شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار ))
ثم فتح باب الحوار بين المحتفى به والجمهور بسؤال قدمه الأستاذ عبد الحميد الدرهلي قال فيه:
- ما هي توقعاتكم لمستقبل المنطقة بعد إبرام معاهدة الصلح؟ هل ستخلو الساحة العربية الإسرائيلية كي تسيطر على المال والاقتصاد العربي، لما لكم من خبرة ومعرفة في الأصول التكنولوجية والعلاقات الدولية؟ وهل بوسعكم أن توجهوا العالم العربي مع رفقائكم من أجل قيام تكتلات اقتصادية تعمل بإخلاص وتخطط من أجل العمل المشترك عربي عربي لاستقلال أموالهم وموارد بلادهم المائية والمعدنية، تتحاشى سيطرة التقنية اليهودية العالمية؟
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- باعتقادي أن إسرائيل لن تذهب إلى إبرام صلح شامل مع العرب؛ وذلك لأنها لن تتخلى عن ذرة تراب من البلدان التي احتلتها.. باستثناء غزة، غزة منطقة ضيقة وعدد سكانها مخيف جداً - يعني بها كثافة سكانية - أما إسرائيل فلا تستمد قوتها من ذاتيتها ولا حتى من الولايات المتحدة الأمريكية وأصدقائها، بل تستمد قوتها من تشتت العرب ومن ضعفهم؛ فأنا واثق عندما تجتمع كلمة الأمة العربية وتتمحور حول عقيدتها الإسلامية؛ فعندئذٍ لن يبقى لإسرائيل وجود.. ستزول إسرائيل وتكون مثل نبتة صغيرة تحت شجرة باسقة تحجب عنها الشمس.
- فإسرائيل - في الواقع - دولة لا مستقبل لها، مستقبلها مرهون بضعف العرب وضعف العرب مرهون بتشتت كلمتهم وتوزعها؛ وإذا راجعنا التاريخ الإسرائيلي نجد أن اليهود كانوا - دوماً - يعيشون ضد قوانين التاريخ؛ وأعتقد أن أحسن من كتب نقداً لليهود هو كارل ماركس في كتابه: "نقد عجيب لليهودية" فلا إسرائيل ولا اليهودية العالمية لهم ذلك المستقبل، لأنه - كما قلت - إسرائيل تستمد من ضعف العرب قوتها. وفي الوقت الَّذي تقضي فيه الدولة العربية على عوامل ضعفها فلن يعود لإسرائيل قيمة أو وجود.
 
ثم وجه الدكتور محمود الشهابي السؤال التالي:
- قلتم في كتابكم: "تدهور الحضارة الغربية" ما هو آت: يرى شبنجلر أن هذه الحضارة ككل كائن لها طفولتها وشبابها ونضوجها وكهولتها وشيخوختها، وأنها تموت عندما تحقق روحها جميع إمكاناتها الباطنية على هيئة شعوب ولغات ومذاهب دينية وفنون وعلوم ودول؛ وأن الحضارة عندما تحقق هذه الأمور تستنزف إمكانات روحها في تجسيد هذه الإنجازات، تتخشب وتتحول إلى مدينة، وأخيراً تتجاوز المدينة إلى الانحلال والفناء؛ ولم أستطع أن ألمح رأياً خاصاً لسيادتكم حول هذه القضية؛ فهل تذهبون مذهبه وهو قد رأى كما ذكرتم في الصفحة 17 أن تدهور الحضارة الغربية سيجر معه حتماً تدهور الحضارة الإنسانية؟ ولكنه عاد ليؤكد أن هناك روح حضارة جديدة قادمة؛ السؤال هل هناك ظواهر تشير إلى ميلاد حضارة عربية إسلامية تقود العالم مرةً أخرى؟
وأجاب الأستاذ الشيباني على السؤال بقوله:
- في التاريخ عدة أبعاد، منها: البعد اللاهوتي وهو الَّذي اعتمده توينبي، والبعد الميتافيزيقي الَّذي اعتمده هيجل، والبعد البيولوجي الَّذي اعتمده اسبنجلر، وأعني البعد البيولوجي أن كل حضارة لها شبابها وصباها ورجولتها وشيخوختها وهكذا..، لا شك أن الحضارة العربية حالما أفلست وانتهت.. نعم حققت معجزات في التكنولوجيا، ولكن ليست فقط تكنولوجيّاً، القضية هو ربط الإنسان بالكون؛ حتى الآن - مثلاً - نحن مشكلتنا أننا نعيش على كوكب.. هذا الكوكب يدور حول شمس، هو نجم لا يأبه له من مئة ألف مليون شمس، في مجرتنا هذه مئة ألف مليون شمس، ومن أعجب الأشياء أننا سجناء في هذا الكوكب، نحن بحاجة إلى الإفلات من جاذبية الأرض، أقرب نجم إلينا يبعد عنا 4 سنوات ضوئية والسنة الضوئية باعتقادي تساوي 5.8 ترليون ميل تقريباً، وإذا. عرفنا أننا إذا سرنا لا نستطيع أن نتجاوز سرعة الضوء في أي حال من الأحوال، وسرعة الضوء - كما يقول العالم الدانمركي رويمر - هي 300000 كم في الثانية، فنحن لا نستطيع إطلاقاً أن نتجاوزها ولا نستطيع أن نبلغها، لأننا إذا بلغنا سرعة الضوء أصبح المجسم الَّذي نحن فيه كبيراً إلى مالا نهاية؛ ولكن إذا سرنا بسرعة 87% من سرعة الضوء أمضينا عشر سنوات بسفرتنا وعدنا إلى الأرض؛ ويكون قد مضى على الأرض 1000 سنة تماماً، فسنجد أن الَّذين يعيشون عليها أناس غير من نعرفهم.. فنحن فيهم غرباء، وإذا رجعنا إلى الثقوب السوداء التي يقال عنها إنها هي مقابر للنجوم وقوة جاذبيتها فظيعة، والضوء لا يستطيع أن ينفذ منها..، يقال إن في المجرة الأهلينيكية رقم 89 ثقب أسود يعادل 5 آلاف مليون شمس، والعلماء يقولون: إن هذا الثقب الأسود إذا استطعنا أن نتجاوزه.. وهذا لا يمكن بمقاييسنا الحالية، لأننا لا نستطيع أن نبلغ سرعة الضوء، فعندئذٍ سينتهي بنا إلى أكوان أخرى.
- فالإنسانية على هذا الكوكب تجابه تحدياً جديداً كل الجدة.. وهو التعامل مع الكون؛ وأصبح طموح الإنسان أكبر من أن تستوعبه هذه الكرة، ولكي يتعامل مع هذا الكون يجب أن يكون هناك روحانية قادرة على التعامل مع الكون، لأنه حتى الآن ثبت على أن كل أيدلوجية تفتقر إلى روحانية لا يمكن أن تعيش؛ وكل نظام لا يعيش بحمى الدين لا يمكن أن يبقى؛ فالأمة العربية إذا استطاعت أن تستفيد من الإسلام - والإسلام غني ويزخر بكل الفوائد - واستطاعت أن تخرج إلى العالم بنظام عالمي جديد.. فهي ستحل المشكلة، ومن يدري قد يكون انطلاق هذا الحل نوعاً من الانطلاق نحو حل مشاكلنا مع الكون؛ فجيلنا - أو فالإنسانية - اليوم - في الواقع - تجابه تحديات مخيفة، وعليها أن تقبل هذه التحديات وترد عليها، ولا يمكن أن تستطيع الرد على هذه التحديات إلاَّ بالإيمان بالله وبدينه.
 
وتلا الأستاذ عدنان صعيدي سؤالاً من الأستاذ محمد الحسون قال فيه:
- ما هو تعليقكم عن مقولة المفكر الأمريكي برنارد لويس، في وصفه لمستقبل الشرق الأوسط بانهيار القومية العربية، وانتشار مد أصولي سيهدد كافة الدول العربية التي تعثرت نظمها في فترة ما بعد الاستقلال؟
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- أول شيء: لقد كتبت - أنا - رداً على برنارد لويس ونشر هذا الرد في جريدة الرياض، ومن المؤسف أن الَّذي نشر مقال برنارد لويس هو الشرق الأوسط؛ وبرنارد لويس - كما نعلم - يهودي وتحول إلى الصهيونية بعدما هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ والصهيونية العالمية - الآن - التي اعتادت أن تعيش بإخافة الغير من خطر سواها؛ والحقيقة أنه بعد انهيار الشيوعية قامت بتخويف البشر من الإسلام؛ برنارد لويس يقول: "إن العالم العربي ما عاد له وجود والقومية العربية ما عاد لها وجود" نعم القومية العربية - بالمفهوم العلماني الَّذي عرفناه بعد الحرب العالمية الثانية - لم يعد لها وجود؛ وأصبحت الآن العروبة وليس العربية، العروبة المستندة إلى الإسلام هي التي ستعمل وسيكون لها كل وجود.
- جلادستن السياسي البريطاني الشهير في أيام الملكة فكتوريا مسك القرآن ورفعه في مجلس العموم، وقال: "أقول لكم بعد مئة سنة لن يكون لهذا الكتاب أي وجود" فماذا حدث؟ القرآن أخذ يزداد الآن استطراداً وأخذ الناس يزدادون في التمحور حوله.
- وإنني لأتعجب من أولئك الَّذين يتحدثون عن الأصولية، بعض المسلمين يستخدمون كلمة الأصولية ليصفوا بها التطرف، فالإسلام منهم براء، فالإسلام لم ينتشر بالسيف ولا بالحرب؛ فالكاتب الإسباني فالس كيفي قال: "إن الإسلام جاء وبنى مجتمعاً أقامه على الإنسانية" وجوستاف لوبان قال: "لقد كان المسلمون أرأف الفاتحين وأعدل الحاكمين" فأنا واثق أن الأصولية هي الإيمان الحقيقي والإسلام الصحيح، وليس هناك مسلم أصلي ومسلم تقليد.
 
ووجه الأستاذ فؤاد عنقاوي سؤالاً قال فيه:
- إذا تحدثتم عن أرسطو أفاض اللسان، وإذا كتبتم عن ديكارت وجوته غاص القلم في الأعماق؛ ولكني أتساءل - دوماً - هل المنبع الَّذي يصب في الفلسفة الحديثة الغربية كان لابن سينا وابن رشد والفارابي، أم أنها مزيج من الشرق والغرب.
وأجاب الأستاذ أحمد الشيباني قائلاً:
- يؤسفني أن أقول إن العرب لم يوجد لهم فلاسفة من علمائهم، وإنما كانوا ناقلي فلسفة ولم يكونوا مؤلفي فلسفة؛ وابن رشد - في الواقع - نقل فلسفة اليونان بأمانة وأصبح الأستاذ المرجع فيها؛ ابن سيناء - ما في ذلك شك - حاول أن يمزج شيئاً من الفلسفة الفارسية؛ فالفرس لهم نظريات مع الفلسفات التي نقلت عن اليونانية، ولا يجوز أن نقول: إن هناك فيلسوفاً عربياً، لأن الفيلسوف من المعروف أن تكون له نظرية في الكون ونظرية في الأخلاق ونظرية في السياسة، وطبعاً نظرية في المجتمع؛ وفي رأيي مثل مقال الأخ عن العقاد، أن جميع من ذكرهم الأخ فؤاد هم - في الواقع - كانوا مترجمي فلسفة وناقلي أفكار فلسفية.
 
أعقب ذلك سؤال من الدكتور غازي زين عوض الله قال فيه:
- تتعدد المناهج العلمية في دراستنا للنقد الأدبي؛ وأحد هذه المناهج المغترب تفكيكي أو تشريحي فهل الَّذي لا يدرس الظاهرة الأدبية ككل، بل يعمد إلى تجزئتها باحثاً عن مكوناتها منقباً عن مظاهرها، معتمداً على منهج استقرائي؛ يمكن اعتبار منهجه هذا يتوافق مع بيئتنا الأدبية وتراثنا الثقافي في كل مناحي الحياة؟
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- أنا أعتقد أن الفلسفة والأدب كناية عن قضايا تركيبية وليست قضايا تحليلية، ولذلك أعتقد أن أي تشريح لأي نوع من نظرية أدبية - في الواقع - هو قاتل لتلك النظرية وإفقادها الحياة؛ التشريح لا يحدث - حالياً - على جسد حي وإنما يحدث - دوماً - على جسد ميت وما في ذلك شك. إن هذا العمل هو إفلاس الفلسفة الأدبية الأوروبية، الَّذي أخرج لنا البنيوية والتشريحية، وسواهما..
- وأما رأيي في المذاهب الأدبية - ولنأخذ البنيوية - فلا أعتقد أنَّ هناك مذاهب كفرت بالإنسان واحتقرته مثل المذاهب الأدبية.. وخاصة البنيوية، وموت الإنسان هو موت التاريخ، وأعتقد أن الأدب كالفلسفة قضية تركيبية وليست قضية تحليلية؛ وأعني بالقضية التركيبية هو عندما تكون عندك صورة كاملة متكاملة، فإذا حاولت أن تشرحها وتقطع أجزاءها فإنك بذلك تشوهها، وتقضي على مفهوم الصورة ومعناها ومغزاها.
وسأل الأستاذ عبد الله المجددي قائلاً:
- يدعي الكثيرون أن عملية الموازنة بين الإسلام كأيدلوجية وبين سواه من التوجهات الفكرية الضالة - كالحداثة مثلاً - عملية ممكنة، وأنتم من أوائل من رفضوا هذا الادعاء؛ هل لكم أن توضحوا لنا سقوط مثل هذا الادعاء؟
فأجاب الأستاذ أحمد الشيباني على سؤال السائل بقوله:
- الأيدلوجية الإسلامية هي جزء من الإسلام لكنها ليست كل الإسلام، لأن الإسلام كما قلنا دين ودنيا.. دين ونظام؛ ليس لي أي اعتراض على الحديث والحداثة.. فكل حي هو حديث؛ ولكن اعتراضنا أن تفضي بنا الحداثة إلى الإلحاد وهذا ما حدث؛ مثلاً خذ حداثتنا اليوم؛ قلنا: إن الحداثة في أوروبا - في الواقع - كانت نوعاً من العودة إلى الإيمان، فإذا أخذ الرومانتيكية والرمزية والعودة إلى الإيمان.. أحيطت بغموض كثير؛ ثم جاءت الرومانسية والواقعية وضربت الرومانتيكية؛ وجاءت الحداثة التي ولدت من بعدها.. فأخذت كثيراً من مكونات العصر الكلاسيكي - وهو المكون العقلاني الحسي - ومزجته بالغموض؛ وحاولت أن تقدمه لنا حداثة؛ وقام حداثيون كأدونيس - مثلاً - زعيم الحداثيين اليوم، عندما نقرأ كلمة الثابت والمتحول تجد أن أدونيس يخفض كل مالنا من تراث، ويعتبر الخارجين على الإيمان وعلى التراث هم - في الواقع - المبدعين والمجددين، وقسم الناس إلى متبع ومبتدع، المتبع: هو الرجعي الَّذي لا يقوم إلى غيره، ولذلك رأينا أن الحداثة - الآن - عندما صعدت الصحوة الإسلامية انخفضت الحداثة ولم يبق لها وجود، لأنها مزجت غموض الرومانتيكية والرمزية مع مادية الكلاسيكية، مع حسية القرن التاسع عشر.. فجاء خليط - في الواقع - عجيب.
وتوجه الأستاذ هشام عبد الرحمن بدوي بسؤال قال فيه:
- نلمح في واقعنا العربي الَّذي عاد إليه منذ سنة ونصف تقريباً ما يدعو إلى مزيد من الخوف على مستقبل السنوات القريبة القادمة؛ ونرجو توضيح تصوركم المستقبلي للأمة العربية الإسلامية بإيجاز؟
وأجاب المحتفى به على السؤال قائلاً:
- إن الأمة العربية في خير والمستقبل - أنا - متفائل به؛ تصور الأمة العربية من معركة صفين عندما تحولت الخلافة إلى قيصرية بيزنطية على يد معاوية، وعندما طغت مطامح الدنيا على هذه الأمة، ومن ثم عندما تحولت الخلافة إلى كسراوية في العصور العباسية، وعندما جاءت الشعوبية والباطنية الشعوبية لضرب العنصر العربي والباطنية لضرب الإسلام؛ وهذا منذ 1300 سنة، واليوم تشهد انبعاث الأمة العربية من جديد، هذا الانبعاث فيه كثير من الخروج على مقتضيات العقل، ولكني واثق من أنه لا خوف على الأمة العربية إذا استمسكت بدينها.
 
ثم سأل الأستاذ محمد منصور الشامي الضيف قائلاً:
- تتجه السياسة العربية - حالياً - نحو الصلح مع اليهود، وهذا الصلح وراءه مخاطر تفوق مخاطر الحرب مع هذا العدو؛ وأرجو أن نسمع رأي الأستاذ الكبير أحمد الشيباني في هذا الأمر الجلل؟
وأجاب الضيف قائلاً:
- موقفنا مع إسرائيل مضحك؛ كنا من قبل نقول لن نجلس مع اليهود على طاولة واحدة ولن نتحادث معهم؛ ولكن بعض الوفود العربية جلست وتفاوضت مع الوفد الإسرائيلي؛ وقلنا من قبل إننا سنلقي بها في البحر ولن نفاوضها، والآن نسعى للمفاوضة والمصالحة معها؛ نحن لا نشك أن إسرائيل هي مرتكز للرأسمالية الصهيونية العالمية، وبقاؤنا في حالة من التخلف يعني إبقاءها سوقاً لها ولسواها؛ ولكننا نستطيع أن نفوت على إسرائيل أحلامها إذا استطعنا أن نقضي على عامل الضعف فينا. فعلينا أن نبني البنية التحتية للوحدة أما إذا بقينا على هذه الحال فلا أعرف إلى أين النهاية؟ وفي رأيي أن على العرب أن يتغلبوا على عوامل الضعف، وعامل الضعف الأساسي هو الانقسام؛ وقضية الوحدة ينبغي أن تؤجل لنبني البنية التحتية للوحدة، وهي سوق عربية واحدة.. اقتصاد عربي إذا أمكن حرية الانتقال بين الأشخاص ورؤوس الأموال؛ إذا استطعنا أن نبني هذا الشيء - في البداية - فذلك هو الأفضل.
 
وقدم فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني السؤال التالي:
- أحب أن أسمع رأيكم الصريح الواضح حول ما يسمى بالشعر الحداثي، هل هو تجديد لمسيرة شعرنا العربي وابتكار لرفع مكانة الشعر، أم هو غارة على لغة الضاد لغة القرآن، بقصد إبعاد شبابنا عن فهم كتاب الله الَّذي كان الشعر العربي الأصيل هو الأساس لفهم آيات كتاب الله المجيد، كما قال الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): "تعهَّدوا دواوين شعر العرب فإن فيها تفسيراً لكتاب ربكم" أرجو التكرم من سيادتكم ببيان رأيكم الصريح حول الشعر الحداثي المحدث، مع أطيب التحية؟
 
وأجاب الأستاذ أحمد الشيباني قائلاً:
- أنا شخصياً لا أستسيغ الحداثة وشعرها، ولكن في الشعر الحداثي شيء جديد وهو أنك تستطيع أن تقرأه من فوق لتحت ومن تحت لفوق، وتستطيع أن تسقط منه سطرين أو ثلاثة أو أربعة أو سطراً واحداً؛ أنا حاولت أن أفهم قصائد أدونيس لكنني ما استطعت؛ في اعتقادي أنَّه هو - أيضاً - لا يفهم معناها، لكن - كما قلت - ميزته أنك تقرؤه بالطول وبالعرض تحذف ما تشاء متى تشاء.. وما هكذا يُعرف الشعر؛ فبحور الشعر هي أوتار النفس العربية التي تطرب لها؛ لقد وقعت بيدي قصيدة حداثية لامرأة لا أدري أكانت أم لا تزال آنسة؟ فإذا كانت آنسة فأنصحها بالزواج بسرعة؛ لقد حاولت أن تسربل قصيدتها بالغموض فإذا بفرويد يرتاع منها؛ وقد كتبت عنها مقالاً ولكن يبدو أن رئيس تحرير الصحيفة رحمها فما نشرها؛ أنا لا أستطيع أن أفهم الشعر الحداثي.
 
ثم قدم الأستاذ أمين عبد السلام الوصابي السؤال التالي:
- هل البنيوية وما يماثلها من التشريحية والسملوجية والتفكيكية والأستوبية مذاهب نقدية أو إبداعية؟ وهل تتعامل مع النص الأدبي مثلما تتعامل معه المدارس الأخرى كالسريالية والرومانتيكية؟ وباعتبار الأستاذ أحمد الشيباني أحد الفلاسفة في وطننا العربي ما هي نظريتكم الفلسفية للأدب العربي؟
وأجاب الأستاذ الشيباني فقال:
- في رأيي أنه يجب ألاَّ نسجن الأدب في حذاء صيني بل نترك للشعر عفويته؛ فكلمة شعر جاءت من الشعور وليس للعقول ارتباط بالشعر؛ والفردويموسية لا تلقي بالاً إلى العقل؛ الحركة الرومانتيكية - في الواقع - ثورة كلية على العقل؛ وعلى هذا خذ البنيوية لا وجود للإنسان فيها ولا قيمة للإنسان إطلاقاً؛ ولقد كتبت عنها بعض ملاحظات عجيبة، فالبنيوية وأمثالها اتكالية في المذاهب الأدبية لم يكتب لها الاستمرار؛ فالبنيوية عاشت عشر سنوات فقط.
 
وسأل الأستاذ عبد الإله جدع قائلاً:
- ألا تتفقون معي يا سيدي أننا نعيش زمنا يخطط فيه الغرب لنا تخطيطاً غير تقليدي؛ تخلص فيه من حربه أو استعماره المباشر إلى بثّ روح الحرب أو الفرقة الإقليمية والحزبية؛ وبعضنا أخذ يحقق وبكل براعة أهداف الغرب معتمداً على تحليلات؟ ولعلنا نقول: إن المستقبل ينذر بالدمار إن لم تفطن الأمة إلى خطر ما يروج له من أفكار تستعدي العربي على العربي والمسلم على المسلم؛ فما رأيكم؟
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- لا شك أن الغرب ما كان يوماً ما صديقاً للأمة العربية ولن يكون صديقاً للأمة العربية، ولا يمكن أن ننتظر أي خير من الغرب؛ ولكن علينا أن نفهم شيئاً أساسياً هو أن كل قوة لا تنبع من ذاتنا كعرب مسلمين لن يكون مردودها خيراً على الناس، لذلك علينا أن نبني قوتنا الذاتية، الخطوة الأولى في بنائها هي: القضاء على الانقسام في العالم العربي، فلا جدوى ترتجى من هذا الانقسام القائم في العالم العربي، إن علينا أن نبني البنية التحتية للوحدة، فالعالم العربي بثرواته ومساحته وعدد سكانه..، مؤهل ليكون.. لا أقول دولة عظمى، ولكن أقول دولة كبرى على الأقل.
 
وتقدم الأستاذ أحمد عائل فقيه بسؤال قال فيه:
- بالرغم من العمق المعرفي والفلسفي، إلاَّ أن الأستاذ أحمد الشيباني يحاول أن يوظف معرفته أو فلسفته لتمرير قناعته الشخصية، مما جعله يتحول إلى خطاب شخصي أكثر مما هو خطاب علمي أكثر حيادية ومنهجية؛ ثم ما يلبث هذا الخطاب أن يصبح خطاباً سلطاوياً، وهذا ما يجعل هجومه على الحداثة يفتقد العلمية التي ذكرتها آنفاً؛ هل يمكن أن نسمع منه غير هذا الخطاب؟
 
وأجاب الأستاذ الشيباني قائلاً:
- يا أخي فقيه أنا أعرفك تماماً، أعرف إلى أي مدرسة تنتمي وانتماؤك هذا فيه كثير من المكابرة أكثر من القناعة؛ أنا شخصياً ما عندي أي واقع شخصي، لقد بلغت من السن عتياً. فليس عندي طموح في شهرة أو مال أو منصب..، وكل طموحي - الآن - أن أنتقل من غرفة نومي إلى مكتبي، وأن أزور بعض أصدقائي، مثل: إياد مدني؛ هذا كل طموحي؛ وما هنالك شيء يدعوني لأتحامل على الآخرين وليس لي هدف شخصي أو فائدة شخصية تجعلني أحمل على الحداثة، فأنا لا أرفض الحداثة إلاَّ إذا اصطدمت بديني أو مست روحانية أمتي، أو حاولت أن تنشر الضباب أمام رؤيا قادة الأمة وجماهيرها؛ وأكثر الشعر الحداثي الثابت والمتحول يحمل في طياته الشتيمة للعرب والشتيمة للإسلام؛ وليقرأ كل منكم الثابت والمتحول - ثلاثة أجزاء - لشيخ الحداثيين أدونيس؛ وأنا حينما تصديت للحداثيين إنما تصديت عن إيمان وقناعة، وبعد دراسة ومحاكمة وجدانية وعقلية، دون أن أسعى إلى تحقيق هدف أو غاية، وسوى أن أدافع - مؤمناً - بأن في استطاعة الأمة العربية - إذا أرادت - أن تبعث من جديد؛ فليس من سبيل أمامها إلاَّ العودة إلى منابعها الأولى وهي الإسلام، وما تبقى فلا ضير سواء كتبت الشعر بالطول أو بالعرض. فليس مهماً؛ إنما المهم ألاَّ تمس هذه القوة الديناميكية الرائعة، التي توظف عليها كل آمالنا.. وهو الإسلام.
 
وسأل الأستاذ محمد سعيد بابصيل سؤالاً قال فيه:
- لكل الثورات فكر - أقصد الثورات العربية المحيطة بنا - لماذا تتهاوى الثورات وتسرع إلى الحضيض لتدفن نفسها ضياعاً، ومهما قصر أو طال عمرها؟
وأجاب الأستاذ الشيباني قائلاً:
- في الواقع ليس لها فكر، وإنما تقوم وترفع شعار حل مشاكل المجتمع؛ ولكن إلى أين تنتهي إلى حل مشاكل قوادها وثوارها؟ لذلك لن تبقى.. لأنها حركة انفعالية مهمتها الهدم؛ فأدونيس - مثلاً - يقول: "كل شاعر مبدع هو شاعر هدام" ولكن المنهج السليم هو قبل أن تقدم على الهدم يجب أن يكون لديك المخطط للبناء، ولتكن لديك الدراسة لهذا البناء؛ لقد كانت الثورات في عالمنا العربي عامل تعطيل للموكب العربي وللركب العربي، وللأمة العربية؛ لنترك للزهور أن تتفتح لنترك للإنسان أن يعمل، نحن في هذه المرحلة في حاجة لآدم سميث ولسنا بحاجة إلى كارل ماركس؛ نحن في حاجة للطاقات البشرية الموجودة في عالمنا الإسلامي والعربي أن تعطي وتبنى.
 
وتقدم الأستاذ ممدوح عزب بسؤال قال فيه:
- ما رأي سيادتكم في أن بعض المفكرين يعزون ما تمر به الأمة العربية من ضعف - في بعض الأوقات - أنه نتيجة لعيوب فيها وفي تكوينها، وفي شخصية شعوبها؛ بينما البعض الآخر يعتبر أن هذا الضعف ناشئ من تدبير الغرب، وأن كل مشكلة عربية سببها هدف غربي، أو مطمع استعماري من تدبير الغرب؟
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- نعم مشكلتنا - نحن - أن أي مشكلة أو ضربة نتلقاها قبل أن نفتش عن أسبابها داخلنا نفتش عن أسبابها خارجنا؛ أنا واثق أن الشعوب العربية في حالة سليمة كلياً، ولكن ظروفاً معينة لا تترك لها أن تمارس عملها، نعم فلا تترك لها حرية ممارسة عملها؛ وليس في الشعوب العربية عيب أبداً، والعربي من بعد انهيار الدولة الأموية لم يعد له وجود في الدولة العباسية، حتى في الدولة الأموية أخذت بوادر الفتن تتغلغل في كيان الأمة العربية، فظهر التعصب العشائري؛ وعندما ضعف أو انحسر الإسلام من الساحة وعادت العشائرية، استطاع غير العرب أن يتولوا زمام الأمور وراح العرب ضحية كلمة حق أريد بها باطل، وهي ما كان يردده الطامعون في حكم العرب حينما كانوا يطلقون عبارة: "لا فرق بين عربي وعجمي إلاَّ بالتقوى" وما ذلك إلاَّ تخطيط مبيت للقضاء على العرب، والدليل أن تلك الأجناس لم تندمج في الأمة العربية، بل ظلت متمسكة بلغاتها وتقاليدها وأعرافها؛ فالشعوب العربية ليس فيها عيب، وإنما العيب يصيبها ممن يحاول غزوها.
 
وقدم الأستاذ صالح متعب الغامدي سؤالاً قال فيه:
- هل كُتَّاب الحداثة كتبوا ما كتبوا للهروب من الواقع؛ والبحث عن البعيد من الأفكار الغريبة؟
وأجاب الأستاذ أحمد الشيباني قائلاً:
- في رأيي أن معظم كُتَّاب الحداثة كتبوا بغية الشهرة فأخذوا يشهِّرون بتراث أمتهم، إنهم يكتبون عن قناعة وليست قضية هروب؛ إنه شيء جديد ولكل جديد طراوة، ولقد أرادوا أن يظهروا أن عندهم جديداً.
 
 
السؤال الأخير قدمه الدكتور محمود حسن زيني من جامعة أم القرى قال فيه:
- يرى بعض المتطفلين على الفكر والفلسفة في عالمنا العربي بعد سقوط الشيوعية، أن بروز القوة الإسلامية الكبرى غير ممكن؛ ويزعمون أن سلطان الثقافة الحديثة في الغرب والاتصالات ستتيح للتعددية الفكرية العلمانية فرصة السيادة المستقبلة، نظراً - في زعمهم - للضعف الشديد للعقلية العربية - ويقصدون الإسلامية واختفاء الهوية الإسلامية - فما رأي مفكرنا وفيلسوفنا الأستاذ أحمد الشيباني؟
 
وأجاب المحتفى به على سؤال السائل بقوله:
- فيما يتعلق بتجسد القوة الإسلامية الكبرى، فبحكم التاريخ وبحكم الفراغ العقائدي ستتجسد حتماً، وتجسدها ما فيه شك، أنا برأيي يبدأ بانطلاقة رائعة في حال القضاء على الانقسامات أو عوامل الضعف في الأمة العربية، وعندما نقضي على عوامل الضعف في الأمة العربية، عندئذٍ ستتجسد القوة الإسلامية الكبرى؛ أما فيما يتعلق بالتعددية العلمانية؛ فالعلمانية لم يعد لها - الآن - وجود.. العلمانية الحسية التي فهمناها وعرفناها في القرن التاسع عشر؛ أما إذا كنا نفهم بالتعددية هو وجود التيارات ليست المتضاربة بل المتحاورة، فهذا سيتم دون أن يكون هناك استناد إلى علمانية؛ سيكون هناك استناد إلى لاهوتية دينية، وهذا ممكن أيضاً.
 
- خذ - مثلاً - تاومبي، هذا الرجل الَّذي أفنى حياته على دراسة تاريخ البشرية، وانتهى إلى القول بالإيمان بالله، وانتهى إلى القول بأن الحضارة الغربية لا يمكن إلاَّ أن تنتهي وتسقط إلاَّ بشرط واحد؛ وهو الأخلاقية الدينية التي تستطيع أن تنقذها من السقوط ومن الرهبة؛ هذا ما قاله تاومبي، فليس من شك أن الطريق وعر وصعب أمامنا، ولكن - برأيي - إن علينا أن نبدأ بالتغلب على عوامل الضعف داخل أمتنا، فإذا استطعنا التغلب عليها عندئذٍ لن تكون هناك قوة تستطيع أن تقف حائلاً بين تجسد القوة الإسلامية وبين النظام العالمي، وما علينا إلاَّ أن نقضي على الانقسام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :531  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج