شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشباط في اثنينية عبد المقصود خوجه (1)
بقلم: خليل إبراهيم الفزيع
الأستاذ عبد الله بن أحمد الشباط.. أحد روّاد الصحافة في بلادنا، فهو من الرعيل الأول الذي حمل على كاهله عبء المبادرة للإصدار الصحفي في ظروف لم تكن مواتية بكل المقاييس. ومع ذلك فقد كان التحدي دافعاً لخطوة تلتها خطوات في طريق مليء بالعقبات والعراقيل. ولم يكن إصدار مجلة الخليج العربي عام 1376هـ ثم توقفها لتصدر في العام الذي يليه كجريدة، كما لم يكن تنقل طباعتها بين الرياض وجدة قبل أن تستقر في الخبر مقرها الرئيسي.. لم يكن ذلك كله بالأمر الهين أو السهل لصعوبة الظروف المادية لدى صاحبها، ولصعوبة المواصلات والاتصالات في ذلك الحين، إذ لم تكن كما هي عليه اليوم، ومع ذلك فلم تلن قناة الرجل، ولم ينثن عزمه أو تثبط همته.
واثنينية الأستاذ عبد المقصود خوجه التي احتفلت بالأستاذ الشباط أصبحت معلماً ثقافياً بارزاً في مسيرتنا الثقافية. وقد دعا بعض الحضور في تلك الأمسية إلى أهمية دراسة معطيات هذا المنبر الثقافي كظاهرة تمتلك كل المقومات الديناميكية لتنشيط حركتنا الثقافية، خصوصاً أن هذه الاثنينية قد كرمت ولا تزال تكرم أبرز أعلام الفكر والثقافة في بلادنا والبلاد العربية الأخرى دون أن يقتصر نشاطها على لون فكري أو ثقافي دون غيره، وامتد نشاطها إلى النشر عندما عمدت إلى توثيق أمسياتها، وما ألقي في تلك الأمسيات من كلمات أو قصائد عن المحتفى بهم، وإلى جانب هذه الإصدارات القيّمة هناك إصدارات أخرى تابعة تمثلت في بعض الأعمال الشعرية والنثرية القيّمة، مما يجعل فعاليات هذه الاثنينية جديرة بالدراسة والتقويم والإشادة التي يرفضها الأستاذ عبد المقصود خوجه بتواضع جم، وهو تواضع يتسم به ذوو الفضل ممن أفاء الله عليهم من حسن الخلق وكرم النفس وعمق الوعي بقدر ما أفاء عليهم من محبة الناس وتقديرهم وثنائهم.
والاثنينية ذات شقين أولهما صالونها الأدبي الذي يسبق حفل التكريم، وفيه تناقش بعض الأفكار والآراء الأدبية بشكل ثنائي أو جماعي بين الجالسين، وثانيهما حفل التكريم الذي يشتمل على فقرات متعددة عن الضيف، تليها كلمة الضيف الذي تحدث عن مشواره في الحياة ونشاطه الفكري، وجوانب من حياته قد تكون مجهولة من قبل الآخرين، ثم تتاح الفرصة للحضور ـ وهم عادة نخبة من المثقفين ـ لتوجيه الأسئلة للمحتفى به، ومناقشته في ما طرح من آراء وأفكار وما تعرض له من مواقف وما أورد من ذكريات.. مما يزيد من حيوية الحفل، ويضفي عليه جواً من الحميمية التي تتيح الحوار الجاد والمثمر.
وقد قدر لي حضور حفل تكريم الأستاذ الشباط في تلك الأمسية الأدبية، وتحدثت عن جانب من ذكرياتي مع المحتفى به وهي ذكريات تعود إلى ما قبل خمس وثلاثين سنة تقريباً، عندما بدأ نجمه يلمع كأول صحفي تنجبه أرض هجر، وعندما التقيت به لأول مرة في مكاتب جريدة الخليج العربي في المبنى الملحق ببلدية الخبر بدا لي مزهواً بشبابه.. يدفعه طموحه إلى الصمود في وجه التحديات والإصرار على إيجاد تقاليد صحيفة تحترم وعي القارئ، وتعبر عن همومه وقضاياه بأسلوب بعيد عن المبالغة والتجريح، وإن جنح إلى الصراحة المستندة إلى حقائق لا يمكن إنكارها، وكم جرت عليه هذه الصراحة من المتاعب مما لا يعرفه إلا الأكثر قرباً إليه.. وقد منح جريدته الكثير، وأصر على بقائها منبراً للرأي الحر والجريء، مما لم يعجب كثيرين فسعوا إلى عرقلة مشواره الصحفي بمختلف السبل والوسائل.
لم تكن بداية المعرفة بيننا هادئة، بل كانت صاخبة إن صح التعبير، كانت جريدة اليوم قد صدرت في ظل نظام المؤسسات الصحفية، بعد أن توقفت جريدة الخليج العربي وغيرها من صحف الأفراد عن الصدور.. فقد أصدرت عام 1385هـ كتاباً بعنوان ((أحاديث في الأدب)) وهو من الإصدارات الأولى في المنطقة الشرقية، لكن هذا الكتاب لم يلق قبولاً حسناً من أستاذنا الشباط، فهاجمه هجوماً عنيفاً وقال عن مؤلفه إنه لا يعرف الفرق بين التمر والزيتون، وبعث بمقالة هجومية بهذا المعنى إلى جريدة اليوم التي كنت أعمل بها حينئذٍ، فعملت على عدم نشر هذه المقالة، واعتبرتها من باب الغيرة المهنية، ولكن بعد مضي كل هذه السنوات أعترف بأن ذلك الهجوم كان في محله وأن الكتاب المذكور كان يمكن أن يظهر بشكل أفضل لو تريثت في إصداره، وهذه مشكلة كل الناشئين الذين يتسرعون في دفع إنتاجهم إلى المطابع، قبل أن ينضج هذا الإنتاج وتتضح ملامحه. فإذا رسخت أقدامهم في مجال الإنتاج الفكري.. اتضح لهم أن ما أقدموا عليه كان بحاجة إلى التريث.
بعد ذلك التقينا في مناسبات عديدة اكتشفت خلالها أن الرجل ينطوي على نفس أبية وخلق كريم، وفكر حصيف، وتكررت اللقاءات، وتوثقت العلاقات كما هو شأن من تجمعهم هموم الثقافة والأدب، وبعد أن توليت أمر جريدة اليوم حرصت على انضمامه إلى كوكبة المتعاونين معها، فهو الأجدر بأن يحتل مكانة بارزة بين كتّابها، ومكاناً بارزاً على صفحاتها، وهو لا يزال يواصل نضاله الشريف على صفحات اليوم وغيرها من الصحف.. بقلم نزيه.. لا يخشى في الحق لومة لائم.. كما يواصل جهوده الموفقة في التعريف بالحركة الثقافية في المنطقة الشرقية والخليج العربي، وأهم ملامحها وأبرز أعلامها.. من خلال المحاضرات والندوات في الأندية الأدبية.. إلى جانب نشاطه في مجال الإعداد الإذاعي للبرامج الثقافية، بالإضافة إلى مؤلفاته العديدة في هذا الميدان.. جامعاً بين جلد الباحث وصبره، وحماسة الناقد وجدّيته، فظهر له كتاب ((أدباء من الخليج العربي)) وكتاب ((صفحات من تاريخ الأحساء)) وكتاب ((الأحساء: أدبها أدباؤها المعاصرون)) وكتاب ((آفاق خليجية)) إلى جانب كتبه الأخرى: ((أبو العتاهية)) و((من أحاديث بلدتي القديمة)) و((حمدونة)) و((الفقيه الشاعر عبد الله بن عبد القادر)) وغيرها.
وقد ظل أستاذنا الشباط عازفاً عن كل مظاهر التكريم، فقد رفض دعوات عديدة لتكريمه من بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية.. لكنه تحت إلحاح أصدقائه قبل أن يكون من المكرمين في اثنينية الأستاذ عبد المقصود خوجه علماً بأنه ليس الأول ولن يكون الأخير إن شاء الله، ممن كرمتهم ولا تزال تكرمهم هذه الاثنينية من المنطقة الشرقية.. فقد سبق أن كرمت من أدباء المنطقة الشرقية الأساتذة أحمد بن علي المبارك ومحمد العلي وعبد الرحمن العبيد وخليل الفزيع وغيرهم.
وقد أخذ أستاذنا الشباط على عاتقه مهمة التعريف بإنتاج الكثيرين من أدباء المنطقة الشرقية والخليج العربي، وكتب كثيراً عن هؤلاء الأدباء، والمؤسف أن أحداً منهم لم يقر بهذا الجميل، ويقدم للقارئ دراسة عن حياة الشباط وإنتاجه الفكري.. ولم يتوافر بعد ذلك البحث الشامل الذي يستقصى حياة، هذا الكاتب، وعطاءه أكثر، وهو في كتابه الأخير ((آفاق خليجية)) استعرض أعمال عدد من الأدباء الخليجيين مثل:
ـ غيوم في الصيف للشاعر أحمد حمد آل خليفة من البحرين.
ـ شمس بلا أفق للشاعر محمد سعيد الخنيزي من القطيف.
ـ الليل والضفاف للشاعر مبارك بن سيف آل ثاني من قطر.
ـ أغاريد من واحة النخيل للشاعر يوسف عبد اللطيف أبو سعد من الأحساء.
ـ الحب إيمان للشاعر مبارك إبراهيم بوبشيت من الأحساء.
ـ في موكب الفجر للشاعر عبد الرحمن عبد الكريم العبيد من الدمام.
ـ الأدب القطري الحديث للدكتور محمد عبد الرحيم قافود.
ـ شقائق النعمان للشيخ الفقيه محمد بن راشد بن عزيز الحصيبي من سلطنة عمان.
إلى جانب عدد كبير من الأعلام الذين كتب عنهم. لكن أحداً لم يكتب عن أستاذنا الشباط كتابة شاملة تشفي غليل الباحثين عن المعرفة حول حياة الشباط العملية والثقافية. فإلى جانب اهتماماته الثقافية كان يعمل في الوظيفة الحكومية التي لجأ لها بعد أن أدرك بالتجربة أن من تدركه حرفة الأدب، فقد فارقه الاستقرار المادي، وقد عمل سكرتيراً بالمجلس البلدي لمدينة الدمام ثم عمل مساعداً لرئيس بلدية الخبر ثم رشح رئيساً لبلدية ميناء سعود وبقي في هذا المنصب إلى أن استقال ليتفرغ للأعمال الحرة.
ولم تخل الكتب التي ظهرت عن أدب وأدباء المنطقة الشرقية والخليج العربي من ترجمة لحياته، فهو في مقدمة الذين اهتمت بهم تلك الكتب، لكن المطلوب هو دراسة شاملة عن حياة الشباط وأدبه يتصدى لها أحد أدبائنا الباحثين عن هذه النماذج الرائعة من أدباء الرعيل الأول بهذه المنطقة الزاخرة بالأفذاذ من أمثال الأستاذ عبد الله بن أحمد الشباط.
ومن دلائل اهتمام الشباط بالتعريف بأدباء المنطقة الشرقية والخليج العربي أنه ألقى في الليلة التالية لتكريمه في جدة، محاضرة عن أدباء الأحساء في النادي الأدبي في مكة المكرمة.. وأمامه نشاطات مماثلة في أندية أدبية أخرى في بعض المناطق.
فهل يهتم به كتَّابنا كما يهتم بهم؟!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :547  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 60 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.