شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مقال
مجالس النخب الثقافية، وكيف تسهم في إثراء ثقافتنا (1) ..؟
بقلم: إبراهيم بن عبد الله السماري
.. يقول الإمام ابن الجوزي ـ وهو صادق ـ لا يخلو كتاب من فائدة، ويمكن أن يأخذ حكم الكتاب تلكم المجالس الثقافية التي يحضرها نخب متميزة فكراً وتجربة، فهذه المجالس بما ينثر فيها من أفكار وبمن يحضرها من ذوي الفهوم والتجارب هي ـ في الحقيقة ـ عدة كتب وليست كتاباً واحداً فالفائدة فيها مضاعفة.
اثنينية الشيخ عثمان الصالح وثلاثية الأستاذ محمد المشوح وخميسية حمد الجاسر وغيرها أمثلة لعدد من المجالس الثقافية المتميزة التي تزخر بها مدينة الرياض ومدن المملكة العربية السعودية الأخرى مثل اثنينية الخوجه في جدة ذلك المجلس الثقافي المتميز، إن هذه المجالس وغيرها من الأمسيات والصباحيات قد استطاعت أن تطرِّز وجه مدينة الرياض بألوان الجمال الثقافي من خلال عدة ملامح مضيئة يمكن إيجازها فيما يأتي:
ـ أولاً: يتضح من استعراض الأسماء المشاركة في طرح موضوعات هذه الأمسيات وفي إدارة وقائع جلساتها أن هذه المجالس الثقافية استقطبت نخباً فكرية متميزة لم تستطع الساحات الثقافية الرسمية أن تستوعب إنتاجها الفكري، مما يعني أن هذا الإنتاج كان سيظل محبوساً في صدور أولئك وتحرم منه الحركة الثقافية الوطنية لو لم تفتح له مساحات الإبداء في المجالس الثقافية الخاصة بأمسياتها المتنوعة.
ـ ثانياً: الحضور المتميز في أمسيات المجالس الثقافية الخاصة وصباحياتها كذلك مما ليس له مثيل في كثير من الأنشطة الثقافية الرسمية يدعو إلى التأمل حقاً في جواذبه ودواعيه وتداعياته. أما من حيث الجواذب فإن أكبر عامل جذب إلى المجالس الثقافية الخاصة هو أنها تتميز بحرية أوسع في الطرح مع البعد عن فرض القيود المسبقة التي تنتهجها غالبية المؤسسات الثقافية الرسمية عن طريق إبعاد ما لا يوافق توجهات الجهة الرسمية راعية الفعل الثقافي من أسئلة ومداخلات، يضاف إلى ذلك حرص غالبية المجالس الثقافية الخاصة على إشباع البطون بعد إشباع العقول وهو ما لا تفعله الأمسيات الرسمية دوماً، وأما من حيث الدواعي فإن تنوّع موضوعات مناشط الأمسيات الثقافية الخاصة وعدم التقيد بمجال معين في الطرح مما يتيح لها استقطاب أكبر عدد ممكن من المهتمين ومن المتابعين، عكس الأنشطة الرسمية التي لا يمكن أن تخرج موضوعاتها عن نص اختصاصات الجهة المستضيفة لهذه الأنشطة.
ـ وأما من حيث التداعيات فإن المجالس الثقافية الخاصة تتيح فرصاً أكثر للمداولات والمساجلات الفكرية داخل بساط الأمسية وخارج هذا البساط حيث تمتد تداعياتها الفكرية إلى وقت ليس بالقصير بعد انتهاء فعالياتها الرئيسية، في حين أن الأنشطة الرسمية مثقلة بقيود التنظيم الرسمية التي لا تسمح بمثل هذه التداعيات.
ـ ثالثاً: حفاوة الاستقبال في المجالس الثقافية الخاصة تختلف اختلافاً جذرياً عن كيفية الاستقبال في الأمسيات والأنشطة الرسمية، ففي المجالس الثقافية الخاصة مرجع الندوة هو صاحبها فهو يعطي ضيوفها حقهم من الاحتفاء فيعامل كل حاضر معاملة الضيف المحتفى به في حين أن الدعوة في الأمسيات الرسمية هي من دعوة الجَفَلَى أي الدعوة العامة التي لا تميز حاضراً عن حاضر لأن القائمين على الأمسيات الرسمية موظفون يؤدون عملاً رسمياً روتينياً يقتصر على الدلالة إلى أماكن الجلوس وأحياناً يقتصر عملهم على منع الجلوس في الأماكن المخصصة لكبار المدعوين بصفتهم الرسمية وليس لصفتهم الثقافية فيشعر المثقف أنه خارج بيته الفكري وخارج مجاله أيضاً.
ـ رابعاً: توجّهت المجالس الثقافية الخاصة توجهاً محموداً هو تكريم الرموز الثقافية بتوفير المناخ الملائم لعرض إنتاجهم الثقافي وحشد الحضور القادر على الاحتفاء بذلك الرمز عن طريق إلقاء الضوء على إسهاماته الفكرية وغيرها بما يبرز أهمية ذلك الرمز ويشعره بتقدير المجتمع لجهوده وإبداعاته، في حين أن غالبية الجهات الثقافية الرسمية لم تأخذ بهذا التوجه المحمود منذ أن توقفت جائزة الدولة التقديرية للأدب ما عدا مهرجان الجنادرية، وربما اجتهدتُ فأرجعت ذلك إلى عدم قدرة غالب الجهات الرسمية على وضع آلية سليمة لعملية انتقاء الرمز الثقافي وبالتالي خوفها من تداعيات هذا الاختيار في ظل فقدان تلك الآلية.
ـ خامساً: التفاعل الحي بين القائمين على الأمسيات والمجالس الثقافية الخاصة فالأستاذ أنور عشقي تجده غالباً في اثنينية عثمان الصالح وعثمان الصالح تجده في ثلاثية الأستاذ محمد المشوح وهكذا، بل وصل التفاعل إلى المشاركة بين مجلسين في مدينتين مختلفتين كما حدث عند الاحتفاء بعبد المقصود خوجه في اثنينية عثمان الصالح، والعكس كذلك. وهذا التنسيق وذلك التفاعل يكاد يكون مفقوداً في أمسيات الجهات الثقافية الرسمية لأسباب أشرت إلى بعضها آنفاً. وبرغم ذلك لا يمكن تجاهل مطلب ملحّ وهو التنسيق بين المجالس الثقافية الخاصة والمناشط الثقافية الرسمية وشبه الرسمية، فمما لا ينكر أن المثقفين يعانون أشد المعاناة من تداخل مواعيد الأنشطة الثقافية مما يحرم المثقف من الاستفادة الحقيقية من جميع المناسبات الثقافية ولا سيما إذا كانت الأمسيات المتعارضة مستضيفة لشخصيات علمية أو ثقافية من الخارج يحرص المثقف على الاستفادة منها جميعاً لأنه يندر أن تتاح له الاستفادة منها في مكان وزمان آخر. وأملي وأمل كل متابع للحركة الثقافية أن يتم التنسيق بين الجهات الثقافية الرسمية وبينها وبين المجالس الثقافية الخاصة حتى لا يحرم المثقفون من متابعة النشاط الفكري هنا وهناك، وأن نرى من ثمار هذا التنسيق إسهام كل جهة رسمية وخاصة في أنشطة الجهات الثقافية الأخرى والتفاعل مع معطياتها، ولا سيما في ظل توحيد المسؤولية الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام.
ـ سادساً: يختلف الجو العام للمجلس الثقافي، فبعض المجالس الثقافية الخاصة يأخذ موضوعاً محدداً لكل أمسية لضبط المناخ الثقافي ولتحديد الفائدة مع فتح مساحات كافية لمداخلات المشاركين من حضور الأمسية، في حين يأخذ بعض المجالس بمبدأ الموضوع المفتوح على نسق اليوم المفتوح متيحاً الانطلاق غير المحدود للمشاركين بحيث يعبِّر الموضوع عن ذاته وقد يتداخل في المجلس الواحد عدد من الموضوعات بحسب اهتمامات المشاركين وبحسب الأحداث الطافية على الساحة الثقافية، في حين تتقيد المناسبات الثقافية الرسمية بموضوع محدد يناسب اختصاص هذه الجهة ويغلب فيه الإلقاء على التفاعل.
ـ سابعاً: تحرص بعض المجالس الثقافية الخاصة وفي مقدمتها اثنينية الخوجه على طباعة محاضرات وندوات موسمها الثقافي والسير الذاتية لفرسانها في إصدارات خاصة لتعميم فائدتها عن طريق نشرها في الداخل والخارج، وهذا توجُّه محمود وإثراء للحركة الثقافية الوطنية وهو جانب مهم من أهم جوانب واجبات المجلس الثقافي سواء أكان خاصاً أم عاماً، والمؤمل تطبيق هذا التوجه في كل المجالس الثقافية لما له من مردود حميد على ثقافة المجتمع.
ـ ثامناً: حبذا لو أتيحت الفرصة في المجالس الثقافية الخاصة للتعريف بالإنتاج العلمي والثقافي للشبان عن طريق استضافتهم بمعدل مرة واحدة أو مرتين مثلاً في الدورة الواحدة للمجلس الثقافي بحيث لا يطغى هذا الإنتاج على الإنتاج العميق للرموز الثقافية المؤهلة أو المجربة.
ـ تاسعاً: من المؤمل أن تتكرّم إحدى وجيهات المجتمع الموسرات بإنشاء مجلس ثقافي أسبوعي أو شهري على غرار الاثنينية والثلاثية مخصص للمرأة المثقفة لأن الضرورة الثقافية داعية إليه وعوامل النجاح متوافرة له، ومع أنه لا يمكن تجاهل الجهود والأنشطة الثقافية للقسم النسائي بمكتبة الملك عبد العزيز العامة والجهود والأنشطة الثقافية للقسم النسائي بدارة الملك عبد العزيز، إلا أن المطلوب هو تفاعل أكبر ونشاط أوضح لإبراز المتميزات في مجتمعاتنا السعودي، ولتكريم المستحقات للتكريم من رموزه، ولأن المجلس الثقافي غير الرسمي يتميز بحرية أوسع في الطرح مع البعد عن قيود الروتين التي تفرضها المؤسسات الثقافية الرسمية بالإضافة إلى محدودية الموضوعات في الجهات الرسمية بالنظر إلى تخصص كل جهة في جانب من الجوانب الثقافية.
ـ عاشراً: يبقى رجاء من الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية أن تحرص على التنبيه إلى موضوعات الأمسيات الثقافية وضيوفها وأماكن انعقادها بشكل مستمر وبارز، لتقدِّم خدمة للمثقفين، ولا سيما بعد أن اقترنت الثقافة بالإعلام في وزارة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :389  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 62 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.