شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(100) (1)
وكما تنكش الدجاجة التربة بمنقارها.. أو تنبشها برجليها.. بحثاً عن حبة تأكلها لنفسها.. أو عن فتافيت تدعو إليها كتاكيتها.. فقد مارست مساء اليوم عملية النكش والنبش الدجاجية.. ولكن بأسلوب البني آدم نسميه.. هرشاً في موضع الهرش من الرأس بالأظافر.. أو حكاً بموضع الحك في حبل الرقبة.. بالأصابع بعضها أو براحة اليد كلها.. ويجمع الكل على تسميته بأنواعه في هذه الحالة.. فحصاً.. ومنه الفحص بالرجلين في الفصحى كما نعلم..
والفرق الوحيد بيني وبين الدجاجة أنها طالبة رزق من الأرض.. ومستجدية لقمة عيش من التراب.. أما أنا فإنني باحث عن رأي أو مقصد فكرة.. أو مستذكر بيت شعر غاب عني صورة بعد أن أذكرتني المناسبة عجزه..
وأسلوبي في الهرش بالرأس.. أو الحك في حبال الرقبة.. أو الفحص لجزء من أجزاء الوجه أو القفا.. أو النتف لشعرة زائدة من الشارب أو العنفقة.. أسلوب بشري معترف بشرعيته في جميع حالات التفكير.. والاستغراق فيه..
ولقد يتساءل أحد الخبثاء.. ولكن ما هو الدافع لك على ما فعلت اليوم.. ولأنه سؤال وارد فعلاً في بابه.. فإني مضطر أن أذكر السبب في الأمر.. وخلاصته إنني كنت صباحاً مع رئيس التحرير إياه ومع كاتب كبير من كتابنا في زيارة مجاملة أخوية لسفير من سفرائنا بالخارج.. وتلكأ البحث فترة طويلة بيننا دون أن يقدم أوراق اعتماده لأخذ مركزه في السلك الطويل المعترف به من الكلام المرسل.. واستقر أخيراً عند موضوع التفكير!..
وقالوا.. وقلت.. وانتهينا جميعاً إلى أن التفكير في الحياة ـ هو الحياة ـ وأن الذهن المسلم بالأشباه دون تفكير فيها هو الذهن الأصلع.. وروى أحدنا أترابه معروفاً يبيح لأحدنا أن يسأل حتى عن أسباب وجوده.. وأورد آخر الآية الكريمة.. قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (البقرة: 260).. وقال السفير ومع أنني من جماعة اللهم إيماناً كإيمان العجائز إلا أنني أحب التفكير.. ولا أعيش إلا به.. وله..
وخشيت ألا يكون لدي أنا الآخر ما أقوله في معرض الرأي فقرصت رئيس التحرير في كتفه ولكزت الكاتب الكبير في بطنه ليعطياني فرصة الكلام ونوّهت بأن لي قصيدة من أول منشوراتي تحت توقيع الصموت الحساس مطلعها:
جاسر برأيك في الحياة ولا تخف
غداً.. تذرَّع بالسفاهة.. أو حسود
ومنها هذا البيت.. وهو الشاهد:
والشك في الأشياء ميزان به
الأشياء توزن كي تخلد.. أو تبيد!
باعتبار أن الشك هو الأصل في التفكير.. والبداية لوجوده..
وانتهت الجلسة وأنا أستعجل الوقت لأختلي بنفسي في ركني المعتاد من غرفتي.. لأفكر.. وهكذا أخذت الآن أهرش.. وأحك.. وأفحص مواضع التفكير لاستجلابه..
وآمنت أخيراً بعد ممارسة عملية النكش والنبش الدجاجية بأن الإنسان ـ أحياناً ـ دجاجة مفكرة!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :571  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 139 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.