شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الخوجه أكمل مسيرة سرور الصبان بعد عقدين من الزمان (1)
بقلم: د. عاصم حمدان
مع وحدة هذه الأرض المباركة برز رجل من بين صفوف أهل الفكر والأدب، يخترق الصفوف ويأخذ براية أهل الكلمة الحرة، ذلكم الرجل هو الشيخ محمد سرور الصبان فكانت كتب (( وحي الصحراء )) للأديبين الكبيرين المرحومين عبد الله بلخير ومحمد سعيد عبد المقصود خوجه، وخواطر مصرحة للأستاذ محمد حسن عواد، وأدب الحجاز والمعرض لمحمد سرور ـ نفسه ـ والشعراء الثلاثة للأستاذ عبد السلام بن طاهر الساسي، وقامت المعركة الشهيرة بين العواد وشحاته ولم يكن الصبان بمنأى عن هذه المعركة ولا أزعم أن كل ما أثاره غبار تلك المعركة كان إيجابياً، فمن طبيعة الحياة أن تجري أيامها ولياليها بين الخير والشر والحق والباطل، والفضيلة والرذيلة، وإنما جاءت الأديان ومنها رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم لتجعل من الفضيلة هي القيمة والمعيار لسلوك الناس وهذا لا يعني ـ مطلقاًً ـ أن الإنسان لا يخطئ فليس هناك معصوم إلا البشير النذير والذي خصه رب العالمين ـ عز وجل ـ بالرسالة الخاتمة والدين القويم،.. ذلكم هو محمد بن عبد الله ـ عليه صلاة الله وسلامه والذي جعل الله منه رحمة عامة حيث قال ـ عز وجل ـ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء: 107).
جعل ـ محمد سرور ـ من نفسه محوراً لرجال الفكر والأدب داخل هذا البلد وخارجه وشارك في بناء الدولة على مدى نصف قرن من الزمن، وزيراً للمالية ومشرفاً على الإذاعة والتلفزيون وأميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي، ولقد تحمَّل الشيخ الصبان بحكم ريادته الأدبية من ضروب الجحود والنكران ما تحمَّل، فلقد كان يمر مرور الكرام على القول السيئ فلا ينصت له ولا يلقي له بالاً، فلقد كان نفر من الناس كما قال الأستاذ الكبير عزيز ضياء ـ رحمه الله ـ يأكلون على مائدته ثم يغمزون من قناته فيقابل ذلك كله بابتسامة ورقة عجيبتين، وأزعم أنني أروي شفاهه عن جملة من الرجال الذين قابلتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة الكثير من مناقب محمد سرور وحلمه وسعة صدره وأريحيته وخصوصاً مع نفر من بني قومه والذين كان بعضهم الأكثر عليه شدة وإيلاماً، ولكن المقام لا يتسع ولقد أخبرني الأستاذ المهذب أمين عبد الله في شهر رمضان المنصرم بأنه بصدد كتابة مذكراته مع محمد سرور فلقد عمل معه سكرتيراً منذ عام 1374هـ ثم معه ومع الشيخ صالح قزاز في رابطة العالم الإسلامي، ويعرف عنه ما لا يعرفه الآخرون.
يوم توفي محمد سرور عام 1319هـ مع رفيق دربه الشاعر الكبير حمزة شحاتة، ومن مفارقات الزمن أن كليهما يموت بعيداً عن أرض الوطن، ولقد شيعت الناس في الحجون والمعلاَّة مع شحاته والصبان تراثاً وطنياً وفكرياً وأدبياً وهو تراث إنساني خرج من مهبط الوحي في الشعب والنقا وسوق الليل والشامية ثم عاد ليستقر في تربتها المباركة، وما أشرفها من أرض وما أكرمها من تربة:
يقول الشاعر المعروف أحمد قنديل في صديقه شحاته:
أخي يا رفيق الدرب.. والعمر والمنى
ودنيا فنون الشعر والفكر والحب
اتسمعني.. طبعاً.. فأنت بجانبي
حياة.. بها عشنا الحياة على الدرب
غريبين في الدنيا.. تباعد أهلها
تباعاً.. ولما ينأ جنبك عن جنبي
نطوف بأكوان العوالم حسرة
ونأوي لركن ساحر الشد والجذب
نقضي سواد الليل.. للصبح نجتلي
أمانينا موصولة البعد والقرب
على الرمل كم نصغي لسقراط.. والأولى
أقاموا صروح الفكر بالشرق.. بالغرب
على الصخر كم نبني من الشعر جنة
نفتت بعض الصخر بالألسن الذرب
على البحر كم نمشي مع الموج ساكناً
وفي الصدر موج هادر النبض والوثب
نريد لأهلينا الحياة طليقة
فيسخر أهلونا، ونأسف للجدب
مع نهاية القرن الرابع عشر الهجري وبداية القرن الخامس عشر شهدت بلادنا حركتين هامتين، وهما ما عرف بداية بالصحوة، وفي مقابل هذه الحركة نشأت أو بعبارة أدق برزت على السطح حركة فكرية وأدبية جديدة أثارت هي الأخرى من اللغط والصخب ما أثارت، والمتتبع لتاريخ الحركات الإصلاحية أو الفكرية والأدبية يعلم أن هذه الحركات لا تنشأ بين يوم وليلة ولا يستطيع شخص ـ بمفرده ـ أن يضع الأسس ويمهد البنيان، وإنما هناك عوامل اجتماعية وسياقات حضارية وفكرية إضافة إلى ضروب من الضيق أو التأزم النفسي، كل هذا يكون وراء بروز هذه الحركة، أو انبثاق ذلك التيار، فحركة الصحوة تمتد جذورها إلى الثمانينيات الهجرية، وحركة الحداثة إلى التسعينيات الهجرية أيضاً، وهذا ما أشرت إليه في جملة دراسات كتبتها في ملحق الأربعاء الأغر الصادر عن هذه الجريدة تحت عنوان: (تيار الحداثة بين نقد عبد الله عبد الجبار وتنظير فائز أبا).
مع هذه الأجواء الفكرية والأدبية وتزامناً ـ معهما ـ برز من بين الصفوف ـ مجدداً ـ رجل شامخ القامة، واثق الخطى، واسع الأفق، شديد الحب للآخرين والالتصاق بهم، لقد شاء الله أن يكون ذلك الرائد هو عبد المقصود خوجه، ابن أحد المؤلفين لأهم كتب الأدب في بدايات نهضتنا الأدبية وأعني به (وحي الصحراء)، إنه الأديب والإنسان المهذب عبد المقصود محمد سعيد خوجه، فلقد بدأت اثنينيته في الثاني والعشرين من شهر محرم لعام ألف وأربعمائة وثلاثة.
وأن أديبنا الخوجه ليعبر عن ولادة هذا المنتدى الفكري والأدبي بقوله: (وعندما دار الزمن دورته، واستقرت بي أيامي في جدة مدينة الوسط الثقافي ـ على حد وصف أحد المثقفين لها ـ احتواني الماضي مجدداً، وتدفق الحب وسناه ليلهمانني، خطواتي وسط حيرتي وترددي، فكان لقاء الاثنين الذي سرعان ما سمته الصحافة (الاثنينية). انظر الاثنينية، الجزء الأول، 1403هـ ـ 1982 ـ 1983م، المقدمة).
ووثقت الاثنينية بمجلداتها التي بلغت واحداً وعشرين مجلداً الحياة الفكرية والأدبية والإبداعية والصحافية في جزيرة العرب قاطبة، وشمل التكريم رموز الأدب والإبداع في بلادنا ومن البلاد العربية الأخرى، وقامت اثنينية الأستاذ الخوجه بإخراج ما يقرب من 25 مطبوعة تاريخية وأدبية، كما ترجمت عدداً من الأعمال الحضارية والفكرية الهامة مثل كتاب: (الحضارة العربية والإسلامية في الأندلس) من إعداد وترجمة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي، والتي ترأس مؤسسة بروتا ورابطة الشرق والغرب لنشر الثقافة والأدب العربيين في العالم الناطق بالإنجليزية.
وأتذكر اللقاء الذي أعده أستاذنا عبد المقصود لهذه الناقذة العربية المعروفة والتي كانت دراستها في جامعة لندن عن الاتجاهات والتيارات في الأدب العربي الحديث وخرجت في جزأين ـ باللغة الإنجليزية ـ عن دار (بريل) بهولندا عام 1977م.
بعد ما يزيد عن عقدين من الزمن وتماشياً مع متغيرات العصر يعلن مؤسس الاثنينية، الرجل الذي أكمل مسيرة محمد سرور الصبان ـ رحمه الله ـ في توثيق أدبنا ونشر روائعه وربطه بمؤسسات الفكر والأدب في العالمين العربي والأوروبي يعلن ـ رعاه الله ـ في ثقة أنه سوف يقوم بتحويل الاثنينية إلى مؤسسة وأنه سوف يكون لها مجلس أمناء منتخب من قبل محبي ورواد الاثنينية وأن هذا المنتدى سوف يستقبل عام 1425هـ بإخراج أعمال الرواد والأدباء الكبار من أمثال: السيد أحمد العربي، وعزيز ضياء، ومحمد حسين زيدان وحسين سراج، وعبد الحق نقشبندي. وعبد الحميد عنبر، ومحمد إسماعيل جوهرجي، إضافة إلى بعض كتب التاريخ الهامة للمدينتين المقدستين مثل (أخبار مكة) للأزرقي، وسوف يكون إخراج هذه الأعمال متزامناً مع اختيار مكة عاصمة للثقافة.
في ليلة احتفائه بالزميل العزيز الدكتور فهد عقران ـ رئيس تحرير صحيفة المدينة، وبحضور معالي السيد الفاضل الدكتور غازي عبيد مدني ـ رئيس مجلس إدارة مؤسسة المدينة، كشف الأستاذ عبد المقصود الكثير من حبه لمأرز الأيمان طيبة الطيبة، وإنني لأعرف خؤولته فيها من السادة آل حافظ وخصوصاً إنني كنت زميلاً للأخوين الكريمين موفق وتوفيق حافظ في مدرستي طيبة واحد الثانوية في الحقبة 1389هـ ـ 1392هـ كما تحدث عن العلاقات الإنسانية التي تربطه بعدد من الرواد من أمثال الأساتذة عبد الله بلخير، والسيد أحمد عبيد المدني، وعبد العزيز الرفاعي وغيرهم إضافة إلى اعتزازه بالعلم الذي تلقاه عن مشائخ الحرم المكي من أمثال فضيلة المشائخ، حسن المشاط، حسن يماني، محمد العربي التباني، علوي المالكي، محمد نور سيف، وبعض أساتذة مدرسة الفلاح المشهورين من أمثال أحمد عبد الماجد، واسحاق عزوز، وعبد الرحمن دوم، وسواهم. كان الأستاذ عبد المقصود يسوق حديثه بدون تكلف ويترقرق الدمع أحياناً في عينيه شوقاً للأيام الخوالي التي قضاها ما بين بابيَ السلام والباسطينّة وكان لسان حاله يردد قول الشاعر الجرهمي المكي.
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ولقد كنت أردد مع نفسي أبياتاً لشيخنا جميعاً علامة اللغة والأدب فضيلة السيد محمد أمين الكتبي والتي يقول فيها متشوقاً:
شرف أناف على الذرى وغدت به
ام القرى تزهو على الجوزاء
فاسأل به البيت العظيم وسل به الـ
شعب الكريم إلى حجون كداء
وسل الأباطح والمحصب والصفا
والمنحنى ومضارب الفصحاء
وأسأل بباب الباسطيَّة شاعراً
غرداً يحبك بأدق الأنباء
المصطفى روح الوجود وسره
وسراجه في الليلة الظلماء
قل للمدينة قول صب ظامئ
للمصطفى ولعينها الزرقاء
أنا من علمت محبة وصبابة
ليس المحب وغيره بسواء
هل لي إلى تلك المعالم نظرة
والى جلال القبة الخضراء
ومعاهد التنزيل والبلد الذي
هو منيتي والروضة الفيحاء
 
طباعة

تعليق

 القراءات :505  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.