شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار ))
افتتح الحوار بسؤال من الدكتور غازي زين عوض الله هو:
- ما رأيكم في استخدام المصطلح السياسي الَّذي يطلقه الغرب في كلمة أصولية، أو ما يسمونه بالأصوليين الإِسلاميين؟
وأجاب المحتفى به على ذلك قائلاً:
- شكراً للأخ الأستاذ غازي.. الغرب يخترع لنا كل يوم مصطلحاً جديداً، فأحياناً سُمِّي الَّذين يدعون إلى الإِسلام المتطرفين؛ وأحياناً المتشددين، وفي وقت من الأوقات كانوا يسمون الرجعيين، والآن يقولون إنهم الأصوليون.. وهذه ألفاظ لا تهمنا كثيراً، نحن نهتم بالمسمى لا بالاسم؛ أولاً الاسم في كلمة الأصوليين نفسها ليست كلمة مذمومة على النطاق الإِسلامي، لأن أصولية نسبة إلى الأصول، سواء كانت تلك الأصول أصول الدين، أو أصول الفقه، أو أصول العلم، أو أصول السلوك..، فالأصول مطلوبة، وعلماؤنا قديماً قالوا: (ما حرم الناس الوصول إلاَّ بتضييعهم الأصول).
- لذلك نحن ندعو الناس إلى الأصول، ومن أساسيات الدعوة التي أدعوها فيما أسميه تيار الوسطية الإِسلامية، الاهتمام بالأصول قبل الفروع، والكليات قبل الجزئيات، والمتفق عليه قبل المختلف فيه؛ وهذا ما أدعو إليه؛ فكلمة أصولي لاتخيف ولها في الغرب معنى معين، وحاولوا أن ينقلوها بظلالها إلى هذا المعنى، فالكلمة من حيث هي ليست مذمومة..
- أيضا الَّذي يهمنا هو ما وراء هذه الكلمة؛ ماذا تعني؟ أنا لا يهمني يسموننا رجعيين، متطرفين، متشددين..، لا يهمنا هذا؛ وقديماً قال الإمام الشافعي - حينما دافع عن آل البيت فقالوا هذا رافضي - فقال الإمام الشافعي:
إن كان رفضاً حب آل محمد
فليشهد الثقلان أنِّي رافضي
 
- العبرة بالمسميات والمضامين لا بالأسماء والعناوين.
 
- كنت مرة مع بعض السفراء نتحدث عن الأصولية، وقالوا في تلك الحالة: أنت تعتبر أصولي؛ فقلت: نعم أصولي وابن أصولي.. أنا شيخ الأصوليين؛ فإذا كانت الأصولية هي الدعوة إلى الكتاب والسنَّة، والعودة إلى الجذور، والعودة إلى ما كان عليه سلف هذه الأمة، من فهم للإسلام، وحسن تطبيق له..، والله إن كانت هذه هي الأصولية، فيا رب أحيني أصولياً، وأمتني أصولياً، واحشرني في زمرة الأصوليين.
 
وسأل كل من الأستاذ أمين عبد السلام الوصابي، والأستاذ عبد الله عبد الواحد في نفس المعنى.. أو نفس الفكرة؛ فالأستاذ عبد السلام الوصابي يقول: في هذه الأيام كثر الكلام عن التعامل مع البنوك الأهلية، والفوائد التي تعطى مقابل المبالغ التي يضعها الكثير من الأفراد في البنوك مقابل الاستفادة منها.. الكثير يحرم هذا التعامل ويعتبره تعاملاً ربوياً، أما سؤال الأستاذ عبد الله عبد الواحد فيقول: ما رأيكم في اللغط الَّذي يدور حول البنوك الإِسلامية؟
فأجاب فضيلة الشيخ القرضاوي قائلاً:
- أما موضوع الفوائد التي تعطيها البنوك التقليدية، فقد أجمعت المجامع الإِسلامية الفقهية العلمية، منذ مجمع البحوث الإِسلامية في أوائل الستينيات، في عهد الشيخ محمود شلتوت (رحمه الله) إلى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإِسلامي، إلى مجمع الفقه الإِسلامي بمنظمة المؤتمر الإِسلامي، الَّذي يتولى أمانته العامة، ويديره شيخنا وحبيبنا الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجه، إلى مؤتمرات الاقتصاد الإِسلامي، ومنها: المؤتمر العالمي الأول الَّذي انعقد في مكة المكرَّمة في جامعة الملك عبد العزيز، عندما كانت تشمل جدة ومكة في ذلك الوقت، إلى مؤتمرات المصارف الإِسلامية.. كل هذه المجامع والمؤتمرات قررت أن فوائد البنوك هي الربا الحرام.
- وفي الواقع: كنا نظن أن هذا الملف قد أغلق، وهذه مشكلة من مشاكل أمتنا، أننا لا نكاد نغلق ملفاً، حتى نرجع إلى فتحه من جديد؛ هذا أمر تم بحثه في أوائل هذا القرن، ثارت أشياء وشبهات حول موضوع الربا، ومحاولة ليَّ آيات القرآن لياً، ولي عنانها لتؤيد مثل هذا؛ سورة آل عمران: لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ومحاولة التفريق بين ربا الاستهلاك وربا الإنتاج، ودعوى الضرورة، والقول: (إنَّ ربا العصر غير ربا الجاهلية) وهذه رُدَّ عليها وكتبتْ كتبٌ من رجال الشريعة ومن رجال الاقتصاد، وليس هذا فقط..، وبدأنا في الخطوة العملية - فعلاً - وأنشئت بنوك على غير أساس للفائض الربوي، وكان الاقتصاديون يقولون: إنَّ هذا مستحيل، وأنا أقول إن المستحيل تحقق.
- كنا نظن هذا الملف قد أغلق، ولكن - للأسف - لا نغلق ملفاً للقضايا حتى تعود من جديد وتشب الحرب من جديد، فنبدأ من الصفر؛ كلمة أخرى كما كتب علينا.. كما يقول المثل: (كالحمار في الرحى، أو الثور في الطاحون يسير ويسير، والمكان الَّذي انتهى إليه هو الَّذي ابتدأ منه) فهذه هي المشكلة.
- والموضوع هذا انتهي منه نظرياً وعملياً بقيام البنوك الإِسلامية، وأنا كتبت كتاباً في الرد على ما أثاره أخونا الدكتور محمد سيد طنطاوي مفتي مصر، وكان صديقاً لي وزميلي، ولكن ليست في الحق صداقة وزمالة..، وأنا رددت عليه ردوداً علمية وضمنتها كتاباً اسمه: "فوائد البنوك هي الربا الحرام" أما البنوك الإِسلامية.. فلا شك أن هذه البنوك هي محاولة جيدة لتكون بديلاً عن البنوك التقليدية، التي تقوم على أساس الفوائد الربوية، وهذا أمر نوقن به - أيها الإخوة - أنه لا يوجد حرام يضطر الناس إليه.. لا يوجد حرام، الله لا يحرم على الناس شيئاً يحتاجون إليه، وإذا حرم شيئاً عليهم، فلا بد أن يكون في الحلال ما يغني عن الحرام، وإلاَّ تكون هذه الشريعة عابثة أو جاءت بالإعنات للناس، والله لا يعنت الناس: ولو شاء الله لأعنتكم يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.
- فالبنوك الإِسلامية بديل، ولكن هذا لا يعني أنَّ البنوك الإِسلامية مبرأة وليس فيها عيب.. لا فيها؛ أحياناً يحدث سوء الفهم ويحدث سوء التطبيق، لأن العنصر البشري مهم، وكثير من العناصر التي جاءت للبنوك الإِسلامية جاءت من بنوك ربوية، لأنه ليست عندنا كوادر مدربة، فقهاؤنا يقولون للشباب المسلم المتدين: إياك أن تشتغل في البنك الربوي وسيلعنك الله؛ فالمتدينون لا يعملون في البنوك الربوية، عندما نؤسس بنكاً إسلامياً لا نجد عنصراً يجمع بين الفكرة الإِسلامية والحماس لها، والدربة المصرفية؛ ولذلك ابتليت البنوك الإِسلامية بعناصر لا تفهم المعاملات الإِسلامية فوقعت في أخطاء؛ ولكن هذا لا يعني أنَّ البنوك الإِسلامية كلها أخطاء، بعض الناس يقولون سيحصل كذا.. قلت لهم: لنفرض أن البنوك الإِسلامية فيها 20 خطأ ومخالفات - أو 30 - فهناك 70 مع الإِسلام وذلك خير من 100 تعمل بعيداً عن الإِسلام، فالبنوك الإِسلامية خطوة جيدة على الطريق، لنتخلص من آثار الاستعمار الغربي، وهذه القضية من تلك الآثار التي ورثناها عن النظام الاستعمار الرأسمالي، فورثناها بعجرها وبجرها، والآن آن لنا أن نتخلص منها.
- مقتضى التحرر والاستقلال الحقيقي، أن نتحرر من آثار الاستعمار الاقتصادية والتشريعية، كما تحررنا من كثير من آثاره الأخرى؛ ومما سرني أنَّ بعض الإخوان بلغوني أنَّ شركة الراجحي في هذه المملكة على وشك صدور قوانين لها، وللبركة، ومصرف فيصل الإِسلامي؛ وهذه بشريات، وهذه المملكة هي أهل لهذا، لأنها منذ قيامها أعلنت أنَّها تحكم شرع الله (عزّ وجلّ) ونسأل الله (سبحانه وتعالى) أن يزيدها هدى.
ثم تقدم الأستاذ محمد بشير حداد بسؤاله قائلاً:
- في ضوء انتشار الوعي الإِسلامي في فلسطين والقطاع - قطاع غزة - ألا ترون فجر العزة الإِسلامي يلوح مع الانسحاب اليهودي المحدود مع كل السلبيات التي قضت مضاجعنا؟ وشكراً لكم على تلطفكم بالإجابة.
فأجاب سعادة المحتفى به قائلاً:
- أنا مؤمن بأن العاقبة لنا، والنصر لنا - إن شاء الله - في مواجهة اليهود؛ المعركة بيننا وبين اليهود مستمرة، ولكن النصر في النهاية للمسلمين، وهذا ما جاءت به البشائر النبوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رواه ابن عمر، ورواه أبو هريرة، ورواه أبو أمامة، ورواه غيرهم..، أنه لا بد من معركة فاصلة بين المسلمين واليهود، وهي المعركة التي ينطق فيها الحجر والشجر، فيقول حينما يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر.. فيقول الحجر والشجر: يا عبد الله يا مسلم هذا يهودي ورائي.. فتعال واقتله؛ هل يقول الحجر ذلك بلسان الحال أو بلسان المقال؟ الله أعلم، المهم إنَّ كل شيء سيكون في صف المسلمين وهذا من دلائل النصر؛ حينما يكون النصر مقبلاً يكون كل شيء معك، وحينما تكون مخذولاً - والعياذ بالله - يكون كل شيء ضدك، حتى السلاح الَّذي في يدك، وهذا ما جربناه في سنة 67، كان معنا أسلحة، ولكن الأسلحة لا تقاتل وحدها كما قال الطغرائي في لاميته:
وعادة السيف أن يزهى بجوهره
وليس يعمل إلاَّ في يدي بطل
 
- وكما قال المتنبي:
ولا تنفع الخيل الكرام ولا القنا
إذا لم يكن فوق الكرام كرام
- خيل من غير خيّال، فرس من غير فارس، لا تغني الأسلحة وحدها لا تقاتل، لذلك ما نفعنا والأسلحة معنا؛ عندما يأتي النصر يكون كل شيء معك، وهذا ما تحدث عنه الأحاديث في المعركة المنتظرة بيننا وبين اليهود، وهي قادمة لا ريب فيها، وإنَّ كل شيء سيكون معنا.. حتى الحجر والشجر، ولكن عندما ندخل هذه المعركة، تحت راية العبودية لله تحت شعار العبودية وتحت راية الإِسلام، ولذلك الحجر والشجر يقول: يا عبد الله يا مسلم.. لا يقول: يا أردني ولا يا فلسطيني، ولا يا قومي ولا يا بعثي..، يقول: يا عبد الله يا مسلم؛ هذا ما ينطق به الحجر والشجر، ويكون كل شيء في هذه الطبيعة معه.. المعركة لا بد منها - إن شاء الله - والحديث يقول إنَّ هذا لا يتم إلاَّ في معركة وليس في حل سلمي..
- الأخ الفاضل الَّذي سأل السؤال، يعتبر أنَّ هذا الانسحاب بداية.. رأيي أنا أنَّ الانسحاب ليس البداية، لأن هذا الانسحاب من الأرض ارتضاه اليهود لكثرة المشاكل في غزة، فانسحبوا من أريحا.. لأن عندهم في كتبهم: أنه ملعون فيها من يبني حجراً، الخ.. ليس هذا هو الانسحاب المنشود الَّذي نريده، في الحقيقة أنا لست مرتاحاً للذي تم؛ طبعاً هناك من يؤيد مثل هذا، ولكن كنت أريد أن يكون أمرنا أعظم من هذا؛ لقد ألقيت قصيدة السنَّة الماضية في قطر في معرض الكتاب، وكانت عن مؤتمر السلام الَّذي انعقد؛ كان من ضمنها:
فيا عجبا لمـن يجـري وراء سرابـه النفسـي
يظن لـه بـه ريـاً ويرجـع فـارغ الكـأس
يفرط في دم الشهداء يا للعار والبؤس
يبيع الأرض والتاريخ بالأرخـص مـن فلـس
بحكـم فـي حـمى صهيون يـا للثمن البخس
فلا دولتـه قامـت ولا أبقـى علـى النفـس
فمـا معنى فلسطيـن بلا أقصـى ولا قـدس؟
فلسطين بلا قدس كجثمان بلا رأس
 
- وللأسف، فرابين يوم ذهب لتوقيع الاتفاق، طير لوكالات الأنباء رسالة يبلغها للفلسطينيين، أنَّ القدس ستبقى العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل وللشعب اليهودي، ثم أكَّد هذا في أول كلمته، حيث قال: (جئنا من أورشليم من القدس العاصمة التاريخية والأبدية للشعب اليهودي) وقال: (لا تحلموا أن يخفق علم فلسطين يوماً على القدس..) ما معنى فلسطين بلا أقصى ولا قدس؟ ومع كل هذا يجب ألاَّ نيأس من مستقبلنا، فالمستقبل لنا - إن شاء الله - ولن ينتصر اليهود على المسلمين، ولن ينتصر الهيكل على الأقصى، ولا السبت على الجمعة، ولا التلمود على البخاري، ولا التوراة المحرفة على القرآن المحفوظ، ويأبى الله إلاَّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
 
وقدم الأستاذ زهير كتبي السؤال التالي:
- هل تعتقد أن استخدام مصطلح صحوة إسلامية هو تعبير حقيقي وسليم، يعبر عن العودة نحو خط الالتزام الديني؟
وأجاب فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي على السؤال بقوله:
- المصطلح - كما قلت - والكلمات لا تهمنا كثيراً.. علماؤنا من قديم قالوا: (لا مشاحنة في الاصطلاح) وسموها - أحيانا - اليقظة الإِسلامية، وأحياناً أخرى: النهضة الإِسلامية، أو الإحياء الإِسلامي، ثم سموها: التجديد الإِسلامي، وسموها أخيراً: الصحوة الإِسلامية.. وهذه كلها أسماء متقاربة، تعني عودة الوعي بعد غيابه.
- الصحوة ماذا تعني؟ إما أنه كان سكراناً فصحا، وإما أنه كان نائماً أو منوماً فصحا، أي انتبه وعاد إليه الوعي الغائب، فالأمة غابت أو غيبت عن وعيها بذاتها فترة من الفترات، وسارت وراء الغرب، ودعا داعون أن تنسى الأمة ذاتها، وأن تسير سيرة الغربيين، وتأخذ بالحضارة الغربية خيرها وشرها، وحلوها ومرها..، ما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب؛ ومن ظن غير ذلك فهو خادع أو مخدوع.. هكذا قيل.
- الأمة عادت من الناحية الفكرية، انتشر الوعي الإِسلامي والكتاب الإِسلامي.. الكتاب الإِسلامي هو الكتاب الأول في سوق التوزيع، في كل المعارض التي تقام؛ بلغة الأرقام: إن الكتاب الأول في الانتشار هو الكتاب الإِسلامي، وهذا يجعل بعض الناس يدخلون الساحة وهم ليسوا من أهلها ما دام الفكر الإِسلامي رائداً، فيؤلفون في الإِسلام، وطلعت أشياء غثة إنما كل شيء له آفة.
- من الناحية العقلية والفكرية، هي صحوة عقول وصحوة مشاعر دافقة، اهتمام المسلمين بقضايا الأمة الإِسلامية ما تراه الآن على مستوى المسلمين في العالم؛ خصوصاً الشعوب والجماهير، اهتمام بقضية مثل قضية البوسنة والهرسك، هذا حماس.
- كنت في فرنسا في هيئة الإغاثة الإِسلامية، قال لي بعض الإخوة: جاءنا شباب من أقصى فرنسا من جنوب فرنسا ومعهم تبرعات للبوسنة والهرسك، تبرعات عينية وتبرعات نقدية، وقالوا لنا: (نحن نريد أن نتعلم الصلاة والوضوء، ما دخلنا مسجداً في حياتنا، ولكن رأينا مشاهد إخواننا هؤلاء، فحركت عندنا العاطفة الدينية)، يعني تألمنا لهؤلاء وتحركنا لنفعل شيئاً، نريد أن نكون مسلمين حقيقيين، نريد أن نتوضأ، لا يعرفون حتى الوضوء!! فهذه صحوة مشاعر.. وهي أيضاً صحوة شباب.
- كان الناس الَّذين يعمرون المساجد الكبار في السن، ممن يحال على التقاعد، ويقترب من حافة القبر، ويريد أن يختم حياته بالصلاة والتوبة؛ أما الشباب فما يفكرون بهذا؛ الحج والعمرة، كان الناس وكما قال بعض العلماء هي ختام العمر وتمام الأمر.. أي أن يختم حياته بالحج؛ الآن مواسم الحج والعمرة جمهورها الشباب والبنات في بعض البلاد الإِسلامية - أنتم هنا أكرمكم الله في المملكة - إنما في بلاد أخرى كنا نمشي في العواصم، والله لا تكاد تجد امرأة محجبة، يعني في وقت من الأوقات تراها امرأة أكل الدهر عليها وشرب، ولابسة الَّذي يسمونه المكيروجيب والجابونيز، وغيرها..، والآن تدخل الجامعات وتدخل إلى الكليات والمدارس، وتذهب إلى أماكن العمل في الوزارات والدوائر المختلفة في كل البلاد الإِسلامية، فتجد هؤلاء الفتيات المحجبات الملتزمات اختياراً، ما ألزمهم أب ولا زوج ولا أخ، التزمن من أنفسهن وعدن للحجاب وهذه صحوة التزام، وصحوة غيرة، ودعوة أيضاً..
- وصحوة جهاد.. الجهاد الأفغاني كان من ثمرات هذه الصحوة؛ حركة المقاومة الإِسلامية في فلسطين من ثمار هذه الصحوة؛ الجهاد في الفيليبين من ثمار هذه الصحوة؛ ما تحدثنا عنه من بنوك إسلامية، ومؤسسات إسلامية في مجال الاقتصاد، كل هذا من ثمار الصحوة الإِسلامية؛ هناك صحوة حقيقية.. صحيح يشوب هذه الصحوة - أيها الإخوة - الأفكار المتطرفة والمتزمتة، والتي اهتمت بالجزئيات قبل الكليات، وبالفروع قبل الأصول، وبالنوافل قبل الفرائض، وبالمختلف فيه قبل المتفق عليه، وبالهدم قبل البناء، وبكذا وبكذا.. هذه موجودة..، وأنا في الحقيقة - وأعوذ بالله من قولة أنا - في سنواتي التي مضت هذه، جعلت من أكبر همي - كما أشار شيخنا حفظه الله - ترشيد هذه الصحوة الإِسلامية، كما ذكر أخي الشيخ عبد المقصود في المقدمة؛ لأن هذه الصحوة من أعظم الأشياء في عالمنا الإِسلامي.
- أنا قلت في مصر: - في وقت من الأوقات - والله أهم ما في مصر الآن ليس الهرم، وليس كذا..، ولكن هذا الشباب المؤمن المصلي الصائم؛ ولكن من الخطر جداً هؤلاء الَّذين يريدون أن يخربوا مسيرة الصحوة بهذه الأفكار، وبهذه الأعمال التي لا يرضى عنها عقل ولا دين؛ وما يخشى أن تتآكل الصحوة من الداخل قبل أن تضرب من الخارج، بل الضربة من الخارج كثيراً ما يهيئ لها هذا الانحراف في الداخل، فالصحوة الإِسلامية حقيقة، وهي شيء عظيم، ولذلك ينبغي أن نحرص على ترشيد تسديد خطا هذه الصحوة، حتى لا تنحرف عن الطريق، وحتى تؤتي أكلها - إن شاء الله.
 
ثم تقدم الأستاذ عبد الله عبد الرحيم السويلم بالسؤال التالي:
- ما وجه الخلاف في فقهكم بين كتابكم الحلال والحرام، وبين من خالفكم؟.
وأجاب المحتفى به على سؤال السائل بقوله:
- الخلاف بيني وبين بعض الإخوان يقولون عن كتابي هذا: "كتاب الحلال والحرام في الإِسلام" إن الأولى أن يكون عنوانه: "الحلال والحلال في الإِسلام" فقلت لهم: اعملوا كتاباً آخر سموه: "الحرام والحرام في الإِسلام" لأنهم لا يريدون أن يتركوا حلالاً، يريدون أن يضيقوا في الحلال، وأنا أريد أن أضيق في الحرام.. لأن الأصل الحل؛ ربنا لم يحدد الحلال وإنما حدد الحرام، وكل ما عدا ذلك فهو حلال؛ الأصل في الأشياء والتصرفات الإباحة، ثم إلى الحرام أشياء محدودة، وتحريم الحلال مشكلة.
- أنا منهجي التشديد في الأصول والتيسير في الفروع، وإذا كان هناك قولان متكافئان أو متقاربان، أحدهما أحوط والآخر أيسر، فأنا أفتي بالأيسر لا بالأحوط، يمكن أن أوصي بالأحوط لبعض الخاصة من الناس.. لأصحاب العزائم؛ إنما الَّذي يفتي لعموم الناس وفيهم حديث العهد بالإِسلام، وحديث العهد بالتوبة، وفيهم الضعيف..، لا بد أن يراعي حال هؤلاء وييسر لهم.
- بعض الناس يقول: ما دليلك لاختيار الأحوط أو الأيسر؟ قلت له: دليلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما.. فالتيسير مطلوب دائماً.. خصوصاً في عصرنا، حتى لا ينفر الناس من الدين.
- أنا أريد أن أشد الناس إلى الدين ولو بخيط رقيق، أنا أعتبر أن من يؤدي الفرائض ويجتنب الكبائر في صف الدين، حتى لو ما يعمل بعض السنن أو يرتكب بعض المكروهات،. أو بعض الصغائر؛ لأن الصغائر تكفرها الصلوات الخمس والصدقات، ويكفرها اجتناب الكبائر نفسه: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه يكفر عنكم سيئاتكم أنا يهمني أن الإنسان يجتنب الكبائر وبعد ذلك يترقى؛ النبي صلى الله عليه وسلم سأله أحد الأعراب عن الإِسلام؟ فقال: الإِسلام أن تصلي خمس صلوات في اليوم والليلة، قال هل علي غيرها؟ قال لا إلاَّ أن تطوع؛ ثم قال له عليك الزكاة، قال هل علي غيرها؟ قال لا إلاَّ أن تطوع؛ وصوم رمضان؛ ثم قال له هل علي غيره؟ قال لا إلاَّ أن تطوع.. وعلمه الفرائض؛ فقال: يا رسول الله: ولن أزيد على هذا ولا أنقص منه؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق".
- وفي حديث آخر: "من سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.." طبعاً هذا لا يقبل من أبي بكر أو عمر، إنما الداخل في الإِسلام يكفينا منه، ثم هو يترقى بعد ذلك؛ الأول: أمسكه على الفرائض، ثم يؤدي النوافل.. أقول له: اترك الكبائر، ثم بعد ذلك سيترك الصغائر، ويترك المشتبهات، وبعد فترة سيترك المكروهات، وبعد ذلك يترك بعض الحلال بالترقي، وإنما ليس من أول الأمر أطالبه بهذه الأشياء، فأنا منهجي، أيها الإخوة التيسير والناس يختلفون في هذا؛ عرف تراثنا الفقهي شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس، ابن عمر كان متشدداً على نفسه وعلى الناس، كان يبعد الأطفال عنه خشية أن يسيل لعابهم عليه، ابن عباس كان يأخذ الأطفال ويحتضنهم ويقول: إنما هم رياحين نشمها؛ كان ابن عمر يزاحم على الحجر الأسود حتى يدمى، مثل إخواننا الأشداء الَّذين يأتون من أفريقيا ويزاحمون على الحجر، ويضرب يميناً ويساراً، كان ابن عمر يزاحم حتى يدمى، فسألوه لماذا تفعل ذلك؟ لم لا تترك الآخرين الَّذين يأتون من بعيد، لأنهم مشتاقون إلى الحجر ويزاحمون عليه، إنما أنت في المدينة ومكة؟ فقال هفت الأفئدة إليه.. فأحببت أن يكون فؤادي معهم، أما ابن عباس فكان لا يؤذي ولا يؤذى.
- هذه طبيعة الناس، أحدهم ميسر والآخر مشدد، مثل سيدنا موسى وسيدنا هارون، فسيدنا موسى شديد في كل شيء، شدة في الله.. إنما هي طبيعته، لقي الرجل فوكزه فقضى عليه فقال: إنما هذا من عمل الشيطان؛ ولقي قومه يعبدون العجل فألقى الألواح من الغضب، والألواح هذه هي ألواح التوراة كلام الله، وإنما من غضبه ألقاها على الأرض، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، أخوه هذا ليس رجلاً من البشر بل رسولاً مثله، أخذ بلحيته؛ قال: يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي أنا أحببت أن أحافظ على وحدة الجماعة حتى تأتي ونتفاهم في علاج هذه المشكلة.
- فلا يمكن أن يكون الناس طبيعة واحدة، بعض الناس في طبيعتهم خشونة أو شدة، أو غلظة، فينعكس هذا على فقههم؛ أنا مع ابن عباس ولست مع ابن عمر، مع حبي للاثنين (رضي الله عنهما) وأتمنى أن أكون تحت أقدامهم، لكني أنا أرى منهج التيسير، وأرى خدمة الإِسلام في هذا العصر لا تكون إلا بالتيسير؛ ليس معنى التيسير - أيها الإخوة - أن نلوي أعناق النصوص كما يفعل بعض الناس، أو نحول المحكمات إلى متشابهات، أو القطعيات إلى ظنيات..، هذا ما أرفضه تماماً، وأحمد الله أنَّ هذا ليس من نهجي، ولكن البحث عن المخارج وعن أسباب لليسر؛ وكما قال الإمام سفيان بن سعيد الثوري وهو إمام في الفقه كان له مذهب؛ وإمام في الحديث كان يسمى: أمير المؤمنين في الحديث؛ وإمام في الورع.. هذا الإمام نقل عنه الإمام النووي في مقدمات المجموع هذه المقولة التي - دائماً - أحب أن أسجلها وأذكرها، وأذكِّر بها أيضا: إنه قال: (إنما الفقه الرخصة من ثقة؛ أما التشديد فيحسنه كل أحد.. أن تقول حرام حرام فمسألة سهلة..).
- فأنا أرجو أن أكون من الميسرين، وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين" وحينما بعث أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن قال: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا.." وروى عنه أنس (رضي الله عنه) قال: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا.." فأنا منهجي التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة، لا أنفر وإنما أبشر، ولا أعسر وإنما أيسر، وأسأل الله أن أكون على صواب.
 
وسأل الأستاذ مصطفى عطار الضيف قائلاً:
- سماحة الشيخ الجليل، أرجو أن تتحدثوا بإيجاز عن مركز السيرة الَّذي تتحملون مسؤوليته المباركة، كما أرجو أن تعملوا على عرض مجلة المركز بمخازن بيع المجلات والكتب، لأهمية المجلة وأبحاثها بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟.
فأجاب سماحته قائلاً:
- مركز بحوث السنَّة والسيرة النبوية في قطر، أنشئ بناء على توصية من المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنَّة النبوية، الَّذي انعقد في الدوحة عاصمة دولة قطر في أوائل هذا القرن، احتفاءاً بمقدم القرن الخامس عشر الهجري؛ انعقد مؤتمر عالمي للسنَّة والسيرة، وكان من توصياته إنشاء مركز للسنَّة والسيرة لخدمة السنَّة والسيرة، وجعل له عدة أهداف، من هذه الأهداف: العمل على إصدار موسوعة عصرية للسنَّة النبوية، تشتمل على الصحاح والحسان من الأحاديث، ومخرجة، ومبوبة تبويباً عصرياً، ومفهرسة فهرسة علمية مفيدة للقارئ المعاصر، الخ..
- فقام هذا المركز، وأصدرت أنا في هذا الموضوع كتيباً اسمه: (نحو مشروع موسوعة الحديث النبوي) وذكرت الأشياء التي لا بد منها لقيام موسوعة للحديث النبوي، والخطوات التي يجب اتباعها، ومشينا خطوات وأصدرنا بعض الكتب، منها كتاب: "المنتقى من الترغيب والترهيب" للحافظ المنذري، وأنا عملت هذا الكتاب، انتقيت الصحيح والحسن، وعلقت عليه عندما يحتاج الأمر إلى تعليق، وأصدرنا - أيضاً - كتابا في السيرة الصحيحة على منهج المحدثين، لأخينا الباحث العالم الدكتور أكرم ضياء العمري؛ ومجلة المركز تصدر باستمرار، ومنذ ثلاث سنوات عقدنا ندوة للعاملين في خدمة السنَّة.
 
- الحقيقة بعد إنشاء مركز قطر قامت عدة جهات إسلامية وعلمية بعمل مراكز مماثلة، ولعل بعضها - في الحقيقة - أكثر إمكانيات منا، من حيث عدد الباحثين، وعدد الأجهزة، والإمكانات المالية، كما في المدينة المنورة وفي القاهرة مؤسسة اقرأ، ومركز الشيخ صالح؛ فجمعنا الإخوة الَّذين يشتغلون في هذه الناحية، سواء كانوا مراكز أو شخصيات، لأن هناك بعض شخصيات مهتمة، مثل: أخينا الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، الَّذي يعمل في هذا منذ سنوات، وأخينا الدكتور عبد الملك بكر قاضي، في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وبعض العاملين؛ وظللنا عدة أيام، وحضر معالي الأخ الحبيب الدكتور: محمد عبده يماني، ومعه الأخ الشيخ: صالح كامل أيضاً وتحادثنا وتباحثنا، وأصدرنا توصيات مهمة، ومنها: أن ينشأ اتحاد للعاملين في خدمة السنَّة للتنسيق والتعاون، لأن مشكلتنا أن هناك أشياء كثيرة، ولكن لا تعاون ولا تنسيق بينها.
 
- فعملنا مشروع نظام أساسي لهذا الاتحاد، واتفق الإخوة على أن يكون المقر في القاهرة كمكان وسط، ونظراً لأن الأخ صالح كامل له وساطته ووجاهته عند المسؤولين بالقاهرة، فسعى حتى كاد أن يصل إلى نتيجة، ولكن يبدو أن هناك تخوفاً من كل ما هو إسلامي، مع أن الأمر علمي ولا مجال فيه للسياسة ولا للأصوليين..، ولا يزال الموضوع معلقاً حتى اليوم.
- نحن نقوم بأنشطتنا، وندرب بعض العاملين والعاملات - في المركز - والباحثين المتدربين والباحثات المتدربات، على الأعمال العلمية، وأعمال التخريج للأحاديث، وأعمال التحقيق، وهذا ما يشغلنا في هذه الفترة مع إصدار البحوث، ومنها: بحث - الآن - أعده للمركز عنوانه: (السنَّة مصدر للمعرفة والحضارة) يقول البعض إن السنَّة مصدر للتشريع، ولكن السنَّة مصدر للمعرفة والحضارة، وللفقه الحضاري، والسلوك الحضاري، والبناء الحضاري، وللمعرفة في أنواعها المختلفة..، وهذا الأمر أبحث فيه ويكاد ينتهي قريباً - إن شاء الله - وأسأل الله المعونة.
 
وقدم الأستاذ نبيل عبد الله نصيف السؤال الآتي:
- تقوم الأمم وتتقدم وتتطور، بسبب تقديسها للفكر والبحوث في المجالات الدنيوية من علوم مختلفة، والأمة الإِسلامية بما لديها من كنوز فقهية، كإطار عام ينظم حياة المجتمع المسلم ويميزه عن غيره؛ فأين أمة الإِسلام من هذا التقديس للفكر والبحث العلمي، وبناء المؤسسات المختلفة، التي تساهم في بناء المجتمع المسلم العادل، وحتى تأخذ الأمة مكانتها اللائقة بها كخير أمة أخرجت للناس؟
 
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- لا شك أنَّ الأمة فيها عناصر كثيرة قادرة على الفكر والبحث، وشخصيات علمية في مختلف النواحي، ولها إنتاجها الخاص، ولا ينبغي أن نبخس الناس أشياءهم، ولا أن ننظر إلى أنفسنا - دائما - نظرة دونية ولكن هناك قصور وتقصير كثير في جوانب شتى، يعني إذا نظرنا إلى الجانب العلمي بالمعنى العصري، العلم المادي والتكنولوجيا - وهذه الأشياء - نحن متخلفون للأسف، الأمة الإِسلامية في مجموعها محسوبة على عالم التخلف، أو البلاد النامية كما يسمونها، يعني البلاد النامية تعبير مؤدب للبلاد المتخلفة، لم يريدوا أن يشتمونا فقالوا: البلاد النامية، وبعض إخواننا يقول: هي البلاد النايمة؛ لكن حصل خطأ مطبعي فقدم الميم على الياء، لأننا ما زلنا نائمين فعلاً، بيننا وبين القوم مسافات ومسافات، العالم - الآن - في أواخر عصر الصناعة، عصر الصناعة الأول كانت الآلة فيه تعمل على توفير الجهد البدني للإنسان، بدلاً من أن يحمل الإنسان على كتفه، تقوم الآلة بالعمل، بدلاً من أن يمشي على رجليه تحمله السيارة، وبدلاً من أن يكتب بيده تقوم المطبعة بذلك؛ الآن الآلة ليس مهمتها توفير الجهد البدني، بل توفير المجهود الذهني العقلي للإنسان.
 
- نحن في عصر الكمبيوتر، وإخواننا الكمبيوتريون يقولون: إن الكمبيوتر أجيال؛ ونحن في الجيل السادس أو السابع، بعد أن كان الكمبيوتر في حجرة كاملة وإمكاناته قليلة، وغالي الثمن جداً، أصبح ضئيل الحجم، رخيص ثمنه، وكثرت إمكاناته، أصبح يوفر لك الجهد الذهني، بدلاً من أن تجلس في العملية الحسابية لمدة شهر، يعطيك النتيجة في وقت وجيز؛ نحن نريد أن نستخدمه في موسوعة السنَّة النبوية، ونريد أن نستخدم فيها الحاسوب.
 
- أيضاً من اللطائف التي أذكرها: أنَّهم اخترعوا الكمبيوتر، ونحن حتى الآن لم نتفق على تسمية لهذا الشيء، هل هو الحاسب الآلي، أم الدماغ الإلكتروني، أو العقل الإلكتروني، أو المحساب، أو الحسابة، أو الحاسوب؟
 
- أين نحن من القوم؟ بيننا وبينهم مسافة، نحن نركب حصاناً، أو جملاً وهم يركبون السيارة، وحين ركبنا السيارة ركبوا الطيارة، وحين أخذنا نركب الطيارة ركبوا الصاروخ، الواقع نحن لا نركب سيارة ولا طيارة ولا صاروخاً، لأننا لم نصنع شيئاً، فالطيارة طيارتهم، والسيارة سيارتهم؛ القادرون منا يستطيعون أن يركبوا أفخم السيارات، ويشتروا أفخم الأجهزة، ولكن هل هذه هي الحضارة ما دمنا لم نصنع شيئاً؟
- نحن لم نحسن الصناعات الحربية ولا المدنية، وأصبحنا عالة على غيرنا، نحن متأخرون ويقال عنا العالم الثالث، ولو كان هنالك عالم رابع لوصلنا إليه؛ هل هذا لنقص ذاتي فينا؟ هل نحن أغبياء؟ نحن لسنا أغبياء.. هل الإِسلام هو السبب كما يريد بعض الناس؟ كلا.. وإلاَّ لما تقدم المسلمون يوم حملوا راية لا إله إلا الله فقد فتحوا الفتوح وأقاموا حضارة عالمية شامخة، جمعت بين العلم والإيمان، ومزجت بين الروح والمادة، ووصلت بين الأرض والسماء، ووفقت بين الدنيا والآخرة، وحرية الفرد ومصلحة المجتمع، حضارتنا الإِسلامية التي اقتبس منها الغربيون ما اقتبسوا، المنهج العلمي التجريبي، هذا الَّذي ينسب إلى فرانسيس بيكون، أو: روجر بيكون، هذا منهج الحضارة العربية الإِسلامية، ومؤرخ علمي شهدوا أنه مأخوذ من المسلمين؛ هذا ليس نتيجة نقص ذاتي عندنا، إنما هو لأسباب مختلفة بعضها يرجع إلى كسل، وبعضها يرجع إلى نقص المناهج التعليمية، والأنظمة التعليمية التي تعنى بتخريج موظفين ولا تهتم بالبحث، وكذلك بعضها يرجع إلى المناخ العام، المناخ السياسي والفكري والاجتماعي.
- في الأدب العربي قصة معروفة، قصة عنترة بن شداد العبسي، حينما كان يعامله أبوه معاملة العبيد لأنه أسود اللون، وكان يرعى الإبل حتى أغارت بعض القبائل على بني عبس وهزموهم، حتى كادوا يدخلون البيوت ويسبون الحريم، وعنترة واقف يتفرج؛ وعندما طلب منه أبوه أن يحارب، فقال له: (يا أبت، العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلب والصر) أي يستطيع أن يحلب الناقة، ولكن ليس له دعوة بالكر؛ فقال له أبوه: كر وأنت حر؛ فامتشق حسامه وامتطى جواده، وبدأ يواجه المغيرين ويردهم حتى كسب الجولة، وانتصر بنو عبس وانهزم المغيرون، وأصبح فارس بني عبس وفارس العرب، هذا من كلمة ردت إليه كرامته، تعامل الناس كعبيد، العبيد لا ينتجون ولا يصنعون شيئاً ذا قيمة.
 
- أحد الحكام العرب - في وقت من الأوقات - تحمس وجاء بالإخوة - الَّذين يعملون في أمريكا، وكندا، وبلاد الغرب - من حملة الدكتوراة، ومن نوابغ من يسمى نزيف العقل العربي والإِسلامي، آلاف وعشرات الآلاف من العقول المهاجرة، لأنها لم تجد في بلادها مكاناً يصلح لهم فهاجرت؛ هذا الحاكم - يمكن تعرفونه - جمع هؤلاء وقال لهم: نريد أن نقيم مدينة علمية، ونجمع الاختصاصات والكفايات المختلفة؛ فهم أول ما وصلوا إلى العاصمة أخذوا جوازاتهم، فأصبحوا لا يستطيعون أن يتحركوا إلاَّ بتصريح، وعندما يقولون: نريد أن نسافر يقول لهم: لم تسافرون؟ فأحسوا كأنهم أسرى، وأنهم مسجونون، وأصبحوا رهن إشارة هذا الحاكم؛ فلذلك حينما أتيحت لهم أول فرصة، ركبوا الطائرة وقالوا كما قال الشاعر العربي قديماً:
عَدَسْ (1) ، ما لعباد (2) عليك إمارة
أمنتِ (3) وهذا تحملين طليق (4)
- ولم يعودوا إليه مرةً أخرى.
- ولكي ندخل عصر التكنولوجيا المتطورة، عصر ثورة البيولوجيا، وعصر الكمبيوتر، وعصر غزو الفضاء وعصر.. وعصر.. هذا لا نستطيع أن ندخله فرادى، قطر تعمل تكنولوجيا وحدها أو الإمارات أو السعودية؟ حتى العرب وحدهم لا يكفون؛ في الوقت الحاضر: الدول الكبرى تشترك، الدول الصناعية الكبرى إذا أرادت أن تصنع طائرة متطورة، تشترك أكثر من دولة من هذه الدول لصنع هذه الطائرة المتقدمة؛ هذا هو المطلوب، أمَّا أن نريد أن ندخل عصر التكنولوجيا المتطورة كل بلد وحده فهذا لا يمكن، لذلك لا بد من وحدة وتنسيق، وتعاون في هذه المجالات، إذا أردنا أن نعيش أو يكون لنا وزن في هذه الحياة؛ إذا عالجنا هذا يمكن أن يكون لنا شأن في البحث والعلم والتكنولوجيا - إن شاء الله-.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :633  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.