.
- لقد سعدت - كثيراً - حين دعيت لمثل هذا اللقاء، سعدت لأنه أثبت لي أننا أمة خيرة، يسعى بعضنا في مصلحة البعض، وسعدت لأنه تحفيز للآخرين لكي يقدموا ما هو خير؛ وسعدت لأنه أتاح لي اللقاء بمن أحب وبمن تتلمذت على أيديهم من كتاب ونقاد ومفكرين؛ وسعدت لأن التكريم فيه روح الاهتمام بالآخرين، ونحن في زمن متخم بالماديات وموبوء بالتذوت والأنانية والمصلحة الخاصة، وسأظل سعيداً بعد هذا اللقاء، فذلك يحفزني على تنمية العطاء ومواصلة الأداء اللذين لفتا نظر الآخرين إليّ، وحداهم إلى تكريمي، فسعادة الشيخ عبد المقصود إنما عبر عن شعور جماعي، أرجو أن أكون في مستوى تطلعكم وعند حسن ظنكم، وأسأل الله أن يكتب لي الأجر على ما تعلمون وأن يغفر لي ما لا تعلمون؛ ومن عرف الفضل للسابقين فقد عرف الفضل فيما عرف، وفي الأثر: "لا يعرف الفضل إلا ذووه" والأبصار ما هي إلا كوى البصائر، وحين يعمر الإيمان والصدق والصلاح بصائر الآخرين لا يرون إلا الخير فيعايشون الحياة بقلوب ربيعية ودودة؛ والشيخ عبد المقصود الَّذي أثبت بالفعل أننا لسنا أمة نفط ولسنا أبناء بداوة متصحرين، يسهم في تشكيل رؤية متحضرة لإنسان هذه البلاد؛ فرجل الأعمال حين يخترق عوالم الفكر والأدب ويعيش حضوراً فاعلاً، يثبت للآخرين أن الأمة تعيش وحدة فكرية متمكاسة ومتفاعلة، وسعادتي ليست وليدة ما أعيشه هذه اللحظات، فالتكريم ليس خاصاً بي، إنه تكريم لكل الَّذين يشاركونني همَّ الكتابة ويتحملون مسؤولية الكلمة الطيبة، والشيخ عبد المقصود - بفعله المتميز - إنما يقدم أنموذجاً لرجل الأعمال السعودي بكل مقوماته الحضارية، فالسعادة تتولد من النمذجة لا من التذوت والتفرد، فنحن أمة تسعى بذمتها أدناها.
- لقد سمعت الشيء الكثير عن هذا المشروع المتميز، والمتمثل بالاثنينية، وقرأت عن فعالياتها ما أسعدني، وعرفت أن عبد المقصود امتداد لوالده (رحمه الله) حيث كان - بشهادة لداته - محباً لأعمال الخير كثير البذل في سبيلها، وكانت له نشاطات مماثلة لنشاطات ابنه، ومنها: أنه كان يقيم كل عيد أضحى - بمنى - حفلاً كبيراً يدعو إليه كبار الشخصيات من الحجاج، من علماء وأدباء وسياسيين وعسكريين، وقد أطلق عليها حفلة التعارف، وكان يطبع لها بطاقات تسلم لكبار الشخصيات، وكان يحضرها وجهاء البلاد يستهلها بخطبة بليغة ثم يتعاقب الشعراء والأدباء، وما الاثنينية - هذه - عن حفلة التعارف ببعيدة، وليس هذا فقط، بل كان (رحمه الله) من رجالات الفكر والأدب، ومن رواد الكتابة والتأليف والصحافة، وتاريخه العملي حافل بالعطاء؛ تولى إدارة جريدة أم القرى ومطبعتها، بالإضافة إلى عمله الإِسلامي المتمثل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولعل أبرز إسهاماته تطوير المطابع وإرسال بعثات لمصر لإجادة الطباعة.
- أما عن مجهوده التأليفي، فقد خلف لنا كتاباً في الأدب، ترجم فيه لأدباء الحجاز وقدم طرفاً من إنتاجهم، وجاءت مقدمته - التي كتبها - مؤشراً على عمق ثقافته وسعة اطلاعه؛ كل هذه الأعمال تمت في مدى عمر قصير لم يتجاوز السادسة والثلاثين عاماً، تخللتها مهمات متنوعة؛ إن هذا المشروع الحضاري - الَّذي نعيش في رحابه - أرهص له محمد سعيد عبد المقصود خوجه - رحمه الله - وما مات من خلف أمثال عبد المقصود، لقد وصل حباله بحبال والده، وواصل العطاء من حفلة التعارف بمنى إلى اثنينية عبد المقصود في جدة، فكان هذا الامتداد عمراً ثانياً والذكر للإنسان عمر ثان.
- لقد سعدت بقراءة وحي الصحراء وأنا أكتب عن الأدب السعودي؛ وسعدت بكتاب أستاذنا الدكتور محمد بن سعد بن حسين: (محمد سعيد عبد المقصود خوجه حياته وأدبه) وتبدت لي حيوات حافلة بجلائل الأعمال، وحين ورثها عبد المقصود أعطاها من جهده وماله ووقته ما كفل لها النماء والاستقرار، فله منا الشكر والتقدير والدعاء الصادق بالتوفيق والسعادة.
- أيها الإخوة والزملاء والأساتذة الأجلاء:
- لقد كان لي شرف الإسهام الضئيل في الحركة الثقافية والفكرية في بلادي، وبدت إسهاماتي بفضل ما ألاقيه من ثقة الآخرين وتشجيعهم وإيثارهم؛ وهذه الفرص التي أتيحت لي مكنتني من معايشة الحركة ومواكبتها، وهي بحمد الله حركة هادئة مطمئنة بعيدة عن كل ما يمس ثوابتنا، وإن كان يعتريها في بعض الأحايين ما يعتري أي حركة من زوابع وإثارات لا تلبث أن تتحول إلى رصيدها، وما أمر به من منعطفات وما أواجهه من خلافات مع بعض الأدباء إنما هو في نطاق الخلاف المعتبر والمتوقع، ولا عبرة بما يعتري البعض مما لا يليق بقول مبتدئ أو رد معتدي، وكان أملي ممن يختلفون معي أن يمعنوا في قراءتي وألاَّ يأخذهم الاعتزاز بالرأي والإصرار عليه بالتجني والافتراء، وأن يكونوا أصحاب قلوب كبيرة تنشغل بالمبادئ ولا تقف عند الأشخاص أو الأشياء، فالمبادئ تتسع لمفردات الأشخاص والأشياء، وإذا كانت آراؤنا تختلف.. فيجب أن تأتلف قلوبنا، وأن نحسن الظن في بعضنا، وألاَّ نستعدي الآخرين على خصومنا؛ فالحياة ربيبة الصراع والجدل حاضن مخصب للحياة السوية، فقط أن نتمكن من إتقان أدبيات الحوار وتمثلها.
- لقد تشكلت رؤيتي للأشياء من مصدرين: مصدر تشريعي، وآخر عربي، ومن ثم فلا مساومة حول هذين المصدرين، وإذا كانت الحياة السوية وليدة العمل المجاد، والاستشراف الواعي، فإنني حفي بالمنجز البشري في كل الحقول المعرفية، أسعى لامتصاص نسقها تذوب في كياني ولا أتلاشى في كيانها، أفكر فيها ولا أفكر من خلالها، ذلك همي وتطلعي ولست أضمن تحقيق كل طموحاتي.
- وعلى ضوء هذا الهم الشمولي، يصفني البعض بالتقليدية والتلفيقية، ويعلم الله أنني أبعد ما يكون عن هاتين السمتين؛ إنني انتقائي أرفض الدخول في عباءات الآخرين والانطلاق من قواعدهم؛ وأرفض تصنيم الآخرين واختزال الأشياء لتكون في حجمهم؛ أقدر الآخر ولا أصَنِّمُه وأتيح له فرصة القول والأداء ولا أتحرج من مخالفته؛ أفرق بين سلطة الذات وسلطة المبدأ، ولربما لقيت في سبيل ذلك ما لقيت من الجور في الحكم، إنني حريص على قراءة الآخر والحكم عليه من خلال وثائقه، ولا أرى القراءة في الآخر واجترار الأحكام، ومشكلة الفكر - عندنا - أننا نقرأ عن الآخرين ولا نقرؤهم، ونصدر أحكاماً هي أشبه بتسخين المغب من الطبيخ، ومشكلة الفكر - عندنا - كأمة عربية إسلامية - تعاقبنا على تبني أفكار الآخرين ونشرها والدفاع عنها، والقطع بأنها المنقذ لمسيرة الأمة التائهة؛ ومشكلة الفكر - عندنا - أنه بدون ذاكرة، فهو يخرج من بوابة فكر ليدخل إليه من بوابة أخرى، نتشبع من فكر طارئ ثم نستفرغه لنتضلع من فكر مماثل؛ ومشكلة الفكر - عندنا - أنه استهلاكي لا ينتج ولا يؤصل، ومشكلة الفكر - عندنا - أنه بوق دعائي لكل إفرازات الفكر الآخر، فنحن في زمن البوقات والطبول.
- هذه هي مشكلتي مع فكرنا المعاصر، وتطلعي أن نملك القدرة على قراءة الآخر بوعي ويقظة وتحفظ، وأن نتملك القدرة على صياغة فكر على غير مثال يجمع بين الأصالة والمعاصرة، أصالة الإِسلام وأصالة العروبة وأصالة الماضي المجيد، بحيث يستوعب أفضل ما جادت به الحضارة الإنسانية، محتفظاً بخصوصيته وملامحه، متميزاً بتشكله الجديد، نامياً من جذوره كالشجرة الطيبة، التي تملك التجذر والسموق والثبات، نحن أمام خيارين: الكلمة الطيبة، الكلمة الخبيثة، إنني حين أختلف مع الآخرين لا يعني ذلك رفض المستجدات بقدر مما يعني رفض إلغائنا من أجل المستجدات؛ فليفهمني المختلفون معي لكي نريح ونستريح؛ لقد شقيت من السعي وراء كل البوارق، وقرأت جل الأطروحات الشرقية والغربية، وعرفت منها ما يلزم لمثلي، واستفدت من مناهجها وأدواتها، ولم أكن في يوم من الأيام بوقاً لها ولا داعياً لها.
 
- أيها الإخوة والزملاء: لقد حرصت في هذه المناسبة الطيبة أن أقدم نفسي لكم، ومن الخير لي ولكم أن نفهم بعضنا عن طريق الاعتراف المباشر أو السيرة الذاتية، فهاأنذا لا أكتمكم حديثاً، فإن كان فيما أقول عوجاً فقوموني، فلا خير فيّ إن لم أقبل النصيحة، ولا خير في مجتمع لا يتهاداها بلسان صادق وصدر رحب، ولقد لعن الله المجتمع اليهودي لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.
 
- أيها الإخوة: إننا في زمان معطاء، زمان مواتٍ، لنأخذ أمرنا بقوة، ولننهض بأعبائنا ومسؤولياتنا على هدي من الكتاب والسنَّة، ولنحرص على وحدتنا الفكرية حرصنا على وحدتنا السياسية، والمحافظة على الإنجاز يضارع الإنجاز؛ إننا مكتنفون بفتن كقطع الليل المظلم، والناس يتخطفون من حولنا ونحن في قرية آمنة مطمئنة، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فلنحرص على دوامها وبالشكر تدوم النعم، ولننصرف لما هو أفضل، وقادة الفكر في خضم الصراع الفكري والحوار الحضاري كقادة الجيش في خضم الصراع العسكري، وما ساحة الصراع الفكري بأقل خطراً من ساحة الصراع العسكري، إن حملة الأقلام حملة أمانة وعليهم أن يؤدوها كما أرادها الله لعباده الصالحين.
 
- أيها الإخوة: إنني سعيد بهذا اللقاء، شاكراً للمحتفي كرم الضيافة، محتفظاً بعذوبة هذه المناسبة، نائباً عن زملائي بتقديم خالص الشكر للجميع؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :599  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 105 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج