شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(95) (1)
وفي مساء هذا اليوم.. وعلى غير عادة مألوفة مني.. وتبديداً لنشاط جسدي طارئ لا يجد سبيلاً حيوياً لتبديده.. قررت أن أتشعلق في عقب الباب.. وأن أنحدر بواسطته كما كنت أفعل وأنا يافع صغير السن..
وحفظاً لماء الوجه من إراقته أمام أطفال البيت.. واحتفاظاً بوقاري لدى نفسي عاملاً بأسلوب والد أبي العلاء المعري الذي وصفه تخيلاً لشدة رزانته.. أنه حين يقوم من قبره يوم المحشر سوف لا يندفع جرياً مع بقية الخلائق فيضيع وقاره بل سوف.. يأبى الزحام فيستأنى!..
فقد رأيت قبل القيام بالشعلقة وبالمدرهة بعقب الباب الداخلي أن أقفل باب الشقة الخارجي، وفعلت ذلك بهدوء وأنا أستعجل لحظة مباشرتي للعبة التي ما أن باشرتها وأحسست بجسمي يتطوح في الهواء..رائحاً غادياً.. وفي الفراغ مدلدلاً ما بين ((حلق)) الباب حتى شعرت حالاً بلذة طاغية جارفة.. أدركت معها مقدار السرور والتلذذ اللذين يتمتع ويستمتع بهما هؤلاء الصغار من بنات وأولاد البيت.. والجيران.. والحارة..
ولقد كنت.. على تهيؤ تام لمتابعة هذه الشعلقة والمدرهة لولا وهن الكهولة لا يستحي من الظهور في أوانه.. فسرعان ما كلت يداي.. وبدا عليَّ الإرهاق.. وأخذت أنفاسي تتلاحق في زفير وشهيق غير رياضيين.. فعدت إلى السرير في تخاذل وارتخاء.. واستلقيت عليه ألفظ أنفاسي متحسراً على عدم القدرة على الموالاة لفعل ما ترغب النفس في موالاته.. ويعجز الجسد عن مسايرتها عليه.
وأخيراً وبعد استراحة طويلة.. قمت ففتحت الباب الخارجي..وهبطت إلى الدور الأرضي لأشاهد في غيظ مكبوت أولئك الشياطين الصغار وهم يمارسون علانية بغير كسوف.. وفي ضحك متواصل.. وقهقهات عالية نفس العملية دون ملل أو فتور أو إرهاق.. ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أصرخ أتوماتيكياً من ممجبة رأس.. بس! بس! كفاية أنت هو! إيش هادي المصخرة؟..
ووجم الصغار.. وتلاصقت أجسادهم كأنما يحتجون في بعضهم بهذا التلاحم الصامت.. وحزنت جداً لانفلات أعصابي.. ولتعكير الجو المريح عليهم وخجلت من تصرفي ومن غيرتي الحمقاء.. فأدبرت قافلاً إلى حيث كنت.. وأنا أتمتم بمثلنا الشعبي الساخر:
إن بعد عليك العنقود.. قول: حامض يا عنب..
وفسرت على ضوء ما ارتكبت في خلوتي.. وما جنيته على هؤلاء الصغار بغيرتي منهم كثيراً من التصرفات الجائرة نسلطها غيظاً ـ وقصر الذيل ـ نحن الكبار في السن على أولئك الصغار في العمر.. من أطفال.. وغلمان وشباب..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :572  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 134 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.