شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور إبراهيم عالم وهو المحتفى به الثاني ))
ثم جاء دور الدكتور إبراهيم عالم ليلقي كلمته فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم..
 
- شكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود خوجه؛ وشكراً لمعالي صديقنا وأخينا الدكتور خالد عبد الغني؛ وشكراً لزميلي الدكتور مصطفى معمر الَّذي ألقى الضوء على هذه الرحلة.. رحلة القطب الجنوبي، وأعطاها حقها، وأعفاني من مسؤولية لا أستطيع أن أقوم بالدور الَّذي قام به في هذا العرض الشيق؛ وشكراً للحضور، وشكراً لجريدة عكاظ لمتابعتها - بالمناسبة - لبعثة القطب الجنوبي، وخاصةً الأخ محمد الهتار.
- وعلى أي حال: لا شك أن البعثة للقطب الجنوبي لها أهداف كثيرة، ونتمنى أن نقوم ببناء محطة في القطب الجنوبي، لما لذلك من أهمية، وما يتبع ذلك من تخطيط للمستقبل، يفيد المملكة العربية السعودية والعالم الإسلامي عامة.
- بالنسبة للقطب الجنوبي - الحقيقة - كان بداية انطلاقة - أيضاً - لرحلة للقطب الشمالي، وبعد عودتنا إلى المملكة العربية السعودية جاءتنا دعوة للمشاركة في رحلة القطب الشمالي، وسوف نستعرضها بسرعة، إضافةً إلى بعض الأمور المهمة من الناحية العلمية، التي نستطيع أن نقوم بها داخل بلادنا، مثل مكافحة بقعة الزيت، وحرائق النفط، والتلوث الناتج عنها، وما إلى ذلك من شرائح سريعة، سوف نتعرض لها خلال الدقائق القادمة، ولن نستغرق من وقتكـم الشيء الكثير - إن شاء الله -.
- أحب أن أشير إلى بعض الأمـور - أيضاً - المهمة، بالنسبة للقطب الجنوبي إنه يحتوي على 90% من الجليد في العالم، ويحتوي على 75% من المياه العذبة في العالم؛ والنقطة التي هي القطب الجنوبي الجغرافي، هي النقطة التي تدور حولها الأرض؛ أي إذا وقفت في ذلك المكان، فالأرض تدور حولك، وإذا درت حول نفسك فأنت تدور حول العالم، تلك هي النقطة التي تمر فيها جميع خطوط العالم - أي خطوط الطول - وهي النقطة التي لا توجد أي نقطة جنوبها، فجميع النقاط شمالها؛ وبالمناسبة.
- نحن بدأنا حياتنا بدراسة اللغة العربية وانتهينا باللغة الإنجليزية، فأرجو من إخواننا الأدباء أن يسامحونا إذا رفعنا المفعول به أو نصبنا الفاعل، وأحب أن أستعرض معكم رحلة القطب الشمالي.
 
- هناك خطأ شائع في الجغرافيا، وهو أن القطب الجنوبي محيط وأن الشمالي محيط؛ فالحقيقة أن الشمالي هو محيط متجمد، أي بحر وعليه صفائح جليدية، يبلغ سمكها من 20م إلى 50م، حسب الجو؛ أما القطب الجنوبي فهو قارة يبلغ طولها 6000 كم وعرضها 4000 كم، ويبلغ سمك الجليد فيها في بعض الأماكن إلى 7 آلاف متر؛ وبلغت أدنى درجة حرارة 89م تحت الصفر، وسرعة الرياح فيها المسجلة 300 كم/ ساعة.
 
- وأحب أن أنتقل إلى الشرائح: رحلة القطب الشمالي تمت بدعوة من مجموعة دولية، ومثّل هذه المجموعة علماء من الاتحاد السوفيتي، ومن الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ألمانيا، ومن المملكة العربية السعودية، وسويسرا، وفرنسا، وحوالي ثمان دول؛ وبدأت الرحلة من الاتحاد السوفيتي في مدينة اسمها مورمسك - وكتب عنها الكثير في خط عرض 70 -؛ وتمت الرحلة على سفينة ذرية، تختلف كثيراً عن الرحلة التي قمنا فيها مع الدكتور مصطفى معمر في السفينة الشراعية.
- السفينة الذرية هذه - أو كاسحة الجليد الذرية - يبلغ طولها 170 متراً، وارتفاعها حوالي70 متراً، وتعمل بالطاقة الذرية، ولو كانت تعمل بالطاقة الاعتيادية لما أمكن الوصول إلى القطب الشمالي؛ وتعتبر أول رحلة يشارك فيها العالم الحر قبل انكسار الاتحاد السوفيتي، أي قبل أن تنفصل روسيا وتتكون الدويلات الموجودة حالياً، فكانت أول رحلة عالمية يشارك فيها علماء وصحفيون من خارج الدول الشيوعية في ذلك الوقت، وكانت بداية للانفتاح إلى العالم الخارجي؛ وغرفة القيادة في هذه الكاسحة الجليدية بحجم سفينة الأبحاث، أو السفينة القطبية التي سافرنا عليها إلى القطب الجنوبي، كما شرح الدكتور مصطفى.
- في بداية الرحلة تبادلنا التذكارات مع قائد السفينة، وهذه السفينة دشنها الرئيس جورباتشوف قبل الانطلاقة بعدة شهور، ووضعنا علم المملكة العربية السعودية في غرفة الضيوف؛ السفينة كبيرة في حجمها - كما ذكرنا - وسميكة وتهشم الجليد، كما يهشم الإنسان قشر البيض؛ وفيها فقاعات هوائية تسمح بالمرونة، أو بنوع من اللزوجة بين السفينة والطبقات الجليدية التي تكتسحها؛ وفي هذه الرحلة لم نعان ما عانيناه في رحلتنا إلى القطب الجنوبي، وفي هذه الرحلة شاهدنا الكثير من المسطحات التي يبلغ سمكها - في بعض الأحيان - من 4 أمتار إلى 6 أمتار؛ وهي تتهشم تحت ضغط السفينة، ونسمع صوتاً مستمراً.. صوتاً مزعجاً، هو صوت الانكسارات المتتالية.
- والعجيب في هذه السفينة، على الرغم من أنها سفينة ذرية، إلاَّ أن الإشعاع الَّذي يصل إلى ركاب السفينة وداخل السفينة حسب القياسات، أقل من الإشعاع الَّذي يحصل عليه الإنسان في الأماكن العادية المبنية من الخراسانة؛ وسيلة الانتقال من خارج السفينة إلى الجزر كانت طائرة الهليكوبتر؛ في حين كنا نستخدم القارب المطاطي في سفينة الأبحاث في القطب الجنوبي؛ وتستخدم هذه السفن في الاتحاد السوفيتي في فتح الطريق لقوافل المؤن للمناطق الشمالية.
- في المناطق الشمالية توجد محطات للاتحاد السوفيتي، وهناك هدف تجاري بفتح الممر الشمالي الشرقي من ناحية اليابان، وكان هذا من أهداف الرحلة هذه لتعريف العالم بوجود إمكانية فتح الطريق لليابان، بحيث تستطيع تصدير بضائعها إلى أوروبا عن طريق شمال الاتحاد السوفيتي، أو عن طريق القطب المتجمد الشمالي؛ وهنالك العديد من المناظر الجميلة، وكانوا يستخدمون الأقمار الصناعية لتحديد أسهل الطرق التي تستطيع أن تخترقها السفينة بواسطة الأقمار الصناعية؛ أما الطائرة الهليكوبتر فكانت تستخدم لرؤية الطريق في المقدمة.
- وعندما كنا ننزل في الجزر، كان الواحد يحمل أسلحة كمسدس وسبب حمل الأسلحة في القطب الشمالي، هو وجود الدب القطبي الشمالي متقلب المزاج، والَّذي يستطيع أن يفتك بالإنسان، فكانوا دوماً يحملون معهم مسدسات لحماية ركاب السفينة.
- وكما تشاهدون هنالك الكثير من الثلوج، وكان الروس - في هذه الرحلة - يتحدثون كثيراً عن إمكانية نقل الجليد من القطب الشمالي إلى المملكة العربية السعودية؛ بدلاً من نقله من القطب الجنوبي إلى المملكة العربية السعودية، ولكن حقيقة: إن الجبال الجليدية في القطب الجنوبي تفوق كثيراً الجبال الجليدية الموجودة في القطب الشمالي، وبعض البحيرات المائية الموجودة هناك تستطع أن تمشي عليها، ويوجد بها ماء عذب صالح للشرب.
- وفي أثناء رحلتنا إلى القطب الشمالي حصل الغزو للكويت لسوء الحظ، وأعتقد أن رحلتنا لم تلق نصيبها من التغطية الإعلامية لهذا السبب؛ وكان ذلك في يوم 2 أغسطس وهو تاريخ بداية غزو الكويت، وكانت عائلتي في الظهران، وكنت متجهاً إلى القطب الشمالي؛ وكانت تأتينا الأخبار من وكالة تاس التي تترجمها الفئة الروسية إلى قائد السفينة، الَّذي يتحدث إلى الألماني، الَّذي كان يترجمها باللغة الإنجليزية ليخبرني بها وأنا أتحدث العربية؛ فكانت الأخبار تأتي بشكل صعب.
- وعلى أي حال - والحمد لله - ففي يوم 8 أغسطس 1989 وصلنا إلى القطب الشمالي؛ القطب الشمالي هو عكس القطب الجنوبي؛ إذ هو النقطة التي تدور حولها الأرض، وجميع الخطوط.. خطوط الطول تمر فيها؛ ووصلنا إلى هذا المكان بواسطة السفينة كاسحة الجليد، أما بالنسبة للجنوبي لا تستطيع السفينة - بطبيعة الحال - أن تخترق جليداً سمكه 4000م إلى 7000م؛ والحمد لله.. الله أكرمني بالصلاة على القطبين ورفعت الأعلام.
- وفي الحقيقة: في القطب الجنوبي عندما صورونا، كنت أتضايق من آلة التصوير، ولكن في الولايات المتحدة وضعوا صورتي وصور الدكتور مصطفى في مركز العلوم، وكان شيئاً جيداً يمثل المسلمين، فعندما ذهبت إلى القطب الشمالي أخذت السجادة واللبس السعودي - والحمد لله - وصلينا على القطب الشمالي؛ وفي تلك اللحظات ألقى القائد كلمة أذيعت على الهواء مباشرة موجهة إلى جميع الدول الأوروبية؛ وأقيم هناك احتفال كبير عزف فيه النشيد الوطني السعودي، ولم أحمل في رحلتي تلك شريط النشيد الوطني، لأن الوقت الَّذي تمت فيه الرحلة كان سريعاً، لم يمكنني فيه أخذ كافة متطلبات الرحلة، ولم أكن أعلم أنني في حاجة إلى شريط النشيد الوطني، وأذكر أنني وقفت أردد قائلاً: رددي للمجد والعلياء، ولا أعلم هل قلتها صحيحة أم لا؟ لقد قمنا بالشيء الكثير من الأمور العلمية في القطب الجنوبي والقطب الشمالي - والحمد لله - وقد تم نشرها في المجلات العلمية المحكمة.
- وفي رحلتنا هذه كنا نمر بالكثير من الجزر التي لم يعطها الاتحاد السوفيتي حقها من الناحية البيئية، فهنالك الكثير من الأعمال غير اللائقة، كإلقاء النفايات، أو المخلفات، أو عدم التصرف في النفايات الموجودة في المحطات؛ وعلى الرغم من أن السفينة التي أقلتنا هي سفينة ذرية، إلاَّ أنها تقف بسبب الجليد وترجع إلى الخلف وتنطلق مرة أخرى لتكسير الجليد بحركة لولبية؛ وفي اليوم الَّذي تم فيه احتفال كبير، أخذ الختم الَّذي استخدم في القطب الشمالي كشعار للقطب الشمالي، ووضعوه في قارورة وألقوها وقالوا: هذا احتفال يقيمه الروس بصفة دائمة في رحلاتهم للمناطق الشمالية؛ وهنالك العديد من المناظر الجميلة التي شاهدناها في القطب الشمالي، وتشابه نوعاً ما كما هو موجود في القطب الجنوبي، فهنالك بعض المناطق المهجورة؛ وقد تبين أن المحطة الروسية التي أقامها الاتحاد السوفيتي لقياس الأرصاد والقياسات الجوية غير صالحة، لذلك بدأ يعمل على إنشاء محطة ثانية.
- فالفكرة من القيام بهذه الرحلات هو إيضاح أن الاستثمار في العلم والعلوم يعطي بغض النظر عن التكلفة المادية مفهومية ومقدرة أكبر على تحليل البيئة حوله، وفي القطب الشمالي رأينا جزيرة اسمها: نونا، تنطلق منها البعثات إلى القطب الشمالي تزلجاً أثناء فصل الشتاء، وفي جزيرة نونا الكثير من الطيور.
 
- لقد قلت في بداية حديثي إنه أثناء رحلة القطب الشمالي حصل الغزو على الكويت، وأحب أن أشارككم - ببعض المعلومات - عن التعاون الدولي العلمي لمعالجة تلوث الخليج؛ فبعد عودتنا من القطب الشمالي وقيام حرب الخليج، حصل تلوث مياه الخليج؛ فكانت فرصة جيدة للمشاركة الدولية العلمية، فشاركنا علمياً ودولياً، وأعتقد أن المجال للمشاركة الدولية والتعاون بين العلماء له الكثير من المجالات؛ وأحسن مثال كان في بقعة الزيت لقد كانت فرصة تلوث بقعة الزيت وتلوث الخليج؛ فرصة جيدة لتطبيق العلوم في مكافحة التلوث ولخدمة الإنسانية، وهذا كان من أهداف البعثتين، ونستطيع أن نقوم بالكثير محلياً.
 
- لقد انحصر الزيت بين جزيرة (أبو علي) ومنطقة المسلمية ودوحة الدُّجى، لقد كان التأثير والضرر كبيرين على منطقة الخليج، وكثير من الطيور نفقت، وكثير من النباتات هلكت، ثم انتقلنا من بقع الزيت إلى حرائق الكويت، وكان المعهد يقوم بالكثير من الدراسات للنظر في التلوث؛ إن البحيرات التي تغطت بالنيران، والليل الَّذي أصبح نهاراً والنهار الَّذي أصبح ليلاً في الكويت ساق سحابة كثيفة من الدخان، قامت مصلحة الأرصاد وحماية البيئة بدراسات مستمرة، وحضر الكثير من العلماء - من الولايات المتحدة ومن أوروبا ومن اليابان - لدراسة الوضع ومساعدتنا، وكانت فرصة جيدة للعمل معهم؛ واستخدمنا فيها الأقمار الصناعية، والنمذجة الرياضية، ومعامل الكيمياء، وما نعرفه عن الجيولوجيا.
 
- إن فرص العمل مع المجتمع الدولي في الناحية العلمية لا يتوقف عند هذا الحد، بل هنالك العديد من السفن التي قامت بدراسة للخليج على مدى تلوثه، وكانوا يجمعون عينات من العوالق الهوائية والبحرية الهائمة، والكثير من الأسماك لمتابعة مدى تلوثها، وعينات من المياه.. مثل الجهاز الَّذي استخدمه الدكتور مصطفى في القطب الجنوبي لمتابعة التلوث؛ على أي حال لقد كانت هذه الرحلة فرصة طيبة لمشاركة اليابان معنا في الناحية العلمية، وللعلماء السعوديين؛ وهنالك العديد من الفرص لعلمائنا السعوديين، ولإخواننا في الجامعات المختلفة المشاركة في المجال العلمي، سواء كان في القطبين أو في الفضاء، أو حتى محلياً؛ وبهذا أختتم هذا الجزء من المحاضرة، وأرجو أن تسامحونا إذا أطلنا عليكم؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2769  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 164 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.