شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(118) (1)
وقرأت اليوم.. في حزن بالغ.. وبقلب دامع.. نبأ الفاجعة في حادثة راح ضحيتها الشبان الجامعيون الثلاثة: خليل إبراهيم سجيني، حسن أحمد حريري، يوسف يحيى دهلوي.. واسترجعت امتثالاً لأمره تعالى الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (البقرة: 156).. واستسلمت بإيمان ـ لحكم القضاء والقدر.. في ألم ورثاء.
ولقد تمثلت هول المصيبة في فقدان الشباب الفتى اليانع.. عدة للمستقبل وذخيرة حية للآمال وللأحلام فيمن يمثلون الشباب في أقدس واجباته.. وأشرف معاهده.. نعيش معهم الأيام والأعوام لنسعد ولتسعد معنا البلاد بهم مع إخوانهم وزملائهم الآخرين.. أدوات بشرية عاملة في بناء الصرح العالي لبلادنا الفتية الشابة.
وترجرج أمام عيني الاسم الأول خليل سجيني.. إذ بقدر المعرفة الوثيقة والصلة العميقة يتضخم هول المصاب يلهث معه القلب وترزح تحت أعبائه النفس.. ترجرج اسم خليل طويلاً.. ليستقيم من بعد صوراً حية متنوعة المناظر متعددة المواقف.. دافقة في كل ذلك بالشباب.. وبالأمل. فلقد كان ـ خليل ـ معنا صيف هذا العام في المصيف بالجبل الأخضر بلبنان.. شاباً أخضر العود.. ريان الحياة.. مرح الروح راقص الكلمات الضاحكة والتعابير.. مكي اللهجة الرشيقة والعتيدة لا تقطعها سكين حادة.
وتجسد بشخصه قبالتي ـ أملاً عريضاً واسع المطامح حين ناقشته طويلاً عن دراسته الجامعية بالرياض.. حيث أفاض في سرد تفاصيلها بكل دقائقها.. حياة جد وجهد كفاح.. وحين أسهب في مفارقات لطيفة مضحكة عن نوادره مع مدرّس اللغة الإنجليزية وعن عدم خضوع لسانه المكي أو تنازله عن لهجته الأصيلة في مخارجها العربية للكنة الأجنبية.. أياً كانت..
وضرب لنا مثلاً.. وعززه بآخر وبآخر عن تلك النوادر.. والسيارة تقطع بنا الطريق لمبتغانا.. وأولادنا وهو واسطتهم وقريباته وأهلنا ونحن بين الجميع.. لا تنقطع ضحكاتنا منفصلة أو متصلة بآخر كل مقطع من مقاطع روايات خليل الساخرة الصور نمت عن رسمها بالريشة في ألوان وألوان كلمات حلوة بارعة التصوير زاهية الخطوط..
وانتهى ـ يومها ـ وانتهينا معه إلى قرار حاسم تعهد بموجبه ألا يتكلم حين يكون مع أولادنا إلا بالإنجليزية تمريناً عليها.. ودراسة حية سوف تساعده بعودته المبكرة للمملكة على تذليل دروس هذه اللغة.
وترادفت الآن جملة وتفصيلاً صور خليل أمامي وقد قضينا سوية وصحبة الأهل والمعارف والأقارب والأولاد ـ وكان في المنزلة لدينا واحداً منهم ـ قضينا يوماً من أيام الحياة الباسمة اللاهية بين الماء المترقرق.. وقرب الشلال المتدفق وتحت الأغصان الوارفة المتدلية الثمار.. ونحن الكبار جلوس فوق الصخور الضخمة تنبثق من قلبها ومن أطرافها الحياة زرعاً أخضر يغالب الوجود لإثبات الوجود حتى في غير مظنته..
ويذهب خليل مع الأولاد بعيداً عنا يتسلقون صدر الجبل وأكتافه.. ليعود هو قبلهم.. يروي لنا بعض ما شاهد وشاهدوا من مناظر ومن آثار طبيعية.. وما ذلك في لهجة لبنانية يستعين على نقلها بدقة بإشارات من رأسه ومن يديه حتى تستكمل الصور فتنتها التمثيلية.
وبعد ـ فإن الحزن على هؤلاء الشبان الجامعيين المفقودين.. إنما يأتي بمقدار الأمل المعقود عليهم.. وبمبلغ الأسى اللاذع في نفوس ذويهم وإنما يتساوى مع غلاء الحياة الشابة تفتقد فجأة وبدون مقدمات..
وعلى قدر مرارة العزاء لأهل الراحلين ولذويهم.. نأمل أن يكون الرجاء لزميلهم المصاب.. سامي محمد يغمور.. كتب الله لمن ذهب العفو والغفران.. ولمن بقي السلامة والشفاء.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :640  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 157 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الثاني: أديباً شاعراً وناثراً: 1997]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج