شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((ناصر الصَّالح ومسيرة رائدة بين المسجد النبوي وجامعة أُمِّ القُرَى)) (1)
بقلم: د. عاصم حمدان
ـ كرَّم رجل الأدب والفضل الأستاذ عبد المقصود خوجه ـ في اثنينيته ـ العامرة رجلاً من رجالات هذا البلد وهو معالي الدكتور ناصر بن عبد الله بن عثمان الصالح ـ مدير جامعة أم القرى ـ ولئن حالت ظروف خاصة دون حضوري لحفل التكريم ـ والذي يفترض أن يكون مشهوداً ـ فإن الواجب يقتضي أن أقول كلمات هي عندي من الود الخالص لأبي ((ياسر)) ولصداقة ((عُمْر)) امتدت بيني وبينهم لأكثر من عقود ثلاثة في رحاب ((طيبة الطيبة)) حيث الجوارُ الكريم والرحمات المتنزلة، ومعاهد العلم والتنزيل.
ـ عرفت الحبيب أبا ((ياسر)) يتنقل بين دار والد الجميع المرحوم الشيخ عبد العزيز بن صالح وبين دارهم المطلة على باب ((جبريل)) وكان والده ـ أمدَّ الله في عمره ـ يخرج للصلاة فإذا ما رآنا نمسك بالكتب لنقرأ، ابتسم في وجوهنا ثم انصرف. وأجزم أنني لم أر الوالد الشيخ عبد الله بن عثمان إلا وهو مبتسم في وجه من يعرف ومن لا يعرف وتلك سيماء أهل القرب والجوار والوداد، ولقد ورث أخونا ناصر وأخوه ((محمد)) عن والدهم هذه المنقبة، كما ورثوا عن آبائهم تسامحاً ورقة ولطفاً.
ـ لقد نشأ ((ناصر)) متواضعاً لا يتنكر لصديق، ولا يشيح بوجهه عن ضعيف، ولا يمنع جاهه عن قريب أو بعيد.
ـ وكنا في ((مكة)) نلتف حول رجل الفضل الوجيه الشيخ عبد الله بصنوي أسماء كثيرة منهم من رحل كأنيس خيف الرواجح ـ الكريم النفس والخلق ـ الشريف كامل بن سعيد الراجحي، ومنهم من بقي أطال الله في أعمارهم كالحبيب السيد عباس بن علوي المالكي، والدكتور فؤاد عبد الحي والمهندس أحمد عرفة حلواني، ونور الدين زيني، والدكتور سعيد عطية أبو عالي، والدكتور صالح العمرو، والسيد أحمد حبشي، والمهندس جمال حريري، والأخوة الكرام عزيز حداد، وإبراهيم بخاري وعبد الحليم تركستاني وسعد الشريف. وكان الأديب الطلعة الدكتور طاهر بن سالم تونسي يزورنا بين الفينة والأخرى كما انضم إلينا لاحقاً الأب الشهم المرحوم عربي مغربي ـ والد صديقنا الأستاذ المهذب عبد الرحمن مغربي، وللتاريخ فإن المسجد الحرام كان المنتدى الفكري والأدبي لهذه الثلة من الإخوان يجمعهم حب ولا تفرِّقهم منازع ومشارب مختلفة، وكان للأخ الأكبر للأستاذ والمربي محمد نور مقصود ـ وأقصد به الشيخ نور ـ شافاه الله ـ والد حبيبنا وابننا الأستاذ محمد أمين مقصود كان له حانوت يقابل باب الملك عبد العزيز، فإذا ما انقضت صلاة العشاء، تجمَّع هؤلاء وسواهم في المنتدى النوري ـ وكان الشيخ ((البصنوي)) ينثر على أبنائه وإخوانه من محفوظاته في كل شيء، فهو يحفظ من الشعر الجاهلي أرقه ويروي عن الشيخ علي المفتي المالكي وسواه فقهاً وحديثاً، ومن أدوار ((الصهبة)) إلى دانات ((اليماني)) ثم إلى ابتهالات الرجل الصالح العم سرور باسلوم.
وكان معالي الدكتور ناصر ـ يؤم مركاز الأستاذ محمد نور، ويأنس لحديث الكبار من أمثال الشيخ البصنوي سواء ضمتنا الدور في الشامية أو المعابدة حيث يسكن آل الحريري أو في عرفة حيث يخلو الليل بـ ((سمّاره))، وكان من تواضع الدكتور ((ناصر)) أن يمسك بأقداح الشاي ويدور بها على الحاضرين من كبار السن ولا تغيب الابتسامة عن وجه أبي ((ياسر))، وهي ابتسامة عرفتها وعرفها عنه زملاؤه في المدينة من أمثال الأساتذة الكرام عبد الله خطيري، وناجي حسن ومحمود خيمي ومحمد سعيد حلاّبة، ومحمد حسوبة وسواهم، وكان لهؤلاء صديق حميم هو الأخ الأكبر عبد الملك ((مقلية)) وكان بستانه في حي سيد الشهداء والذي يؤمه بين الحين والآخر الراوية والحافظ لكتاب الله الأستاذ عبد الستار بخاري، من أصحاب الأصوات الندية، إبراهيم صباغ، وحسين هاشم، وأحمد غلام وسواهم وكان العم سليمان الحيدري يجلس في دكان الأخ عبد الملك المواجه لباب الرحمة فإذا مررت طلب مني الجلوس وسألني عن شعر الشيخ محمد العُمري ـ وخصوصاً ـ قصيدته التي حذّر فيها الشريف الحسين من خطر الإستكانة لوعود الإنجليز الكاذبة حيث يقول شاعرنا العمري ((المتوفى سنة 1365هـ ـ 1945م.
فقل لي متى وفت بعهد لحاكم
فهل هو إلا العهد من بعده الغصب
ويحذّره من مغبة الخروج على الأمة فيقول ـ رحمه الله:
حدُّ الخلافة من يجتازه ظلماً
ومن أباح حماها بئس ما اقتحما
ومن يُثِر فتنةً عمياء ساكنةً
فهو الذي هتك الإسلام والحرما
كان أخونا الدكتور ناصر حفياً بالمعرفة يبحث عنها في كل محفل، ولقد ربّى الشيخان الجليلان عبد العزيز بن صالح ـ رحمه الله ـ والشيخ عبد الله بن عثمان الصالح أبناءهما فأحسنا تربيتهم فلقد رأيت طالباً مجاوراً بمكة يدخل على الدكتور ناصر وكان ذلك في التسعينيات الهجرية حيث شغل منصب عميد القبول والتسجيل بالجامعة، فإذا هو يجلسه ثم يأخذ الأوراق التي يحملها ويدور بنفسه على مكاتب العمادة التي كان يرأسها ثم يأتي بها إليه، ويلتفت إليّ قائلاً: ((خشيت أن يؤخّروه لسبب أو آخر ثم إنه كبير في السن)).
ووجدته ـ يوماً ـ يطرق باب الوالد الشيخ البصنوي حيث كنت أقيم في الشامية، ويطلب مني أن أحدث الشيخ في موضوع صُلح لأناس له شخصياً بهم صلة في حي الشعب، فذهبنا ـ جميعاً ـ لمركاز الشيخ أسفل الشامية وبالقرب من ((البازان)) فما رفع الدكتور ناصر رأسه حياء من الشيخ وأدباً في مجلسه الذي كان يقضي فيه حاجات الناس رجالاً ونساء صغاراً وكباراً وكنت صاحب حظوة لا تدانى عند أبي محمد، فحدّثته في الأمر لأن الطرف الآخر في القضية يسكن في جبل ((عبادي)) بالشامية، وكان من طبيعة الشيخ ((البصنوي)) الصمت، وهمس في أذني بأن أطلب من الدكتور الذهاب إلى عمله، وأنه سوف يبذل جهده لإنهاء الأمر، ولم يأت اليوم ((التالي)) إلا وقد تم الأمر كما يتطلع أخونا الدكتور ناصر، وكانت الناس في جميع أحياء مكة المكرمة تقبل وساطة الشيخ ((البصنوي)) ولا ترد له طلباً، وكان ـ رحمه الله ـ يبذل من ماله الشيء الكثير للصلح بين الناس.
من وفاء معالي الدكتور لـ ((عمه)) الشيخ عبد العزيز بن صالح بأنه سعى أخيراً لتدوين سيرته، والحديث عن حياته العلمية والعملية، واليوم يكرمه صديقنا ـ راعي الأدب والفكر ـ الشيخ عبد المقصود خوجه، وإنما تكرم يا أبا فهد علماً وحلماً وترعى كما عهدتك دوماً وداً وصلة وقربى، فهنيئاً لنا برجال يعرفون أقدار الرجال.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :458  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 165 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.