شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان..
الفقيه المحقق إلى رحمة اللَّه (1)
بقلم: أ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان
حظيت جامعة أم القرى منذ تأسيسها بأعلام العلم والفكر في العصر الحاضر في جميع التخصصات الشرعية، والعربية، والعلمية التطبيقية من مختلف البلاد العربية والإسلامية، وكانت دلائل الإخلاص بادية على أعمالهم، فازدهرت الدراسات في جنباتها وكان تاريخاً حافلاً بالمنجزات العلمية، ومن ثم برزت على الساحة العلمية، والاجتماعية نتائج جهودهم المباركة، فخرجوا للمجتمع السعودي أعلاماً في تخصصاتهم تعتز بكفاءاتهم عندما نزلوا إلى معترك الحياة، نافسوا زملاءهم من الجامعات الأخرى في الحقول العلمية والعملية كافة.
أسماء عديدة رفيعة بارزة من العلماء، شرفونا في موطن القداسات، أخلصوا لله في تدريسهم، فكانوا القدوة الحسنة، يأتي في مقدمتهم ـ مؤخراً ـ العلاّمة الفقيه، المحقق الأستاذ محمد أبو الأجفان رحمة الله عليه الذي غادرنا إلى رحمة الله صباح الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك عام 1427هـ في بلده تونس بعد أن أمضى زهاء عشرة أعوام في قسم الدراسات العليا الشرعية كان فيها ثر العطاء، أنموذجاً رفيعاً للعلماء الحريصين على إفادة طلابهم بكل وسيلة، هدفه الارتقاء بحس الطالب العلمي والنهوض بفكره بكل وسيلة ممكنة، بذل كل ما لديه من علم، ومعرفة، وخبرات تعليمية طويلة في مجال الفقه، والبحث، والتحقيق، كان مثالي الأخلاق والتعامل مع زملائه من المدرسين، ودوداً إلى الطلاب..
رحم الله الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان العالم الفقيه الذي كساه العلم رداء الهدوء، والوقار، والسكينة، والخلق الرفيع، إذا تكلم فإنما يتكلم عن فائدة، وحكمة، وإذا صمت فإنما يصمت عن فكر وفطنة.
جاهد في الساحة العلمية في أكثر من جهة، محاضراً في الجامعات والمؤسسات العلمية، والنوادي العلمية، والأدبية في الكثير من البلاد العربية، مشرفاً على الرسائل العلمية الجامعية، عرفه طلاب العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه معلماً صدوقاً، وأستاذاً مخلصاً، ومشرفاً علمياً متفتحاً.
نثر من عبق علمه، وخبراته المعرفية محاضراً، ومدرباً، وموجهاً، وأين ما حل، أشاع، ونشر نوادر كتب المذهب المالكي فعرفه المتخصصون في الفقه فقيهاً، محققاً لعيون مصادر الفقه المالكي، كان له الفضل في إخراجها إخراجاً علمياً، وتنقيحها، فتوافرت مصادر المذهب بين يدي علمائه وطلابه بعد أن كانت عزيزة المنال.
يعد الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان المحقق أحد أبرز علماء التحقيق في العالم العربي في وقتنا الحاضر حقق الكثير من كتب التراث، النفيس، حمد الجميع تحقيقاته، وتخريجاته، التي أنبأت عن عالم جاد، مخلص لأمته، وتاريخه، وتراثه.
تشرفت بصحبته في أعمال ورشة (البحث الفقهي طبيعته، خصائصه، مصادره) الذي عقد في المنتدى الإسلامي بالشارقة في دولة الإمارات العربية قبل عامين لأسبوع كامل، كان الحضور كثيفاً من طلاب الدراسات العليا، وكان لاشتراكه رحمه الله تعالى صدى كبير، انعكس على الحضور الكثيف من أساتذة الجامعات، وطلاب الدراسات العليا، حينها تجلّت عبقريته العلمية للجميع، محاضراً ماهراً، لا يتجاوز النقطة إلى أخرى حتى يتأكّد فهم الحاضرين لها، يفعل ذلك بإصرار المخلص، وذكاء العالم، في إدارة ناجحة.
علاقته بالوسط العلمي والثقافي في مكة المكرمة وجدة علاقة قوية جداً، يغشى المجالس، والنوادي هو والعلاّمة الأديب الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي، إنهما عالمان متحابان، وصاحبان متلازمان في غدوهما ورواحهما إلى مجالس العلم والأدب، سعد الوسط العلمي المكي بوجودهما وحضورهما الدائم المفيد المنتج، وقد أشاعا الحب والتقارب بامتزاجهما بالوسط العلمي في مكة المكرمة، وأعادا إلى الذاكرة المجالس العلمية والأدبية التي كانت تعقد في منازل العلماء والأدباء المكيين في سالف الزمن.
كثيراً ما أسعدني الحظ بلقائه في حلقة علمية يعقدها الأديب العالم الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي في منزله؛ حيث يجمع في منزله العامر نخبة من العلماء والأدباء، وجمعاً من طلاب الدراسات العليا، يعقدون ندوة علمية، أو أدبية يتداولون موضوعاً علمياً أو أدبياً، وكان فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان رحمه الله أحد الذين يتطلع الحضور لحديثهم والإصغاء إليهم، وكانت لفضيلتيهما زيارات خاصة تشرفت بها في منزلي بمكة المكرمة كان المكان المفضل هو المكتبة، وكنا لا نتفرق إلاّ عن مذاكرة، وإهداءات، وإعارات لبعض الكتب.
جمعتني وفضيلة الأستاذ الدكتور أبو الأجفان بعض المجالس العلمية الاستشارية العليا، أخص منها المذهب المالكي بالدليل، وهو مشروع علمي مهم اضطلعت به دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث برئاسة فضيلة مدير الدار الأستاذ الدكتور أحمد نور سيف في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكان فضيلة الأستاذ أبو الأجفان رافداً قوياً للمشروع بما اختزنه من علم، وخبرة، ومعرفة.
اثنينية الأديب الأستاذ عبد المقصود خوجه كان لها دور الريادة في تكريم العلماء والأدباء، والمفكرين بشكل مشرف غير مسبوق، وقد أخذت المبادرة في تكريم العالم المحقق الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان رحمه الله تعالى في الثامن من شهر شعبان عام 1423هـ، وهذا يحسب مفخرة يعتز بها راعيها ومبدعها، وهي كبيرة في الموازين العلمية والاجتماعية: تكريم أعيان المجتمع العلمي والاجتماعي في البلاد العربية والإسلامية، وهي تشكل علامة بارزة في تاريخنا العلمي والأدبي المعاصر، ليس هذا فحسب بل إن التدوين التاريخي للسيرة الذاتية، وشهادات زملاء الفكر للمحتفى به بصورة موضوعية أمينة مصدر تاريخي أمين تطلع عليه الأجيال، وتتجلى أهمية هذا الرصد التاريخي عندما ندرك الحقيقة المؤلمة أن سجلات معاهد العلم في بلادنا (الأرشيف) ـ للأسف ـ لا تعير هذا النوع من التدوين أي اهتمام.
لو استنطقنا أرشيف الجامعات العربية التي عمل فيها الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان، وقضى فيها عصارة عمره ـ من خلال التجربة الشخصية ـ لما عثرنا على معلومة مفيدة تحكي جهاده وجهوده العلمية، في حين أن السجل التاريخي للاثنينية يمدنا بمعلومات واسعة مفيدة، ففي الجزء العشرين من أسفار (الاثنينية) تطالعنا ترجمة مسهبة مفيدة تبدأ بالسيرة الذاتية في ثلاث صفحات، ثم كلمة راعي الاثنينية سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه، ثم كلمات زملاء العمل من كبار الأساتذة، ولعلّ القارئ الكريم يتطلع إلى نبذة مختصرة من حياة فقيد الأمة العلاّمة محمد أبو الأجفان مما هو موجود في ديوان الاثنينية:
((الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان ولد في القيروان بتونس عام 1936م، متزوج، وأب لخمسة أبناء.
حصل على الدكتوراه الحلقة الثالثة في الفقه والسياسة الشرعية سنة 1981م.
حصل على الدكتوراه الثانية في الفقه المقارن من المعهد العالي للقضاء من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مع مرتبة الشرف الأولى عام 1987م.
حصل على مجموعة من الجوائز والأوسمة: جائزة تحقيق التراث من وزارة الشؤون الثقافية في أربع مناسبات.
حصل على وسام الاستحقاق الثقافي الصنف الثالث سنة 1990م من وزارة الشؤون الثقافية في تونس.
شارك في أكثر من ستة عشر نشاطاً اجتماعياً منظماً ما بين رئاسة لجان، وعضوية جمعيات ثقافية، وأدبية، ومجالس استشارية.
أما لائحة النتاج العلمي، فتضم أكثر من مائة وعشرين مؤلفاً في مجالات تحقيق التراث منفرداً، أو بالاشتراك مع علماء آخرين)) (2) .
فقدته مكة عالماً معطاء، وفقدته بلاده تونس ابناً باراً، والأمة عالماً فقيهاً، باحثاً، ومحققاً واعياً، في الختام أسأل الله جل وعلا أن يجزيه عن العلم وأهله خير الجزاء، ولا أخالني وفيته حقه في رحلة عمرية قضاها في خدمة العلم، فقد حمدت له هذه البلاد عطاءه كما حمد له القيروان مسراه، وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، والعزاء لكل ذي صلة بهذا العالم الجليل، ولأهله وذويه، و إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (البقرة: 156).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :517  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 84 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج