شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 51 ـ (1)
والعبرة تأتينا اليوم من عالم الحيوان.. عظة لعالم الإنسان.. ومثالاً صادقاً ومؤكداً.. أن المكر لا يحيق إلا بأهله.. حتى في دنيا الحيوانات.
ويحكى.. أن ثعلباً كان يسمى.. ظالماً.. وكان له جحر يأوي إليه وكان مغتبطاً به.. فخرج يوماً يبتغي ما يأكل.. ثم رجع فوجد في جحره حية فانتظر خروجها منه فلم تخرج فعلم أنها استوطنته.. وذلك أن الحية لا تتخذ جحراً.. بل إنها إذا ما أعجبها جحر جاءته فاغتصبته وطردت من به من الحيوان.. ولهذا قيل.. فلان أظلم من حية..
فلما رأى الثعلب ظالم أن الحية قد استوطنت جحره ولم يمكنه السكن معها ذهب يطلب لنفسه مأوى آخر.. فانتهى به السير إلى جحر حسن الظاهر في أرض منيعة ذات أشجار ملتفة وماء معين.. فأعجبه وسأل عنه ـ فقالوا ـ هذا الجحر يملكه ثعلب اسمه.. مفوض ـ وأنه ورثه عن أبيه ـ فناداه ظالم فخرج إليه ورحب به وأدخله إلى جحره وسأله عن حاله فقص عليه خبره مع الحية فرقَّ له قلب مفوض وقال له.. الموت في طلب الثأر خير من الحياة مع العار. والرأي عندي أن تنطلق معي إلى مأواك الذي أخذته الحية غصباً حتى أنظر إليه لعلّني أهتدي إلى مكيدة تخلص بها مأواك.. فانطلقا معاً إلى ذلك الجحر، فتأمله مفوض وقال لظالم.. اذهب معي فبت الليلة عندي لأنظر ليلتي هذه فيما يسنح من الرأي والمكيدة.. ففعلا ذلك.
وبات مفوّض مفكراً في الموضوع مهتماً بأمر زميله في إخلاص وحسن نية بينما أخذ ظالم يتأمل مسكن مفوض فرأى من سعته وطيب هوائه وحصانته ما أطمعه فيه واشتد حرصه عليه.. وطفق يدبر في حيلة اغتصابه لنفسه بدلاً من جحره.. ونفي مفوض عنه..
فلما أصبحا.. قال مفوّض لظالم إنني رأيت ذلك الجحر الذي اغتصبته منك الحية بعيداً عن الشجر والماء فاصرف نفسك عنه.. وهلمّ أعينك على احتفار جحر في هذا المكان المشتهى. فقال ظالم هذا غير ممكن لأن لي نفساً تهلك لبعد الوطن حنيناً إليه.. فلما سمع مفوض ما قاله ظالم وما تظاهر به من الرغبة في وطنه.. قال له إني أرى أن نذهب يومنا هذا فنحتطب حطباً ونربط منه حزمتين، فإذا جاء الليل انطلقنا إلى بعض تلك الخيام فأخذنا قبس نار واحتملنا الحطب والقبس إلى مسكنك فنجعل الحزمتين في بابه ونضرم النار فإن خرجت الحية احترقت. وإن لزمت الجحر قتلها الدخان!
فقال له ظالم.. هذا نعم الرأي.. فذهبا واحتطبا حزمتين.. ولما جاء الليل انطلق مفوض إلى ظاهر تلك الخيام فأخذ قبساً فعمد ظالم إلى إحدى الحزمتين فأزالها إلى موضع غيبها فيه ثم جر الحزمة الأخرى إلى باب مسكن مفوض نفسه فسده بها سداً محكماً وقدر في نفسه أن مفوضاً إذا أتى جحره لم يمكنه الدخول إليه لحصانته فإذا يئس منه ذهب فنظر لنفسه مأوى جديداً.. وكان ظالم مع هذا قد رأى ببيت مفوض طعاماً ادخره لنفسه فعوّل على أن يقتات به إن حاصره مفوض وهو من داخل.. وأذهله الشره والحرص عن فساد هذا الرأي..
أما مفوض فحين جاء بالقبس ولم يجد ظالماً ولا وجد الحطب فقد ظن أن ظالماً قد حمل الحزمتين تخفيفاً عنه وأنه سبقه إلى مسكنه هو الذي فيه الحية إشفاقاً عليه وعدم تكليف له فشق ذلك عليه وظهر له من الرأي أن يبادر لمعونته فوضع القبس بالقرب من الحطب ولم يشعر أن الباب مسدود لشدة الظلمة فما بعد عن الباب إلا وضوء النار وشدة الدخان قد لحقا بالجحر وغطيا مدخله..
فعاد وتأمل الباب.. فرأى الحطب قد صار ناراً.. وحينذاك علم مكيدة ظالم وأنه أراد اغتصاب بيته منه بما عمل.. فاحترق داخل الجحر وحاق به مكره.. فقال مفوض عن ظالم:
هذا هو الباحث عن حتفه بظلفه.. وصبر حتى انطفأت النار.. فدخل جحره وأخرج جثة ظالم فألقاها.. واستوطن مأواه.. آمناً.. مطمئناً قرير العين!..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :648  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 104 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.