شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الصالونات الأدبية إثراء لا احتكار (1)
بقلم: عبد الله فراج الشريف
الصالونات الأدبية قديماً كانت ذات أثر كبير في الساحة الثقافية.. يجتمع في رحابها الأدباء والمفكرون والعلماء، يتواصلون ويستفيد كل منهم مما لدى الآخر من معرفة. ويناقشون أهم القضايا المثارة على الساحة، يوم إن لم تكن للمثقفين رابطة تجمعهم في نقابة أو اتحاد يرعى شؤونهم، ولو عدنا إلى تاريخ بدء النهضة العربية لوجدنا هذا الأثر واضحاً في مجالس تعقد أسبوعياً في منازل رموز الأدب والعلم والفكر، في مصر وفي بلادنا وفي سائر الأقطار العربية، وقد تركت لنا موروثاً أدبياً وفكرياً رائعاً، وثقته دراسات متعددة، ومجالس الخلفاء التي كانت تضم العلماء والحكماء والشعراء تركت لنا موروثاً ثقافياً متعدد الجوانب، لا نزال نغترف منه ونستعيد ذكراه، وحتى في عهد الدويلات حينما انفرط عقد الخلافة كان لبلاطات الأمراء والسلاطين أثر كبير في الثقافة، وأبرزت علماء ومفكرين وأدباء، لهم في ثقافتنا أثر بارز وأبو الطيب المتنبي الشاعر الأبرز بين شعراء العربية مثل ظاهر على ذلك، وكتاب ((الإمتاع والمؤانسة)) شاهد على ذلك، فقد ألفه أبو حيان التوحيدي استجابة لرغبة صديق له، هو أبو الوفاء محمد بن محمد اليوزجاني المهندس، وهو أحد العلماء المشاهير في علم الهندسة، ليروي له في مجالس علم وأدب كانت تجري في مجلس الوزير أبي عبد الله الحسين بن أحمد ابن سعدان، وزير صمصام الدولة البويهي، في العصر المتأخر لدولة بني العباس، حينما أصبحت سلطة الخلفاء اسمية، والسلاطين في مختلف أرجاء الدولة يتصرفون باسمهم دون العودة إليهم، والكتاب أسماء مصنفة (الإمتاع والمؤانسة) لأنه ممتع مؤنس كاسمه، فهو يشتمل على علم وأدب رفيع، كان يحاضر مصنفه بكل ما جاء في مجلس الوزير، الذي كان واسع الاطلاع، له مشاركة جيدة في كثير من فروع العلم من أدب وفلسفة وطبيعة؟ وأخلاق، وكان له في وزارته منتدى يجتمع فيه العلماء والأدباء، فلم يكن في الكتاب ما يخلق الونس والضحك للخليفة كما توهم بعض كتابنا، فمباحث في الدين واللغة والنفس والطبيعة لا تضحك وإن كانت تؤنس النفس وتمتع العقل، وهذه العادة المستطابة لدى خلفاء وسلاطين وزراء المسلمين قديماً ذات أثر كبير في الحركة الثقافية في تاريخنا الإسلامي، حيث احتضن هؤلاء العلماء والمفكرين، ووفر لهم المكتبات وبنوا لهم المدارس، وكان المثقفون ندماءهم في مجالسهم، فتوافرت لهم العناية والرعاية فأبدعوا وألفوا ما أصبح في ما بعد أس الحضارة الحديثة، الذي بني عليه صرحها. في الطب والهندسة والفلك وسائر العلوم، ولو فعل أهل السلطة في عصرنا هذا، في سائر أقطارنا الإسلامية ما فعله أسلافهم، لكان للفكر والعلم والأدب شأن غير ما هو عليه شأنها اليوم.
وأما الصالونات الأدبية في بلادنا في حاضرنا اليوم فلها أثر وتأثير لا ينكر في محيطنا الثقافي، ومنشؤوها كلهم مثقفون بارزون، وليسوا أغنياء متخمون مالياً أو متقاعدون يشعرون بالملل كما ادعى البعض، فأديبنا الشيخ عبد العزيز الرفاعي ـ يرحمه الله ـ أديب ومفكر له المكانة الرفيعة في بلادنا، وله صالون أدبي معروف أرتاده الصفوة من مثقفي الوطن، وقد استمر حتى بعد وفاته بجهود محبيه وتلاميذه، وله في نشر الكتاب جهود مشكورة، وعالمنا الفذ علاَّمة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر ـ أمد الله في عمره ـ له صالون أدبي في ضحوة كل يوم خميس يؤمه أبرز المثقفين في بلادنا، ولأستاذنا الشيخ جهود كبيرة في التأليف ونشر الكتاب وإصدار الصحف، والدكتور المبارك عالم جليل القدر وأستاذ جامعي شهير له المؤلفات الرائعة وله صالون أدبي كل يوم أحد يؤمه المثقفون يطرحون أفكاراً ويناقشون أخرى، والشيخ عثمان صالح مربي فاضل عالم وأديب ذو أثر وتأثير في جيل بأكمله وله صالون أدبي كل يوم اثنين هو روضة من رياض العلم والأدب، والأستاذ عبد المقصود خوجه إعلامي بارز وأديب كاتب له أسلوبه المميز، وله صالون أدبي شهير تجاوزت شهرته حدود البلاد إلى كل الأقطار العربية والإسلامية، يؤمه في عروس البحر الأحمر ((جدة)) صفوة المثقفين من رجالات الفكر والعلم والأدب، والأستاذ محمد سعيد طيب أديب وكاتب وإعلامي معروف، له في عالم نشر الكتاب جهود كبيرة حين كان يدير شركة تهامة، وله صالون أدبي متميز، تطرح فيه من القضايا أهمها وأجدرها بالمناقشة، وفي بعض لقاءاته يجمع بين المسؤول والمثقفين للتواصل ومناقشة هموم الشأن العام، وكل هذه الصالونات لها عظيم الأثر في الحركة الثقافية في بلادنا، تجمع شمل المثقفين وتعرفهم بعضهم ببعض، وتطرح فيها أهم قضايا الساحة الثقافية، ويتم فيها تبادل الرأي، ويحاضر فيها أعلام الساحة من مفكرين وعلماء وأدباء، وتكرّم البارزين منهم، وكثير منها يوثق ما يدور فيها بمختلف ألوان التوثيق، بالصوت والصورة والكتابة، ولبعضها نشاط في النشر كاثنينية الأستاذ عبد المقصود خوجه، التي تصدر سلسلة كتاب الاثنينية فتطبع كتباً علمية وأدبية، فليست كما يتوهم البعض (تبويس للحى وطق الحنك) ولعلّ من توهم هذا لم يرتدها، ولم يطلع على حقيقة ما يجري فيها، وأصحاب هذه الصالونات لا تنقصهم المكانة الاجتماعية فهم مشاهير بدونها معروف فضلهم ومكانتهم وحضورهم في الساحة الثقافية ملاحظ قبلها، وهم لا يحتكرون المجال الاجتماعي بفعلهم هذا، وإنما يثرونه بالطرح الفكري والأدبي المتميز، وليس هذا الفعل الثقافي الناشط، والذي يقصد به خدمة الوطن ومثقفيه ما يقربه فروقاً ومراتب أو تصنيفاً اجتماعياً، فأصحاب هذه الصالونات مع سائر المثقفين يمثلون صفوة هذا المجتمع، الذي ينفر من أن يكون بين الناس فروق بسبب جاه أو مال، ويسعى إلى عدل ومساواة للجميع، فكيف يظن بمن غايته تنشيط الحركة الثقافية في بلاده أنه يسعى لشيء من ذلك، عفا الله عنا عندما يحكم بعض منا على النوايا ويصدر أحكاماً لا تقوم على أساس، وشكراً جزيلاً نزجيه لكل من ينشط لعمل ثقافي مميز في بلادنا، فما أحوجنا إلى جهده وفعله، ونقول لأصحاب الصالونات الأدبية أنا نقدر جهودكم الخيِّرة، وندعو لكم بظهر الغيب أن يزيدكم من فضله إنه سميع مجيب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :377  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الغربال، قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه: 1999]

البهاء زهير

[شاعر حجازي: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج