بعد غياب طال لزمن افتقدناها فيه. عادت أمسيات ((الاثنينية)) من جديد. في ليلة استثنائية، كما قال الصديق الدكتور عبد الله مناع، فضيفها كان ضيفاً له إبداعه الخاص. لم يكن مفكراً ولا عالماً ولا أديباً أو صحفياً له شهرته وحضوره الطاغي! بل شاعر تغنَّى بكلماته كبار الفنانين وهو ليس كبقية الشعراء.. فهو رائد الشعر الغنائي الحجازي وأحد فرسان الأغنية الراقية في المملكة والحجاز بالذات.. لم يفاجئنا الأستاذ عبد المقصود خوجه صاحب الاثنينية وراعي مسيرتها بتكريمه الشاعر الغنائي المتألق إبراهيم خفاجي بل أشعرنا بالزهو والفخر بأن كل نابغة ملهم.. وكل مبدع متميز يستحق منا التكريم.. ويستحق أن نشعره بوفائنا وأنه كبير بيننا بفنِّه وإبداعه. وسيبقى إبداعه خالداً في تاريخنا.
كانت الأمسية تلك الليلة مزحومة بالرموز التي جاءت لتحتفي بالخفاجي والكلمة الحجازية والنغم الحجازي. فعلى أصداء أغانٍ أهاجت الذكريات وألهبت المشاعر كـ ((يا ناعس الجفن))((أشقر وشعرو ذهب)). ((لنا الله)). ((أوقد النار))((ماس ورد الخد)). ((مثل صبيا في الغواني))، ((يا صلاتي على النبي)) و ((لا تناظرني بعين)).
استعاد الحضور وهج الأغنية الحجازية وقد كان يتفرد في ساحتها فنانون أبدعوا بفنِّهم وأطربونا بأصواتهم الشجية مثل طارق عبد الحكيم. عبد الله محمد، طلال مداح ومحمد عبده. وكانت وما زالت كلمات شاعرنا الحجازي الأصيل إبراهيم خفاجي بألحان أولئك الفنانين تسجل مجد الأغنية في بلادنا وهي أغانٍ تراثية بحق نعتز بها ونتغنى على صدى ذكريات الماضي القديم بأمجادها.
.. لو أن إبراهيم خفاجي اكتفى من إبداعه بتلك الكلمات التي وضعها نشيدنا الوطني والذي نتغنى به فخراً جيلاً بعد جيل لكفاه مجداً ونصراً. وتوّج إبداعه بسلسلة من الأغاني الوطنية التي ترسِّخ فينا الحب والانتماء للوطن ووحدته، وكان أوبريته الغنائي قبل سنوات.. كنت أعد برنامجاً ثقافياً للقناة الأولى لـ ART وهو برنامج يبحث عن علاقة المبدعين بالمرأة وأثرها في حياتهم كان أحد ضيوف البرنامج فقد حرصت على استضافته.. إذ إن من له رقة كلمات الخفاجي والشجن العاطفي في معظم أغانيه لا بد أن يكون للمرأة دور في تحريك مشاعره وإثارة عواطفه، لكن الخفاجي كعادته كان كتوماً يطوي عواطفه الجيّاشة بين شغاف قلبه، وهو الذي يهزه اللحظ الجارح والقوام اللولبي والعيون الدعجاء.