شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مدار
عندما غنى الجواهري في جدة (1)
بقلم: أحمد عايل فقيهي
كانت اثنينية الأسبوع الماضي في منزل الأستاذ عبد المقصود خوجه تمثل أزهى تجليات القصيدة العربية في بعدها التاريخي وموروثها الشعري المضيء.. حيث كان حضور الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري حضوراً لعبقرية الشعر عند العرب ولهذا الذكاء الحاد.. والناصع في آن وهذه التجربة الشعرية التي عتقتها الحياة بكل تقلباتها العربية السياسية العاصفة في حياة الجواهري.. ولم يكن حضور الجواهري حقاً.. مجرد حالة عابرة لشاعر عابر أيضاً.. في هذا الزمن العابر والشعراء العابرين ولكنها الحالة التي ترتهن إلى أهمية الجواهري كأحد أهم الشخصيات المركزية في الشعر العربي المعاصر.. من خلال قصيدته التي ظل يكتبها.. وتكتبه فتجعل منه ظاهرة شعرية لافتة.. هذه الظاهرة التي يختلط فيها الشعري بالسياسي بالاجتماعي.. وهذه القصيدة التي بقدر ما تحيلك إلى المتنبي وأبي تمام والبحتري.. ثم إلى الرصافي والزهاوي وشوقي وآخرين من أعلام الشعر العربي إلا أن لها راهنيتها ومشروعها الذي تبدو معه قصيدة الجواهري وكأنها حياته.. وموقفه.. ودمعه.. ودمه. في الوقت نفسه.. إنها سيرته الطامحة إلى تحقيق الحلم الجميل الذي ظل يركض باستمرار نحو تحقيق العدالة للإنسان والطافحة بهذه الثورة على الظلم والخوف والخنوع والانكسار.. وأن شعر الجواهري.. وحياة الجواهري هي نفسها شعر الجواهري.. لا انفصام ولا انفصال بين ما كان يؤمن به.. وبين ما يكتبه من شعر..
ربما يختلف الكثيرون مع الجواهري.. ولكن لا أعتقد البتة بأن هؤلاء يختلفون على أنه واحد من هؤلاء الكبار.. الكبار الذين لا يتكررون في حياتنا العربية.. ذلك أن الرجل يملك قامة شعرية كبيرة ومن البقية الباقية من جيل الشعراء الناصعين في القصيدة العمودية. ولعلّ أهميته التاريخية والريادية هي ما تجعله يمثل مع الشاعر الكبير: عبد الله البردوني قمتي هذه القصيدة.. ذلك أن البردوني تجيء أهميته تجديدية لكونه أحدث ما يشبه الثورة اللغوية من داخل القصيدة العمودية.. مما جعل د. عبد العزيز المقالح يصف شعره بأنه عطر جديد في آنية قديمة.
من قصيدته ((بائعة السمك)) مروراً بـ ((قصيدة بغداد)) وانتهاءً بقصيدته الكبيرة عن يافا.. كان الجواهري في تلك الليلة لا يلقي شعره فقط كان ينشد قصيدته.. ويغنيها كذلك كانت جدة تغني مع هذا الشاعر الكبير أوجاعه وأحزانه وغربته الدامية.. ونفيه الدائم والمرير..
وفيما كنت أسمعه كنت أسمع خرير الماء في نهري دجلة والفرات.. وأسمع حفيف سعفات النخيل في البصرة.. وأرى زرقة سماء بغداد وأرى شوارع وأزقة هذه المدينة العظيمة المغسولة بضوء التاريخ. حيث تغرق اليوم في بحر من الظلم والخوف والديكتاتورية المقيتة.
فيما كنت أرى الجواهري كنت أرى كل المبدعين العراقيين الشرفاء.. هذا الفضاء الشاسع في فضاء المنافي والاغتراب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :400  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.