شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الطيب صالح ))
ثم أعطيت الكلمة للضيف الطيب الصالح فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
- تحت هذه السماء الجميلة الرحيمة وفي هذه الدار الجميلة المتحضرة التي يتضح أنها بنيت بذوق رفيع، وفي هذا الطقس الَّذي لم أعرف مثله لا في الشرق ولا في الغرب في اعتداله؛ فكنت أحب أن لا يزداد عليّ الهم بكل هذا الثناء الَّذي كيل لي؛ يقول الناس دائماً إن فلاناً أغرق بالثناء؛ أنتم قتلتموني قتلاً.. أنا قتلت قتلاً في هذا المساء، قتلاً متحضراً طبعاً وقتلاً مليئاً بالحب.
- وأولاً: لا بد لي أن أشكر معالي الشيخ عبد المقصود خوجه على أنه ظن أن شخصي الضعيف يستحق كل هذا الاهتمام، وأشكره - أيضاً - لما سمعت عنه من احتفائه بأهل الأدب والفكر والثقافة؛. إن رجلاً كعبد المقصود يجد من وقته وطاقته أن يعتني بأهل الفكر والأدب في العالم العربي لشيء جميل حقيقة في العالم العربي بالذات، لأن المفكر والأديب والشاعر مخلوق في نهاية الأمر ضعيف مهما قيل عنه، وإلى حد كبير تكفيه الكلمة الطيبة؛ ولقد سمعت أكثر من كلمة طيبة، وأنا أحس في هذا الجو بمحبة شديدة في كل ما قيل عني، وأنا لا أستحقه.
- هذه أول مرة في حياتي أسمع قصائد شعر تقال في شخصي الضعيف، وهي قصائد جميلة.. وأشكر الَّذين قالوها؛ وأنا حين أقول إني لا أستحق … صدقوني أنني أتمنى ذلك لأنه ليس تواضعاً مزيفاً بل هو إحساس صادق، وإنني لأدهش حين يطلب مني الناس أن أتحدث لأني لا أجد شيئاً جديداً أقوله؛ لقد كتبت أشياء لكن لا أحس بأن لي حكمة أمتاز بها عن بقية خلق الله، وقد عشت في بيئة في قرية من قرى شمال السودان، كنت أظن كل الناس أكثر حكمة مني، أهلي.. أعمامي.. أخوالي.. أبناء عمي الَّذين ننتمي إلى بيئة زراعية وجزء من أهلي رجال دين وعلم، ظللت أحس هذا وأنا أتعلم هذا التعليم المدني، ففي كل زيارة لأهلي أشعر والله أن أي مزارع في هذا البلد أكثر حكمة مني، ولذلك ظللت أسير في الدنيا بهذا الإحساس.
- أذكر حين صدرت: "موسم الهجرة إلى الشمال" كنت أعمل في وزارة الإعلام السودانية، فجاء عم من أعمامي لزيارتنا وسمع في المذياع عن الرواية..، فحين عدت إلى المنزل قال لي: يا أخي - إن شاء الله خير - ما هي الحكاية التي سمعت بعض الإخوة يتحدثون عنها، وقد قالوا في بعض ما قالوا: إن الطيب صالح قال: إن هناك رجلاً قتل زوجته وآخر أدخلوه السجن، فما هي المشكلة؟ أصبحت الرواية بالنسبة إليه مشكلة؛ فكان كل ما أعتقد أنني أصبحت شيئاً والإنسان - طبعاً - مليء بالغرور والخيلاء.. ولا أبرىء نفسي. أتذكر الناس الَّذين جئت منهم.
- أنا أشكر كل الإخوة الَّذين تفضلوا بإكرامي بكلامهم الجميل عني، وهو كلام مخلص أنا أقبله على أنه مخلص ومليء بالحب، أشكر السيد صاحب الدار المستضيف، وأتمنى له مزيداً من الخير والنعمة، ومزيداً من الدعم للأدب والأدباء والفكر والمفكرين؛ وأشكر صديقي الأستاذ إياد الَّذي أعجبني بكلماته التي وضع فيها يده على جملة مفتاح في عمل: (جُوَّا البيت) عمل لا يُذكر كثيراً حين قال على لسان واحد اسمه سعيد عش البايتات: وعش البايتات الجوى، هو الفتى الَّذي يحمي العشيرة، وهو شخصية لا ينطبق عليها الوصف فتحول إلى مؤذن، وكان صوته قبيحاً فأصبح مؤذناً.
- ولعلي وضعت شيئاً من نفسي فيه لأنني لا أحمل مؤهلات وبقيت كاتباً؛ سبحان الله... فقال لما طلع المئذنة قال: يا إخوان طلع الصوت ما هو صوتي، صوت ملآن بالأحزان، وناديت للغياب والحضور، للمهزومين والمكسورين، للصاحين والسكرانين، للمسلمين والنصارى.. ومن الغريب أن هذه الرواية لم تسبب لي ما سببت لي رواية "موسم الهجرة" من المشاكل.
- وقد كنت في أزمة فنية، لما وصلت إلى هذه اليقظة.. انفتح الباب ومشينا، وأنا أشكره على كلمته الجميلة المحبة، وقد سألني أسئلة كثيرة لعلي أجد الوقت الكافي خلال هذه الأمسية التي أتوقع أنها ستكون كلاماً في كلام.
- وأحب أتكلم عن أحمد مختار إمبو صديقي وابني، أظن أستطيع أن أسميه ابني بحكم السن، أنا بالمناسبة جاوزت الستين بقليل وأظن أنكم في المناسبات لا تتحدثون عن أعمار الأشخاص الَّذين تجاوزوا الخمسين.
- وأشكر الدكتور المعطاني على ما تفضل به نحوي، وبهذه المناسبة أنا لم أغضب من الدكتور منذر العياشي لأني ظننت أنني فهمت ما يقصد، فهو لم يرد سوءاً لكن أعتقد أنه لم يقل إلاَّ ما يراه صحيحاً،. ولقد التزمت الصمت امتثالاً لقول الله تعالى: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.
- ولعل الدكتور أراد أن يمتحن سعة صدري، وأرجو ألاَّ أكون فشلت في الامتحان لأني لم أغضب، الشيء الثاني هو محق إلى حد ما بحكم وجهة النظر، بحكم الزاوية التي ينظر فيها إلى الأدب أن يفعل ما فعل؛ على أي حال أنا متأكد بأنه لم يرد سوءاً ولم ينو شراً، وعلى أي حال فقد اعتمرت والحمد لله وليس في نفسي أي شر.
- وأنا أشكر الأخ مشغل السديري على كلمته الجميلة التي كانت مليئة بالحب، وقال فيها جملة أعجبتني عندما قال: أنه يغرق في طين أرضه كي يكون سماداً لها؛ هذا أجمل مما كتبته؛ يا ليتني كنت عرفتها قبل.. إنها جملة جميلة جداً.
- وهذا الشاب المتوهج عبد الله نور - أيضاً - قابلته في الرياض العام الماضي.. وأنا محب للشعر حقيقة؛ إذا أحببت الشعر أحاول أن أحفظه وأرويه؛ وأحب الناس الَّذين يحتفون بالشعر، وعندي من معاييري في الناس إذا تعرفت إلى شخص ووجدت أنه غير محب للشعر فأنزل صحبته؛ حتى النساء إذا لم تكن محبة للشعر - سواء أكانت أوروبية أو عربية - فأبتعد عنها وما أظن فيها فائدة ولا خيراً.
- وكذلك أشكر الأخ فؤاد عنقاوي، وأشكر الأخ محمد علي قدس الَّذي أغدق عليَّ كثيراً من اللطف والعطف منذ أن حللت هذه البلاد، وأشكر الأخ الشريف منصور بن سلطان، والشاعر أحمد باعطب.. أحمد باعطب قصيدته توحي بأنه تعرف على عرس الزين؛ الزين كان يقول أنا مقتول في دار فلان.. أخونا أحمد باعطب يظهر عليه أنه مقتول في أم درمان الصراحة وأشكره على قصيدته الجميلة؛ ثم الأبيات الجميلة من الدكتور زاهد زهدي.
- مثل هذا الاحتفاء.. أكيد أنه يثلج صدر الكاتب والأديب والمفكر؛ لأنه العملية التي تتم في عزلة وفي وحشة.. فمثل هذا يزيل الوحشة، حتى النقد أنا أؤمن بأن النقد يجب أن يقوم على الحب وعلى المحبة، لأني أؤمن بأنه لا يوجد نقد موضوعي بالمعنى المطلق..، ويعجبني جداً في التراث العربي الشعر والأدباء الَّذين يتحيزون - ينحازون - بوضوح إلى شاعر؛ يعني انحياز أبي العلاء إلى أبي الطيب شيء مؤثر غاية التأثير؛ وانحياز ابن جني للمتنبيّ كذلك لابد كل إنسان يحب شيئاً ويحب أن ينوه به وينقل هذا الحب إلى بقية خلق الله، وطبعاً كلمة المحبة كلمة تبدو مكرورة ومعادة، ولكن أحس بأنه يجب أن نصر عليها؛ أنا يخيفني الناس الواثقون من آرائهم أنا وكلما يتقدم بي العمر أحس بأني لا أدري، ولذلك لما أقابل أناساً متأكدين وواثقين من آرائهم أخاف.
- سألت مرة صديقاً سودانياً كان عضو اللجنة التنفيذية للحزب الشيوعي السوداني بعد انقلاب محاولة انقلاب هاشم العطاء، وكان وزيراً وانتهى به الأمر أنه خرج من الوزارة - قلت له: يا أخي هل خطر في بالك الكلام أنكم قد تكونون مخطئين؟ قال أبداً إطلاقاً فإذا كان هناك شخص واثق إلى هذه الدرجة من جميع عناصر الزمان والمكان والاحتمالات، فإني أرى في ذلك منتهى الغرابة، وعلى ذلك يكون هدفنا أن يفني بعضنا بعضاً وتسود فئة على فئات أخرى؛ وإلى يومنا هذا نرى آراء تصطرع كل رأي يريد أن يكون هو السائد، وكان الأجدر بنا أن نبحث عن وسائل للتعرف والتعايش بعضنا مع بعض، ولذلك أنا أدعو باستمرار برغم أن هذه الدعوة تقتضي مني ربما نوعاً من الكمال الشخصي الَّذي أفتقده.
وفي أحد أعمالي وأقصد به "مريود" وهو عمل أحبه فيه رجل اسمه: الطاهر ولد الرواس، الطاهر ولد الرواس هذا لا يهتم بالصلاة، ولكنه كان رجلاً فاضلاً في سلوكه وفي طاقته، ويقول: "إن الله يغفر الذنوب جميعاً إذا أتاه عبده لا يشرك به شيئاً"، ولكنه قالها بهلجة عامية حيث قال: يأتي الناس يوم القيامة شايلين صلاتهم وزكاتهم وحججهم وركوعهم وسجودهم، أقول يا ذا الجلال والجبروت عبدك الطاهر ولد الرواس ولد حواء بنت العريبي، يقف بين يدي جلالك ما عنده شيء يضعه في ميزان عدلك سوى محبتك ومحبة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ولعل الله (سبحانه وتعالى) يغفر له ويسامحه" لذلك لا ندري لم التزمت ولم التشدد ولم تعذيب بعضنا بعضنا؟ وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأشكركم على احتفائكم بي وعلى حسن ظنكم بي.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :596  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 100 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج