شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أبيض وأسود
بين الدشداشة والبنطلون (1)
بقلم: خالد القشطيني
حدثني صحافي من المحاربين القدماء في ميدان الصحافة قبل بضع سنوات فسألني قائلاً هل تعرف الفرق بين العراق والسعودية؟ قلت نعم ولكن الفوارق كثيرة. منها أنهم في السعودية لا يقتلون الشخص إذا اختلف معهم في الرأي. قال لا، ما قصدت ذلك. الفرق هو أنك في الحفلات العراقية تجد الضيوف يلبسون السترة والبنطلون والخدم يلبسون الدشداشة. في الحفلات السعودية الضيوف يلبسون الدشداشة والخدم يلبسون السترة والبنطلون.
ضحكت في حينها على المقارنة الطريفة، ولكنني لم أحسب أنني سأقع ضحية لها أثناء وجودي في جدة مؤخراً في ضيافة الشيخ عبد المقصود خوجه. اصطحبني معه إلى حفل زواج معتبر على شرف الأمير ماجد بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة. حضر الحفل عدة مئات من علية القوم وكلهم بالدشاديش البيضاء المعتادة. ولم يكن بين الحاضرين بالسترة والبنطلون غير نحو عشرين أو ثلاثين شخصاً ببدلات داكنة من السترة والبنطلون، إنهم الخدم.
بالطبع آخر عهدي بلبس الدشداشة كان حين كنت صبياً دون العاشرة. وهكذا دخلت الحفل مع الشيخ أبي محمد سعيد وأنا بالضبط ببدلة من السترة والبنطلون الداكنة. أدرت أنظاري يميناً وشمالاً أبحث عن قرين لي فلم أجد.
كنت الضيف الوحيد الذي حضر الحفل بملابس الخدم. أدركت فوراً أنني وقعت في مقلب، لا بل في أزمة عالمية. لا بد أن الشيخ لاحظ أنني كنت شارد الفكر وغير منتبه لكلامه. لقد كنت مشغولاً كلياً بهذا المطب الذي ينتظرني. ما الذي سأفعله إذا خطر لأحد الضيوف الأكابر أن يومئ لي بإصبعه ويقول: ((يا ولد هات لي كأس كوكاكولا بسرعة)) أو يا ولد تعال امسح هذه الطاولة بسرعة. لا مانع لدي من تلبية الطلب والقيام بما يلزم وامسح الطاولة وعلى العين والراس، وبسرعة كما أمرني، ولكن المشكلة ما الذي سيفعله صاحبي الشيخ وهو يرى ضيفه العزيز يهان بهذا الشكل؟ هل ستقع معركة حامية الوطيس من حيث لم يحسب لها حساب؟
أخيراً اهتديت إلى الحل. تناولت كأساً من الكوكاكولا، لا لأقدمه لمن يطلب مني الخدمة، وإنما لآخذ منه جرعة محترمة وأنيقة بين الحين والحين ليعرف الناس أنني من الضيوف وليس من الخدم. جزاك الله خيراً يا أبا محمد سعيد! كما حدثوني عن دماثة خلقك ودفء معشرك. فمن نتائج ذلك أنه عندما يمشي مع أصحابه يمسك بأيديهم ويشد عليها بحنان ومحبة. وهذا أنقذ الموقف فما كان لأحد أن يتصور الشيخ الفاضل يشد بيده على يد خادم سفرجي هندي. فلا بد أن أكون من أصحابه المقربين.
في لحظة من لحظات الحفلة وجدت نفسي منفرداً بدون كأس الكوكاكولا التي أفرغتها وانتهيت منها. وبينما كنت أبحث عن كأس أخرى لمحني أحد الضيوف وكان رجلاً مسناً قصير النظر كما يستدل من نظاراته السميكة، لمحني هكذا فتقدم نحوي ورفع أصابعه ليومئ لي ويعطيني أوامره. شعرت بأن الأرض أوشكت على الانهيار تحتي. جف الدم في عروقي فتثلجت يدي وشلت. بيد أن حرارة مفاجئة أحاطت بها وأعادت إليها الدفء. كانت يد الشيخ عبد المقصود تشد عليها كعادته. نظر الرجل المسن نحونا مندهشاً. رفع نظاراته عن عينيه ليتأكد مما يرى. سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه يتآخى ويتلاطف مع السفرجية الهنود!
وطالما يلح عليَّ القرّاء بإعطاء مواعظ في مقالاتي، فموعظتي أنا إذا كنت من المبنطلين، ودعيت لحفلة سعودية فاختر بنطلونك وسترتك بألوان وردية زاهية لتميز نفسك عن الخدم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :399  التعليقات :1
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 69 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.