شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(53) (1)
كان لنا صاحب اشتهر بيننا بلازمة ثابتة في أحاديثه.. يعتبرها بإيمان عميق.. قفلته الختامية لكل عمل منتوى.. أو أمر سيقوم به.. وهي جملة ـ إن شاء الله ـ فقد كان يقفل قوله ـ مثلاً ـ وسنجتمع غداً الساعة كذا.. إن شاء الله.. أو وسأحضر لكم الكتاب الفلاني.. إن شاء الله.. أو.. وربما أسافر لمكة.. إن شاء الله أو.. وسوف أعمل.. أو أنجز أو أنهي كذا.. أو كذا.. إن شاء الله..
ومع أننا مثله من القائلين لها.. باعتدال.. ومع إعجابنا بتمسكه بهذه الجملة اليقينية العتيدة.. إلا أننا من باب التمييز له فقد أطلقنا عليه دون حفلة تدشين للتسمية.. اسم الأخ.. إن شاء الله..
ومرت الأيام.. وكان صاحبنا هذا رقيق الحال.. بل هو فقير معدم.. ودارت العجلة.. فأمسى.. وأصبح! كما نقول في تعبيرنا الدال بإيجاز على من كان في حال بائس.. فبدل الله حاله هذا القديم البائس.. بحال جديد.. سعيد..
وتعبير أمسى.. فأصبح.. تعبير حلو وعميق.. وهو يرمز إلى السرعة الخاطفة يتم فيها التبديل.. أو التحوّل من حال لحال.. في وقت قصير جداً.. أو في لحظة.. كاللحظة التي يشبه فيها الشاعر الرسام الماهر ابن الرومي انتقال العجينة إلى فطيرة في يد موصوفه الخباز بقوله عن العجينة واللحظة!
ما بين رؤيتها في كفة كرة
وبين رؤيتها قدراء.. كالقمر
إلا بمقدار ما تنداح دائرة
في باطن الماء.. يرمى فيه بالحجر
ولما حدث فجأة لصاحبنا.. وبعد انقطاعه عنا كجاري العادة مع أمثاله.. فقد قررنا ذات ليلة أن نجتمع لإلغاء اسمه القديم.. الأخ ـ إن شاء الله ـ لإطلاق اسم ـ أمسى فأصبح.. عليه ـ وقد كان.. فصرنا إذا جاء ذكره لا نعرفه أو نعرفه إلا بهذا الاسم التعبيري الجميل!
والواقع أننا كنا كمن يقرأ بعض سطور الغيب حين ألغينا اسمه القديم الأخ إن شاء الله.. فقد تحقق لنا صواب ما فعلناه.. عقب حادثة اليوم.. وخلاصتها ـ إننا ذهبنا اليوم أنا وصديق من أفراد البشكة للسلام عليه بمناسبة قدومه من إحدى رحلاته التجارية التي صارت جزءاً من حياته الجديدة.. وبرنامجاً ثابتاً فيها..
ولقد رحب بنا ـ بقدر ما اتسع وقته ـ ترحيباً أخوياً.. وحاراً.. ولم ننكر عليه شيئاً أبداً.. إلا أننا لاحظنا.. ويا لهول ما لاحظناه.. إنه أضحى.. وصار.. وما برح.. وما انفك.. وما فتئ أيضاً.. في أحاديثه كلها.. لا يستعمل إطلاقاً قفلته الشهيرة.. إن شاء الله.. فهو يقول.. ويردد بالتلفون.. ومشافهة.. نعم سوف أسافر إلى الرياض غداً.. وسأكون في بيروت الساعة الخامسة.. وأعود إلى جدة الخميس الساعة الواحدة.. وقابلني في المكتب يوم السبت الساعة الرابعة ـ عربي!! دون أن يغلط ـ ولو مرة واحدة ـ فيقول.. إن شاء الله!
وأقرر صادقاً إنني لم أكن صاحب الملاحظة.. وإنما لفت نظري لها صديقي حين قال هامساً ـ ألم تر أن الأخ أمسى.. فأصبح.. قد طلق عادته القديمة.. فلم يعد يقول في أعقاب أحاديثه.. وأعماله المنتواه.. ومواعيده القادمة للسفر.. أو مع الناس.. قفلته الختامية الحلوة ـ إن شاء الله..
وكأنما كنا نقرأ سطراً من سطور الغيب يوم أبطلناها مسمى قديماً له! فسكت احتراماً للمواقف ـ وخشية من أن تسنح لصاحبنا فرصة هدوء من مشغولياتنا فيسألنا عن موضوع الهمس.. وإن قام في نفسي فعلاً أن أواجهه بالسؤال عن السبب في إلغائها.. قفلة ختامية لصقت به.. واشتهر بها في ماضي أيامه الخاليات.. وربما فعلتها يوماً فوجهت له هذا السؤال:
وقضينا مدة الزيارة ـ وصافحناه مودعين ـ فقال أحب أن أراكم لولا أنني مسافر الليلة إلى بيروت ثانية ـ وسأمكث بها حوالي يومين ـ ومنها سأسافر الاثنين القادم إلى أوروبا لأسبوع.. على أنني سوف أكون في جدة يوم الأحد الرابع والعشرين من جمادى الأولى.. الساعة كذا.. ويمكن أن أراكما وبقية الأخوان.. مساء اليوم ذاته الساعة كذا.. وانتظرنا.. دون جدوى.. أن يقول.. إن شاء الله ـ كما تعوّدنا.. ولكن لم ينطق بها.. فخرجنا آسفين.. محرومين من سماعها المعتاد من صاحب القفلة الختامية اللاصقة به.. والمشهور بها.. فيما سبق من حياة ـ وحال ـ وأيام.
ولم نكد نخرج من مجلس صاحبنا.. حتى مال على صديقي صاحب الملاحظة وقال.. ما رأيك؟ وما تقول؟
أجبته إن لم يقلها الأخ.. أمسى.. فأصبح.. كعادته القديمة.. فإننا لا زلنا نقولها نيابة عنه.. لعلّ وعسى.. وامتثالاً كذلك لما ورد في الكتاب الكريم.. ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا إن يشاء الله..
وسبحان مغير الأحوال.. والعادات!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :553  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 92 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج