شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المال والثقافة.. هل يجتمعان (1) ؟
بقلم: محمد علي الهرفي
ما زلت أتذكر أن أستاذنا في مادة التعبير والإنشاء ـ هكذا كان اسمها آنذاك ـ التي كنا ندرسها ونحن في الرابعة الابتدائية أعطانا موضوعاً لنكتب فيه وكان هذا الموضوع حواراً بين المال والعلم يحاول كل طرف فيه أن يثبت أنه الأفضل مع بيان الأدلة على تلك الأفضلية.. وكانت نتيجة هذا الحوار الطويل وبعد أن أظهر كل منهما مزاياه أن كلاً منهما لم يقتنع بأفضلية الآخر عليه وأن النتيجة أظهرت استحالة الجمع بين هذين الخصمين في مكان واحد بالتالي عند شخص واحد.. وكبرت وكان هذا الأمر يستقر في ذهني عاماً بعد آخر خصوصاً عندما بدأت أقرأ ما كتبه كبار أدباء العربية عن هذه المسألة تحديداً ومنهم إمام اللغة الجاحظ الذي كان يرى استحالة اجتماع المال والعلم في شخص واحد وإن حصل فهو من القليل النادر الذي لا يقاس عليه.. ولعلّ الجاحظ أصاب كبد الحقيقة عندما وصل إلى هذه النتيجة، ومعلوم أن الجاحظ كان يتحدث عن عصره وعن العصور التي سبقت هذا العصر ولست أدري ماذا كان سيقول لو أنه أدرك عصرنا ورأى واقعه قياساً على العصر الذهبي الذي كان يتحدث عنه! شخصياً أتفق مع الجاحظ إلى حد كبير في هذه المسألة ومردُّ هذا الاتفاق إلى الواقع الذي أشاهده في بلدي وفي غيرها من بلاد عالمنا العربي بل وفي غير هذا العالم فالقاعدة في عمومها تكاد تكون متطابقة عند جميع الأمم مع فروق تقع هنا أو هناك.. من هذه الفروق التي لاحظتها منذ أسابيع قليلة الأعمال الثقافية التي قام ويقوم بها الأستاذ عبد المقصود خوجه في جدة فهذا الرجل من المعالم الثقافية البارزة في هذه المدينة وطالما سمعت عن صالونه الأدبي الشهير المسمى بـ (( الاثنينية )) وهذا المسمى جاء من كون هذا الصالون يقام كل اثنين من كل أسبوع، وكانت معلوماتي عن هذا الصالون تنحصر في أن صاحبه يستضيف بعض الأدباء والمثقفين على اختلاف مناحي ثقافاتهم فيتحدثون عن إنتاجهم الثقافي وقد يتحدث آخرون عن بعض جوانب هذا الإنتاج أو عن صاحبه يعقب ذلك بعض المداخلات ثم ينتهي الأمر عند هذا الحد. هذا النوع من الصالونات الأدبية موجود في أكثر من منطقة وفي أكثر من مكان في كل مدن المملكة الكبرى. صحيح أن طريقة الأداء والتنظيم في صالون الأستاذ عبد المقصود لها طابع مميز عن غيرها إلا أنها لو وقفت عند هذا الحد لما تميزت كثيراً عما هو موجود عند الآخرين. إذن ما هو الشيء الذي أثار انتباهي في صالون السيد عبد المقصود وفيه هو أيضاً؟ لأول مرة ـ بحسب علمي ـ أرى صاحب مال ـ هكذا أسمع عنه ـ يهتم بطباعة مجموعات مختارة ومتميزة من الكتب الثقافية ويقوم بتوزيعها على مثقفي بلده حرصاً منه على نشر الثقافة بينهم. السيد عبد المقصود طبع كل الندوات التي أقامها في صالونه طباعة أنيقة ولم يكتف بهذا بل إنه طبع كذلك مجموعة مميزة من الكتب الأخرى لأدباء سعوديين كان إنتاجهم سيضيع أو سيكون نادراً على أقل تقدير، لم يقم هذا الرجل بطباعته وتوزيعه على أكبر عدد من المثقفين في بلادنا. هذا العمل أحسب أنه لا يريد منه الدعاية لنفسه فهو في غنى عن هذا ولكني أحسبه مثقفاً واعياً يريد تعميم الثقافة خصوصاً ما يتعلق منها بأدب المملكة وتاريخها.. ومعروف أن بلادنا غنية بأدبها وأدبائها لكن هذا الغنى يكاد يكون مجهولاً عند كثير من الناس لأن معظمه غير منشور وإن نشر فتوزيعه محصور في مناطق معينة. فنشر مثل هذا التراث يعتبر خدمة طيبة لأدباء بلادنا ولبلادنا أيضاً.. ومن الفروق أيضاً وفي السياق نفسه ما يقوم به السيد عدنان الفدا في مدينة الدمام