شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور محمد مريسي الحارثي ))
ثم أعطيت الكلمة للدكتور محمد مريسي الحارثي - عميد كلية اللغة العربية في جامعة أم القرى في مكة المكرمة - فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم..
- وأصلّي وأسلِّم على خير خلقه سيدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
- أيها السادة: أحييكم بتحية الإِسلام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد:
- يطيب لي في هذه الأمسية العطرة - التي يكرم فيها أهل العلم في شخص سعادة الأستاذ الدكتور يوسف عز الدين - يطيب لي أن أجزل الشكر والتقدير لصاحب هذا الصالون العلمي الرائد، سعادة الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه؛ الَّذي استطاع أن يمد جسوراً من الإخاء والوئام بين مثقفي هذا الوطن الغالي من جهة، وبينهم وبين مثقفي العالم العربي الإسلامي من جهة أخرى؛ نسأل الله (سبحانه وتعالى) أن يبارك في اجتماعات هذا الصالون، وأن يجعل مدارسة العلم في باحتها نافعة مفيدة - إن شاء الله -.
- أيها السادة الفضلاء.. إنني في هذه الكلمة التي أشرف بإلقائها بين يديكم، هي شهادة أسجلها وأقدمها تزكية لشخص المكرم الأستاذ الدكتور يوسف عز الدين.. ولا نزكي على الله أحداً؛ لأن مقام المناسبة التكريمية تتطلب مثل هذا النوع من الشهادة؛ وهل أنا الوحيد في هذا المساء وفي هذا الحفل الَّذي يسجل شهادة التقدير لرائد من رواد حركتنا الأدبية في العالم العربي؟ إنكم أيها السادة تسهمون بشكل مباشر - أو غير مباشر - في تسجيل شهاداتكم لهذا العراقي الملتف في عباءته، من تكلم منكم في هذا المقام ومن لم يتكلم، ففي الحضور وتلبية الدعوة إعلان هذه الشهادة، وقبل هذا كان سعادة الأستاذ عبد المقصود أول شاهد أدلى بشهادته في هذه المحاكمة التكريمية، لأستاذ قدير من أساتيذ جامعاتنا ومجامعنا اللغوية؛ ولهذا اسمحوا لي إن كنت مندفعاً من منطلق الوفاء للدكتور يوسف عز الدين، إلى تسجيل بعض ما أعرفه عنه فيما يخص الجانب الَّذي هيأه لهذا التكريم.
- فالأستاذ الدكتور يوسف عز الدين أستاذ جامعي، اكتسب هذا اللقب العلمي لنتاجه البحثي المتنوع والجيد؛ وأديب بارع.. فهو ذو ملكة أدبية غريزية فياضة، وحس نقدي مؤهل لممارسة النقد الأدبي باقتدار.
- أيها السادة.. لقد اهتمت الجامعات العربية منذ إنشائها بتأصيل الدراسات الأدبية والنقدية دون استثناء، وهو أمر طبيعي - في رأيي - في المراحل الأولى التي أنشئت فيها الجامعات، إلاَّ أنَّ هذه الغاية البيئية الضيقة يفترض أننا قد تجاوزناها في توسيع نظرتنا البحثية، وأحسب أن سعادة الأستاذ الدكتور يوسف عز الدين قد وجه اهتماماته الأولى، إلى تأصيل الشعر العراقي، تبعاً لتوجهات الجامعات العربية آنذاك، خاصة أن الدكتور يوسف يعد نفسه من الجيل الثاني في حركته الأدبية، جيل السياب، ونازك، وصلاح عبد الصبور.. هذا الجيل الَّذي جاء بعد جيل الثقافة العربية البحتة، من أمثال: الرصافي، والزهاوي، وشوقي، وغيرهم.. ولهذا وجدنا الدكتور يوسف عز الدين قد انصب اهتمامه العلمي والأدبي - في بداية حياته العلمية - على المعطى البيئي الضيق؛ فقد كتب عن الشعر العراقي في القرن التاسع عشر، وعن الشعر العراقي الحديث، والتيارات السياسية والاجتماعية، والرواية في العراق وتطورها وأثر الفكر فيها، والقصة في العراق.. جذورها وتطورها، وتطور الفكر الحديث في العراق، وداوود باشا ونهاية المماليك في العراق، وغير ذلك من الدراسات الأدبية والفكرية التي لم تخرج عن بيئة العراق.
- وقد حاول أن يتجاوز البيئة العراقية في كتابه: "التجديد بواعثه النفسية وجذوره الفكرية" إلاَّ أن المتتبع لمادة هذا الكتاب يجد النصيب الأوفر منها صناعة عراقية.
- لم يكن الدكتور يوسف عز الدين هو الباحث الوحيد، الَّذي انقطع إلى بيئة يؤصل منها دراساته الأدبية، فهذا الشأن هو ديدن الغالبية من الدارسين؛ لقد حاول الأستاذ الدكتور يوسف أن يؤصل للروح العربية في دراساته الأدبية، وأن يكشف بعض ملامح هذه الروح الأدبية، التي تختلف عن روح الآخر في تكوينها الذهني، وفي ذائقتها البيانية التي تميزها عن غيرها من الأمم الأخرى، ولهذا كان الدكتور يوسف يتمتع بشيء من الجرأة - بل قل من الشجاعة - والصراحة في كشف مزالق التجديد وتهويل ذلك وتضخيمه في نظر الدارسين، وهذا الموقف التحذيري من الانغماس في التجديد الَّذي تدفعنا إليه ثقافة الآخر.. ليس هم الدكتور يوسف، وإنما هو هم يشترك فيه معه الأساتذة التربويون، الَّذين حملوا مسؤولية تربية النشء.. تربية عربية إسلامية، ومن هذا الموقف التربوي حمل الدكتور يوسف حملة قاسية على المتغامضين، الَّذين انحرفوا في أساليبهم عن سنن العربية عن أصالة التراث الإسلامي.
- وقد حاول الدكتور يوسف أن ينبه ناشئة الأدب إلى أهمية خصائص تراثهم العربي الأصيل، الَّذي تشكل في لغة بيانية واضحة وسليمة؛ وقد أصل هذا التشكل البياني القرآن الكريم وما دار حوله من حركة فكرية منضبطة، حتى تشكلت الذائقة العربية من طبيعة هذه اللغة البيانية.
- لقد اهتم الدكتور يوسف بكشف ملامح الروح العربية واختلاف هذه الملامح عن منجز الروح الغربية، مشيراً إلى أن النقد العربي الحديث يعيش عالة على المعطى الغربي، وهذا - بطبيعة الحال - يؤثر على استقلالية النقد العربي لانفصاله عن جذوره الأساسية المكونة له؛ وقد أرجع الدكتور يوسف عز الدين أسباب التجديد في الشعر العربي الحديث إلى عوامل ثلاثة هي: البند العراقي، والترجمة من اللغة الأجنبية إلى اللسان العربي، والأدب المهجري، وأحسب أن هذه الأسباب الثلاثة قد تكون محل نظر وتحاور مع الدكتور يوسف عز الدين، أما الشيء اللافت لنظري، فإن الدكتور يوسف عز الدين يرى أن بيئة العراق مؤهلة لكل تجديد بل ولكل انحراف، نظراً لتأصل الثورة والعنف وحب التغيير في نفوس سكانه.
 
- هذا الموقف الانحيازي للعراق قد لا يسعف الظاهرة التجديدية أدبية كانت أو غير أدبية، أن تخرج من هذه الطبيعة السكانية سوية، لأن التجديد لا يقوم على مثل هذه المزاجية المتقلبة، إذ التجديد يحتاج إلى مزاجية معتدلة منضبطة؛ فلا أحد ينكر ظاهرة التجديد أو قضايا التأثر والتأثير، غير أن التجديد يدفع إليه الحاجة إلى توسيع النظرة، وهضم المعطيات المحلية ومعطيات الآخر، لمعرفة مواطن الالتقاء وطبع الجديد المسترفد بالطابع المحلي؛ وهذا لا يتم من خلال طبيعة النفس العراقية المتقلبة التي أشار إليها الدكتور يوسف عز الدين، ولعله أراد أن يثبت للعراق أحقية السبق إلى التجديد في حركة الشعر المعاصر، وقد أخذت هذه القضية حقها من التحاور والدراسات منذ أولية التجديد في الشعر العربي حتى يوم الناس هذا.
- أيها السادة: كنت أود أن أقف - كثيراً - عند إنجازات الأستاذ الدكتور يوسف عز الدين، فهي إنجازات قمينة بالدرس والبحث والتحاور، غير أن مقام التكريم لهذا العلم، الَّذي في رأسه نار، لا يسمح لنا بالوقوف طويلاً عند تلك المنجزات.
- أيها السادة: إن هذا الرجل الماثل أمامكم في هذه التظاهرة الأدبية الماتعة، شاعر من طراز رفيع، اتسم شعره بوطنية ظهرت فيها سمات الوفاء الجم للوطن وللأمة، لهذا لا تعجبوا إذا وجدتم الشاعر يوسف عز الدين يبالغ في وصف وفائه لإنسان هذا الوطن، ويدمغ شعره بدمغة توجيهية إذا ما عالج قضايا الأمة الإِسلامية، كيف لا يتسم شعره بهذه المسحة التربوية، وقد التصق بهموم ناشئة الأمة على مدرجات الجامعات؟
- أيها السادة: إن شخصية ضيف عبد المقصود شخصية متفردة في تعاملها مع الآخرين، فهذا المكرم المبجل من الموطئين أكنافاً، الَّذين يألفون ويؤلفون، نال حب من عرفهم من قرب واجتمع حوله الأصدقاء الأوفياء، عريق في صداقاته، أصيل في وفائه، نزل الرياض فكون علاقات مع علية القوم وأثنى عليهم وبادلوه ثناءه بثناءات عديدة، ثم حل الطائف المأنوس وتم له ما كان قد تم له بالرياض، أحبه تلامذته لأنه قد وصل لهم حبل الود عندما تعامل معهم تعاملاً بعيداً عن التعالي، يتلمس رغباتهم العلمية، ويقدم لهم المعلومة بأسلوب شيق، ويساعدهم على توجيه أنظارهم إلى مصادر العلم ومراجعه بروح طيبة، وذهن ثاقب، وعلم غزير.
- انتهت - أيها السادة - شهادتي للدكتور يوسف عز الدين في هذا الموقف التكريمي، الَّذي كرمنا فيه سعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه، فشكراً لكم.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :842  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 51 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج