ـ وكانت لحظات ضاعت فيها معالم نفسي.. وتبددت بين أجنحة اليأس السوداء، بل وفقدتها في الظلام.. ظلام واقع الحياة المر، حين تناهى إلى مسامعي خبر ((الفجيعة))..
وكان ظلام اليأس أكبر من بصيص الآمالي.. وكانت الأحزان واللوعة أكبر من كل فرحة عرفتها.. وكان شفق المغيب في نفسي يلف مشرق الشمس فيها..
لقد سقط من كبد الحياة، وهو في عنفوانها. سقط من كبد السماء كنسر جريح.. سقط من بين السحب.. فلقد كان جارها علواً وارتفاعاً بخلقه ومسلكه الفريدين.. وتركها وفي النفس آمال نحو بلاده ووطنه.. تركها وفي القلب أماني نحو أمته وأبناء جلدته.. تركها وفي العين تطلعات نحو غد أفضل وأسعد.. تركها لنفتقد فيه الأب والأخ والصديق الحبيب..
لست أرثيه.. ولست أبكيه.. ولو أنني أردت شيئاً من ذلك لما كان يكفي أن أكتب هذه السطور بمداد من دمي، فلا شيء يعوضنا عنه.. لا شيء..
لقد مات.. وهذا هو ((اليقين)).. مات جسداً، لكنه سيظل باقياً.. سيبقى محمد فدا في عقل كل من عرفه.. وفي قلب كل من جالسه.. وفي عين كل من سار معه خطوات على درب الصداقة والوفاء والحب..
وسيبقى الحنين إليه.. وهجاً في نفسي، لن ينطفئ إلاّ لحظة الرحيل إليه، ويكفي أن أقول إن البلاد قد فقدت رجلاً من رجالاتها.. فلقد هزمت الأحزان كل شيء في نفسي.. كل شيء..