حيث يتبنى صالوناً ثقافياً أسبوعياً يتحدث فيه بعض المثقفين في قضايا متنوعة مما يهم الوطن والمواطن. الطريف في هذا المنتدى ـ ولعلّه المميز فيه ـ أن صاحبه يحرص على دعوة رجال الأعمال فيه محاولاً الدمج بين المال والثقافة وقد لاحظت أنه نجح في هذا الاتجاه إلى حد كبير فهؤلاء المدعوون كانوا يتفاعلون مع الموضوعات المطروحة ويناقشونها كسواهم من المهتمين بالثقافة وحدها وهذا بحد ذاته توجُّه جديد ومحمود لذوي المال والأعمال.. والآن دعوني أعيد طرح المسألة بصورة مغايرة بعض الشيء: هل من المفترض ألا يكون الأغنياء مثقفين؟ وهل من المفترض أيضاً ألا يشارك هؤلاء في نشر الوعي بمختلف أنواعه بين أبناء مجتمعهم؟ وإذا كانوا لا يهتمون كثيراً بالثقافة أفلا يفترض فيهم أن يعرفوا قيمتها ودورها في المجتمع وتطويره وتحقيق أهدافه؟ وإذا كانوا ـ أيضاً ـ لا يجدون الوقت للمشاركة بأنفسهم في تنمية ثقافتهم وفي المشاركة الفعلية في نشر الوعي بين طبقات المجتمع أفلا يدركون أنهم قادرون على المساهمة في هذا السبيل بأموالهم؟ أسئلة كثيرة ومشروعة في الوقت نفسه فمعظم تجارنا ليس لهم حضور في مثل هذه الموضوعات وإذا فتح الله على بعضهم في بعض الأحيان نراه يتبرع لجامعة في الغرب أو ما شابه ذلك ولست أدري هل مثل هذا التبرع خالص لوجه الله أم لشيء آخر لا نعلمه وهذا لا يهم، ولكن يبقى لنا أن نسأل: ماذا قدَّم هؤلاء لبلادهم؟ ماذا قدَّموا للحركة الثقافية وماذا قدَّموا للمثقفين وبماذا دعموا المنتديات الثقافية؟ كثير من المبدعين لا يجدون المال لطباعة إنتاجهم وتوزيعه. معظم الأندية الأدبية تشتكي قلة الدعم لاستكمال مشروعاتها الثقافية المتنوعة. بعض القنوات الفضائية التي تغلب عليها صفة الجدية لا تجد القدرة على تقديم برامج ثقافية هادفة بسبب شح مواردها المالية. أشياء كثيرة يصعب حصرها أو حتى ذكر معظمها وهنا أجدني محقاً إذا تساءلت من هو التاجر الذي دعم مشروعاً ثقافياً في قناة جادة؟ من هو التاجر الذي تبَّرع بإنشاء بعض المرافق الثقافية في الأندية الأدبية أو الجامعات؟ من هو التاجر الذي تبنَّى طباعة إنتاج بعض المبدعين من أبناء هذه البلاد، من هو التاجر الذي دعم جامعة سعودية في بعض شؤونها العلمية؟ من هو التاجر الذي أنشأ جائزة علمية يقوم هو على تمويلها؟
مرة أخرى أسئلة كثيرة حائرة لا تجد لها إجابة فتجارنا لا يكادون يدركون أهمية مثل هذه الأعمال مع أنها وحدها هي التي تخلِّد ذكرهم وإلى يوم القيامة في بعض الأحيان ولعلّ من يعرف قصة عمر بن الخطاب وحواره مع ابنة زهير بن أبي سلمى يدرك هذه الحقيقة التي تؤكد أن المال وحده لا يصنع المجد بل الثقافة وما شابهها هي التي تصنع المجد والخلود للإنسان.. المال وحده لا يصنع الذكر الحسن بل قد يكون وبالاً على صاحبه والشواهد كثيرة على صحة ما أقول ولعلّ التجار وأصحاب المال يعرفون كثيراً من الأسماء التي انتهت تماماً ولم يعد أحد يتذكرها بعد وفاة أصحابها ولو اهتم هؤلاء بأن يبقوا لهم ذكراً حسناً لكان خيراً لهم وأبقى لذكرهم وأعلى لشأنهم. إذا كان أصحاب المال لا يجدون وقتاً لتنمية ثقافتهم فليحرصوا على نشر الثقافة بين الآخرين ولو بجزء يسير من أموالهم وليتأكدوا أن عائد هذا الجزء عليهم سيكون أفضل من أي عائد آخر.. دعونا نتفاءل بأن المستقبل سيكون خيراً من الماضي وإنا لمنتظرون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :946  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 148 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الرابع - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج