شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
في ذكرى (الحج) و(الحَجيج) و(الغَزَّاوي)..
(سُويَعات) قليلة.. مع (حَوْليَّات) جليلة..؟! (1)
بقلم: حماد بن حامد السالمي
ـ 1 ـ
ما أن ينسلخ شهر الصوم! ويدخل شهر شوال من كل عام؛ حتى تتسابق الأيام بعده مسرعة الخطى؛ نحو موعد الموسم العظيم؛ موسم الحج. فكان كل يوم منها؛ يرفع عقيرة مدوية وهو ينادي لهذه الفريضة؛ فإذا الناس كافة؛ في شغل شاغل؛ فهم من كل فج عميق؛ بين مدلف أو مزلف؛ يحثون السير إلى أقدس بقعة على وجه الأرض، وقد ركبوا فيافيها وبحورها وأجواءها؛ بعد أن استبدلوا السيارات والطائرات والبواخر؛ بذوات الأخفاف والحوافر والأظلاف.
يا لها من صور بهيجة؛ ومشاهد جميلة؛ فهي ما فتئت تكر وتترى؛ فتبعث في النفوس لواعج الحب والذكرى.. حب هذه الجغرافية الحجازية المقدسة، التي أنجبت خير البشرية، وضمت في أرجائها البهية؛ أعتاباً قدسية؛ تهفو إليها الأفئدة؛ فتنسل إليها من كل حدب وصوب. وذكرى عطرة.. ذكرى الأيام الخوالي؛ ومشاهد أهل الأدب الرفيع؛ والشعر البليغ، من أمثال المرحوم الشيخ (أحمد بن إبراهيم الغزاوي)؛ حسَّان الملك عبد العزيز، وشاعر حوليات الحج؛ الذي لم يسبق إلى مثل شعره؛ في مناسبة هذه الشعيرة، كما لم يعرف من الشعر بعد غيابه؛ ما يوازيه؛ أو يدنو من أعتابه.
أطرقت سمعي قبل أيام قليلة؛ إلى صوت ينبعث من إحدى الإذاعات العربيات؛ فإذا هي تلبيات الملبين إلى رب العالمين؛ (لبيك اللهم لبيك..)، فهزني الحنين إلى هذا الشدو المُشَنِّف، واستبدت بي اللواعج المبرحة؛ إلى صوت جهوري؛ طالما ارتفع من رحاب مكة عبر الأثير؛ منادياً بوحدة العرب والمسلمين، مستنهضاً همم الحاكمين والمحكومين، مجدداً سيرة الحوليات المذهبات المعلقات على أستار الكعبة المشرفة..! صوت الشاعر العملاق؛ (أحمد بن إبراهيم الغزاوي) رحمه الله.
أين أنت أيها الشاعر المُهَلْهل؛ وأين صوتك المجلجل..؟ بل أين أيامك؛ وأين أوقاتك..؟!
ها أنا أتلفت فلا أجد أحداً حولي، فأهرب من هول اليَبَاب؛ وافزع إلى الكتاب. إلى شعر الغزاوي نفسه؛ الذي كنت أسمعه في مثل هذه المناسبات العظيمة، فأسعد أيما سعادة، بما أسداه لي ولأمثالي من المتأدبين والمتذوقين للشعر؛ ذلك الشيخ الأديب المفضال (عبد المقصود محمد سعيد خوجه)؛ من خدمة جليلة عظيمة؛ بعث بها آثار الشاعر الغزاوي رحمه الله، وحفظ بها كنوزه وتراثه، ومن هذه الآثار والكنوز؛ وهذا التراث الأدبي الثمين؛ أشعار الغزاوي.. وما أكثرها وأعظمها، ومنها حولياته الموسمية؛ وما أجملها وأجلها. فهذه اثنينية الشيخ (عبد المقصود محمد سعيد خوجه)؛ كما عودتنا وعرفناها من قبل؛ تتصدى لآثار هذا الشاعر المكي الكبير؛ فتنشر في العام 1241هـ من بين ما تنشر؛ (الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة) له، في ستة مجلدات كبيرة، وهي بهذا الجهد الرائد المميز؛ تسدي صنيعة للمؤرخين والأدباء والشعراء، وتقدم خدمة علمية عظيمة في مجالها، فشكراً لهذه الاثنينية النيرة؛ ولكتابها، ولصاحبها.
وفيما يختص بالحوليات؛ وهي الموسميات المطولات؛ التي كان الغزاوي رحمه الله؛ يلقيها في الاحتفالات الرسمية بضيوف المملكة من الحجيج في منى أو مكة؛ بين يدي الملك عبد العزيز رحمه الله؛ ثم الملوك من بعده؛ (سعود وفيصل وخالد) رحمهم الله جميعاً، فقد كانت من القصائد المنمقة رفيعة المستوى؛ تمتاز بالجدة الموضوعية، والسبكة اللفظية، والزخرفة اللغوية. وكانت في مجملها؛ تعكس هموم الأمتين العربية والإسلامية، وتحث على الوحدة والتضامن، وتذكر بأمجاد العرب والمسلمين، وتشير إلى مفاصل الوهن والضعف، وتحذر من عواقب الفرقة والخُلْف، وتنبذ مظاهر الغلو والتخلف، وتحفز على الأخذ بأسباب العلم والتقدم، إلى جانب الإشادة برعاية الدولة السعودية للحج والحجيج، وخدمتها للمشاعر المقدسة، وحملها لواء التضامن الإسلامي.
لقد احتلت حوليات الغزاوي عموماً؛ مجلداً كاملاً في هذا الإصدار الضخم لكتاب (الاثنينية)؛ وكثيرها كانت (موسمية حجية)، وأولى هذه السلسلة الذهبية؛ تلك القصيدة التي ألقاها الشاعر؛ بين يدي (الملك عبد العزيز) رحمه الله؛ بمناسبة حج وعيد الأضحى عام 1347هـ وآخرها كانت؛ بين يدي (الملك خالد) رحمه الله؛ بالقصر الملكي بمنى؛ في 11 ذي الحجة عام 1399هـ. ومجمل هذه القصائد (الموسمية الحجية) في كتاب الاثنينية؛ (87) قصيدة؛ منها (63) قصيدة؛ لم تكن بين أوراق الشاعر رحمه الله؛ ولا وردت في دراسة الدكتور العطوي عن شعر الغزاوي؛ تلك التي صدرت قبل ذلك بسنوات، وهذا ما قال به (مسرد) عام ورد في آخر المجلد الأول. وهذا في حد ذاته؛ يعد كشفاً مهماً للغاية؛ ويعتبر منجزاً من منجزات كتاب الاثنينية يستحق الإشادة؛ ويستوجب التقدير.
ومع مطلع شهر الحج هذا؛ قضيت سويعات قليلات؛ مع نصوص هذه الحوليات الموسمية؛ الذي تميز بها الشاعر الغزاوي رحمه الله؛ فوجدت نفسي معه وجهاً لوجه؛ في أكثر من موضوع همّه وشغل باله طيلة نصف قرن؛ فإذا الهم الإسلامي؛ والهم العربي؛ هما شاغلا الناس في أزمانهم وفي أزماننا؛ وإذا الشاعر العربي الكبير؛ (أحمد بن إبراهيم الغزاوي)؛ كأنه ما زال يعيش بيننا؛ يحس بأحاسيسنا؛ ويهتم لهمومنا؛ وإذا الناس هم الناس؛ وإذا الجراح هي الجراح؛ وإذا الحوليات الموسميات؛ كأنها تصدح من منبر الشعر العربي في مكة من جديد..!
هذا إذن هو الغزاوي، ففي حوليته عام 1349هـ؛ نرى شبه ثورة على أحوال الأمة الضاجعة، وتنبيه ذكي؛ إلى أن الدين إنما يتقوى بالدنيا. يقول:
يا أمة (التوحيد).. حسبك ضجعة
أبكت عيون المجد والأجداد
فالدين بالدنيا.. وليس بباسط
أفياءه من غير قدح زناد
كم ذا تمر الحادثات وتنطوي
والمسلمون على هوى وبعاد
والناس قد غاصوا البحار وخططوا
جو (السماء) وحلقوا بجماد
وتبادلوا (الخُطب الطوال) بلحظة
من دون واسطة بكل بلاد
فعلام فرقتكم وفيم شقاقكم
وإلام يشرق بالزلال الصادي..؟
وفي حوليته عام 1357هـ في منى؛ يضغط من جديد على موضوع التخلف بين المسلمين فيقول:
وعلام تسبقنا الشعوب تنافساً
في العلم والتجهيز والجناد..؟
ألأنهم بشر ونحن سواهم
كلا.. فنحن أحق بالإعداد
لكنهم سلكوا المناهج دوننا
فيما يفيد ونحن في الأصفاد..!!
وفي حوليته عام 1358هـ، يتحسر على تاريخ الأمة طيلة قرون مضت، ويقول:
فيا عصبة الإسلام.. إن تراثكم
تداعت مبانيه؛ وضاعت مآثره
مشت فوقه الأحقاب صرعى حزينة
تقاسمه أشجانه وتشاطره
وتندبه الأخلاق.. يا ويح أمة
تجنى عليها بالردى ما تعاقره
كفى سنة (خمسون جيلاً) تصرمت
هي الدهر دارت بالعظات دوائره!
وفي حوليته عام 1363هـ في منى؛ تذكير لكافة المسلمين؛ بأن دينهم ليس فدية وجمار؛ أو أفعال ومظاهر مجردة؛ إنما هو تقوى وعقيدة وعمل وقوة قال:
ما الدين هذا الحج دون شروطه
يزجي ولا هو فدية وجمار
الدين تقوى الله وهو عقيدة
تزكو بها الأرواح والأسرار
هو قوة.. هو عزة.. هو رهبة
للجاحدين.. ومعقل وذمار
وتعاون في البر.. ثم تراحمِ
وتآزر.. وتناصر.. وبدار
فتعارفوا.. وتآلفوا.. وتناصحوا
فلأنتم الإخوان والأصهار
هذا هو الدين الصحيح وبعده
ما توعدون.. فجنة أو نار
وفي حوليته عام 1367هـ؛ يتناول الغزاوي مأساة العرب والمسلمين في فلسطين؛ بما يشبه التقريع والتفجيع من هول المصاب؛ فيقول في صيغ استنكارية استفهامية متناسقة:
حرام علينا أن يلم بنا الكرى
ونهدأ والإسلام ترزَى معاشره
تداعى عليه الجاحدون وأطبقوا
وضلت بهم ساحاته، ومخافره!!
أيسبقنا الأعداء رغم ضلالهم
عصائب في كيد؛ تشنَّ غنائره؟؟
أهم يرمضونا في (فلسطين) قلة
ونحن الحصى عدا؛ تمورُ سرائره؟!
أهم يوسعونا حسرة ونكاية
وأكثرنا المعذور! زورٌ معاذره؟؟
أهم يحذقون الفن في السلم والوغى
ونقبع كالمبهور؛ أعشاه باهره؟!
كفانا اغتراراً بالمنى وكذابها
فما أنصف (المظلوم) إلا بواتره؟!
وما كل من يغشى (المآتم) ثاكل
ولا كل ذي دمع من الدم؛ ناثره؟!
لحى الله من يستمرئ العيش مترفاً
وأربح ما يجنيه ما هو خاسره
وفي حوليته عام 1371هـ؛ في القصر الملكي بمكة؛ يكرس الغزاوي من جديد؛ خطابه النهضوي شبه السنوي؛ فيقول مخاطباً الأمة الإسلامية:
أيها المؤمنون ـ ما العز إلا
في تقى الله؛ وأطراح السفاسف
أيها القانتون من كل واع
حسبنا وحده في الصوارف
(قوة الله إن تولت ضعيفاً)
مادت الأرض بالقوي المجازف
آمن (الشرق) بالمعاد؛ وأعلى
راية الحق؛ واستوى في الرفارف
وطئت خيله النواصي اقتحاماً
في سبيل السلام ـ والكون راسف
يوم كانت له الكواكب تجبى
وله (الفتح) والغزاة الصوائف
بينما (الغرب) لم يكن غير كهف
من وحوش؛ وحمأة من زعائف
فالتمسنا البقاء من دون سعي
واستبقنا إلى (الحطام) الزائف
وأضعنا (التراث) فهوى هباء
ودموع بها القلوب نوازف
وقضى الله أن نموت لنحيا
بعد لأي! وكلنا (متكاتف)
كلنا (إخوة) وما النصح إلا
آية الحب؛ في الصديق المكاشف
وفي حوليته عام 1382هـ؛ يشير إلى سماحة الإسلام ونبذه للعنف والغلو قال:
إننا.. ننشد السلامة مما
هام فيه (الغلو) من كل عادِ
ونقيم الحدود لله مهما
جشمتنا الحدود من إجهاد
(حرم الله).. آمن مطمئن
وهو لله مأزر العُبَّاد
يستوي فيه كل جنس ولون
ولسان.. رائح.. أو غاد
وفي حوليته عام 1384هـ؛ في حديقة الزاهر بمكة؛ وقد تواكبت مع مشروع الملك فيصل رحمه الله للتضامن الإسلامي، قال:
يميناً بمن أرسى (ثبيراً) مكانه
وسيق إليه (الهدي) إذ هو ينحر
لنحن جميعاً ـ أهل شرق ومغرب
(سواسية) فيما كسبنا ونخسر!!
لنحن وأنتم في (مثانيه) وحدة
بها (الآي) تتلى.. والمشاهد تبهر
إذا ما اشتكى أي عضو ـ على المدى
تداعى له الأعضاء ـ وهي تضور
وما كان ذو شجو ـ على شحط داره
يراهم إلا دونه الأرض تحشر
وفي حوليته عام 1390هـ؛ لجأ الشاعر وهو يحث على الفضائل الإسلامية؛ إلى تضمين شعر بليغ للشاعر الباكستاني محمد إقبال؛ وهو ما يحسن أن نختم به هذا المقال اليوم قال:
سقى (إقبال) في الأجداث وبلٌ
بما هو قاله، وبه كفينا
(إذا الإيمان ضاع فلا أمان
ولا دنيا لمن لم يحي دينا)
(ومن رضي الحياة بغير دين
فقد رضي الفناء لها قريناً)
 
طباعة

تعليق

 القراءات :280  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 116 من 142
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.